تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

هل يعترف ترامب حقًا بصوماليلاند؟

27 ديسمبر, 2024
الصورة
Somaliland
Share

تلقت قضية الاعتراف باستقلال صوماليلاند دفعة قوية خلال عام 2024، مع ثلاثة أحداث كبرى؛ أولها مذكرة التفاهم التي وقعتها صوماليلاند مع حكومة إثيوبيا، وثانيها فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولاية ثانية، وآخرها نجاح صوماليلاند في تنظيم الانتخابات الرئاسية والحزبية.

ولئن تراجع حضور الحدث الأول مع خسار حزب كولمية، فقد كسبت القضية اهتمامًا كبيرًا، من خلال الإشادات الدولية الواسعة بصمود التجربة الديمقراطية، وبالدعاوى التي أطلقها مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس ترامب الأولى، والتي تكللت بتقديم مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي يدعو إلى الاعتراف باستقلال صوماليلاند. كما أنّ التوترات في الشرق الأوسط ألقت بظلالها على القضية، وأبرزت أهمية صوماليلاند "لحسابات الأمن الغربي، في ظل المواجهة مع الحوثيين وإيران، والنفوذ الصيني في جنوب البحر الأحمر.

توظيف جماعات الضغط 

شهدت الآونة الأخيرة حراكًا بين عددٍ من المسؤولين السابقين في إدارة ترامب الأولى، والمشرعين الجمهوريين في الولايات المتحدة، لدفع إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، إلى الاعتراف باستقلال صوماليلاند. جاء مشروع القانون الذي قدمه النائب سكوت بيري إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كأحد أهم هذه الجهود. حمل المشروع الذي يحظى بدعم من النائب أندرو أوجل عنوان "الاعتراف بصوماللاند التابعة لجمهورية الصومال الفيدرالية كدولة مستقلة منفصلة"، وبرقم (H.R.10402) لعامي 2023-2024. 

لا يعتبر تقديم مشروع قانون في صالح صوماليلاند سابقة من نوعها، فقد سبقه تقديم مشروع قانون في مجلس الشيوخ في مارس/ آذار 2022، من السيناتور جيمس إي ريش، بدعم من ثلاثة زملاء في المجلس، بعنوان "Somaliland Partnership Act"، دعا إلى تعزيز العلاقات مع صوماليلاند، وعدّد المنافع التي تعود على واشنطن، ممثلة في حماية الأمن البحري والتجارة الدولية، وتعزيز قيم الديمقراطية في أفريقيا. ورغم أنّ المشروع نصّ صراحة على أنّه لا يدعو لاستقلال صوماليلاند، إلا أنّه جُمد، ولم يُعرض في جلسة عامة لمجلس الشيوخ، الذي سيطرت عليه الأغلبية الديمقراطية آنذاك.

لا يشير مشروعا القانون السابقان إلى تبني الحزب الجمهوري قضية استقلال صوماليلاند؛ وهو على أقصى تقدير نجاح لجهود حكومة صوماليلاند في كسب عدد من الأصدقاء داخل الحزب الجمهوري. على النقيض من هذا، لا تحظى قضية استقلال صوماليلاند بدعم معروف من الحزب الديمقراطي، الذي يضم مناصرين لوحدة الصومال، مثل النائبة إلهان عمر، فضلًا عن التزام الحزب بسياسة "الصومال الواحدة" التي تتبناها وزارة الخارجية الأمريكية.

لا تخدم هذه القسمة قضية صوماليلاند؛ كونها تعتمد على جماعات الضغط لكسب صداقات داخل الحزب الجمهوري، بينما تُهمل الحزب الديمقراطي، كما أنّها صداقات هشة تعتمد على استمرار توظيف جماعات الضغط التي ستعمل لصالح من يوظفها، وهو ما أدركه أنصار الوحدة. إن الاستمرار على نفس النهج سيعني انحصار دعم استقلال صوماليلاند بين زمرة ضعيفة التأثير من أقصى اليمين بين الجمهوريين، وهو الأمر الذي سينعكس سلبًا على القضية، وقد يترك صورة نمطية سلبية عنها، مثل محاولات ربطها باللوبي الاسرئيلي.

