تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
حوارات

هل يتعاون الحوثيون حقًا مع حركة الشباب؟

20 نوفمبر, 2024
الصورة
geeska cover
Share
هل يتعاون الحوثيون حقًا مع حركة الشباب؟ يحاور جيسكا كريستوفر انزالون حول صدق هذه التقارير التي بدأت في الظهور في وقت سابق من العام الجاري.

أوردت سي إن إن في 11 يونيو/ حزيران الفائت أنه ثمة مناقشات جرت بين الشباب وأنصار الله (الحوثيون) في اليمن، بخصوص إمكان تزويد الأخيرة الأولى بأسلحة.  ونقلت سي إن إن عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين (دون تسميتهم) قولهم أن المؤسسة الأمنية الأمريكية كانت على علم بالمحادثات، التي تم التعامل معها "بجدية كبيرة". فيما أكد أحد هؤلاء المسؤولين "أن المسألة كانت محل اهتمام كبير في النقاشات التي نجريها مع الدول الواقعة على جانبي البحر الأحمر". وعندما سُئل أحد المسؤولين عما إذا كانت تلك المحادثات تجري بتوجيه من طهران، التي تبقي على صلات وطيدة بجماعة الحوثيين، بما في ذلك تزويدها بالسلاح، عبّر المسؤول عن شكه في ذلك قائلًا: "لقد بات الحوثيون قوة قائمة بذاتها".

بعد ذلك بشهر أدان جيمس كريوكي J. Kariuki ، نائب ممثل المملكة المتحدة الدائم في الأمم المتحدة، صلات الحوثيين المدعاة بالشباب، واصفًا إياها "بتوجه مقلق". وفيما لم تظهر أدلة محددة لدعم هذه الاتهامات، فإنني أتذكر أن مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية السابق، الذي عمل أيضًا مديرًا لوكالة الاستخبارات الأمريكية قبل توليه هذا المنصب، سبق أن حذر إيران من سماحها لقادة القاعدة بتمرير الأموال "للشباب". ورفض جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني حينذاك، اتهامات بومبيو نفيًا باتًا، وغَرد قائلًا: "إنه ثمة نمط سلوكي هنا، وهو أن بومبيو ينهي حياته المهنية الكارثية"، كما قال ظريف، "على نحو يثير الشفقة، بمزيد من الأكاذيب المحرضة على الحروب".

لقد كنت معنيًا بالصومال لسنوات عديدة، وعلىيَ الإقرار أن تقرير سي. إن. إن. وما تلاه من بيان للدبلوماسي البريطاني كريوكي قد باغتني. إذ لا تختلف المجموعتان أيديولوجيًا فحسب (إحداهما جهادية سنية والأخرى شيعية زيدية)، بل إنهما أيضًا قد وجدتا نفسيهما في اصطفافات جيوسياسية بسبل متناقضة، رغم اشتراكهما في بعض الأهداف النهائية (مثل: العداء للولايات المتحدة وحلفائها السنيين وإسرائيل). 
كريستوفر انزالون أحد أهم الخبراء الدوليين في موضوع الفاعلين المسلحين من غير الدول، ولاسيما الحوثيون والشباب. ويعمل أستاذًا مساعدًا في دراسات الشرق الأوسط بمركز كرولاك في جامعة مارين كوربس. كما اشتغل أستاذًا مشاركًا للتاريخ والحكم في جامعة جورج ميسون George Mason University.

(الآراء الواردة هنا لا تعبر إلا عن وجهات نظره)
وفيما يلي الأسئلة والردود معه والتي تتناول بعض من هذه القضايا.

فيصل علي: لننطلق من البداية، كيف تصف أو تشخص الشباب والحوثيين، ببساطة لتقديم السياق الضروري؟

كريستوفر انزالون: باختصار شديد، الشباب تنظيم جهادي سني، وأحد أقوى الفروع الإقليمية للقاعدة، ومن أكثرها استمرارية. تجمع أيديولوجيتها التنظيمية بين العناصر المحلية (الصومالي)، والإقليمية (القرن الأفريقي والصومال الكبير)، والعالمية (أفكار القاعدة حول ترابط الأمة). وترفض شرعية نظام الدولة القومية، على الأقل كخطاب شعاراتي. ويأتي ذلك على طرف نقيض الحركة الحوثية التي تقبل، واقعيًا، الدولة القومية باعتبارها وحدة سياسية رئيسة في العالم. وبالفعل فإن الحوثيين يسعون لنيل الاعتراف بالدولة القومية اليمنية التي يدعون الانتشار في أرجائها الآن. كما يؤكدون أن هجماتهم على سفن النقل في البحر الأحمر تتم باسم "القوات المسلحة اليمنية" و"الشعب اليمني".

