الثلاثاء 5 نوفمبر 2024
مقدمة
إندلعت الحرب في السودان (15 أبريل 2023) على ظلال إنتقال متعثر، بعد عزل الرئيس عمر البشير الذي مكث على سدة الحكم، ثلاثون عام (1989-2018) الإنتقال الذي شهدته أحداث مهمة بدأت في الحادي عشر من أبريل بعزل البشير عبر اللجنة الأمنية التي شكلها في ظلال إحتجاجات إستمرت أربع أشهر ( ديسمبر 2018- أبريل 2019)، ترك البشير دولة منهارة إقتصادياً متعددة الجيوش، وبجانب ذلك حزب حاكم(حزب المؤتمر الوطني) تعددت مراكز النفوذ فيه ما بين موقن بضرورة رحيله وبين متمسك ريثما يحضر البديل، على الجانب الآخر المعارضة التي كانت ترفضه وترفض خياراته التي ظل يدفع بها هي الأخرى لم تكن بحجم المسؤولية و التجربة، فمنذ إعلان الحوار الوطني في بداية العام 2014م تكتلت في كتلة واحدة سرعان ما إنقسمت إلى معسكرات مهادنة وأخرى ترفع التغيير الجذري، دون مشروع واضح أو مؤسسات سياسية متماسكة.
تشكل في بداية العام 2019م ما يعرف بقوى إعلان الحرية و التغيير ( تحالف الحد الأدنى ) الذي إتفقت عليه الكتل السياسية آنذاك، على أن تكون هي الوجه السياسي للحراك فيما قاد تجمع المهنين الحراك من الناحية الميدانية فعمل من خلال صفحته على موقع فيس بو ك، إستراتيجيات التجمع لم تكن الوحيدة في إدارة الحراك فسرعان ما ظهرت تنظيمات أفرزتها الوضعية السكانية و الإجتماعية، مستندة على تجربة ما بعد " حراك سبتمبر 2013".
كان تجمع المهنيين نخبوياً في حراكه فسرعان ما إنفصلت إستراتيجيته الميدانية عن المجموعات القاعدية لتتبلور ما يعرف ب" لجان المقاومة" في دولة واسعة ومدن ذات تركيبة إجتماعياً مختلفة كان لابد أن يختلف طبيعة العمل الميداني من منطقة إلى أخرى، ظهرت الهوة السياسية و إختلاف الأجندة ما بين القاعدة الشبابية التي كانت تقود الحراك وبين تجمع المهنيين الذي كان مجموعة من الكوادر الوسطى التي لا تمتلك نفوذ واسع في القوى السياسية.
مع بداية التفاوض بين اللجنة الأمنية التي ترأسها نائب الرئيس حينها عوض بن عوف و الذي خلفه رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الحالي الفريق أول " عبد الفتاح البرهان " تغيرت معالم التشكيل العسكري الذي خلف البشير و حادت تقاليد الجيش السوداني الذي إنحاز لحراك شعبي في لحظتين مفصلتنين ( 1964 و 1985 ) حيث أشار حينها رئيس اللجنة السياسية الفريق زين العابدين أن للجيش السوداني تقاليد عسكرية تحكمه، مسشتهداً بتجربة " سوار الذهب " في العام 1985 حيث أدار سوار الذهب وزير دفاع الرئيس جعفر نميري (1969-1985) الذي قادت إنتفاضة مارس – أبريل 1985م إلى الإطاحة به، لينقل سوار الذهب الحكم إلى حكومة ديمقراطية عرفت بالديمقراطية الثالثة (1985-1989).
