الخميس 15 مايو 2025
طرد سفير إسرائيل لدى إثيوبيا أبراهام نغوس، يوم الإثنين الماضي (7 أبريل/ نيسان)، من قاعة نيلسون مانديلا في مقر الاتحاد الأفريقي، التي كانت تحتضن مؤتمرعن إحياء الذكرى السنوية 31 للإبادة الجماعية في رواندا، بعدما اعترضت وفود من دول مشاركة عن حضور ممثل الكيان الإسرائيلي، مطالبة بمغادرته المكان قبل مواصلة الفعاليات حول الإبادة.
خبر الطرد الدبلوماسي الإسرائيلي نقلته مواقع إخبارية إسرائيلية عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي أكدت "طرد السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا من مؤتمر الاتحاد الأفريقي الذي عقد في أديس أبابا لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية في رواندا، بعد أن رفضت الدول الأعضاء المشاركة حضوره"، والتي لم تتردد في وصف الحدث بالمشين.
روجّت إسرائيل لرواية أخرى عن الحدث، على لسان المسؤولين وحتى في الإعلام المحلي، مفادها أن طرد الدبلوماسي الإسرائيلي والنائب السابق عن حزب الليكود، الذي يشغل منصب السفير في إثيوبيا منذ أغسطس/ آب 2024، مرتبط أساسا بالجيبوتي محمود علي يوسف، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، فهو الذي طلب منه الخروج، رافضا أن يبدأ الحدث داخل القاعة بحضوره.
أدانت الخارجية الإسرائيلية الواقعة، متهمة بشكل مباشر رئيس المفوضية الأفريقية بقولها: "من المشين أن يختار (يوسف)، في فعالية لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا، والتي دعي إليها السفير الإسرائيلي في أدبس أبابا، أن يدخل عناصر سياسية معادية لإسرائيل".
أضاف البيان في محاولة من تل أبيل لعب دور الضحية، "هذا السلوك غير المقبول، يسيء، في المقام الأول، إلى ذكرى الضحايا، ويكشف عن سوء فهم جوهري لتاريخ كل من الشعب الرواندي والشعب اليهودي". وختم بالتأكيد على أن وزارة الخارجية "ستتخذ الخطوات الدبلوماسية اللازمة أمام الجهات المعنية لتوضيح مدى الجدية التي ننظر بها إلى الحدث".
تحاول إسرائيل إخفاء حقيقة كونها منبوذة على صعيد أفريقيا، بسبب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023، التي شكلت فصول منها جرائم ضد الإنسانية، بأزيد من 166 ألف شهيد وجريج من الفلسطينيين، معظم أطفال ونساء، وما يزيد عن 14 ألف مفقود.
في المقابل، تسعى إسرائيل إلى تبرير تضييق الخناق عليها داخل القارة، بكون المسألة تحركات هنا وهناك لقائمة من الدول، تتقدمها جنوب أفريقيا التي رفعت ضدها، في 29 ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، دعوى في محكمة العدل الدولية في لاهاي، تتهمها بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
أضاف البيان في محاولة من تل أبيل لعب دور الضحية، "هذا السلوك غير المقبول، يسيء، في المقام الأول، إلى ذكرى الضحايا، ويكشف عن سوء فهم جوهري لتاريخ كل من الشعب الرواندي والشعب اليهودي"
ترسخ الموقف الأفريقي أكثر عقب تنصل إسرائيل من التزامها بتكثيف الغارات الجوية العنيفة، على نطاق واسع من الأراضي الفلسطينية، منذ 18 مارس/ آذار الماضي، استهدف مدنيين في منازل وخيام تأوي النازحين. كل ذلك ضدا على الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي يقضي بوقف إطلاق النار.
يذكر أن التغلغل الإسرائيلي الناعم بين دول أفريقيا أتى أكله بنجاح إسرائيل في الانضمام إلى قائمة تضم 86 دولة خارج القارة، منحت لهم صفة عضو مراقب التي تمكن صاحبها من الحضور في اجتماعات الاتحاد، وحتى المشاركة في مناقشات معينة، دون أن يكون له الحق في التصويت.
حصلت إسرائيل على صفة عضو مراقب لدى الاتحاد الأفريقي في يوليو/ تموز 2021، حيث قدم سفير إسرائيل لدى إثيوبيا أوراق اعتماده عضوا مراقبا لدى الاتحاد الأفريقي. خطوة ترمي تل أبيب من ورائها تجسير العلاقات مع الأعضاء في الاتحاد الأفريقي (54 دولة)؛ أكبر وأهم منظمة في القارة، فضلا عن مواجهة النفود الفلسطيني، فمنظمة التحرير الفلسطينية كانت ضمن أوائل من نالوا صفة مراقب عام 1973.
هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها ممثل إسرائيل انتقادات داخل الاتحاد الأفريقي، فحتى في اجتماع منحها صفة عضو مراقب عام 2022 لم تستكمل النقاشات، بسبب احتجاج جنوب أفريقيا والجزائر. سنة بعد ذلك، سيتم طرد نائبة المدير العام لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية شارون بارلي؛ ممثل الدبلوماسية الإسرائيلية، من القمة السنوية 36 للاتحاد في العاصمة أديس أبابا.
فسر الاتحاد الأفريقي الموقف بأن قرار منح إسرائيل صفة مراقب في المنظمة معلق، ما يجعل عقدا من الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية لاختراق أفريقيا ينتهي بعد سنتين من نيل صفة عضو مراقب، وعلق إيبا كالوندو، المتحدث حينها باسم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، قائلا بأن "إسرائيل ليست مدعوة لحضور القمة".
خطوة ترمي تل أبيب من ورائها تجسير العلاقات مع الأعضاء في الاتحاد الأفريقي (54 دولة)؛ أكبر وأهم منظمة في القارة، فضلا عن مواجهة النفود الفلسطيني، فمنظمة التحرير الفلسطينية كانت ضمن أوائل من نالوا صفة مراقب عام 1973
عاودت إسرائيل المحاولة من جديد بإرسال وفد ثقيل إلى القمة 37 عام 2024، بقيادة تكونت من المدير العام لوزارة الخارجية ياكوف بليتشتين، ومدير قسم إدارة أفريقيا آميت باياس، ترغب في لقاءات مع المسؤولين الأفارقة بغرض تقديم وجهة نظر مغايرة عن تطورات الحرب في غزة، ترمي من خلالها إسرائيل التخفيف من حدة الموقف الأفريقي تجاه إسرائيل على خلفية الحرب في غزة، ولما لا إقناع دول بدعم استعادتها لصفة عضو مراقب في الاتحاد.
لكن المواقف الأفريقي من إسرائيل كان واضحا بمنع الوفد الإسرائيلي من الدخول إلى مقر الاتحاد، مقابل حضور وتمثيلية السلطة الفلسطينية برئيس الوزراء محمد اشتية نيابة عن رئيس الدولة. وشهدت القمة إجماعا قاريا على إدانة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، فقد وصف رئيس المفوضية موسى فكي محمد ما تقوم به إسرائيل ب"الانتهاك الأكثر فظاظة للقانون الإنساني الدولي"، ولم يتردد غزالي عثماني رئيس جزر القمر في شكر جنوب أفريقيا على تقديمها شكوى إلى محكمة العدل الدولية للتنديد بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل أمام أنظار الجميع.
لن تتوقف إسرائيل التحرش بالأفارقة لكسب ودهم، لكن العدوان الهمجي الأخير على غزة والإبادة الجماعية هناك قطعت أي أمل لاستعادة المكانة التي حظيت بها في القارة. رغم حرصها الشديد على ذلك، لأنها ترى في أفريقية ثاني أكبر كتلة تصويب في المحافل الدولية بواقع 54 دولة.
يذكر أن تل أبيب خسرت أصوات أصدقائها في أفريقيا، عند التصويت داخل الأمم المتحدة على القرار العربي المتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي أيدته 120 دولة، دون أن تعترض عليه أي حكومة أفريقية.
إن القارة الأفريقية، شعوبا وأنظمة، أكثر الرقع الجغرافية في العالم، دون إغفاء المحاولات الفردية لزعماء في أمريكيا اللاتينية، تأييدا ودعما للفلسطينيين في حرب غزة الأخيرة، بالمواقف والتحركات والمظاهرات
حتى إثيوبيا صاحبة الارتباط التاريخي مع إسرائيل، أحد المدافعين عنها في أروقة الاتحاد الأفريقي، لم تخرج عن الصف الأفريقي حفاظا على انسجام الموقف القاري، فقد رفضت نقل سفارتها إلى القدس عام 2018. وكانت دولتان أفريقيان (غانا وموزمبيق) ضمن المؤيدين لقرار مجلس الأمن القاضي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بتاريخ 10 يونيو/ حزيران 2024، والذي نال تأييد 14 دولة في المجلس.
يمكن القول إن القارة الأفريقية، شعوبا وأنظمة، أكثر الرقع الجغرافية في العالم، دون إغفاء المحاولات الفردية لزعماء في أمريكيا اللاتينية، تأييدا ودعما للفلسطينيين في حرب غزة الأخيرة، بالمواقف والتحركات والمظاهرات أمام السفارات الأجنبية في عدد من الدول الأفريقية، بدء بالحرص على تعليق التطبيع مع إسرائيل مؤسساتيا إلى المتابعة أمام المحاكم الدولية، مرور بالمواقف الرسمية للقادة والزعماء الأفارقة.