تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 20 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

"جيوش الظل".. كيف عززت شركات الأمن الإسرائيلية الديكتاتورية في أفريقيا؟

5 مارس, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

شهدت السنوات الأخيرة صعودًا لافتًا للشركات الأمنية الإسرائيلية في الساحة الأفريقية، لاسيما حراسة الرؤساء والمسؤولين، خاصة الذين تلاحقهم اتهامات بالاستبداد، وخروقات حقوق الإنسان، حيث تعمل هذه الشركات التي يديرها غالبا متقاعدون عملوا سابقا في جيش الدفاع الإسرائيلي، على تقديم خدمات الحراسة والتدريب والاستشارات في أكثر من موقع بالقارة.

تتجسس على المعارضين برعاية إسرائيلية

إن كنت من متابعي أنشطة رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، فلربما لاحظت أحد هؤلاء الجنود يتجول حوله خلال الأشهر الماضية، إذ يشير تقرير لموقع أفريقيا إنتليجنس الاستخباراتي الفرنسي، نشر في سبتمبر /أيلول 2024، إلى أن الرئيس الكونغولي تعاقد، بشكل سري، مع شركة أمن إسرائيلية خاصة لحمايته.
وفقا لتقارير مماثلة تقوم "مجموعة مير الأمنية الإسرائيلية بتدريب قوات النخبة الكونغولية، بما فيها الحرس الجمهوري، حيث كثفت المجموعة أنشطتها في البلاد منذ وصول الرئيس تشيسكيدي إلى الحكم، باعتباره أول مسؤول يتولى هذا المنصب بطريقة سليمة، على الرغم من اتهام المعارضة له بأنه وصل لمنصبه بناء على صفقة غير قانونية.
يبدو أن تاريخ الشركات الإسرائيلية الأمنية في الكونغو قديم، إذ تتلاقى هذه المعلومات مع ما ذكره الباحث محمد الدابولى، في دراسة نشرها مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، والتي أكدت قيام الرئيس الكونغولي السابق، جوزيف كابيلا (2001-2019)، بالتعاقد مع شركة "بلاك كيوب" سيئة السمعة للتجسس على معارضيه.


بلاك كيوب التي تدير عمليات أمنية لصالح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، نفذت عمليات تجسس على المعارضة في الكونغو، كما وظفت الشركة مرتزقة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن العديد من منتقدي الرئيس


حسب تقرير لفرانس 24، فإن بلاك كيوب التي تدير عمليات أمنية لصالح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، نفذت عمليات تجسس على المعارضة في الكونغو. كما وظفت الشركة مرتزقة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن العديد من منتقدي الرئيس آنذاك، ووصلت عملياتها في البلاد حد تحويل أحد فنادق العاصمة كينشاسا إلى مقر عملياتي لها.
المثير أن أنشطة هذه الشركة تخطت الحدود الأفريقية، حيث تورطت في تنفيذ حملة لتشويه سمعة موظفي إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذين لعبوا دوراً أساسياً في التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني، كما نفذت مشروعات مشابهة في ألمانيا.

رعاية القتل في الكاميرون وجنوب السودان

نشرت منصة "أفريكان أرغومنتس" تحقيقا، في 23 يونيو/حزيران 2020، تحت عنوان صناعة القتل في الكاميرون، وثق كيف لعبت جيوش الظل الإسرائيلية الدور نفسه في البلاد، حيث تشير المعلومات إلى أن المرتزقة الإسرائيليون عملوا في خدمة الرئيس بول بيا، أحد أطول الرؤساء الأفارقة شغلا لمنصبه، الذي اعتمد على مستشارين عسكريين وأمنيين إسرائيليين، لتأمين حكمه منذ 1984.
كما درب العسكريون الإسرائيليون السابقون وحدات نظامية في البلاد، أبرزها الكتيبة "BIR"، التي تمتلك سجلًا حافلًا من انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في المناطق الشمالية من الكاميرون.
عطفا على ذلك، ذكر تقرير إسرائيلي أن قوات الكوماندوز الإسرائيلية تقوم بتدريب قوات محلية في أكثر من 12 دولة أفريقية، كجزء من استراتيجية واسعة النطاق من جانب إسرائيل لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية في القارة. من أبرز هذه الدول، هي: إثيوبيا ورواندا وكينيا وتنزانيا وملاوي وزامبيا وجنوب أفريقيا وأنجولا ونيجيريا والكاميرون وتوغو وساحل العاج وغانا.