يظهر سؤال مهم إن كانت تقاليد الجيش و الإنتقال السياسي في السودان ليس بالجديد على النخبة السياسية و الدولة أيضاً رغم ما يعرف "بالدائرة الجهنمية" التي يشار إليها عدد من المفكرين في السودان و الباحثين في التاريخ السياسي للسودان، فما الذي إستجد على المشهد السوداني سياسياً حتى يدخل في حرب 15 أبريل 2023م؟ وهل كان مكتوب على السودان الذي يعيش حرباً على أطرافه منذ إستقلاله ( حرب الجنوب 1952-2005) و ( حرب دارفور 2003- 2020) أن تنتقل إلى عاصمته الإتحادية " الخرطوم" ؟
عموما لا يمكن إعطاء إجابة محيطة بهذه الأسئلة لأنها هناك متغيرات كثيرة و مختلفة مطروحة على طاولة التحليل وما أريد قوله في هذا المقال ليس إجابة وحسب وإنما تأكيد خلاصة مسبقة كانا نقدمها في محافل سياسية مختلفة وفي منابر متعددة أنه وفق صيرورة هذا الإنتقال فإن النزاع المسلح سيكون خياراً أكيداً ويمكن للقاريء أن يعود إلى مداخلات الدكتور عطا البطحاني في كتابه التعثر الديمقراطي في السودان، و مقال البروفيسرو حسن الحاج علي " فترة إنتقالية مضطربة : تحولات التحالف الهجين في السودان.
تعدد الجيوش
قادت الحروب في أطراف الدولة السودانية إلى إتباع سياسات عسكرية مختلفة نتيجة لوجود مستويات صراع محلية بين التركيبة الإجتماعية التي تدور فيها هذه المعارك وليس هذه الظاهرة – التسليح و المليشيات – خاصة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير بل هي ظاهرة تنسجم مع طبيعة الدولة المركزية في السودان وقدرتها على مواجهة التمرد، بكل تأكيد حالة الحروب السودانية مختلفة كما أشرنا ولا يمكن دراستها بشكل كلي، فسياق حرب الجنوب، مختلفة عن سياق الحرب في دارفور.
من ناحية أن طبيعة الحركة الشعبية التي جاءت إثر مرحلتين من التمرد(1952-1972) ومن ثم إندلع مرة أخرى في (1983) وهذه المرة بقيادة عراب السودان الجديد ومنظره " جون قرن " الذي أسس لخطابه لسودان جديد في ظل ما يسميه رواد المشروع الوحدة القومية، حيث عمل قرن على تأكيد وحدة السودان إلا أن سرعان ما كان الموقف التكتيكي هو الدليل ليخرج قرن بمسألة تقرير المصير في مؤتمر أسمرا (1995) ليبنى إتفاق السلام الشمال (نيفاشا 2005) على هذا الأساس وينفصل جنوب السودان (2011) بعد إستفتاء الوحدة أو الإنفصال.
خلال حرب دارفور ظهرت أيضا نماذج المليشيات المسلحة، و السبب ليس سياسات النظام وحسب بل يمكن القول أن نظام الرئيس المعزول قد عزز وأطر للمليشيات فسلفاً قد ساعدت الحرب الليبية التشادية على مسألة السلاح و توزيعه بجانب العوامل المناخية التي أدت إلى ظهور التحشيد القبلي و إحتكاك المجموعات الرعوية و الزراعية، و التحليل هنا يقوم على مسألة مستويات الصراع.
يقول محمد الكامل في مقاله" الحرب والسلام في دارفور: المستوى الاجتماعي للصراع في دارفور" أن من الضرورة فهم الطبيعية التقليدية للاقتصاد في دارفور لأن أهميتها شديدة في فهم النزاع في دارفور فهي تعني ارتباط حياة السكان ومعيشهم مباشرةً بقدرتهم على الحصول على الموارد الطبيعية، كالمياه والأعشاب للمواشي، وترتبط إمكانية الحصول على هذه الموارد بالحق القانوني في امتلاك الأرض أو استخدامها، كما تتأثر بشدة بالظروف الطبيعية التي تؤثر على إنتاج الأرض وتوفر الموارد كموجات الجفاف. وسنجد في فيما قاله الكامل، أن للتغيرات التي جرت على هذين العاملين أثر كبير على النزاع في دارفور، فقد أدت موجات الجفاف التي ضربت دارفور في السبعينات والثمانيينات إلى نقص عام في الموارد الطبيعية المتاحة للسكان، ومن ثم أدى التفاوت القانوني في الحق في امتلاك الأرض واستخدامها إلى نشوب النزاع حول خط محدد بين المجموعات التي تمتلك دياراً والمجموعات التي لا تمتلكها.
