تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 19 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

كيف تعرقل "الأسلحة الصغيرة والخفيفة" إسكات البنادق؟

8 أبريل, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

يتطلع الأفارقة إلى قارة متكاملة ومزدهرة، عمادهم استراتيجية مندمجة لتحقيق الاستقرار، واستندت على إرساء دعائم مبادرة إقليمية لحل أزماتها، فشكلت مبادرة "إسكات البنادق في أفريقيا" مفتاحها السحري، الذي يتوخى إنهاء جميع النزاعات المسلحة والصراعات الأهلية والعنيفة، والتصدي لتحدي الأسلحة الصغيرة والخفيفة والمتوسطة.
لقد فشلت قبل خمس سنوات في تحقيق الهدف النهائي، ما جدد العزم للاستمرار في نهجها على ذات الطموح بحلول 2030. تتعدد الأسباب المعرقلة لبلوغ أهداف الرؤية، لكن انتشار الأسلحة الصغيرة والمتوسطة، بشكل كبير، في كل الأقاليم يتصدر قائمة تحدياتها، ليعرقل إنهاء هذه الصراعات، ويفاقم حجم التحديات الأمنية والتنموية.

الأسلحة وقودا للصراعات

تشكل الأسلحة الصغيرة والخفيفة، الوقود السري للنزاعات، وتعرف بأنها الآليات المفضلة لتسليح مقاتلي الجماعات الإرهابية والإجرامية، إذ تستفيد من سهولة الحصول عليها بأسعار رخيصة، مع وفرتها في القارة، حتى أضحى الحصول عليها أسهل من تأمين وجبة غذائية في بعض المناطق، مما جعل مهمة السيطرة عليها مهمة شبه مستحيلة. يتقاطع ذلك مع صعوبة تقدير أعدادها، فترجيحات كثيرة تشير إلى انتشار حوالي 900 مليون قطعة سلاح في العالم، أصبحت تشكل تهديدا للسلم والأمن، وتعرقل جهود تعزيز الاستقرار والتنمية. 
تتخطى الإشكالية حدود استحالة ضبط مسارات توزيع هذه الأسلحة إلى صعوبة تحديدها، فلا يوجد تعريف قانوني لها، وإن درج اعتبارها كل سلاح ناري ذي مقذوفات. لئن كانت بندقية الكلاشينكوف الأشهر إلا أن أنواعها تتوسع لتشمل كل الأسلحة المخصصة للاستخدام الفردي (المسدسات والبنادق والرشاشات الصغيرة...)، فيما تعتبر الخفيفة بأنها تلك المصممة لاستخدام شخصين أو أكثر، لتضم الرشاشات الثقيلة وقاذفات القنبال ومدافع الهاون والمدافع المضادة للطائرات والدبابات، كما تلحق بهما الذخيرة والمتفجرات والقنابل اليدوية والألغام الأرضية.
تحظى القارة الأفريقية بنصيب هائل لانتشارها؛ ففي منطقة الساحل والصحراء تشير التقديرات إلى أن أكثر من 35 مليون قطعة موزعة بالمنطقة، تستحوذ مناطق النزاعات مثل مالي بوركينافاسو النيجر على النصيب الأكبر، فما يتوزع هناك يشكل أكثر من ثلثي الأسلحة الموزعة بالقارة ككل. دائما ما تشكل النزاعات وبروز المساحات الرمادية مرتعا لهذه التجارة، ففي شرق القارة، تنتصب الصراعات محركا لتدفق الأسلحة في السودان والصومال وكينيا. تتعدد طرق انتشارها، ويوحدها مقتضى أن التوترات الممتدة تساهم في ازدهار توزيعها.