شركة زيف دخلت جنوب السودان عام 2015، في وقت كان البلد يعاني من حرب أهلية مروعة، وأزمة غذاء تصنف على أنها الأسوأ في العالم، حيث كانت تدير مشروع "الأفق الأخضر" (Green Horizon)، إلا أنها سرعان ما تحولت لرعاية القتل هناك


هذه الوقائع دفعت وزارة الخزانة الأمريكية خلال عام 2018 لفرض عقوبات على الجنرال الإسرائيلي السابق، إسرائيل زيف وثلاث شركات يسيطر عليها، بعد اتهامه باستخدام شركة استشارات زراعية غطاء لمبيعات أسلحة بقيمة 150 مليون دولار لحكومة جنوب السودان مع تسليح المعارضة أيضا. أشارت المعلومات التي نشرت وقتها كذلك إلى أن زيف "خطط أيضًا لتنظيم هجمات من قبل المرتزقة على حقول النفط والبنية التحتية في جنوب السودان، في محاولة لخلق مشكلة لا يمكن حلها إلا من خلال شركته والشركات التابعة له".
الغريب أن شركة زيف دخلت جنوب السودان عام 2015، في وقت كان البلد يعاني من حرب أهلية مروعة، وأزمة غذاء تصنف على أنها الأسوأ في العالم، حيث كانت تدير مشروع "الأفق الأخضر" (Green Horizon)، إلا أنها سرعان ما تحولت لرعاية القتل هناك. ورغم الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة على جوبا، إلا أن وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية الإسرائيلية (DECA) استمرت في منح تراخيص التصدير لشركات الأسلحة الإسرائيلية، لتكون شريكة في الأزمة التي نتج عنها نحو 400 ألف قتيل سقطوا مع تدفق الأسلحة الفتاكة.

شهادة رئيس أفريقي متورط

دفع تصاعد أنشطة مثل هذه الشركات في القارة مجلس الأمن لفتح مناقشات موسعة، في فبراير /شباط 2019، حيث طالب وقتها المتحدثون في الجلسة التي كان عنوانها "أنشطة المرتزقة في أفريقيا" بضرورة إنشاء إطار قاري للإشراف على شركات الأمن الخاصة - وهي مبادرة يتشاور الاتحاد الأفريقي بشأنها مع الأمم المتحدة - وتحسين التعاون في مجال الاستخبارات والملاحقات الجنائية، والتي بدونها لن تكون الجهود فعّالة.
لكن اللافت للانتباه أن من بين المتحدثين، تيودورو أوبيانج نغيما مباسوغو، رئيس غينيا الاستوائية، والذي ذكر وقتها أن هناك خمس محاولات لاستخدام هذا "الشكل الشيطاني من العدوان" للإطاحة بالحكومة الشرعية والاستيلاء على أصولها بشكل غير قانوني في بلاده.


إن هذه الشركات لطالما شكلت جسورًا مع الأوساط الحاكمة في أفريقيا. فقد شهدت القارة تأثيرًا بالغًا بأنشطة عدد من هذه الشركات، والتي كانت في الغالب نقطة محورية في تعزيز العلاقات مع الدوائر الأمنية الأفريقية، ومع رؤساء تلك الدول


قال مباسوغو إن: "هؤلاء المرتزقة حاولوا اغتياله مع عائلته في ديسمبر/كانون الأول 2017"، مطالبا مجلس الأمن بمواجهة أنشطة المرتزقة في أفريقيا بنفس الطريقة التي يواجه بها القرصنة والإرهاب، وإيجاد حلول من شأنها تعزيز التنمية في أفريقيا.
وعلى الرغم من استياء الرئيس الغيني الذي يحكم بلاده منذ عام 1979، من نشاط المرتزقة إلا أن تقارير عديدة تفيد بأن حكومته تعاونت مع شركات أمنية إسرائيلية، منها ما ذكرته قاعدة بيانات الصادرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، والتي تشير إلى أن مالابو استخدمت برامج تجسس وتكنولوجيا مراقبة إسرائيلية من إنتاج الشركة الإسرائيلية "Circles". تتيح أنظمة هذه الشركة التجسس على المكالمات والرسائل النصية، بالإضافة إلى تتبع الهواتف، وأن كثيرا من هذه الصفقات دخل البلاد تحت غطاء صفقات مدنية، خاصة في قطاع الصحة.

