الاثنين 17 فبراير 2025
الولايات المتحدة هي الداعم الأقوى الرئيسي للأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، بتسلح إسرائيل بشكل مكثف ومنحها غطاء سياسياً، وتعتَبر الشعوب الخاضعة لرحمة عدوانها أعداء أميركا. مكّن رؤساء أمريكا المتعاقبين جمهوريين وديمقراطيين إسرائيل من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل وحتى الإبادة الجماعية مع الإفلات التام من العقاب، ما يجعل المسؤولية القانونية والأخلاقية على الولايات المتحدة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل حالياً في فلسطين.
ما يحدث في الولايات المتحدة حاليا؛ أي بداية صحوة لتيار سياسي يرى الصهيونية باعتبارها مجرد حركة متعصبة كارثية، يشكل تهديدا خطيرا بالنسبة للسلام العالمي. فإن الصهاينة ـ سواء كانوا إسرائيليين أو أميركيين، مسيحيين أو يهوداً ـ لا يحبون رؤية هذه الصحوة.
مع تزايد انكشاف الطبيعة العنصرية والاستعمارية لنظام إسرائيل، أصبحت التجارب بين الفلسطينيين والمجتمع الأمريكي الأفريقي أكثر تقاربا، خاصة بعد ظهور حركة "حياة السود مهمة". وقد نشرت العديد من المنافذ الإعلامية - من صحيفة نيويورك تايمز إلى بوليتيكو وفوكس وغيرهما- على مدار العام الماضي، مقالات تتحدث عن تاريخ التضامن بين السود والفلسطينيين.
في الواقع، تزايدت وتيرة الإهتمام بالملف الفلسطيني بشكل غير مسبوق، بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث أوضحت العديد من الشخصيات العامة والمثقفين الأمريكيين الأفارقة البارزين موقفهم من إسرائيل، لدرجة أنهم تصدروا الأخبار بعنوان "كيف هزت غزة سياسة السود".
عندما ترفع السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد يدها، وتستخدم حق النقض واحدة تلو الأخرى ضد قرار مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب الإسرائيلية الوحشية؛ وعندما نرى وزير الدفاع الأمريكي لويد جيه أوستن، في نشرة الأخبار، يتعهد بأن جيشه القوي، سيحمي إسرائيل ضد محاولات وقف عمليتها العسكرية الدفاعية؛ وعندما يلقي عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز خطابات وصفها الكاتب بالمقززة، مثل قوله: "قفوا مع إسرائيل"، فإن تغيرا جوهريا بدأ يظهر جليا في تاريخ التجربة الأميركية الأفريقية . وعندما تعلن عضو الكونجرس كوري بوش من ولاية ميسوري: " أنا قادمة لهدم مملكتكم!" فإنها تستحضر إرثاً مختلفاً تماماً من التضامن مع الفلسطينيين في تاريخ الأميركيين الأفارقة، حيث تطلق إسرائيل، بشكل منهجي، العنان لوحشيتها ضد الفلسطينيين، وغيرهم من الدول العربية، مثل لبنان.
على النقيض، كانت شخصيات بارزة مثل: مالكولم إكس وجيمس بالدوين وأنجيلا ديفيس وأليس ووكر وكورنيل ويست جريئة ودقيقة وقوية، عندما يتعلق الأمر بإدانة الفظائع الإجرامية التي ترتكبها الولايات المتحدة وإسرائيل بالتعاون معاً.
عودة إلى تا-نهيسي كوتسلم يمض وقت طويل قبل أن تصل الضغوط على تا-نهيسي كوتس؛ الشخصية الأدبية البارزة والناقد الأمريكي من أصل أفريقي، إلى حد تجنب الظهور.
في عام 2017، حذف حسابه على تويتر الذي يتابعه ملايين المتابعين، ودخل في حالة من الاختفاء بعد انتقاد لاذع وجه إليه من قبل كورنيل ويست، الباحث والناشط البارز، الذي وصف كوتس با "الوجه النيوليبرالي لنضال السود من أجل الحرية".
