تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 20 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

جيبوتي.. تأثير الفرنك في الاقتصاد الوطني والاستثمار الأجنبي

29 ديسمبر, 2024
الصورة
اسماعيل عمر جيله
Share

احتفلت جمهورية جيبوتي يوم الإثنين، 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس فرنك جيبوتي؛ العملة الوطنية التي تعد رمزًا للسيادة الاقتصادية والمالية في البلاد. تم تنظيم احتفال بهذه المناسبة في فندق "كيمبنسكي بالاس" في العاصمة جيبوتي، حضره الرئيس إسماعيل عمر جيله شخصيا. كانت المناسبة فرصة مهمة للتركيز على دور فرنك جيبوتي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ومساهمته الكبيرة في التطور المالي للدولة على مر السنين.

تم اعتماد فرنك جيبوتي رسميًا عام 1949، وعلى مدار العقود السبعة الماضية، لعب دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد الوطني من خلال الحفاظ على قيمته المرتبطة بالدولار الأمريكي، منذ عام 1973، مما أسهم في تعزيز ثقة المستثمرين، واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية. تخلل الاحتفال فعاليات متنوعة، سلطت الضوء على أهمية العملة الوطنية في تمكين التنمية الاقتصادية، وتحقيق النمو المستدام، إضافة إلى التأكيد على التزام الحكومة بتطوير سياسات نقدية واقتصادية تضمن الحفاظ على استقرار العملة، ومواكبة التحديات الاقتصادية العالمية.

نبذة تاريخية عن الفرنك الجيبوتي

أصدر الحكومة الفرنسية، في 20 مارس/آذار 1949، المرسوم رقم 49/374 الذي يقضي بإنشاء عملة محلية جديدة، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية في "المستعمرة الفرنسية لساحل الصومال". تم تسمية هذه العملة بـ "فرنك جيبوتي"، وعُرفت منذ البداية بالاسم نفسه. تم ربط قيمتها بالذهب، وتحديد قيمتها الأولية بناءً على معادلة 214.392 فرنك-جيبوتي لكل دولار أمريكي.

أصبح فرنك جيبوتي، بناءً على هذا النظام الثابت، قابلاً للتحويل فوراً ودون أي قيود أو مبررات، سواء للمقيمين أو غير المقيمين. وكان هذا النظام يتمتع بخصائص ليبرالية مقارنة بالسياسات الاقتصادية السائدة آنذاك، حيث كان يهدف إلى تحقيق مصلحة اقتصادية عملية للمنطقة التي تقع عند تقاطع تدفقات اقتصادية ومالية إقليمية نشطة.

كانت مهمة إصدار فرنك جيبوتي في البداية منوطة ببنك خاص، لكن بعد ذلك تم نقل هذا الحق إلى الخزانة العامة. تم فتح حساب خاص للخزانة في "French American Banking Corporation" في نيويورك، حيث تم تمويله من خلال إيداع ضماني بالعملات الأمريكية يعادل قيمة العملة المتداولة.

اعتمد النظام المتبع على نموذج "صندوق الإصدار" (currency-board) أو الذي يقوم على مبدأ بسيط: يجب أن يكون كل فرنك-جيبوتي مُغطى بالكامل بقيمته المقابلة بالدولار الأمريكي، حيث يتعين على الأفراد للحصول على فرنك-جيبوتي، إيداع المبلغ المكافئ بالدولار في حسابات الخزانة العامة، وكانت المعاملة تتم بمعدل ثابت 1 دولار أمريكي مقابل 214.392 فرنك-جيبوتي. أما عملية شراء العملات الأجنبية، فكانت تتم بحرية تامة. كان المشتري يودع فرنك-جيبوتي في حسابه، ويتم تزويده بالعملات الأجنبية عن طريق تحويلها إلى حسابه لدى البنك الذي يختاره.

كان حجم إصدار فرنك جيبوتي يتغير بناءً على عمليات بيع وشراء العملة من قبل الخزانة العامة. وكانت آلية صرف العملات ممارسة محايدة تماماً، حيث كان سعر صرف فرنك-جيبوتي مقابل العملات الأخرى يتحدد بحرية في الأسواق المالية، وفقاً لقانون العرض والطلب، مع ارتباطه المباشر بالدولار الأمريكي.

