تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 19 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

جيل زد.. ثورات شبابية تغزو الجنوب العالمي

6 أكتوبر, 2025
الصورة
جيل زد.. ثورات شبابية تغزو الجنوب العالمي
Share

شهدت العالم في السنوات الأخيرة تفجر نمط جديد من الاحتجاج، يستند أساسا على ما توفره الثورة الرقمية من إمكانيات، جعله ينفلت من القوالب التقليدية المألوفة. قاد جيل شبابي، يطلق عليه نفسه "جيل زد"، حركات شعبية رقمية ما لبث أن قام بتحوليها إلى انتفاضات ميدانية في أكثر من رقعة جغرافية في العالم.

لكن يلاحظ أن الظاهرة ارتبطت بدول الجنوب العالمي، من أمريكا الجنوبية إلى آسيا مرورا بالقارة الأفريقية، ويعزى ذلك ببساطة، وبعيدا عن معيار التقسيم الكلاسيكي للبلدان (متقدمة/ متخلفة)، وبالدرجة الأولى إلى المعطى الديمغرافي الذي يعد القوة الفاعلة في هذه الاحتجاجات، ونقصد الشباب مبدع ومحرك هذا الفعل الاحتجاجي الجديد، حيث تبقى فتوة الهرم السكاني عنصرا مشتركا بين هذه البلدان.

ظهرت هذه الحركات الاحتجاجية لأول مرة أواخر عام 2024، وإن اختلفت دواعي الفعل الاحتجاجي من قطر لآخر، فالشرارة غالبا ما تكون نتيجة رفض سياسة حكومية قائمة أو مستقبلية، سرعان ما تصبح مدار نقاش بين هؤلاء الشباب في المنصات الرقمية، ثم لا تلبث أن تغادرها في قالب مظاهرات شبابية على أرض الواقع.

احتجاجات عابرة للقارات

كانت كينيا مسرحا لأولى تجارب احتجاجات "جيل زد" صيف العام الماضي، بعد ثورة شبابية في منصات التواصل الاجتماعي على مشروع قانون المالية يقضي بزيادة في الضرائب، سرعان ما غادرت العوالم الرقمية لتنتشر في شوارع كبرى المدن الكينية. كان العنف لغة الحكومة ضد المحتجين، ممن قرروا اقتحام مبنى البرلمان، بعد سقوط عدد من الضحايا في صفوفهم.

نجحت انتفاضة الشباب الكيني في إجبار الرئيس وليام روتو على سحب المشروع، بعدما أدرك أن الإطاحة به سيكون المطلب المقبل للمنتفضين، مع إصرار الآلاف من المتظاهرين على الخروج ملوحين بأغصان الأشجار في أيديهم، رمزا للمعارضة السليمة لنظام رئيس لقب في بدايات حكمه ب"رئيس الفقراء".

محاولة لتقييد حرية التعبير واضطهادهم في آخر القلاع التي نشأ فيها نصف هذا الجيل تقريبا، وتحولت لمورد زرق الكثيرين بعدما فشلت الحكومة في ضمان فرص شغل لهم

بالتوازي انطلقت انتفاضة مماثلة للجيل زد في بنغلاديش للمطالبة بإنهاء نظام المحاصصة الحكومي (تخصيص 30٪ من الوظائف لأقارب قدماء المحاربين)، لكن إفراط الحكومة في القمع والعنف (أكثر من 300 قتيل) أجج الشباب، ما جعل سقف المطالب يرتفع بإسقاط نظام الشيخة حسينة واجد التي اضطرب إلى الاستقالة في 5 أغسطس/ آب 2024، والهروب إلى الهند.

المد الشبابي الرقمي بقيادة الجيل زد وصل أمريكا الجنوبية، وتحديدا البيرو التي شهدت مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي احتجاجات شعبية، بعدما قيام الحكومة بإصلاحات في نظام التقاعد في البلاد، تقضي بوجوب انضمام ما فوق سن 18 عاما إلى صندوق تقاعد خاص، رغم انعدام الأمن الوظيفي وبلوغ معدل البطالة نحو 70٪ في أرقام غير رسمية. لم تجد الحكومة غير العنف وسيلة لوقف زحف الشباب، خصوصا بعدما اتجهوا نحو مقر الحكومة والبرلمان وسط العاصمة ليما.

