تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 11 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
رأي

خط أنابيب شرق أفريقيا: أرباح للشركات… وفاتورة للمجتمعات

12 أكتوبر, 2025
الصورة
خط أنابيب شرق أفريقيا: أرباح للشركات… وفاتورة للمجتمعات
Share

انعقدت القمة الأفريقية الثانية للمناخ (ACS-2) في أديس أبابا بين 8 و10 سبتمبر/أيلول، قُبيل انعقاد مؤتمر الأطراف COP30 في بيليم بالبرازيل هذا العام. وكما في نسخة 2023، رُوّج لها باعتبارها فضاءً يتبنى "حلولاً محلية المنشأ" للتكيّف، وتحولاتٍ على مستوى النظم. لكن منظمات المجتمع المدني الأفريقية نبّهت إلى أن الأصوات المحلية دُفعت إلى هوامش ما قبل القمة والفعاليات الجانبية، بدلاً من أن تكون في قلب الحوارات. كان الإنذار واضحاً: حين تُستبعد التعددية الأفريقية من المنابر الرئيسية، تتكرّس صورة قمة تُدار بأجندات من لا يعرّفون مشكلات القارة، ويصفّون لها وصفاتٍ جاهزة، فيما يُترك المواطنون شهوداً على قراراتٍ لم يشاركوا في صياغتها.

هذا الاستحواذ يُقوّض الأولويات الأفريقية، ويعيد تعريفها بما يخدم المؤسسات المالية الدولية وشركات الطاقة الكبرى. وإذا كان الاستعمار القديم يجرّدك من السيادة صراحة، فإن "الاستعمار الجديد" يمنحك وهماً بها بينما تُتَّخذ القرارات من الخارج. أفضل ما يجسّد ذلك هو بصمة شركات النفط الكبرى على سياسات الطاقة في القارة.

خذ خط أنابيب النفط الخام لشرق أفريقيا مثالاً: مشروعٌ يمتد نحو 1,443 كلم، يربط حقول نفط أوغندا بمدينة تانغا الساحلية في تنزانيا، ويُسوّق باعتباره قاطرة لتحوّلٍ اقتصادي إقليمي. غير أنه يستنسخ نمطاً قديماً: فقدان أراضٍ وتهجير أسر وتفكك مجتمعات؛ بينما تتدفق الأرباح إلى «النفط الكبير» وإلى سياسيين محليين ودوليين متحالفين معه.

حين تُستبعد التعددية الأفريقية من المنابر الرئيسية، تتكرّس صورة قمة تُدار بأجندات من لا يعرّفون مشكلات القارة، ويصفّون لها وصفاتٍ جاهزة، فيما يُترك المواطنون شهوداً على قراراتٍ لم يشاركوا في صياغتها

على مدى ستة أعوام، عملتُ مع مجتمعات الصفّ الأمامي في شرق أفريقيا لمواجهة مشاريع وقودٍ أحفوري تهدّد سبل عيش الناس، وحقّهم في بيئة نظيفة. من صيّادي لامو الذين رفضوا محطة فحمٍ مقترحة، إلى جماعاتٍ غابوية أُخليت رغم جهودها في الحفظ، وصولاً إلى حملة «أوقفوا» (EACOP) التي تكشف مسار أذىً ممتد إذا مضى المشروع.

يُظهر EACOP بوضوح هندسة الاستعمار الجديد. على مستوى الملكية، يبدو «شرق أفريقيّاً» بالاسم فقط؛ المالك الفعلي هو «توتال إنرجيز» الفرنسية بحصة تقارب 62٪. تشير دراسة صادرة عام 2024 للباحث مارسل لافيرو‑باسكينا وزملائه إلى أن صفقات «توتال إنرجيز» كثيراً ما تُبرَم مع أنظمة غير ديمقراطية، وتستند إلى دبلوماسية فرنسية إشكالية، وتخلص إلى أن فهم الشركة اليوم يستحيل من دون التاريخ السياسي للاستعمار الفرنسي.

في أوغندا وتنزانيا، يسأل الناس: كيف تحوّلت وعود الرخاء إلى ألمٍ بلا نهاية؟ في 2023 أجرَت «هيومن رايتس ووتش» تسعين مقابلة، بينها خمس وسبعون مع أسرٍ نُزحت في خمسة أقاليم أوغندية يمر فيها الخط، وخلصت إلى أن كثيراً من الأسر باتت أسوأ حالاً. إحدى النساء، عمرها 48 عاماً، وتعيل سبعة أطفال، روت أن ممثلي الشركة وعدوا مجتمعها بأنهم "لن يبقوا فقراء"، ثم قالت: "الآن، مع بدء المشروع، صرنا بلا أرض ونحن الأفقر في البلاد".

