الخميس 15 مايو 2025
لقد كان فرض ترامب للرسوم الجمركية تأثير كبير زعزع الاقتصاد العالمي، ما أدخل العالم في حقبة جديدة من عدم اليقين. في هذا السياق، تتحدث جيسكا إلى عبد الله نداي، الاقتصادي السنغالي والأكاديمي، حول الكيفية التي ستؤثر بها هذه الإجراءات على أفريقيا.
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا اليوم اسم "يوم التحرير"، وهو يلوّح مبتهجا بمشروع قانون يفرض رسوما جمركية واسعة النطاق ضد شركاء بلاده في أنحاء العالم. حيث قال - مقدما نفسه مدافعا جادا عن أمريكا: "لقد تعرض دافعو الضرائب للنهب لأكثر من 50 عامًا"، وأضاف: "لكن هذا لن يحدث بعد الآن". وعلى الرغم من كل المحاولات لشرح أن المستهلك الأمريكي هو من سيتحمل تكلفة هذه الإجراءات، إلا أن ترامب أصر على المضي قدمًا. وقال أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي إن ما أعلنه ترامب ليس "يوم تحرير" بل "يوم تضخم".
ظاهريًا، يهدف ترامب إلى إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، لكن كما أشار الاقتصادي الكوري الجنوبي الشهير ها-جون تشانغ، فإن بناء الصناعة يحتاج إلى استراتيجية متكاملة، لا مجرد ضرائب عقابية على الشركات التي ترغب في البيع داخل السوق الأمريكية. في غضون أيام قليلة، تسببت هذه الرسوم الجمركية في تقلبات في الأسواق العالمية، وهبوط في قيمة الدولار.
قوبلت هذه الإجراءات بانتقادات واسعة من الأصدقاء والخصوم على حد سواء. فمن جهته قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي: "إن سياسة ترامب أعادت الولايات المتحدة قرنًا إلى الوراء"، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فوصف التعريفات بأنها "وحشية ولا أساس لها". من جانبها، حذرت بكين - التي تصدر كميات كبيرة من بضائعها إلى الولايات المتحدة، وتواجه تعريفات بنسبة 34٪ بالإضافة إلى 20٪ قائمة مسبقًا - من أن الحرب التجارية لن تسفر عن رابحين، ودعت أمريكا إلى التوقف عن "البلطجة الأحادية".
حتى كبريات الصحف المالية في العالم لم تُعفِ ترامب من الانتقاد. فقد وصفت فايننشال تايمز قراره بأنه "إيذاء ذاتي شنيع"، في حين قالت وول ستريت جورنال إن المستفيد الوحيد والحقيقي هو الرئيس الصيني شي جين بينغ، ووصفت الرسوم الجمركية بأنها "هدية استراتيجية".
أما أفريقيا، فالصورة تبدو أكثر تعقيدًا، حيث إن معظم الدول تأثرت بالرسوم الجمركية المنخفضة نسبيًا بنسبة 10٪، وإن تعرضا دول مثل: ليسوتو (50٪) ومدغشقر (47٪) وموريشيوس (40٪) وبوتسوانا (38٪) لتعريفات أعلى. كما أن هذه الإجراءات تهدد الترتيبات التجارية التفضيلية بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقية المعروفة باسم "قانون النمو والفرص في أفريقيا "(Agoa)، والذي يتيح لها تصدير بضائع إلى السوق الأمريكية بشروط ميسرة. ومع ذلك، فقد استُثنيت واردات الطاقة والسلع الأساسية، وهي أبرز مساهمات أفريقيا في الاقتصاد العالمي، أما الزراعة فقد تأثرت بشكل متفاوت.
ينبغي أن يحمي هذا الاستثناء هذه البلدان من التأثيرات المباشرة على المستوى النظري، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، كما يرى عبدو الله نداي، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك – كلية ستيرن. نداي هو خبير سابق في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نشر مؤخرًا ورقة أكاديمية حول نظريات المقاطعة، كما ظهر في بودكاست "Thinking Muslim".
