الخميس 15 مايو 2025
في ظلّ استمرار الحرب في السودان، وتداعياتها المتفاقمة على المستويين الإقليمي والإنساني، تبرز الحاجة الملحّة لفهم أعمق لرؤية الحكومة السودانية إزاء المشهد الراهن، واستراتيجياتها لمواجهة التحديات المتصاعدة. في هذا الحوار الخاص، نستضيف في المنصة سعادة سفير جمهورية السودان لدى جمهورية جيبوتي، الأستاذ محمد سعيد حسن، للوقوف عند أبرز تطورات الوضع السوداني، واستعراض الجهود الحكومية على الصعيدين الداخلي والدولي.
كما نناقش بشكل خاص الدعوى القضائية التي رفعتها الحكومة السودانية ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، في ضوء ما تقول إنه دعم إماراتي لقوات الدعم السريع، مع التطرق إلى الأسس القانونية التي تستند إليها الخرطوم، وتطلعاتها من القضاء الدولي في تحميل المسؤولية للجهات المتورطة.
محمد سعيد حسن: أود أولاً أن أعرب عن شكري وتقديري لمنصة جيسكا على إتاحة هذه المساحة الإعلامية المهمة، وعلى اهتمامكم بتسليط الضوء على قضايا السودان في هذا الظرف الحرج. بالعودة إلى سؤالكم، فقد بدأت الحرب بتمرد الدعم السريع أولاً خارج العاصمة، باعتدائها على مطار مروی في 13 أبريل/ نيسان 2023، أعقبه التمرد الشامل في العاصمة يوم 15 أبريل/ نيسان 2023.
منذ ذلك التاريخ حدثت تغيرات وتطورات كثيرة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أولها إفشال هدف التمرد من الاستيلاء على السلطة بالانقلاب المسلح. بفضل صمود القوات المسلحة، وانتقالها من حالة الدفاع إلى الأخذ بزمام المبادرة والهجوم. وتمثل ذلك في فتح الطريق بين وادي سيدنا وقوة سلاح المهندسين في أمدرمان، وتحرير الإذاعة، ثم عبور الجسور الرابطة بين مدينة أمدرمان مع الخرطوم والخرطوم بحري، هذا مع طرد التمرد من ولايات سنار والجزيرة ثم ولاية الخرطوم، وتجري الآن ملاحقة جيوبه في کردفان، ومن ثم الانطلاق إلى دارفور، واستعادة السيطرة على المدن والمناطق التي توجد بها المليشيا المتمردة.
حسن: هنالك مبادرات مهمة من المجتمع الأهلي والمجتمع متمثلاً في تنسيقيات حيث نشطت قيادات أهلية في توعية مجتمعاتها، لما حدث من إصرار جراء اصطفاف البعض مع المليشيا المتمردة، وقد عادت مثل هذه المبادرات بنتائج إيجابية، تمثلت في وضع كثير من عناصر المليشيا سلاحهم ومغادرتهم للتمرد، بل إن مجموعات في جنوب كردفان انسلخت من الحركة الشعبية؛ جناح عبد العزيز الحلو، إستنكاراً لتحالفه مع مليشيا الدعم السريع المتمردة وحليفتها السياسية "صمود"، وإدراكهم أن المليشيا وحلفاءها أصبحوا مجرد ألعوبة في أيادي خارجية، تسعى لتفتيت وحدة البلاد وتقسيمها وفق أجندة خبيثة.
حسن: نعم أودع السودان شكوى في مارس/ آذار الماضي في لاهای ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي للأسف تقوم بدور تخريبي، يتناقض مع مبادئ جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومواثيق الامم المتحدة. ولم تستجيب القيادة الإماراتية للتنبيهات والنصائح والمساعي الحميدة، سواء من حكومة السودان أو حكومات شقيقة، بل أصرت على توفير الأسلحة والمعدات للتمرد الذي استخدمها في الاعتداء على المواطنين، وإرهابهم بنهب الممتلكات والخطف والحجز القسري والقتل والتهجير، وارتكاب أفظع الانتهاكات التي تصنف ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، مثل ما حدث في ولاية غرب دارفور، وفي ولاية الجزيرة.
حسن: قبل رفع الدعوى لدى محكمة العدل الدولية قدم السودان شكوى لدى مجلس الأمن عن تورط الإمارات ودعمها للتمرد، وانتهاك قرارات المجلس الأمن بشأن الوضع في دارفور، بما في ذلك توريد السلاح عبر دولة تشاد، انطلاقاً من مطار أم جرس. وجاءت أولى الشهادات من المواطنين على طرفي الحدود، بل لفتت قيادات مجتمع أهلي تشادية لمخاطر استغلال الواجهات الإنسانية لأغراض عسكرية لدعم مليشيا الدعم السريع، لذا كان رصد شحنات الأسلحة ونقلها من تشاد إلى دارفور أمراً شاهده المواطن العادي السوداني والتشادي في المناطق الحدودية. إضافة لذلك فإن تقارير آليات الأمم المتحدة أكدت، وبصورة مهنية، أنواع الأسلحة التي وفرتها الإمارات العربية للتمرد، والذي استخدمها استهداف مجتمع المساليت في غرب دارفور، مما أدى لنزوح مئات الالاف منهم إلى تشاد، وقد عادت المليشيا إلى الانتهاكات آخرها ما ارتكبته في مخيم زمزم للاجئين.
حسن: الملاحظ أنه بعد دحر المليشيا من ولاية الجزيرة ثم العاصمة ركزت على استخدام الطائرات المسيرة، واستهداف محطات الكهرباء في مروى والدبة وعطبره وشندي والنيل الأبيض، بما يعني تعمد تعطيل مراكز الخدمات المدنية، وبالتالي معاناة المواطن العادي. إذ أن هذه المؤسسات مرتبطة بمراكز خدمات أخرى، مثل المستشفيات، وبالتالي فإن هذا الاستهداف الممنهج يولد صعوبات إنسانية، يضاف لذلك ما ينتج من نزوح وما يرتبط به من تبعات على النازح نفسه أو المجتمع المستضيف، وتعطل بعض مواقع الإنتاج.
حسن: محكمة العدل الدولية نفسها أحد آليات المجتمع الدولي، ولذا فإن عرض الدعوى لديها تأكيد لدورها وأهدافها، وقد دلت الجلسة الأولى على جدية ومهنية المحكمة، أما عن ردود الفعل فقد جاءت سريعاً من عدة أطراف، منها ما سبق أن تضرر من التدخلات الإماراتية، ومنها الرأي العام الإماراتي حيث وجدت الدعوى تفاعلاً ايجابياً وارتياحاً، بل وإشادة باعتبار أن هذا الإجراء يؤكد ويعزز على مصداقية المحكمة، تفعيلا لمبدئ عدم الافلات من العقاب ووقف التدخلات الخارجية المضرة.