تفاقم المشهد في 2024 حين أمرت محكمةٌ أوغندية بإخلاء ثمانين أسرة لصالح المشروع، رغم اعتراضاتٍ وجيهة منها تدنّي التعويضات عن القيمة السوقية. اقتصادياً، يحصل المستثمر الرئيسي على إعفاءٍ من ضريبة الدخل لعشر سنوات من عمر مشروعٍ تُقدَّر دورته بخمسٍ وعشرين سنة. ومع الاعتراف بأن النفط موردٌ ناضب، يعني ذلك خسارةً لفرص الإيراد الضريبي في الحقبة الأولى، ثم ضعفاً في قدرة التحصيل في الحقبة التالية حين يتراجع الإنتاج.

عملياً، يتكبّد "الخط الأمامي" خسارتين: البيئة ومصدر الرزق من جهة، ومردودٌ عام هزيل من جهة أخرى. يتدفق النفط إلى أسواقٍ دولية، تنال الشركات أرباحها، وتُترك المجتمعات مع فقرٍ أعمق، وآثارٍ مناخية متصاعدة. يضاف إلى ذلك بُعد المخاطرة الاستراتيجية: وفق توقعات الوكالة الدولية للطاقة، سيبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته في ثلاثينيات هذا القرن. إذا صحّ ذلك، قد يغدو EACOPأصلاً عالقاً للحكومتين، بعد أن يكون المستثمرون قد استردوا كلفتهم، فتجد الدول نفسها أمام جمهورٍ ساخطٍ دفع كلفة اجتماعية وبيئية باهظة مقابل عائدٍ عامٍ ضئيلٍ، لا ينعكس خدماتٍ أو فرصَ عمل، بل مزيداً من الأعباء على الموازنات المحلية.

تكوّن ائتلاف «أوقفوا» EACOP شبكة مجتمعاتٍ محلية تتشارك الخبرة، وتدعم بعضها بعضاً، تسندها منظماتٌ إقليمية ودولية تسعى إلى تفكيك قوى استعمارية قديمة أُعيد تدويرها في لغة استثمار حديثة

عام 2025، رفعت مجتمعاتٌ متضرّرة بدعم «معهد أفريقيا لحوكمة الطاقة» قضية في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وكان مقرراً النظر فيها في 18 أغسطس/آب 2025؛ لكنها لم تُنظر لأن ملف الدعوى كان "مفقوداً"، بحسب ما قيل. كانت الجلسة حاسمة لتعليق الإخلاءات والهدم. بالمقابل، سُرّعت دعوى رفعتها الحكومة في 14 أغسطس/آب، وحُددت لها جلسة في 25 من الشهر نفسه خلال أربعة أيام فقط. هذا التباين في "سرعة العدالة" يرسخ شعوراً بعدم التكافؤ ويقوّض الثقة في المؤسسات.

لا تقتصر الانتهاكات على أوغندا. في تنزانيا، وثّق تقرير «مناخ الخوف» الصادر عن «غلوبال ويتنس» تجارب متشابهة: وعود تغييرٍ في مستوى المعيشة تؤول إلى تدهور، وضغوطٌ على السكان الذين تضررّت أراضيهم ومياههم وأعمالهم الصغيرة. غالباً ما تُقدّم المشروعات بوصفها «منفعة عامة»، لكن الكلفة الفعلية تُحمَّل على الأضعف.

بيئياً، لا يمكن تجاهل البصمة الكربونية للمشروع، ف «معهد المساءلة المناخية» يقدّر الانبعاثات على امتداد سلسلة القيمة خلال دورة حياة EACOP بنحو 379 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون. ستمرّ الكمية عبر أنبوبٍ يعبر مئات القرى والحقول والموائل الحساسة، من دون أن يلبّي أي حاجةٍ محلية جوهرية في التكرير أو التصنيع أو الوصول العادل للطاقة. تقنياً، تحمل خطوط النفط مخاطر تسربٍ وحوادث تشغيل، ما يفرض جاهزيةً للطوارئ ومراقبةً مجتمعية صارمة، وهي شروط لا تَنفُذ من دون شفافية.

تتجلّى المشكلة الأعمق في بنية الحوكمة. في أفريقيا ما بعد الاستعمار، تزدهر صفقات الوقود الأحفوري حين تُستمال حكوماتٌ ضعيفة أو منهكة، فلا تقوى المؤسسات على إنفاذ تقييمات بيئية واجتماعية صلبة. لذلك وُضِعت السلطات البيئية الوطنية في أوغندا وتنزانيا تحت مجهر الأسئلة: هل أتيح وقتٌ كافٍ لمشاوراتٍ عامة؟ هل نُشرت دراسات الأثر كاملة؟ وهل دُرِست البدائل؟ ما يصل إلى الناس قليلٌ ومجتزأ.