الاستقرار النقدي ودوره في تعزيز الاقتصاد

يشكل فرنك جيبوتي جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الوطني، ويعكس استقرار الدولة في المجال النقدي. منذ أن تم إطلاقه عام 1949 ليحل محل الفرنك الفرنسي الاستعماري، أصبح فرنك جيبوتي رمزًا للسيادة الاقتصادية، وجزءًا من تاريخ البلاد الذي شهد تغيرات كبيرة على مر العصور.

بعد الاستقلال في عام 1977، استمر فرنك جيبوتي في الحفاظ على قيمته بفضل ارتباطه الثابت بالدولار الأمريكي، منذ عام 1973. وتمتع بسعر ثابت قدره 1 دولار أمريكي = 177.721 فرنك جيبوتي، ما أسهم في تعزيز استقرار العملة الوطنية، وحمايتها من تقلبات الأسواق المالية العالمية.

يعد الاستقرار النقدي لفرنك جيبوتي من أبرز ميزاته، وذلك بفضل النظام الثابت لسعر الصرف والسياسات المالية التي تنتهجها الحكومة الجيبوتية. يشكل هذا الاستقرار عاملًا مهمًا في تقليل معدلات التضخم، مما يسهم في الحفاظ على استقرار الأسعار في الأسواق المحلية. كما أن ثبات العملة يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الجيبوتي، ويعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات حيوية مثل الموانئ والخدمات اللوجستية. فضلا عن توفير العملة المستقرة بيئة مناسبة لنمو الأعمال، مما يشجع الشركات الأجنبية على التوسع في السوق الجيبوتي.

علاوة على ذلك، يسهم فرنك جيبوتي في تسهيل التجارة الدولية. على الرغم من ارتباطه بالدولار الأمريكي، فإن استقرار العملة الوطنية يسهل التعاملات التجارية عبر الحدود، حيث يُستخدم الدولار الأمريكي في المعاملات الدولية. يشكل هذا الاستقرار النقدي بيئة مواتية للنمو التجاري، ويعزز من مكانة جيبوتي باعتبارها مركزا اقتصاديا في المنطقة. بذلك، يظل فرنك جيبوتي رمزًا للسيادة الاقتصادية، رغم ارتباطه بالعملة الأمريكية، حيث يتم دعم العملة الجيبوتية بآليات محلية تحافظ على قيمتها على المدى الطويل.

التحديات التي تواجه فرنك جيبوتي

رغم النجاحات التي حققها فرنك جيبوتي خلال العقود السبعة الماضية، إلا أنه يواجه تحديات اقتصادية تهدد استقراره. تشمل تأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية والاضطرابات الجيوسياسية التي قد تؤثر في الاستقرار النقدي والاقتصادي. ورغم الاستقرار الذي توفره السياسة النقدية المتبعة، إلا أن الاعتماد الكبير على الدولار الأمريكي، يضع العملة الوطنية في موقف حساس تجاه تقلبات سعر الدولار في الأسواق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الاقتصاد الجيبوتي بشكل كبير على قطاعات محدودة، مثل الموانئ والخدمات اللوجستية، مما يجعله عرضة لتأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية.

لذلك، تعمل الحكومة الجيبوتية على تنفيذ إصلاحات اقتصادية، تهدف إلى تعزيز استقرار العملة الوطنية على المدى الطويل. تشمل هذه الأخيرة تنويع الاقتصاد الوطني وتطوير قطاعات جديدة مثل: السياحة والزراعة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تحسين الحوكمة المالية، وتطوير السياسات النقدية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي. كما تسعى الحكومة إلى زيادة احتياطياتها الأجنبية، بهدف تقليل تأثير الأزمات المالية التي قد تهدد استقرار العملة.

على الرغم من التحديات التي تواجه فرنك جيبوتي، فإن دوره في دعم الاقتصاد الوطني يبقى محوريًا. فالعملة الجيبوتية لا تمثل مجرد وسيلة للتبادل التجاري، بل هي أيضًا رمز للسيادة الاقتصادية والاستقلال المالي للبلاد. بفضل استقرار العملة، تمكنت جيبوتي من الحفاظ على مكانتها كمركز اقتصادي وتجاري في منطقة القرن الإفريقي، مما ساعدها في جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز قدرتها على النمو والتنمية. ومع استمرار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، يظل فرنك جيبوتي عنصرًا أساسيًا في تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، وضمان استدامته في المستقبل.