سرعان ما انتشرت "العدوى" في القارة، بانتقالها جنوبا نحو الباراغواي التي عرفت مظاهرات شعارها "نحن 99,9٪ ولا نريد الفساد" ضد المحسوبية وضعف الخدمات العامة وقصلة فرص الشغل أمام الشباب، وانتهت باعتقال العشرات من الشباب في عملية تطويق شارك فيها أكثر من 3 آلاف شرطي.

بالعودة إلى آسيا، استطاع جيل زد في النيبال تكرار سيناريو بنغلاديش في احتجاجهم على قرار الحكومة القاضي بحظر المؤقت لمنصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب وإكس...) بحجة مخالفة قواعد التسجيل، ما اعتبره هؤلاء محاولة لتقييد حرية التعبير واضطهادهم في آخر القلاع التي نشأ فيها نصف هذا الجيل تقريبا، وتحولت لمورد زرق الكثيرين بعدما فشلت الحكومة في ضمان فرص شغل لهم.

كان الحظر مجرد شرارة، إذ سرعان ما ارتفع سقف المطالب واتسع نطاقها للتنديد بامتيازات أبناء النخبة (نيبو كيدز)، واستهداف المباني الحكومية ومنازل الوزراء والمسؤولين حتى السابقين منهم (شر بهادور ديوبا)، في إشارة إلى السخط العارم من رموز السياسية في البلد، ما أجبر رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي في 9 سبتمبر/ أيلول على تقديم استقالته.

انتفاضات شبابية في أفريقيا

بعد انتفاضة جيل زد في كينيا مرتين (2024 و2025)، نجحت حركة جيل زد هناك في حشد الآلاف من الشباب عبر الأنترنيت من أجل الخروج للمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، لكن عنف الحكومة وسقوط ضحايا (22 قتيلا) صعد من وثيرة الاحتجاج، ما أدى بعد ثلاثة أيام فقط إلى قيام الرئيس أندري راجولينيا بحل الحكومة.

قرار اعتبره المحتجون بمثابة تأكيد على مشروعية مطالبهم، واعتراف صريح بالفشل، ما جعل المطالب تنتقل من قضايا المعيش اليومي نحو تنحية الرئيس، حيث ردد المتظاهرون شعارات "ميالا رادجولينا" (ارحل رادجولينا) في واحد من أكبر الأزمات السياسة في جزيرة تعد من أفقر دول العالم، حيث يعيش 75٪ من إجمالي السكان البالغ عددهم 32 مليون تحت خط الفقر.

بعد ستة أيام من القمع والتجاهل الحكومي قرر شباب المغرب مخاطبة الملك مباشرة في رسالة مفتوحة، ولسان حالهم أن صمت الحكومة دليل على عجزها أمام مطالبهم

تفاعل الرئيس الذي يحكم البلاد لثلاثة ولايات منفصلة (2013-2009 ومنذ 2018) كان سريعا، في خطاب تلفزيوني اتهم فيه سياسيين، دون أن يسميهم، استغلال الاحتجاجات من أجل الانقلاب عليه، معلنا أنه "لا أحد يستفيد من تدمير الوطن. أنا هنا، واقف ومستعد للاستماع، لمد يد العون، ولتقديم حلول لمدغشقر".

خلافا لمسار الأحداث في مدغشقر، فضلت الحكومة في المغرب تجاهل صوت الآلاف من الشباب الذين خرجوا في المدن والهوامش، تاركة رجال الأمن في مواجهتهم في مشاهد سوريالية وثقتها الكاميرات، جعلت المغرب في صدارة شاشات الأخبار في العالم، بعدما صارت مطالب اجتماعية بسيطة مثل: الصحة والتعليم ومحاربة الفساد وتضارب المصالح... تهما تقود من طالب بها إلى الاعتقال.