أدى هذا الشكل من طبيعة الصراع مع توفر السلاح إلى نشوء ظواهر المليشيات القبلية التي تختلف في مستوياتها السياسية ولكنها لم تكن موغلة في التطرف الإجتماعي بالحدة التي إكتسبها الصراع بعد وجود تحالفات إقليمية متدخلة بشكل كبير و واسع فبالرغم من أن مؤتمر الفاشر الاهلي (1989م) قد وضع حد لصراعات السبعينات و الثمانينات إلا أنها تتجدد من الحين إلى الآخر مما يعني أن تركيب الصراع في دارفور قد مر بتطور ليس مع أشكال الصراع و أطرافها وحسب بل أيضاً بالأنماط العسكرية التي إتخذتها المجموعات الإجتماعية.
مثلت لحظة العام 2003م تاريخ مختلف في سياق الإقليم حيث وفرت البنية العسكرية للصراع نشوء ظاهرة الحركات المسلحة التي إستلفت مخيال التحرر/ التحرير من إرث الحركة الشعبية وعملت على أن تحول الصراع السياسي مع النظام إلى صراع عسكري مسلح فالمورد البشري بالإضافة إلى إنتشار السلاح بجانب سياسيات دول جوار السودان التي كانت تدعم التدخل العسكري في الصراع السوداني – السوداني كما كان السودان يقود سياسته الخارجية خلال حقبة التسعينات وفق هذا المبدأ.
لم تستطع الحركات المسلحة في الإقليم النجاة من المأزق الإثني ولم تعمل على بلورة خطاب يحمل البعد العام لقضية الإقليم التي تجمع ما بين السكان مجتمعين، لذلك كان لابد من ان يجد النظام حيلة في التعامل مع طبيعة التعقيد التي أتضح أنه فشل في فهمها وكانت الحلول الأمنية التي إتخذها النظام تكلفتها عالية حيث قدرت النفقات العسكرية لحرب درافور بحوالي (2.198 مليار دولار ) في العام 2004م مما يشير أن ا لحلول الأمنية منعت النظام من بناء إستراتيجيات واضحة لمابعد الإنفصال، وكلفت الإقليم فواتير كبيرة، وهنا يمكن أن نضع اللوم في الأساس على كافة الخيارات العسكرية التي تم إتخذها من النظام حينها أو من القوى السياسية التي سلكت مسلك الخيار العسكري.