ترك كوتس المؤسسة الصهيونية الكبيرة ذا أتلانتيك، بعد أن كان يلبي لسنوات رغباتها، نافذته الرئيسية، التي كان يديرها حارس السجن الإسرائيلي السابق جيفري جولدبرج.
نشر كوتس ترنيمته لإسرائيل، في عام 2008، بعنوان "الزنجي يغني للصهيونية"، والتي أعقبها بـ "حالة التعويضات" في عام 2014، والتي أثارت انتقادات بين المدافعين عن فلسطين، مما جعله محبوباً لدى الصهاينة الأميركيين.
قدم كوتس إسرائيل نموذجا يحتذى بها في التعويضات، ورأى أن الأميركيين من أصل أفريقي لابد وأن يفعلوا نفس الشيء الذي فعلته الدولة الإسرائيلية مع الألمان.
ظل هذا الكلام الصهيوني الجديد الذي تبناه تحت الشرط الذي يسميه الآن "الصهيونية الافتراضية" يطارد ضميره، منذ عقد من الزمان. اليوم، عندما يظهر في مقابلات عامة، يقول مراراً وتكراراً: "أنا أشعر بالخجل"!
أيعقل أنه لم يسمع بإدوارد سعيد عندما وقع في فخ "الصهيونية الافتراضية"؟، إن أي إجابة قد يقدمها على هذا السؤال البسيط سوف تكون أكثر إدانة.
التقييم الأكثر إدانة لكوتس لم يكن من ويست، الذي قال في عام 2017 إن كوتس "يحصد فوائد المؤسسة النيوليبرالية التي تكافئ الأشخاص على الصمت تجاه قضايا مثل: جشع وول ستريت أو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي والشعب الفلسطيني".
في أعماله الأدبية، نشر المفكر العام الهندي البارز بانكاج ميشرا نتائج مراجعته الرئيسية لكتاب كوتس لعام 2017 الذي يتحدث عن حقبة أوباما، التي قال كوتس عنها: "كنا ثماني سنوات في السلطة"، نشرت في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس. وفيها قام ميشرا بتحليل مفصل لمسيرة كوتس، التي تتسم بالهوية البيضاء العميقة التي طغت على هويته السوداء، لتدفع أميركا البيض إلى الاحتفال به تمامًا، مثلما فعلوا مع باراك وميشيل أوباما.
لمس ميشرا شعور كوتس بالدهشة وتسائله: "لماذا يحب البيض ما أكتبه؟"، ما دفعه إلى تحليله كالتالي:
"كوتس نفسه اندهش، وبدأ يتسائل قائلا: "لماذا يحب البيض ما أكتبه؟" لأنه أمر نادر بالنسبة لكتاب من البلدان المستعمرة سابقًا أو الأقليات المحرومة تاريخيًا، الذين تدور حياتهم في فلك "الإرث الإستعماري"، يُكلفهم الغرب بتمثيل شعبهم أو بلدهم أو دينهم أو عرقهم، وحتى قارتهم (كما ما هو الحال في مدح صحيفة نيويورك تايمز لسلمان رشدي: "قارة تجد صوتها").
العلاقات بين الكاتب الذي نال ميزة لدى الغرب والذي حرم منها علاقات شائكة سيئة السمعة. كوتس، الكاتب الذي صنع نفسه بنفسه، معرض بشكل خاص للإتهام بحصوله على شعبيته بين الليبراليين البيض، لعدم اهتمامه بإشعارالغرب بالذنب تجاه العنصرية."
إن كتابه الجديد "الرسالة" هو بمثابة تصحيح مساره، كما لو كان نسخة من كتاب الغزالي القديم "المنقذ من الضلال"، الذي نُشر قبل ما يقرب من ألف عام.
