الأحد 9 نوفمبر 2025
مساء السبت، شنّت حركة «الشباب» هجوماً منسقاً دامياً على أحد المراكز الرئيسية التابعة لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني الصومالي (نيسا) في مقديشو. واستهدف الهجوم سجن «غودكا جيلعو»، وهو منشأة شديدة التحصين يستخدمها «نيسا» لاحتجاز واستجواب متهمين بالانتماء إلى «الشباب» وشبكات متطرفة أخرى.
بدأت العملية عندما اقتربت مجموعة من سبعة مسلحين في مركبة محمّلة بالمتفجرات. ووفقاً للمعلومات، أعاد المهاجمون طلاء المركبة، وهي شاحنة «تويوتا» بيك أب معروفة محلياً باسم «عبدي بيلي»، لتبدو شبيهة بإحدى سيارات أسطول «نيسا» الرسمية.
وإثر ارتدائهم بزّات عسكرية الطابع، تمكّن المسلحون من اجتياز عدة نقاط تفتيش قبل بلوغ محيط المنشأة. وما أن دخلوا حتى فجّروا العبوة الناسفة المحمولة على مركبة (سيارة مفخخة)، ما تلاه إطلاق نار كثيف ومتواصل. وتصدّت قوات الأمن داخل المنشأة للهجوم، لتدور اشتباكات استغرقت ساعات. وبحسب التقارير الرسمية، أحبطت القوات الحكومية الهجوم في نهاية المطاف، وقضت على جميع المهاجمين السبعة.
في بيان صادر عن وزارة الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة، ندّدت السلطات بالهجوم واصفةً إياه بأنه «عمل إرهابي جبان» نفّذه «خوارج حركة الشباب». وجاء في البيان: «نجحت قوات الأمن في صدّ الهجوم خلال فترة زمنية وجيزة، وتم تحييد المسلحين السبعة المشاركين». وأضافت الوزارة أن استخدام مركبة مُعاد طِلاءُها وبزّات عسكرية يسلّط الضوء على ثغرات أمنية مستمرة داخل العاصمة، وأكدت: «تُبرز هذه القضية الحاجة العاجلة إلى تفتيش وتنظيم المركبات المطلية بالألوان العسكرية داخل العاصمة»، مع التشديد على «التنفيذ الكامل للقوانين والإجراءات والقرارات الإدارية المتعلقة بأمن العاصمة وضبط السلاح».
ورغم تأكيد الحكومة مقتل جميع المهاجمين، لا تزال تفاصيل الخسائر بين المدنيين وعناصر الأمن غير متحققة. وظهرت تقارير غير مؤكدة ولقطات على وسائل التواصل توحي بمحاولات فرار بعض النزلاء خلال تبادل إطلاق النار، إلا أن السلطات لم تؤكد ما إذا كان أي سجناء قد تمكنوا من الهرب. كما لم يُكشف بعد عن الحجم الكامل للأضرار التي لحقت بالمرفق والمناطق المحيطة.
وقع الهجوم بعد ساعات فقط من إعلان رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، برفقة حاكم إقليم بنادر وعمدة مقديشو حسن محمد حسين (مونغاب) ومدير جهاز «نيسا» مهد صلاد، إعادة فتح 52 طريقاً في العاصمة كانت مغلقة لأسباب أمنية في السابق.
يأتي الهجوم الأخير على «غودكا جيليعو» ضمن نمط أوسع من عمليات «الشباب» التي تستهدف مرافق الاحتجاز والإصلاح في أنحاء الصومال. ففي عام 2014، تعرّض السجن نفسه لهجوم نفّذه انتحاري بسيارة مفخخة تخللته قنابل يدوية. وبعد ثلاث سنوات، في 2017، هاجم انتحاري السجن المركزي في مقديشو. وفي 2020، استولى نزيل داخل «غودكا جيليكو» على سلاح أحد الحراس، ما أدى إلى تبادل إطلاق نار ومحاولة فرار. وفي 2021، هاجم مقاتلو «الشباب» السجن المركزي في بوصاصو بولاية بونتلاند، وحرروا أكثر من 400 سجين. وأخيرا، في يوليو/تموز 2024، شهد السجن المركزي في مقديشو محاولة تمرّد مسلّحة من داخل السجن باستخدام أسلحة نارية وقنابل يدوية مُهرّبة.
وفي مقابلة حديثة مع «بي بي سي»، قال الرئيس حسن شيخ محمود إن «الشباب» باتت «أضعف مقارنة بالماضي»، لكنه أقرّ بأنها «لا تزال تشكّل تحدياً خطيراً لأمن البلاد».
وعلى الرغم من استعادة «الشباب» السيطرة على عدة بلدات استراتيجية في وسط وجنوب الصومال خلال الأشهر الأخيرة، فإن مقديشو كانت قد شهدت فترة من الهدوء النسبي من دون هجمات كبرى. ومن ثمّ، يمثّل الهجوم الأخير انتكاسة لصورة التحسن الأمني، ويؤكد أنه رغم تصريحات الحكومة عن إحراز تقدم، لا تزال الحركة قادرة على تعكير الأمن في العاصمة، خصوصاً خلال فترة سياسية حساسة تشهدها البلاد حالياً. ولا يزال الجمود القائم بشأن الانتخابات من دون حل؛ إذ شهدت المدينة في 25 سبتمبر/أيلول اشتباكات مسلحة بين أنصار المعارضة وقوات الشرطة، أسفرت عن مقتل أحد أفراد طاقم حراسة رئيس الوزراء الأسبق حسن علي خيري.