تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 9 يوليو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة
العنوان

هل يعود الصومال إلى الوراء؟

20 أبريل, 2025
الصورة
alshbab
Share

تتزايد المؤشرات على أن الصومال يتوجه نحو مرحلة جديدة، قوامها انتكاسة سياسية وأمنية خطيرة، تُنذر بتآكل ما تحقق من مكاسب في مسار مشروع بناء الدولة من الخارج. فالتصعيد غير المحسوب من قبل حكومة مقديشو يعمّق عزلة البلاد، ويقوّض شراكاتها الإقليمية. ففي خطوة أثارت الكثير من اللغط، وجّه وزير الخارجية أحمد معلم فقي اتهامات مباشرة لرئيس بعثة أوسوم "AUSSOM"، سيفويلي ثانديخايا بام، بالتعاطف مع حركة الشباب، مستندًا في ذلك على تصريحات دبلوماسية في مجلس الأمن. لكن التعبير خان الوزير الذي طبع التشنج لهجته، ما يعكس نزعة صدامية، قد لا تخدم سلطات مقديشو، بقدر ما تكشف عن أزمة في إدارة العلاقة مع الشركاء الدوليين.

يظهر أن الخطاب الرسمي لدى مقديشو بات يستخدم قضايا الأمن والسيادة لتبرير إخفاقات داخلية أو تصدير الأزمات نحو الخارج. فلا عائد لافتعال مواجهة مع الاتحاد الأفريقي، على خلفية تصريحات موضع اجتهاد، سوى إضعاف مواقف الدولة الصومالية، وتهديد وجودها عمليا. لا سيما أن هذه التصريحات تأتي في وقت تستعد فيه بعثة "AUSSOM" لتسلّم المهام الأمنية من "ATMIS" منتصف هذا العام.

بالعودة إلى التاريخ، يتكشف أن شبح تكرار النموذج الذي أدى إلى صعود حركة الشباب، بعد انقسام المحاكم الإسلامية في 2006، يبدو ماثلًا من جديد في الأفق. فالمحاكم، التي قبلت الدخول في تسوية سياسية عبر اتفاقية أديس أبابا، والتي تمخض عنها مؤتمر جيبوتي 2008، التي مهدت الطريق أمام زعيمها الشيخ شريف شيخ أحمد لتسلم السلطة. غير أن فصيلًا أكثر تطرفًا رفض تلك التسوية وشكل نواة حركة الشباب، المهدد الرئيسي لاستقرار في مقديشو.

المفارقة أن بعض الشخصيات التي شاركت في تسوية 2008، مثل وزير الخارجية الحالي، أحمد معلم فقي، عادت لتتصدر المشهد، وسط اتهامات بعلاقتها مع الحركة المسلحة ذاتها. فحسب تقرير فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة المعني بالصومال وإريتريا كان فقي متورطًا في محاولة تفجير استهدفت فندق "ريدس"، حين كان يقيم فيه عبد الولي غاس، السياسي المنحدر من إقليم بونتلاند. وكشفت شهادات مسؤولين أمنيين أن فقي استخدم عناصر من حركة الشباب لتصفية خصومه السياسيين. وهذا ما أقر به بعض المعتقلين من الحركة، بتأكيدهم العمل وكلاء للرجل أثناء توليه منصب مدير وكالة الاستخبارات الصومالية حتى مارس/ أذار 2013، ما يعزز فرضية تماهي المصالح بين بعض أجنحة السلطة والجماعات المتطرفة.

يزيد تعثّر الانتقال السياسي في كل موسم انتخابي الطين بلة، فالرئيس الحالي حسن شيخ محمود متمسك بفرض نموذج انتخابي لا يحظى بالإجماع داخليا، في ظل مقاطعة ولايات فيدرالية رئيسة، مثل جوبالاند وبونتلاند. وحتى خطوة الحوار الوطني الذي دعى إليه الرئيس شيخ يوم عيد الفطر، لحلحة الوضع المأزوم في البلاد، تبدو غير جادة. فما أكثر المؤشرات التي توحي إلى مماطلة واضحة، لأن الرجل يدرك جيدا أن أي حوار جامع سيفضي، على الأرجح، إلى نزع الغطاء الشرعي الذي يسعى إلى ترسيخه عبر النموذج الانتخابي الذي فُصِل على مقاسه السياسي.