ينعكس انتشار هذه الأسلحة –الخفيفة والمتوسطة- على الأمن والاستقرار الاقليمي، بتهديداتها الممتدة وتداعياتها على التنمية، ويتعاظم مستوى التهديد في بؤر النزاع الممتدة، فحوالي نصف مليون شخص سنويا، أغلبهم من النساء والأطفال، يسقطون ضحايا هذه الأسلحة


تتكفل التجارة غير المشروعة بتوزيع ملايين هذه القطع، وجزء منها يتدفق إلى كل محاور الصراعات المسلحة الأفريقية. انتعشت ظاهرة تهريبها إلى بؤر التوتر، كما حدث بعد إفراغ مخازن أسلحة الجيش الليبي عقب إسقاط نظام معمر القذافي، وأحيانا يتم نقلها إلى محاور أخرى، ما يؤدي إلى تهديد استقرار الجوار برمته. 
بالموازاة مع ذلك، يوفر الإنتاج الحرفي غير المرخص جزءا غير يسير منها؛ أي التصنيع اليدوي لبنادق بدائية وأسلحة خفيفة، بطرق غير قانونية في ورشات سرية، تباع لمن يدفع أكثر. يؤازرهما انتشار الفساد داخل المؤسسات الأمنية، ما يدفع المنتسبين إلى  سرقتها وعرضها للبيع، بالإضافة إلى الاف القطع التي تحصل عليها الجماعات المسلحة بعد استهداف الجيوش الوطنية.
لا ينبغي الفصل بين وفرة هذه الأسلحة بسبب العوامل السابقة، وبين محدودية تحرك الدول والمنظمات الدولية لمحاصرة انتشار الظاهرة، فقد شهدت الأمم المتحدة عدة قرارات بحظر تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع، مثل: الصومال والسودان وليبيا والكونغو الديمقراطية وغيرها. لكن، وعلى غرار أغلب قراراتها، لا يتم الالتزام بها. 
يتقاطع الأمر مع إغراق كبار المصنعين للأسواق الأفريقية بالسلاح، وسيطرة روسيا على سوق التوريد بأكثر من 35٪ ثم الصين فأمريكا وفرنسا. ناهيك عن بروز فاعلين آخرين، أبرزهم تركيا وإيران، وتزويدهم للمؤسسات العسكرية بأسلحة محلية في مقدمتها الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى شحنات من الأسلحة النارية.
ينعكس انتشار هذه الأسلحة على الأمن والاستقرار الإقليمي، بتهديداتها الممتدة وتداعياتها على التنمية، ويتعاظم مستوى التهديد في بؤر النزاع الممتدة، فحوالي نصف مليون شخص سنويا، أغلبهم من النساء والأطفال، يسقطون ضحايا هذه الأسلحة؛ أي ما يناهز حوالي 90٪ من ضحايا الصراعات المسلحة. 
التكلفة الباهظة للضحايا تنعكس سلبا على المسار التنموي، فالتقديرات ترجح خسائرها لحوالي ثلاث نقط من الناتج الإجمالي، وتتدحرج كرتها منعكسة على الاستقرار السياسي والمجتمعي، ودورها في مفاقمة تكلفة التدخلات الأجنبية. ما يستوجب على الأفارقة التفكير لإنهاء النزاعات والتصدي لمسبباتها، لذلك اهتدوا إلى رسم خطة جريئة، تتطلع لإنهاء دوي الأسلحة والنزاعات بحلول عام 2030.

"إسكات البنادق" المؤجلة

تتحرك الأمم المتحدة من أجل وضع حد للنزاعات وانتشار الأسلحة، فكانت الرهانات في البداية على وضع معايير وتقييد ومراقبة، وشكل برتوكول مكافحة صنع الأسلحة النارية واجزائها ومكوناتها والذخيرة والاتجار بها بصورة غير مشروعة الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة محورها الأساسي، وتوجت ببرنامج العمل لمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والخفيفة، من جميع جوانبها ومكافحته والقضاء عليها، في يوليو/تموز 2011. وعلى نهجها تم إقرار اتفاقيات إقليمية، مثل برتوكول الجماعة الإنمائية لجنوب أفريقيا لمراقبة الاسلحة النارية، وبروتكول نيروبي لمنعها بمنطقة البحيرات العظمى والقرن الأفريقي، واتفاقية كينشاسا لمراقبة الأسلحة الصغيرة والخفيفة. 