كان الجيش خارجاً من حرب الجنوب منهكاً وطبيعة المعارك التي واجهها في دارفور مختلفة عن تلك التي واجهها في جنوب السودان حيث يواجه في الجنوب قوات قتالية تشبه طبيعة تركيبه و الآليات و بذات السلاح العسكري الذي يقاتل به الجيش بجانب الاعتماد على المشاة و شكل الإنتشار، في دارفور واجه الجيش المنهك عسكرياً شكل مختلف تماماً يتبع إلى طبيعة المعارك في الحرب الليبية – التشادية مما عمل على هزيمته في معارك مختلفة، الضغط العسكري و الظروف التي يقاتل فيها الجيش جعلت من النظام يتخذ خطوات نحو تشكيل قوات موزاية للحركات المسلحة، ومن هنا جاءت قوات حرس الحدود، التي قادها موسى هلال، زعيم قبيلة المحاميد والتي على أساسها إتهم موسى هلال و نظام البشير بإرتكابه لجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
كعادته البشير الذي يلعب على التناقضات، سرعان ما بدأ في تشكيل أشكال موازية أخرى بقيادات صغيرة وضعيفة يسهل على البشير قيادتها وتبعيتها بعيداً عن الزعامة القبلية التي جعلت من هلال له وضعية خاصة في الإقليم، ظهر محمد حمدان حميدتي في العديد من المخاطبات و الحشود الضعيفة خصوصا بعد خلافات عديدة مع قيادات النظام، أدت في النهاية إلى أن يحافظ حميدتي على مصالح مباشرة مع الرئيس البشير عبر دوائر قريبة من الرئيس حينها، مهدت هذه العلاقات بين حميدتي و البشير إلى ان يرى البشير في حميدتي رجل مناسب لمرحلة مفاصلة حقيقية حيث بدأت سرادب النظام ومنذ العام 2015 ضرورة أن يجد النظام خليفة للبشير ولأن البشير يفهم منطق الدولة و قدرة نظامه على توليف بديل له، قرر اللعب على التناقضات بصورة جعلت من حميدتي صاعد بقوة خصوصا مع الظروف الدولية و الإقليمية التي إستفاد منها حميدتي في فصل نفسه عن المؤتمر الوطني وعن تعقيد الوضع داخله.
العامل الخارجي
أسهم العامل الخارجي في المسألة السودانية على نحو كبير جداً حيث دعم الحركات المسلحة و القوى السياسية المعارضة للنظام طوال حقبة الثلاثون عام بالإضافة إلى الحرب الحالية أيضاً التي لولا التدخل الخارجي لما كانت أشكالها ستكون متحولة وسريعة/ كارثية بهذا الشكل، في واقع فقير مثل السودان يكون من الضروري الإرتباط بالخارج من أجل التمويل على أسس مصالح فردية أو جماعية ضيقة بعيداً عن المصلحة الكلية، مما يجعل هناك مستوى إقليمي خارجي كامل يدور فيه الصراع، وغالبا ما يحدث الإتفاق أو الترتيب بناء على هذا الشكل من مستويات الصراع ولا يخاطب أو يعالج المشاكل الحقيقية للمجتمعات التي تنعكس هذه الازمات، مما يوفر حالة من عدم الإستقرار وتفرز وضعيات تسمح بنشوء أزمات سياسية وإجتماعية/ إقتصادية، تجعل من ظروف استمرار شروط النزاع قائم .
بالنظر إلى تفاعل العامل الخارجي في الحالة السودانية فإننا يمكن أن نفحصه من خلال القرارات التي أصدرها مجلس الأمن فتقول الباحثة ليلى سيد مصطفى في ورقتها ( أثر التدخل الدولي على الإستقرار السياسي في السودان ) أنه في غضون عقد كامل (1996-2006) أصدر عن الأمين العام أو مجلس الأمن الدولي نحو خمسين قرارا أو تقريرا أمميا تهدف في مجملها إلى الضغط على الحكومة السودانية وتضييق الخناق عليها . ولعل من أبرز تلك القرارات ، والتي من الملاحظ أنه عمل على تدويل الشأن السوداني . القرار 1551 الصادر في العام (2004) والذي حمل الحكومة السودانية مسؤولية أزمة دارفور وقام بإدانتها، وقدم لها ضرورة أن تقوم بتسوية أزمة دارفور ، كما عمل على جهود الاتحاد الإفريقي لتعزيز بعثته الخاصة بالمراقبة في دارفور . وهناك ملاحظة أيضاً في هذا القرار حيث أنه وضع الأحداث في السودان بمثابة تهديد للأمن و السلم الدوليين. يوجد أيضاً القرار رقم 1706الصادر في أغسطس من العام (2006) و الذي قضى على أن تنشر قوات دولية في دارفور .