وفي مناورة سياسية واضحة، أوفد رئيس وزرائه حمزة عبدي بري إلى مدينة لاسعانود؛ في لقائه مع قادة المدينة، أعاد حمزة التأكيد على الاعتراف بالمنطقة باعتبارها ولاية فيدرالية، رغم أن هذا الموقف كان معلنًا بالفعل، خصوصًا في أول زيارة لحاكم لاسعناود عبدالقادر فرديي، بعد اخراج/خروح قوات “صوماللاند” من مدينة غوُجعدي. الخطوة بدت أقرب إلى محاولة لاستثمار اللحظة السياسية, وكسب الزخم لنموذج التصويب الخاصة به.

تواجه بعثة "ATMIS" مشكلة ضعف التمويل، خصوصا بعد قرار الرئيس دونالد ترامب وقف المساعدات الأمريكية، فضلا عن وجود خلافات بين مصر وإثيوبيا حول مستقبل البعثة. هذا الانكفاء الدولي لا ينعكس فقط في المستوى المادي، بل يتجلى أيضًا في تراجع ثقة الشركاء الدوليين في النظام الصومالي، مع حديث تقارير عن نية إدارة ترامب إغلاق السفارة الأمريكية في مقديشو.

من جهتها، تُظهر حركة الشباب مرونة تكتيكية في إدارة صورتها، فبعد تحقيق انتصارات ميدانية، مثل السيطرة على بلدة مسجد علي جدود، بدأت في تبني خطاب سياسي ناعم مستوحى من تجربة هيئة تحرير الشام في سوريا، التي نأت بنفسها عن تنظيم القاعدة لتسهيل الجلوس معها حول طاولة المفاوضات. أطلقت الحركة سراح أسرى من الجيش الصومالي، ونظّمت صلوات جماعية خلال رمضان، وأشار تقرير لافريكا انتلجيسنز: أنها رفعت العلم الصومالي في بعض المناطق، ما يعكس سعيها لتقديم نفسها جهة يمكن التفاوض معها، رغم أنه من غير المنظور أن تعلن القطيعة مع القاعدة.

هذا التحول في تكتيكات الحركة لا يعني بالضرورة تحولًا استراتيجيًا، لكنه يؤشر على رغبة في التسلل إلى المشهد السياسي، مستثمرة حالة الانقسام والضعف في الدولة. وما يجري في ولاية هيرشبيلي ميدان اختبار لهذا "التطبيع". يُذكر أن الرئيس حسن شيخ نفسه عبّر عن قبوله بعملية التفاوض، شريطة فك الحركة الارتباط بالقاعدة. لكن حتى الأن لا يوجد ما يشير إلى استعدادها التفريط في ولائها لتنظيم.

الوضع الأمني لا يقل قتامة، فقد شهدت العاصمة تصعيدًا خطيرًا مع اغتيال العقيد نور محمد جابو، قائد اللواء الرابع عشر في شبيلي السفلى، في 5 أبريل/ نيسان على يد أحد جنوده. الضابط، الذي تلقى تدريبه في إيطاليا وأوغندا، كان شخصية محورية في المعركة ضد الشباب، واغتياله إشارة إلى احتمال وجود تصفيات داخلية ذات طابع سياسي، فالرجل كان مقربًا من الرئيس السابق شيخ شريف، المناهض بقوة للنموذج الانتخابي لدى حسن.

تجري كل هذه التطورات بينما تستعد الحركة لهجوم واسع على العاصمة، وفق إفادة لتقارير أمنية أمريكية في مارس/آذار الماضي. فقد اضطرت السفارة الأمريكية الشهر الماضي لنقل موظفيها إلى نيروبي، بعد تلقيها تحذيرات بوقوع هجوم وشيك. وقد تأكد ذلك لاحقًا، حين نفذت الحركة تفجيرًا أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصًا، ونجا منه الرئيس محمود نفسه بأعجوبة.
كل هذه المعطيات تضع الصومال على حافة منعطف خطير: نخب سياسية منقسمة بشكل حاد ومؤسسة عسكرية مهترئة ودعم دولي يتأكل شيئا فشيئا، وحركة إرهابية تستفيد من الفراغ. السؤال لم يعد ما إذا كانت الصومال ستعود إلى الوراء، بل بات هذا ماثل أمامنا، وبطريقة مفزعة. إنها "العود الأبدي" بصيغته الصومالية.