جسور تل أبيب في القارة

رغم تعدد الوقائع إلا أنه لا يوجد حصر دقيق لعدد الشركات الأمنية الإسرائيلية الخاصة العاملة في أفريقيا، إلا أن الباحث إدريس آيات، يقول إن هذه الشركات لطالما شكلت جسورًا مع الأوساط الحاكمة في أفريقيا. فقد شهدت القارة تأثيرًا بالغًا بأشطة عدد من هذه الشركات، والتي كانت في الغالب نقطة محورية في تعزيز العلاقات مع الدوائر الأمنية الأفريقية، ومع رؤساء تلك الدول.
من بين هذه الشركات "ماغال سكيوريتي سيستمز" (Magal Security Systems) التي تقول على موقعها الرسمي، بأنها تعمل في أنظمة المراقبة والأمن، وأنها تنتشر في بعض الدول الأفريقية، وكذلك شركات "إلبيت سيستمز" (Elbit Systems)، وبلاك كيوب ومير، التي سبق الإشارة إليهم، وشركة "غيفاتيم" (Givatiim)، ومجموعة G4S (سابقًا G4S Israel) والتي تُعد واحدة من أكبر الشركات الأمنية في العالم، ولها فروع في أكثر من دولة، حيث تقوم الأخيرة بخدمات مثل: حراسة المنشآت وإدارة السجون وتدريب القوات الأمنية، وهي أحد الشركات المعروفة بسجلها الحقوقي المزدحم بالحوادث المنافية للقانون، حتى أنه توجد حملة حقوقية تطالب بوقف أنشطة هذه الشركة التي تعد أحد أذرع إسرائيل الاستيطانية في فلسطين.
في سياق متصل، تتولى مجموعة الاحتياطي الدولية (IRG)، وهي شركة إسرائيلية أيضا تأمين مركز التسوق ويست في نيروبي، كما أنها تقدم مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات الأمنية، ولديهم قائمة عملاء محليين تشمل قصر الدولة والسفارات الأمريكية والفرنسية والإسرائيلية وسوق القرية ويايا وبعض الفنادق في كينيا.
وذكر الموقع الرسمي للشركة أنها تقدم خدمات ومشاريع دفاعية للدول الأفريقية، من بينها إنشاء وحدات مكافحة الإرهاب، كاملة بالمعدات والذخيرة والتدريب، وإنشاء وحدات رئاسية وتدريب، وإنشاء وحدات مشاة خاصة كاملة.
ليس هذا فحسب، إذ تذكر منصة Africa Report، في تقرير لها أن تل أبيب تستغل مجموعة من الشركات ورجال الأعمال والمستشارين الذين لهم علاقات بمسؤولي القارة، لاختراق المنظومات الأمنية الأفريقية، حيث يعمل هؤلاء المستشارين لخدمة مصالح بلادهم بشكل غير مباشر. 
بعض هذه الشركات عمل لسنوات في السودان وغانا، حتى أن الشركات الإسرائيلية أصبحت مهيمنة تماما على سوق التنصت والمراقبة الإلكترونية في أفريقيا جنوب الصحراء، ومن بين الشركات شركتا "فيرينت و"إن إس أو جروب"، التي أسسها شاليف هوليو، ومن أهم منتجاتها برنامج التجسس بيغاسوس.


من بين المتحدثين، تيودورو أوبيانج نغيما مباسوغو، رئيس غينيا الاستوائية، والذي ذكر وقتها أن هناك خمس محاولات لاستخدام هذا "الشكل الشيطاني من العدوان" للإطاحة بالحكومة الشرعية والاستيلاء على أصولها بشكل غير قانوني في بلاده


تقول المنصة إن الشركات الأخرى هي مجموعة مير، التي تعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية ــ وتقدم خدمات لوكالة الاستخبارات الوطنية ـ، كما أنها تقوم بالدور نفسه في كلا من "غينيا ونيجيريا وجمهورية الكونغو"، بينما ترتكز شركة "إلبيت سيستمز"، في أنجولا وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا".
تنطلق هذه الشركات في تسويق منتجاتها كونها وثيقة الصلة بالجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات، حيث خدم العديد من موظفيها في السابق في وحدة 8200 التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية والمتخصصة في الحرب السيبرانية. كما هو الحال مع  شبتاي شافيت، الذي يدير شركة "أثينا جي إس 3" التابعة لمجموعة مير، وكان مديرا للموساد في الفترة من عام 1989 حتى 1996.
ختاما، يمكن القول إن المرتزقة الإسرائيليين، أو جيوش الظل كما يسميهم البعض، لطالما كان أدوات للقتل في القارة السمراء، حتى أنهم عملوا على تزكية الصراعات الأهلية، كما حدث في جنوب السودان. بالإضافة إلى أن أنشطتهم غالبا ما تتسم بالسرية، لضمان الإفلات من العقاب، وتكريس الحكم الشمولي في القارة، التي تصنف من بين أكثر مناطق العالم تراجع في معدلات الديمقراطية والحكم الرشيد.