تخيل ذلك ينشر كاتب أميركي أفريقي شاب كتابا يذكرني أنا المسلم بالتحفة الفنية التي كتبها فيلسوف مسلم صوفي عظيم. هذا يعني له الكثير من فرص الحصول على جوائز. زيارة كوتس لفلسطين لمدة عشرة أيام، ذكرتنا بزيارة مالكولم إكس لغزة في سبتمبر/أيلول عام 1964.
كتب كوتس بهذا الخصوص: "لقد وضع الإمبرياليون الأوروبيون المتآمرون إسرائيل بحكمة حيث يمكنها تقسيم العالم العربي جغرافياً، والتسلل إلى أفريقيا، وزرع بذور الخلاف بين الزعماء الأفارقة، وتقسيم الإفريقيين لمواجهة الآسيويين".
كوتس الذي شهد معاناة الفلسطينيين والبلطجة الصهيونية، لديه الكثير مما يقدمه في هذا الخصوص إذا استمر على هذا المسار. "إن المقال الطويل الذي كتبه كوتس عن زيارته لفلسطين، والذي ضمنه كتابه مقالا مخلصا له من السردية الصهيونية.
تسلل الصهاينة الليبراليون، لأجيال عديدة، إلى صفوف الإمبرياليين الليبراليين الأميركيين من خلال الإرهاب الذي فرضوه على العالم، لكن الأمور اتضحت للجميع، وانكشف القناع.
تسبب نشر كتاب كوتس الأخير في تحريك آلة الدعاية المؤيدة لإسرائيل التي أطلقت العنان لغضبها، حتى نجحت طبيعته العنصرية في مفاجأة كوتس نفسه.
حاول صهاينة ليبراليون آخرون، مثل: عزرا كلاين، من صحيفة نيويورك تايمز، تقويض حجج كوتس بسؤاله عن سبب عدم استشارته للصهاينة المتعصبين في إسرائيل، عندما كان في إسرائيل، لنصب فخ الدعاية المعتاد الذي يتعلق بالسؤال عن "حماس".
المنافذ الإعلامية الشهيرة والملتزمة أيديولوجيًا مثل صحيفة التايمز وصحيفة وول ستريت جورنال ومجلة ذا أتلانتيك وغيرها من الإعلام الأميركية، هي آلة دعائية مدهونة جيدا بلغة الدعاية المؤيدة لإسرائيل.
في السابق، عندما قام آخرون مثل كوتس بإحياء ضميرهم، كانت الصحافة السائدة تتجاهل الأمر وتتظاهر كأن شيئا لم يحدث. أحدث الأمثلة على ذلك هو ما تعرض له عضو الكونجرس عن نيويورك جمال بومان، الذي لم يكلفه موقفه المتغير من إسرائيل حملته إعادة انتخابه فحسب، بل أدى إلى تهميشه بشكل كبير.
نظرًا لتأثيره على المؤسسة الليبرالية وفهمها للعرق والتنوع في هذا البلد، فهل يمكن تهميش كوتس مثل أي أمريكي آخر يجرؤ على قول الحقيقة بشأن إسرائيل، خاصة في هذا الوقت من التاريخ؟
قدم الأمريكيون دونالد ترامب للعالم مباشرة بعد أن أعار أوباما هويته السوداء للإمبريالية الليبرالية الانتهازية، بعد أكثر من نصف قرن من حركة الحقوق المدنية، وحديث العالم عن التعامل مع العنصرية. لكن مخزون القنابل التي يسقطها الإسرائيليون على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين وغيرهم سيظل إرث أوباما في الشرق الأوسط.
توسعت الفجوة بين الحقيقة المحررة التي يراها كوتس، ويتحدث عنها الآن، والدعاية القبيحة التي يواصلها الصهاينة لفرض هيمنتهم على الثقافة السياسية الأميركية حاليا. إن رسالة كوتس التصحيحية مصدر إلهام بالنسبة للأمريكيين، لتحول ثقافي أوسع نطاقاً، يؤدي إلى تحرر أمريكا من لعنة الصهيونية.