يتحدث نداي إلى جيسكا عن التأثير المتوقع للرسوم الجمركية، وكيف يمكن للدول الأفريقية التخفيف منها، ولماذا نحتاج إلى إحياء طرق تجارية عضوية تدعم التجارة البينية داخل القارة.
عبد الله نداي: هذا سؤال ممتاز. إذا نظرنا إلى كل بلد على حدة، وقلنا إن صادراته الأساسية غير متأثرة، ومن ثم، فإن الأثر العملي محدود، فإن هذا سيكون طرحًا محفوفًا بالمخاطر. نعم، من المرجح أن التأثير الفوري لن يكون كبيرًا في كثير من الأماكن، لكن ستكون هناك تأثيرات ثانوية، لأن العالم كله سيتفاعل ويرد، فنحن الآن في حرب تجارية عالمية. ونعلم أن أسواق الأسهم قد تأثرت، وعندما يصبح رأس المال نادرًا، تكون أفريقيا من أول من تسحب منها الاستثمارات. هناك أيضًا دول أفريقية مصدّرة للنفط، مثل: أنغولا ونيجيريا والجزائر، وتعتمد كثيرًا على النفط، لذا فإن انخفاض أسعار النفط العالمية سيؤثر على ميزانياتها وأعمالها. لكن هذا الانخفاض قد يفيد دولًا أخرى مستوردة للطاقة، مثل: كينيا والسنغال.
بصفتنا أفارقة، علينا التفكير في المواقف التي سنتخذها، وما ستكون عليه ردود أفعالنا.
نداي: الأمر، هنا، يشبه أن أذهب إلى الحلاق الذي لدي معه عجز تجاري، لأنني أتلقى منه خدمة. فإذا أردت أن أحقق فائضًا تجاريًا، سأفرض عليه ضريبة على قص شعري، وأحاول أن أبدأ أنا بقص شعره! هذه المنطق ببساطة غير ذي معنى. لذا، علينا أن ننظر إلى الأثر طويل المدى. ولا أعني أشهرًا قليلة، بل سنوات. لا ينبغي اتخاذ تدابير متطرفة، لكن يجب البحث عن بدائل.
نداي: نعم، هذا يخفف من التأثير، لأنه يعني أن الدول قد تنوعت في شركائها التجاريين، لكنها بحاجة إلى التقدم أكثر. بعض المعلقين يفكرون الآن في كيفية تعزيز التجارة بين الدول الأفريقية نفسها، وزيادة التبادل البيني. لكننا بحاجة أيضًا إلى التفاوض على اتفاقيات تجارية ثنائية أكثر، خاصة بكل دولة، داخل وخارج أفريقيا، لاستكشاف بدائل إضافية. وهذا يشمل الولايات المتحدة - فعليها أن تلتقط الهاتف.
علي: هناك دولتان فقط نجتا من التعريفات بالكامل: الصومال وبوركينا فاسو. لماذا استطاعتا تفادي هذه الضربة؟
نداي: هل تعلم من أيضًا استطاع تجنبها؟ إنها روسيا! معظم الدول حصلت على 10٪ على الأقل. أعتقد أن جزءًا من السبب هو أن هذه الدول ليس لديها حجم تبادل تجاري كبير مع الولايات المتحدة.
نداي: بالنسبة ليسوتو نسبة 50٪ كبيرة جدًا، وإغلاق المصانع أمر مقلق. لكن دعني أضرب مثالًا من الفترة الأولى لترامب، حين كانت هناك حرب تجارية. نقلت كثير من الشركات الصينية مصانعها بالكامل إلى فيتنام، حيث كانت التعريفات أقل، واستأنفت التصدير إلى أمريكا من هناك. إذًا، هناك بدائل متاحة، ويمكن لتلك الشركات أن تغير موقع الإنتاج. يمكن ليسوتو ودول مشابهة أن تفكر في دول ثالثة يمكن من خلالها تحويل مسار الإنتاج.