ربما كانت الظروف الداخلية مناسبة لصعود حميدتي خصوصا بعد العام 2013م حيث قادت الخلافات مع موسى هلال إلى إبعاده وتحجيم قدرته، بالإضافة إلى النزاع ما بين مدير جهاز الأمن و المخابرات الوطني (المخابرات العامة ) صلاح عبد الله والرئيس البشير حينها إلى أن يجعل من حميدتي صاعد جديد على طاولة البشير، مهد له هذا التحول خصوصا مع إندلاع حمى الذهب و إكتشافه في جبل عامر الذي يسيطر عليه موسى هلال. وزادت على هذا مطامع حميدتي في الحصول على نفوذ أقوى وإبعاد هلال، في ظل هذا زاد الضغط الدولي من أجل ترتيب الوضع السوداني.
بالنظر إلى هذا الأرث الثقيل من النوزاع الدولية في الشأن السوداني فإن هناك تغير كبير في شكل التدخل الخارجي بعد العام 2015 حيث قام البشير مع إقتصاد دولة فقدت ريعها النفطي بالدخول في حرب اليمن التي حصد السودان أشواك الدخول فيها من خلال المساحة التي شكلت للدعم السريع إمكانية صعود مختلفة عن البشير خصوصا في الجوانب الإقتصادية، فتمكن حميدتي من تشكيل علاقات منفصلة/ مستقلة عن نظام البشير وفرت له مساحة قدرة و فاعلية بعيدا عن الخيارات الداخلية.
سيطر حميدتي على تجارة الذهب وبدأ في تعميق علاقته مع الإمارات، مما وفر له القدرة العسكرية في توسيع إمبراطوريته المالية و العسكرية فبجانب القتال في اليمن كانت تجارة حميدتي وإمبراطوريته المالية تتوسع خصوصا مع ( عملية الخرطوم 2016) التي حصل البشير فيها على 20 مليون دولار كان نصيب حميدتي منها 5 ملايين دولار إستفاد منها بشكل مباشر في تقوية موقفه الداخلي.
في العام 2017 تخلص حميدتي من موسى هلال من خلال مهاجمته في مستريحة ليمتلك حميدتي كافة المنافذ السيطرة العسكرية و المالية على الإقليم بجانب إنهيار نظام البشير وزيادة صراع النفوذ داخله، مما جعل البشير ينخبط بين الإسلاميين و الجيش وبحلول العام 2018م بدأ الفصل الأخير من نظام البشير وينتهي بلجنة أمنية كان حميدتي جزء منها.
نلاحظ أن العامل الخارجي قد مكن الدعم السريع من التوغل في مفصال الدولة من خلال نفوذ الدعم السريع مستفيداً من وضعية البشير الضعيفة على مستوى النظام و أيضا الدولة التي باتت في شلل تام نتيجة لعدم قدرتها على تعديل الظروف الإقتصادية وضياع إيراداتها فكان لابد من ظهور حميدتي كمتغير جديد لأطراف المعادلة الإنتقالية التاريخية في السودان، فتاريخياً كانت الأطراف محصورة في (الجيش / الأحزاب السياسية / التجمعات النقابية) ولكن في الفترة الإنتقالية (2018-2023) إختلفت طبيعة العناصر التاريخية فكانت النتيجة ليست فترة إنتقالية / ديمقراطية / إنقلاب عسكري وإنما تسارع إنتقالي نحو الحرب.
المصير المتوقع
بالنظر إلى الوثيقة الدستورية فسنجد أنها وضعت حميدتي في موقع معزول عن قدرة الجيش على التحكم فيه بجانب إلغاء المادة (5) من قانون الدعم السريع و التي تنص على تبعية هذه القوات لرئيس الجهورية – القائد العام للجيش – في حالة إعلان حالة الطواريء، مهد هذا الإجراء الدستوري الذي تم في 2019م قبل توقيع الوثيقة الدستورية أن يكون حميدتي جزء من مشهد سياسي لم يشهده أي قائد لمليشيا في إفريقيا، فأصبح عشية تشكيل هياكل الفترة الإنتقالية نائب لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي.