كما أنّه من السهل توظيف جماعات ضغط للعمل داخل الحزب الجمهوري ضدّ صوماليلاند، وهو ما فعله حسن شيخ محمود بتوظيف شركة "Von Batten-Montague-York, L.C" التي يديرها محامي جمهوري، والتي نجحت في عرقلة مشروع قانون السيناتور ريش في مجلس الشيوخ. 

أسوةً بالولايات المتحدة يحظى استقلال صوماليلاند بدعم من سياسيين في بريطانيا، من بينهم وزير الدولة للدفاع السابق، السير جافين ويليامسون، الذي كشف عن إجراء محادثات مع فريق ترامب الجديد حول الاعتراف باستقلال صوماليلاند، وأشار إلى ثقته الكبيرة في أنّ ترامب سيتخذ خطوات إيجابية تجاه القضية. 

رغم الاحتفاء بهذه التصريحات، فهي لا تمثّل تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه صوماليلاند، حيث يعمل ويليامسون ضمن جماعات ضغط في بريطانيا لصالح صوماليلاند، وتقول ادعاءات أنّه على صلة بشركة نفط بريطانية دفعت له لزيارتها، والعمل لصالح الاعتراف باستقلالها لدى حكومة بلاده.

شرق أوسط جديد

ينبغي على حكومة صوماليلاند العمل على بناء شراكات حقيقية مع كلا الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي، تقوم على إبراز المصالح المشتركة، بالاستفادة من التحولات الإقليمية.

ثمة أكثر من مرتكز بهذا الخصوص يمكن البناء عليه، وعلى رأسها الأمن والاستقرار الذي تحقق منذ إعلان استعادة الاستقلال عام 1991، بعد سقوط الحكومة المركزية في مقديشو، فيما غرق جنوب الصومال في الفوضى، وهو ما أثبت امتلاك صوماليلاند مقومات تأسيس دولة مستقلة.

 وثاني تلك المرتكزات هي الاستثمار في التجربة الديمقراطية الناجحة إلى حد كبير، والتي تحظى بتقدير واسع في المجتمع الغربي، حيث أنجزت صوماليلاند العديد من الاستحقاقات الانتخابية الهامة؛ منها أربعة انتخابات رئاسية من عمرها القصير، وعدد من الانتخابات البرلمانية والبلدية والحزبية.

أما ثالثها، فهو الموقع الاستراتيجي لصوماليلاند، الذي يطل على خليج عدن، القريب من اليمن، حيث جماعة أنصار الله "الحوثيين" الذين باتوا خصومًا مباشرين لواشنطن وحلفائها بالمنطقة، وهو أمر ينبغي لحكومة صوماليلاند استثماره بطريقة حكيمة. 

ورابعًا، التعاون مع الغرب في صراعه مع الصين في القرن الافريقي ويرتبط بهذا تدشين علاقات دبلوماسية على مستوى مكاتب التمثيل مع تايوان.

لقد أدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، إلى تصدر البحر الأحمر واجهة الاهتمام الدولي، بعد إعلان الحوثيين الاصطفاف إلى جانب فصائل المقاومة في قطاع غزة. شنّ الحوثيون هجمات صاروخية وبطائرات مسيرة على إسرائيل، كما استهدفوا العديد من سفن الشحن التي اشتبه في توجهها إلى الموانئ الإسرائيلية. ما دفع الولايات المتحدة إلى إطلاق عملية عسكرية بحرية دولية باسم "تحالف حارس الازدهار"، على أساسها شنت، بمعية حلفائها بما فيهم إسرائيل، هجمات على مواقع الحوثيين.

يتوقع مراقبون أنّ تتحول إسرائيل لاستهداف الحوثيين وإيران بشكل أوسع، مستفيدة من خفوت جبهة الشمال، بعد التوصل لوقف إطلاق النار مع لبنان، وانهيار جبهة سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وما تبعه من انسحاب الميليشيات الموالية لإيران، وتدمير سلاح الجو الإسرائيلي لقدرات الجيش السوري المنهار. 