ما يقلقني، بشكل عام، هو التأثير التراكمي لهذه الرسوم وتداعياتها، خاصة في وقت قطعت فيه الولايات المتحدة أيضًا مساعداتها الخارجية لعدد من الدول الأفريقية. ميزانيات هذه الدول مضغوطة بشدة، ومن الصعب عليها جمع أموال من الأسواق الخاصة. هذه هي الهشاشة المتراكمة التي تمثل التحدي الأكبر حاليًا.
نداي: كما أشرتَ، فقد أُطلقت مبادرات طموحة فعلًا. هناك التكتل الشرقي، والتكتل الغربي، والتكتل الجنوبي، ولكل منها اتفاقاته التجارية الخاصة. والآن لدينا منطقة التجارة الحرّة القارية الأفريقية. لكن للأسف، كل هذه المشاريع لا تزال حبرًا على ورق. فهي لا تساهم كثيرًا في الواقع. لا تزال هناك حواجز عديدة تعرقل التجارة: البنية التحتية اللازمة لتيسيرها غير متطورة بما يكفي، والإجراءات الجمركية مرهقة، والتنظيمات والتشريعات غير موحّدة، وأخيرًا، هناك مقاومة سياسية كبيرة لمزيد من الوحدة.
نحن بحاجة إلى فهم أفضل للتاريخ، في مداه البعيد، لأجل حل بعض هذه الإشكالات، بدلًا من قصر أنفسنا في ثنائية الاستعمار وما بعد الاستعمار. فإذا نظرنا إلى الاتفاقات التجارية التي تبدو منطقية بالنسبة للدول الأفريقية، فليست هي تلك التي أُنشئت خلال الستين سنة الأخيرة في حقبة ما بعد الاستعمار، بل نرى روابط أكثر طبيعية. على سبيل المثال، أنا أتحدث معك الآن، وأنا من السنغال وأنت من الصومال – وهذا الرابط أقرب مما قد يظن البعض. خذ السعودية مثلًا، وهي شريك تجاري مهم لبلدك، وهذا الطريق نفسه كان مسلوكًا بكثرة من قِبل غرب أفريقيين، أشهرهم مانسا موسى، الذي سافر من مالي إلى الحج. كانت هناك طرق تجارية عابرة للصحراء والساحل.
لا أدري إن كنت قد شاهدت فيلم "Io Capitano"، إنه فيلم عن الهجرة، لكنه لا يقتصر فقط على تصوير الناس، وهم يغادرون أفريقيا ليصلوا إلى أوروبا – بل يُظهر أيضًا الطريق. يبدأ من داكار في السنغال، مرورًا بمالي، ثم النيجر وانجامينا، وينتهي في ليبيا حيث يواجه المهاجرون مصاعب كثيرة. كل هذه المناطق أصبحت اليوم متورطة في الإرهاب والصراعات، لكن إذا نظرنا إلى التاريخ الأطول، فسنرى أن هذا الطريق كان غنيًا بالتجارة والتبادل، وكان تجارة عضوية، موثقة جيدًا من قبل المؤرخين.
النقطة التي أود تأكيدها هنا هي أنه إذا طبّقنا المفهوم الاقتصادي المعروف بـ"الاستمرارية"، والذي يفترض أن الأنماط القائمة تصبح مبيئة داخليا بمرور الوقت، فإن التكتلات التي نراها اليوم ليست متجذّرة في تلك الأنماط الأعمق والأكثر استمرارية، ولا في الطرق التجارية التي نشأت منذ قرون. لقد تاجر الناس بالذهب والملح وسلع أخرى من سواحل السنغال شمالًا نحو المتوسط، وعبر الساحل نحو البحر الأحمر.
إن الجغرافيات التي تقع فيها الروابط الأفريقية ومسارات التجارة ليست نفسها التي بُنيت عليها هذه التكتلات، والتي غالبًا ما أُسست على أساس اللغة أو اعتبارات أخرى. نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في هذه المسارات التاريخية الطويلة، ودعمها بالبنية التحتية والسياسات اللازمة.