إتضح أن حميدتي عسكرياً بات يمثل إمكانية ليست بالهينة فبحسب بعض العسكريين في الجيش من إفادات شخصية كنت قد تلقيتها أنه جند ما يقارب (120) ألف جندي خلال فترة وجيزة مما يجعل من قواته موازية للجيش ومن خلال العلاقات الإماراتية بجانب عد إحكام الجيش عليه توسع حميدتي في المجالات الإقتصادية و مجال المعادن، ليتحول إلى أهم شخصية نافذة خلال الفترة الإنتقالية.
يتجه حسن حاج علي في شرح هذه الوضعية بورقته التي أشرنا لها في مطلع المقال أن السياسية التنازعية قادت إلى تشكيل " هُجنة " / تحالف صفري ما بين قوى إعتبرت أن الحل السياسي يأتي من خلال بساطها وأخرى ترى في العملية السياسية أو الاتفاق الاطاري مصدر لشرعية إحتكار قلة من القوى السياسية للدولة و السلطة، وفي ذلك وجد حميدتي ضالته في ضمان حليف سياسي من خلال تأييده للإتفاق الاطاري و دستور اللجنة التسيرية للمحاميين، يسمي الحاج علي هذا التركيب السياسي (التفاعل الصفري) وحسب ما تقوله الورقة فإنه تعني مكاسب أحد الأطراف لا يمكن الحصول عليها، إلا على حساب خسائر حزب آخر. ويقوم الإتحاد الذي يمنع المنافسة بوضع قيود عليها، وتقسيم مكاسب القوة السياسية على أعضاء الإتحاد.
رفض الجيش مخرجات ورشة الاصلاح العسكري و الأمني، التي تقتضي بدمج الدعم السريع في فترة زمنية اختلفت عليها اللجان الفنية للجيش وللدعم السريع وفي ظل تحشيد عسكري قام به الدعم السريع ومع احتقان سياسي مهد لوصول التناقضات السياسية بين الجيش و الدعم السريع إل المرحلة الصفرية و التي كانت لابد من أن تندلع الحرب بناء عليها ومن هنا كان لابد من أن يقوم حميدتي بتحيد ا لجيش أو يقوم بتغيير هيكلي فيه من أجل البقاء و بالنسبة للجيش فإنه لابد من أن يقوم بتفكيك الدعم السريع من خلال ترتيبات عسكرية في إطار زمني محدد بسيط بحيث لا يستفيد حميدتي من التحالف السياسي لأجل السلطة.
الخاتمة
في هذا المقال حاولنا أن نفهم حالة تعدد الجيوش، ومصير السودان على هذا الاساس حيث كشفت طبيعة الحالة السودانية أنه لا يمكن أن تستمر حالة تعدد مراكز العنف في الدولة ولا يمكن أن تكون مستقرة كما في حالة دولة مشابهة للسودان وخصوصا ان العامل الإقتصادي لا يسمح بتقاسم الموارد و توزيعها مما يؤدي إلى تسارع نحو النفوذ (السلطة) مما يعني أن الأطراف العسكرية في ظل الإنتقال الضعيف و الهش وتسابق القوى السياسية إلى بناء تحالفات مع الأطراف العسكرية عمل على إبراز التناقضات بين مراكز القوى العسكرية.
لا تزال حرب السودان مستمرة، في ظل واقع عسكري و انساني لا يمكن أن نقول أو نتنبأ بمسألة توقفها قريبا أو حلها أيضا عبر المبادرات المطروحة التي سنتناولها في المقال القادم بجانب قياس فرص ان تقود هذه المبادرات إلى حل مع التشظي السياسي الذي تعيشه القوى السياسية في السودان