تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 12 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
حوارات

حوار مع محمد بوي عثمان: تشريح اللون والذاكرة

2 نوفمبر, 2025
الصورة
حوار مع محمد بوي عثمان: تشريح اللون والذاكرة
Share

في المشهد الواسع للفن الأفريقي الحديث، يبرز الدكتور محمد بوي عثمان بوصفه حالة فريدة تصل بين عالمين يبدوان متباعدين؛ الطب والرسم. طبيبٌ بالتكوين وفنانٌ عصامي بالاختيار، بدأ مسيرته عام 1995 بعيد إنهاء إقامته الطبية، ومنذ ذلك الحين أنجز أكثر من 2,500 عمل أصيل تُقارب أسئلة الذاكرة والروح والمخيلة.

وُلد في الصومال داخل أسرةٍ من الخياطين التقليديين؛ هناك، تشبّعت ذاكرته المبكرة بالألوان والخامات والزخارف، وما تزال تلك الروافد البصرية تغذّي رؤيته حتى اليوم. في لوحاته، يتجاور الفهم العلمي الدقيق لجسد الإنسان مع حساسية وجدانية مرهفة؛ فيصير الدرس الطبيّ عدسةً يرى بها العالم المرئي، ويعيد تأويله بتراكيب لونية مُقنعة ومتصلة بسياقها الإنساني.

يقارب الدكتور عثمان الفنَّ بصرامة من تمرّسَ في علوم الجسد، ورقّة من خبر هشاشة الحياة عن قرب. في لوحته «Photograph» مثلًا، يلتقط السكون كأنه عدسة، ثم يبعث فيه الحياة صبغًا وفرشاة؛ فتغدو الإطارات الهادئة نابضة بالحياة. وفي أعماله المنشورة على «فيسبوك» تتكرر شخصيات نسائية مشعّة وواثقة؛ بشرة تحمل دفءَ أفريقيا وملمسها، وفساتين صومالية الهوية بلا التباس. نساؤه واقعيّات ورمزيات في آن: تجسيدات للصمود والخلق والحب. يفهم التشريح، لكنه مولع بما لا يُرسَم على خرائط: العاطفة والوعي وطبقات الوجود اللامرئية؛ فتغدو لوحاته تشريحًا لما لا يُرى، حيث يحلّ اللون محلّ المِبضع والتعاطفُ محلَّ التشخيص.

في هذا الحوار مع "جيسكا"، يتأمل الدكتور محمد بوي عثمان منابتَ فنه، ومفترقات العلم والإبداع، والعمق الفلسفي الذي يهدي ممارسته.

إبراهيم عثمان: متى أدركتَ لأول مرة أن الرسم سيكون جزءًا من حياتك؟ وما التجارب المبكرة في الصومال التي صاغت خيالك البصري؟

محمد بوي عثمان: بعد إتمام إقامتي الطبية في توليدو، أوهايو، عام 1995، اخترتُ طريق الفنان العصامي، ولم أتوقف منذ ذلك الوقت. نشأتُ في عائلة من الخياطين الأفارقة التقليديين؛ كانت طفولتي مغمورة بطاقة الألوان وتآلفها الديناميكي. في محلّنا رأيتُ بأمّ عيني أثر اللون والتصميم في الناس، ومن حينها وإلهامي لا ينقطع.

إبراهيم عثمان: أنت طبيب وفنان معًا. كيف يتداخل النداءان ويؤثّر كلٌّ منهما في الآخر؟

محمد بوي عثمان: خبرتي في العلوم الطبية أشعلت شغفًا عميقًا بالفن البصري. بدأتُ أرى الوشائج الدقيقة بين الممارسة السريرية والعملية الإبداعية؛ صارت دراساتي الطبية عدسةً أطلّ منها على الخيوط التي تربط الفن المرئي بتجربة الإنسان. وخلال سنوات العيش والسفر في «أوروبا القديمة» (1970–1981) مزجتُ فضولي الطبي مع أسئلة النفس، مستكشفًا كيف يعبّر الفن عن أغوار التجربة الإنسانية. لطالما وقّرتُ القوة الفطرية للفن، وأرى أن الانتباه والفضول ضروريان لصقل المهارة.