تشي كل هذه التحولات بأنّ منطقة جنوب البحر الأحمر ستصبح ساحة صراع مفتوحة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وإيران والحوثيين من جانب آخر، وهو ما من شأنه أن يعزز مكانة صوماليلاند الجيوسياسية. 

فقد عاد الحديث، مرة ثانية، عن أهمية صوماليلاند لأمن الولايات المتحدة، فموقعها الاستراتيجي؛ المطل على مضيق باب المندب وخليج عدن، يوفر قدرات كبيرة لحماية واحد من أهم ممرات التجارة الدولية. لكن الحضور العسكري الأمريكي قد يضع صوماليلاند في قلب الصراع مع الحوثيين وإيران، كما أنّه لا يعني بالضرورة الاعتراف باستقلال صوماليلاند، بل قد يأتي ضمن شراكة أمنية، على غرار مشروع قانون السيناتور ريس.

أي فرصة مع ترامب؟

روجت صحف إسرائيلية لمقترح يشمل اعتراف إسرائيل باستقلال صوماليلاند، مقابل الحصول على قاعدة عسكرية بحرية، تكون منطلقًا لاستهداف الحوثيين في اليمن. يبدو في حكم المؤكد أنّ صوماليلاند غير معنية على المستويين الشعبي والحكومي بنيل الاعتراف من بوابة إسرائيل، فقد عبّرا معا عن موقف داعم وثابت للحق الفلسطيني، بل وينظران للاستقلال والقضية الفلسطينية من زاوية واحدة، وهي الحق الأصيل لشعبين في تقرير مصيرهما.

وبافتراض أنّ مسؤولين في إدارة ترامب سيدفعون نحو الاعتراف باستقلالها، فإنّ هذا المسعى يواجه العديد من التحديات، والتي ينبغي العمل على تحييدها. أولها؛ الموقف الأقليمي غير المؤيد لاستقلال صوماليلاند، وخاصة دولة مصر التي تنظر القرن الافريقي من وجهة خصومتها مع أيثوبيا، ، وهنا يبرز تقصير حكومات صوماللاند في بناء علاقات طيبة مع الجوار العربي، مثل السعودية وقطر، وقد يكون من الأفضل العمل على اكتسابه لصالح القضية أو على الأقل تحييده، بدلًا من تحويل العرب إلى خصم. والثاني؛ سياسة ترامب التي تضع المصالح الأمريكية في المقام الأول، ولهذا ستكون الأولوية للقضايا الاقتصادية، والإصلاح المؤسسي، والتجارة الخارجية. والثالث؛ انشغال الولايات المتحدة بقضايا دولية ذات أولوية مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع التجاري مع الصين، والحرب في الشرق الأوسط. والرابع؛ موقف وزارة الخارجية الأمريكية الداعم لسياسة الصومال الواحدة، وهو موقف مؤسسي يتطلب مزيد من الجهد، لكسب تأييد مبني على المصالح المتبادلة في المؤسسات الأمريكية. والخامس؛ وجود قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في جيبوتي، ما يجعل الحاجة لإنشاء أخرى في صوماليلاند غير ملحة. 

إن موقف حكومة صوماليلاند الجديدة هو الفيصل في إدارة العلاقات مع ترامب، ما يحتم اختيار الأنسب لتحقيق هدف الاعتراف الدولي بالاستقلال، الذي هو حقّ تكفله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وسواء أقدم ترامب على خطوات إيجابية نحو الاعتراف بصوماليلاند أم لا، فإنّ القضية حققت مكتسبات عدة، وباتت تتصدر قضايا إقليم القرن الأفريقي، وفي ظل حالة السيولة الإقليمية والدولية، فإن العديد من التغيرات قد تكون في صالحها. 

يتطلب هذا من إدارة عرو إيجاد تسوية سياسية للأزمة في لاسعانود، لقطع الطريق على توظيفها ضدّ قضية الاعتراف بالاستقلال، وقراءة التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وحالة تفكك نظام الفيدرالية في الصومال تحت إدارة حسن شيخ محمود، وتوظيفهما لصالح مسعاها لنيل الاعتراف الدولي.