حين تفشل المؤسسات الرسمية في حماية الناس والكوكب، تنبثق الحركات الاجتماعية بوصفها خط دفاعٍ أخير للديمقراطية. هذا ما يشرحه هاردي ميريمان في كتابه «نحتاج إلى قوة الناس لمواجهة عالمٍ في خطر». من هنا تكوّن ائتلاف «أوقفوا» EACOP شبكة مجتمعاتٍ محلية تتشارك الخبرة، وتدعم بعضها بعضاً، تسندها منظماتٌ إقليمية ودولية تسعى إلى تفكيك قوى استعمارية قديمة أُعيد تدويرها في لغة استثمار حديثة. حين يتنظّم السكان على طول مسار الأنبوب للمطالبة بوقف المشروع أو تعديله جذرياً، فإنهم ينهضون بالدور الذي يفترض أن تضطلع به مؤسساتٌ مستقلة وقوية تُخضع المشاريع لاختبارات المصلحة العامة قبل منح أي ترخيص.

للإعلام دورٌ محوري أيضاً. بوصفي صحافياً، رأيت كيف تُستخدم "الموضوعية" شكلاً لإسكات أصوات الصفّ الأمامي. تُعرض معاناةُ مجتمعٍ متضرر كـ"وجهة نظر" يجب "موازنتها" ببيانات علاقاتٍ عامة ملساء، فتُنتج مساواةً زائفة بين واقعٍ معيشٍ وأرقامٍ مصاغة. مع ذلك، ثمّة غرف أخبارٍ تُصرّ على السرديات المتمحورة حول الناس، وتمنح المنابر لمن لا منبر لهم. الإصغاء إلى هذه الأصوات ليس ترفاً؛ إنه شرطٌ لفهم ما يحدث على الأرض.

إذا كان المشروع لا يخلق قيمةً مضافة محلية، ولا يُحسّن الوصول إلى الطاقة، ولا يحتَرِم الحقوق البيئية والاجتماعية، فإن لغة «التنمية» تتحوّل إلى قناع

ما العمل؟ بدايةً، إعادة تعريف سؤال الطاقة نفسه: طاقةٌ لماذا، ولمن؟ هل الهدف تصدير براميلٍ خام إلى الأسواق العالمية، أم بناء أمنٍ طاقي عادلٍ يوفّر كهرباء نظيفة وميسورة للمجتمعات التي تمرّ فوق أراضيها الأنابيب؟ إذا كان المشروع لا يخلق قيمةً مضافة محلية، ولا يُحسّن الوصول إلى الطاقة، ولا يحتَرِم الحقوق البيئية والاجتماعية، فإن لغة «التنمية» تتحوّل إلى قناع.

ثانياً، لا بد من إرساء مبادئ ملزمة للشفافية والمحاسبة: نشر عقود المشاركة والإعفاءات الضريبية، الإفصاح عن تقييمات الأثر وخطط الطوارئ، وتحديد آليات تعويضٍ عادلة ومرتبطة بالقيمة السوقية وتكاليف الفرصة الضائعة. وثالثاً، فتح الباب أمام بدائلٍ عملية - من استثمارات في الطاقة المتجددة والربط الإقليمي، إلى برامج كفاءةٍ تقلّل الهدر، وتخلق وظائف محلية ذات أثرٍ أطول أمداً.

يتطلّب المسار البديل وضع أطرٍ تنظيمية قوية تضمن المشاركة الحرة والمسبقة والمستنيرة، وربط أي مشروعٍ بمعايير واضحة لخفض الانبعاثات وخلق وظائف محلية عادلة، وإلا وجب تعليقُه فوراً، لأن التنمية التي تتجاهل أصحاب الأرض والبيئة ليست تنميةً بل ترحيلٌ للأثمان.

لن تُحَل المعضلة بين ليلةٍ وضحاها، لكن إدخال المجتمع في مركز القرار يغيّر المعادلة. إن كانت القمم تُدار من فوق، فإن العدالة المناخية تُبنى من القاعدة: من قريةٍ ترفض بيع نهرها بثمنٍ بخس، ومن صيّادٍ يطالب بمياهٍ نظيفة، ومن صحافيٍّ يرفض مساواةً زائفة، ومن قاضٍ لا يقبل بملفٍ "مفقود". هناك يبدأ المستقبل.

في الخلاصة، يكشف EACOP تناقضاً جوهرياً بين طموح أفريقيا المعلن لبناء مسارٍ طاقي عادل، وبين ممارساتٍ تعيد إنتاج علاقةٍ استعمارية بلبوسٍ جديد. إن استعادة القيادة الأفريقية لمساحات القرار، من قمم المناخ إلى صفقات الطاقة، تمرّ بطرح السؤال البسيط والصعب معاً: طاقةٌ لماذا، ولمن؟ الإجابة عنه هي ما سيحدّد إن كان القرن الأفريقي سيغدو مختبراً لعدالةٍ طاقية، أم ساحةً لدورةٍ أخرى من استخراجٍ بلا مستقبل.