خروج جيل زد في المغرب جاء كرد فعل على سخاء الحكومة في الإنفاق على الملاعب استعدادا لكأس العالم 2030، وكأس أفريقيا نهاية العام الجاري، حيث خصصت أكثر من 5 مليار دولار دولار لإعداد لإعداد البنية التحية، مقابل بخلها متى تعلق الأمر بتوفير الخدمات الأساسية للمواطن، لدرجة أن مستشفيات في المملكة تحولت إلى "إصطبلات بشرية"، ما فجر غضب جيل يمثل تقريبا 26٪ من إجمالي سكان المغرب.

وجاء في بيان نشر باسم "جيل زد 212" على منصة ديسكورد "نريد بلدا لكل المغاربة، بلدا للمرضى والأميين والعاطيين والفقراء، وليس منبرا لسياسيين ممتلئي البطون. نحن بحاجة إلى مسؤولين يخدمون الشعب لا مصالحهم الخاصة"، في إشارة مباشرة فضائح حكومة رجال الأعمال في المغرب بقيادة الملياردير عزيز أخنوش.

بعد ستة أيام من القمع والتجاهل الحكومي قرر شباب المغرب مخاطبة الملك مباشرة في رسالة مفتوحة، ولسان حالهم أن صمت الحكومة دليل على عجزها أمام مطالبهم، مع تعزيز مطالبهم الاجتماعية بأخرى سياسية على رأسها إقالة الحكومة العاجزة عن الاستجابة لمطالبهم أو على التفاعل معها، فحتى حين قرر الوزراء الخروج للإعلام زادوا الطين بلة بأجوبتهم المستفزة.

جيل زد نعم للسياسة ولكن

يجترح الجيل زد فصلا جديدا في السياسة بإعلانه التمرد على القوالب والمؤسسات التقليدية التي لم تعد قادرة على استيعابه، بل يؤسس لمفارقة عجيبة مفادها أن رفض الأحزاب السياسات والهيئات لفقدانه الثقة فيها، لا يعني بأي حال من الأحوال أنه غير مهم بالسياسة؛ إنه جيل ضد المؤسسات، لا بمعنى اللامبالاة بل بمعنى البحث عن أفق جديد.

هذا الجيل يفضل اللعب على المكشوف بعيدا عن الكواليس والمفاوضات حيث تقتل السياسة شرعية الثورات

يكشف ما سبق أن الحكومات والأنظمة في مختلف البلدان، لا سميا دول الجنوب حيث يسود الاستقرار الهش على المحك، فخلافا للأجيال السابقة التي يمكن ضبطها بشرعيات مختلفة (المؤسسة، الإيديولوجيا...) يسعى الجيل الرقمي إلى تحويل سمات العالم الرقمي إلى حقائق على الأرض، بسرعته تعاطيه مع الأحداث واتخاذ القرار التنفيذ، فقراراتهم مثلا تخضع لتصويت مباشر يهدد فكرة الديمقراطية التمثيلية.

يرى البعض أن غياب القيادة أو التنظيم يمثل نقطة ضعف الجيل زد، فعدم وجود مخاطب يعقد مهمة التفاوض في نظر هؤلاء. بيد أن الأمر من ناحية أخرى امتياز ونقطة قوة تفتح الباب أمام الشفافية والوضوح، فهذا الجيل يفضل اللعب على المكشوف بعيدا عن الكواليس والمفاوضات حيث تقتل السياسة شرعية الثورات.

مهما يكن من أمر، فالمؤكد أن الجيل زد بمختلف تناقضاته يمثل انعطافة في الفعل السياسي في العالم، فبواكر التجربة كانت في كينيا، لكن تأثيرها البالغ ظهر في مدغشقر والنبيال حيث نجحت في الإطاحة بالأنظمة هناك، ما يجعلها في البدء والمنتهى بنت السياق في كل تجربة، وإن كانت مطبوعة بوحدة السقف فهذا الجيل مطبوع على قيم الحرية والعدالة والعيش الكريم بصرف النظر عن موطنه أو دولته.