ليست هذه الخطة مجرد مبادرة -"إسكات البنادق في أفريقا" - احتفالية أو مشروع سياسي، إنما رسمت استراتيجية للسلام والاستقرار والازدهار لتحقيق النهضة الأفريقية، كما رسماها الأباء المؤسسون، غير أن تحديات كثيرة عرقلت تحقيق الهدف في الموعد المحدد سابقا


في سياق متصل، تأسس العمل الأفريقي المشترك على ضبط ونزع ومنع انتشار هذه الأسلحة، غير أن المحددات القانونية دائما ما كنت محدودة في مقاربة هذه الظواهر. فقد استند على آليات كبرامح نزع الأسلحة وتسريح المقاتلين، بما يكفل حصرية السلاح والحد من انفلات الأسلحة بين غير المقاتلين، وإدماجهم داخل صفوف الجيوش النظامية. وتعززت بإرساء الاتحاد الأفريقي لخطة استراتيجية متكاملة لتحقيق التنمية المستدامة، أطرتها إجندة أفريقيا 2063، التي رسمت معالم مبادرة إسكات البنادق في القارة عام 2013، حيث كان عام 2020 موعدا لتحقيق الهدف.
في التفاصيل، جاءت المبادرة إلى جانب 14 مشروع لتنزيل أجندة 2063، لتتقاطع بين التكامل السياسي وتنمية اقتصادية مستدامة، وتمكين الشعوب محددات لها. قدمت المبادرة لتوفير بيئة مستقرة خالية من الصراعات والتحديات الأمنية، تُسكت فيها جميع البنادق المغذية للنزاعات الأهلية والعرقية، ومختلف شبكات القتل والإجرام. لقد جسدت تطلعات قادة القارة وشعوبها إلى الازدهار والتنمية، كما ارتكزت على إسكات صوت البنادق وإنهاء النزاعات، غير أن محدودية مساهمة الدول لتمويل المبادرة، وارتفاع حجم الصراعات وضعف المؤسسات الأفريقية، نتيجة الانقسامات في مجلس السلم والأمن الأفريقي مثلا، تعرقل مساراه، لتنعكس على محدودية مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية.
رغم ذلك، ليست هذه الخطة مجرد مبادرة احتفالية أو مشروع سياسيا، إنما رسمت كاستراتيجية للسلام والاستقرار والازدهار لتحقيق النهضة الأفريقية، كما رسماها الأباء المؤسسون، غير ان تحديات كثيرة عرقلت تحقيق الهدف في الموعد المحدد سابقا، 2020، ليتجدد العزم للوصول إليه بحلول عام 2030.

دوامة تدفق الأسلحة الممتدة

تستمر النزاعات المسلحة ممتدة بشرق القارة إلى غربها، وتتوسع بؤر الجماعات المسلحة الإرهابية والمتمردة مستمرة في عملياتها، بحصيلة وفق تقرير مؤشر الإرهاب العالمي هي الأعلى عالميا لجهة الضحايا، وتوسع حجم تهديداتها، لتستمر حدة المواجهات والعسكرة، وتنبئ باستمرار دوامة تدفق الأسلحة ومخاطرها.
يرتبط التحدي الأساسي لمحدودية محاصرة تدفق الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بفشل مبادرات مكافحة الاتجار غير المشروع، ويتجاوز الأمر ضعف المقاربة القانونية والآليات المؤسساتية للتصدي لها، لارتباط الظاهرة بعوامل داخلية؛ يزكيها تسربها كنتيجة لضعف الجيوش في التصدي للحركات الإجرامية، واستمرار عمليات نهب مخازنها أو تسليمها للمقاتلين.
كما يساهم ضعف الدول بالمنطقة في توسيع هامش الفراغ الأمني، والذي بدوره يوفر مساحات حرة لتجارة الأسلحة غير المشروعة. لكل ذلك، لا يمكن كسب المعركة بالتركيز على المحددات الداخلية فحسب، دون استحضار أدوار العامل الخارجي، فقد تعزز تزويد وتهريبها من أجل حماية مصالح هذه القوى الدولية والإقليمية، وكمحدد لتنافسها على السوق الدفاعية الإفريقية. 
لا تزال الأمم المتحدة تراهن على إنهاء الأزمات والصراعات، بما يكفل بناء مؤسسات نهجا للتحكم في تدفق الأسلحة، وتعول على إدارة وحماية مخازن الأسلحة كأساس لإنهاء هذه التجارة غير المشروعة، غير أنها لا تستحضر الحاجة إلى تطوير المؤسسات والجيوش، وتعزيز قدراتها قبل ذلك. من جانبه، يراهن الاتحاد الأفريقي على الآليات السياسية لوضع حد للصراعات والتصدي لها، غير أن سقف تطلعاته ينكسر أمام صعوبة مقاربة هذه الظواهر بالأليات المؤسساتية فقط، فقد فشلت في إنهاء التمردات وكبح النزاعات، لتستمر دورة تغذية تزويدها بالأسلحة؛ فديمومة الصراعات بالقارة يفاقم مسارات تزويدها بالأسلحة. 


