الأحد 20 أبريل 2025
شهدت الطائرات دون طيار تطورًا ملحوظاً في العقود الأخيرة، مما جعلها عنصرًا أساسيًا في الحروب المعاصرة، وأداةً استراتيجية في إدارة النزاعات. مع مطلع القرن الحادي والعشرين، برز دور المسيّرات في النزاعات بالقرن الأفريقي، ولم تقتصر على الجيوش النظامية فحسب، بل أصبحت أيضًا أداة متنامية في ترسانة الجماعات المسلحة، حيث باتت التكنولوجيا العسكرية تلعب دورًا محوريًا في تغيير موازين القوى، وإعادة رسم المشهد العسكري في القرن الأفريقي.
أصدر الرئيس الأمريكي ترامب، مطلع الشهر الجاري (فبراير/ شباط)، أمرًا بشن ضربات جوية دقيقة ضد تنظيم داعش في الصومال. وأوضح الجيش الأمريكي أنه أمضى سنوات في جمع المعلومات الاستخباراتية، حيث لعبت الطائرات المسيرة دورًا محوريًا في هذه العملية، وذلك للمرة الأولى في ولايته الرئاسية الثانية
نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، شنّت جيبوتي غارة جوية بطائرة مسيّرة على الحدود الجيبوتية الإثيوبية، مستهدفة مقاتلي حركة "فرود"، المعارضة للحكومة الجيبوتية والمدعومة من أديس أبابا. وحتى الآن، لم يصدر أي رد رسمي من إثيوبيا بشأن هذه العملية، إلا أنها أدت إلى تصاعد التوترات مجددًا بين البلدين.
بداية عام 2022، أكد وزير الداخلية الصومالي، أن الطائرات المسيّرة التركية بدأت المشاركة في العمليات العسكرية ضد مقاتلي حركة الشباب الصومالية، وذلك بعد وصولها إلى الصومال في ديسمبر/ كانون الأول 2021. وذكرت صحيفة العربي الجديد في تقرير لها أن الطائرات المسيّرة، التي يحصل عليها الجيش الصومالي من تركيا والولايات المتحدة، تمنحه تفوقًا عسكريًا في مواجهة حركة الشباب الصومالية. في المقابل، اتّهمت الأمم المتحدة تركيا بانتهاك حظر الأسلحة.
بين عامي 2017 و2021، وخلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، نفذت واشنطن العديد من الغارات الجوية بالطائرات المسيرة ضد حركة الشباب الصومالية. وعلى الرغم من قرار ترامب في نهاية ولايته سحب القوات الأمريكية من الصومال، استمرت المسيرات في تنفيذ الغارات انطلاقًا من القواعد الأمريكية في جيبوتي، مستهدفة مواقع داخل الأراضي الصومالية.
في عام 2015، قتلت القوات الأمريكية عدنان جرار بطائرة مسيّرة، تلتها عدة هجمات جوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 150 مسلحًا من حركة الشباب الصومالية، وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية. رغم الوجود العسكري المحدود للقوات الأمريكية في الصومال، فإن المسيّرات أثبتت الطائرات قدرتها على تحقيق الأهداف بدقة عالية.
منذ اندلاع الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، كان تعزيز النفوذ الجيوسياسي في القرن الأفريقي هدفًا رئيسيًا لإيران، وظل الهدف قائمًا رغم مرور السنوات. وبالمثل، تسعى تركيا إلى تحقيق طموحات إقليمية مماثلة. وفي سبيل تعزيز نفوذهما في المنطقة، تبنّت كل من إيران وتركيا العديد من السياسات، كان أبرزها "دبلوماسية الطائرات المسيرة"، التي لعبت دورًا محوريًا في الصراعات الإقليمية.
نفذت واشنطن العديد من الغارات الجوية بالطائرات المسيرة ضد حركة الشباب الصومالية. وعلى الرغم من قرار ترامب في نهاية ولايته سحب القوات الأمريكية من الصومال، استمرت المسيرات في تنفيذ الغارات انطلاقًا من القواعد الأمريكية في جيبوتي، مستهدفة مواقع داخل الأراضي الصومالية.
نجا قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من محاولة اغتيال، في عمق الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة السودانية، في يوليو/ تموز 2024، استهدفته بطائرة مسيّرة نفذتها قوات الدعم السريع. جاءت هذه المحاولة في إطار سعي قوات الدعم السريع لتوسيع نطاق الحرب، وصولًا إلى شرق البلاد. وفي تحقيق أجرته هيئة BBC، رأت أن الطائرات المسيّرة التي حصل عليها الطرفان من إيران والإمارات لعبت دورًا بارزًا في تغيير مسار الحرب.
اندلعت الحرب السودانية في أبريل/ نيسان 2023، حيث احتفظت القوات المسلحة السودانية بالتفوق الجوي، بينما فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على الأرض. وفي يونيو/ حزيران من العام نفسه، تمكنت قوات الدعم السريع من الاستيلاء على مصنع اليرموك للصناعات العسكرية التابع للقوات المسلحة. ومع مرور الوقت، بدأت قوات الدعم السريع في استخدام الطائرات المسيّرة بشكل متزايد، ما مكّنها من توسيع نطاق عملياتها والوصول إلى مناطق جديدة، مما ساهم في استمرار الصراع حتى اليوم.