إبراهيم عثمان: كيف تصف أسلوبك؟ وما الذي يجذبك إلى الألوان والشخوص والإيقاعات المتكررة في أعمالك؟

محمد بوي عثمان: الفن، بما يحمله كمشكال ألوان، قادر على إيقاظ التفاؤل وتحريك المخيلة. يمكن القول إن أسلوبي يستعير من الفرنسي ما بعد الانطباعي بول غوغان؛ أحد رواد الحركة الرمزية، خصوصًا في الجرأة اللونية والأشكال المُبسّطة الموظفة للدلالة. ذكّرتني بولينيزيا التي عاش فيها غوغان طويلًا بأفريقيا. لديّ اليوم أكثر من 2,500 لوحة أصلية، وما أزال أُنجز لوحة إلى لوحتين أسبوعيًا. كلُّ ما أراه فنّ؛ ومع التأمل اليقظ وفضولٍ عميق، تتدفق الأفكار.

إبراهيم عثمان:كثيرٌ من أعمالك تعالج الذاكرة والهجرة والانتماء. أيُّ حكاياتٍ أو عواطف تسعى لصونها؟

محمد بوي عثمان:الذاكرة قوة هائلة على تماس وثيق مع اللاوعي؛ تتيح لنا السفر عبر الزمان والمكان واستعادة الأمكنة والأحداث. أستلذّ بإعادة عيش أجمل اللحظات في الخيال. الذاكرة تختزن خبراتنا جميعًا، وتغذي التفكير والإدراك والتواصل. يمكن استدعاؤها إراديًا أو أن تنبثق تلقائيًا، وهذه الثيمات يمكن تتبّعها أيضًا في كتبي.

إبراهيم عثمان:هل تبدأ اللوحة بصورة، أم بشعور، أم بحكاية؟

محمد بوي عثمان:الإبداع والخيال والانتباه والفضول هي أركان الصورة. الأحلام والعواطف والأفكار رفيقة الدرب في مسيرتنا الفنية، الحكاية جزء من خبرتك وذكرياتك تعبر إلى مشهد؛ وحكاياتي مغروسةٌ عميقًا في صُوَر أعمالي.

إبراهيم عثمان:لِمَ هذا الحضور الطاغي للنساء في لوحاتك؟

محمد بوي عثمان: لأنّ الأمّ هي المعادل الأعمق للحبّ والرعاية والسكينة، وغالبًا عمادُ البيت. ارتباطنا بالأمّ ثابت ويتجاوز الزمن؛ حبّها غير المشروط يسندنا في العثرات ويعيد توازننا. المرأة، في خيالي، ترمز إلى الخَلق والقدرة على التجدّد، لذلك أتوجّه بفنّي إليها: امتنانًا، واعترافًا بأثرها الذي يشكّلنا ويهدي خطواتنا.

إبراهيم عثمان:هل تتابع المشهد الفني الصاعد والرسامين الشباب في الوطن؟

محمد بوي عثمان:للأسف، لا أتابعه عن كثب. أرى بين الحين والآخر أعمالًا لفنانين صوماليين في المهجر.

إبراهيم عثمان: ما الرسالة التي تودّ توجيهها لرسامٍ شاب؟

محمد بوي عثمان:الفن ليس صورة مثالية لا تكتمل إلا بمصادقة الجمهور أو القيّمين؛ نحن وُلدنا جميعًا فنانين. أولًا: ينبغي أن يحمل فنّك رسالةً ذات مغزى. في الصومال، يعتبر كثيرون أعمالنا الفنية أعمالَ شرّ.

ثانيًا: لوحاتُ الجِمال تمنحني تمثّلًا لحياة البداوة. يكاد معظمُ الفنانين الصوماليين الذين رأيتُ أعمالهم على الإنترنت يرسمون الجِمال. على الفنان أن يتحلّى بطيفٍ واسع من الخيال الخلّاق، وأن يكون أصيلًا. هناك ملايين المواضيع والأفكار القابلة لأن تُترجَم على قماشة بيضاء. لا أقول: لا ترسموا الجِمال أو أكواخ «الموندول» ذات الأسقف القشّية، بل وسّعوا الأفق. أخيرًا: لا تُثقِل نفسك بآراء الآخرين؛ ما تخلقُه مرآةٌ لك ولرسالتك.

إبراهيم عثمان:إلى أين تتجه بوصلتك الفنية اليوم؟

محمد بوي عثمان:يستمدّ عملي الكثير من رغبتي في ترجمة معارف الطب إلى صور. نشرتُ ستة كتب، في نحو 350 صفحة لكل منها، وما زلت مستمرًا. كتابي الأول «Healing Canvas» (اللوحة الشافية) مودَع في مكتبة الكونغرس الأميركية، وهو كتاب يعالج موضوعاتٍ طبية كثيرة ويستقدمها إلى عالم الفن.