لا يمكن ضمان الحد من انتشار هذه الأسلحة لديهم، دون تعزيز الأمن والاستقرار لهم ولمجتمعاتهم المحلية، والتي ترقى إلى صمام الأمان الأساسي للاستقرار بالقارة


يساهم الفشل في إنهاء الانقسام بليبيا مثلا في استمرار انتشارها، للتحول إلى تهديد للجوار، وكثيرة هي الدلائل التي ترصد نقل شحنات أسلحة لأطراف النزاع في الحرب السودانية، واستمرار المعارك في الخرطوم وجوارها يفتح مجالا لتوسع حجم هذه التدفقات إلى مناطق أخرى. وغير بعيد، يبقى التحدي الأمني حاضرا بقوة في الشرق الأفريقي؛ ولا شك أن التحركات على قدم وسق في الصومال مثلا من أجل إنجاح تسليم المسؤوليات الأمنية للجيش الصومالي، كمقاربة جديدة لإنهاء تحديات استمرار الصراع بهذا البلد، غير أن توسع أنشطة الجماعات الجهادية بالمنطقة، وارتفاع حجم أنشطتها، يوحي باستمرار تحدي تدفق الأسلحة لعناصرها ومخاطر ذلك على مستقبل هذا النهج. 
إلى ذلك، يتجدد حجم التحدي بقوة في منطقة الساحل الأفريقي، فلم تساهم سردية خروج القوات الأجنبية، بدعوى فشلها في التصدي للحركات الإرهابية، وضمنا محدودية دورها، في تفكيك مسارات تهريب الأسلحة، فتسليم المهام للجيوش الوطنية لم يكبح المسار نتيجة محدودية حركتيها وجاهزيتها لمقاربة التهديدات الأمنية، كما أن آلياتها، للتحالف السياسي والأمني الجديدة، لا تزال في بداياتها. 
أخيرا، يغفل الجميع أن محدودية مقاربات المؤسسات الدولية والإقليمية لوقف تدفق الأسلحة بالقارة يتقاطع مع فشل المؤسسات الأمنية المحلية في توفير الأمن، ليتقاطع هذا الأخير بدوره مع إذكاء هاجس الحاجة لدى المواطنين للتسلح بأسلحة صغيرة ومتوسطة من أجل ضمان الحماية الشخصية. 
لا يمكن ضمان الحد من انتشار هذه الأسلحة لديهم، دون تعزيز الأمن والاستقرار لهم ولمجتمعاتهم المحلية، والتي ترقى إلى موتبة صمام الأمان الأساسي للاستقرار بالقارة، ودونه ستفشل كل المبادرات داخلية كانت أو خارجية. مما يؤكد بأن كسب معركة إسكات البنادق في المنظور القريب يبدو صعبا، ومعه يتأكد أن تدفق الأسلحة سيستمر إلى حين، دون أن يعرقل ذلك الالتزام الأفريقي المتجدد والمتطلع لتحقيق أهداف أجندة القارة، يقينا منه بأن كسب معركة الاستقرار سيحقق لا محالة التكامل القاري، ويكفل لها تنمية اقتصادية وازدهارا.