استؤنفت العلاقات السودانية-الإيرانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية، أعقبها دعم عسكري إيراني شمل أحدث الأسلحة، أبرزها الطائرة المسيّرة "مهاجر 6". هذا الدعم عزز موقف الجيش السوداني في الصراع على حساب قوات الدعم السريع، مما أعاد ترتيب موازين القوى. وأكدت وكالة بلومبرغ أن هذا التقارب جاء في إطار سعي طهران لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر، في ظل التنافس المتزايد مع تركيا والصين وروسيا.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها أن الإمارات دعمت قوات الدعم السريع بالطائرات المسيرة خلال حربها ضد القوات المسلحة السودانية، معتقدة أن انتصارها سيعزز نفوذها في المنطقة. تأتي هذه الخطوة ضمن مساعي الإمارات لترسيخ دورها بوصفها قوة إقليمية في القرن الأفريقي، في ظل التوتر بين إيران ودول الخليج العربي. وأشار التقرير إلى أن الإمارات تنفذ هذه التحركات بسرية، مستخدمة منظمات إغاثية دولية كغطاء لأنشطتها.
تمكنت قوات الدعم السريع من الاستيلاء على مصنع اليرموك للصناعات العسكرية التابع للقوات المسلحة. ومع مرور الوقت، بدأت قوات الدعم السريع في استخدام الطائرات المسيّرة بشكل متزايد، ما مكّنها من توسيع نطاق عملياتها
منذ اندلاع الصراع الإثيوبي في منطقة تيغراي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، زعم الانفصاليون أن الجيش الإثيوبي يستخدم الطائرات المسيّرة الإيرانية مهاجر-6. كما أفاد تقرير بأن طائرة مسيّرة إثيوبية اخترقت المجال الجوي السوداني في منطقة الفشقة. وفي السياق ذاته، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن إيران قامت بتزويد إثيوبيا بطائرات بدون طيار، في إطار سعيها لتعزيز نفوذها في عمق القرن الأفريقي.
مطلع يناير/ كانون الثاني 2022، شهد الصراع في إثيوبيا تحولًا حاسمًا بعد استخدام الجيش الإثيوبي للطائرات المسيّرة التركية ضد إقليم تيغراي، وفقًا لما أعلنه المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية لـBBC. هذا التدخل غيّر موازين القوة بشكل كبير لصالح الحكومة الإثيوبية. لكن سرعان ما أثار هذا التصعيد موجة من الغضب، حيث كشف تقرير نشرته واشنطن بوست أن إحدى الغارات الجوية التي نفّذتها الطائرات المسيّرة أسفرت عن مقتل أكثر من 59 شخصًا داخل مخيم للنازحين في تيغراي، ما أدى إلى إدانات واسعة.
إن التحول المذهل في موازين الحرب لصالح أبي أحمد لم يكن مجرد صدفة، بل كان مدفوعًا بالحصول السري على طائرات مسيّرة من إيران وتركيا والإمارات.
أواخر عام 2021، وبينما كانت تركيا تسعى إلى تحسين علاقاتها مع مصر، وقعت الأولى مع إثيوبيا اتفاقية للتعاون الدفاعي لم يفصح عن تفاصيلها لعقد صفقة طائرات مسيّرة، شملت طائرات من طراز "Bayraktar TB2". وقد أثار هذا التحرك استياء القاهرة، ووفقًا لمصدرين أمنيين مصريين، طلبت مصر من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية تعليق أي اتفاق بهذا الخصوص.
كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن التحول المذهل في موازين الحرب لصالح أبي أحمد لم يكن مجرد صدفة، بل كان مدفوعًا بالحصول السري على طائرات مسيّرة من إيران وتركيا والإمارات. ووفقًا للتقرير، لم يكن دعم هذه الدول لإثيوبيا بلا مقابل؛ فبينما سعت بعضها وراء المكاسب المالية، استغلت أخرى الفرصة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي في القرن الأفريقي، مما أضاف بُعدًا جديدًا للصراع في المنطقة.
ختاماً، أعادت المسيّرات تشكيل طبيعة الصراعات في القرن الأفريقي. فقد مكّنت الجماعات المسلحة من تنفيذ عمليات دقيقة، معتمدة عليها كتكتيك في الحروب غير المتكافئة، لتجنب المواجهات المباشرة مع قوى متفوقة، في حين استخدمتها الحكومات لتعزيز قدراتها الردعية.
مع تصاعد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية، أصبحت "دبلوماسية المسيّرات" وسيلةً فعالةً لتعزيز النفوذ الاستراتيجي، كما هو الحال في التنافس بين إيران وتركيا والإمارات في السودان وإثيوبيا، وبين الولايات المتحدة وتركيا في الصومال.