تشير حركة الحوثيون إلى نفسها بأنها "أنصار الله". وقد ظهرت إرهاصات الحركة الحديثة في منتصف تسعينيات القرن الماضي كجزء من إحياء الزيدية والنشاط السوسيو-سياسي الزيدي في محافظة صعدة الواقعة أقصى شمالي اليمن قرب الحدود مع السعودية. تأسست هذه الحركة الإحيائية، جزئيًا بطبيعة الحال، للدفاع عن المصالح الزيدية، ومواجهة انتشار السلفية في صعدة، وهي عملية تسارعت بعد عودة الطلاب اليمنيين من جامعات سلفية في السعودية، بما فيها الجامعة الإسلامية في المدينة.

كان من أبرز قادة الحركة السلفية اليمنية الراحل مقبل بن هادي الوادعي (ت. 2001)، والذي ولد في أسرة زيدية قبل تحوله للسلفية، وتلقيه تعليمًا دينيًا متقدمًا في نجران والمدينة بالسعودية. كانت السلفية في اليمن على وجه الخصوص جاذبة لليمنيين، ممن ولدوا في أسر زيدية ليست من "السادة الأشراف"، وهم أحفاد الرسول محمد (ص)، ما كان يعني استبعادهم من مكانة أكبر في الدوائر الاجتماعية والدينية والسياسية في الشمال الذي يهيمن عليه الزيديون.

فيصل علي: إلى أي حد يمكن النظر بجدية لهذه التقارير المستجدة عن التعاون بين الشباب والحوثيين؟

كريستوفر انزالون: إن تقارير التعاون بين الشباب والحوثيين مثيرة للقلق، في ضوء قدرتهما على التوسع في اضطراب الوضع الأمني في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. بأي حال، إن علينا مقاربة تلك التقارير بنوع من الحذر، وتقييم الأدلة التي تقوم عليها. وفي رأيي، يبقى السيناريو الأكثر رجحانًا هو وجود علاقة توافق بين الأفراد أو شبكات التهريب/ الأعمال الإجرامية المرتبطة بالجماعتين، وليس صلة تحالف أو تعاون مباشر ووثيق. ويمكن أن يكون الدافع إلى ذلك مكسب ما أو نوعية "عدو عدوي صديقي" في الحسابات الاستراتيجية.

فيصل علي: يشير متشككون إلى حقيقة أن الشباب جماعة تكفيرية من الناحية الأيديولوجية، تنظر للسنة الآخرين على أنهم كفار، دعنا من مجموعة مرتبطة بمذهب إسلامي مختلف كليا عن السنة. لكن إلى أي مدى تؤثر مثل هذه الاعتبارات على صنع القرار في أوضاع قد تكون فيها مصالح الجماعة مخدومة عبر تعاون تكتيكي؟

كريستوفر انزالون: ظلت جماعة الشباب صريحة في عدائها نحو التشيع والمسلمين الشيعة، وصنفتهم بأنهم غير مسلمين، ونشطت في الدعوة ضدهم في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ عام 2011 على أقل تقدير. وشملت الجماعة بهذا العداء المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية وما تصفه بالتصوف "المتطرف"، وهو ما ينطبق على ما تعتبره ممارسات صوفية صومالية شعبية. وكانت الشباب واضحة في مطمعها في الاستيلاء على الصومال أولًا، قبل توجيه جهودها نحو "تحرير" الأقاليم ذات الغالبية الصومالية في دول الجوار، مع اهتمام خاص بالإقليم الصومالي في إثيوبيا وشمال شرقي كينيا. وتتبنى الشباب خطابًا محليًا وإقليميا وعالميًا، وإن لم يكن هذا المزيج متكاملًا بشكل سهل دائمًا.

على النقيض من ذلك، فإن الحوثيين حركة زيدية بحتة، ومتمركزة في اليمن، وتسعى للسيطرة وأن يتم الاعتراف بها حكومة شرعية في البلاد. في حين أن الشباب ترفض، خطابيًا على الأقل، القبول بالدولة القومية كيانا سياسيا، فإن هدف الحوثيون الأساسي يتمثل في الهيمنة على دولة قومية محددة، وهي اليمن.

ومن ثم هناك عوائق أيديولوجية واستراتيجية أمام أي تحالف وثيق بين الشباب والحوثيين، الذين ينتمون للمذهب الشيعي المعروف بالزيدية. وينقسم أتباع الزيدية إلى مجموعات فرعية كثيرة. يختلف الزيديون عقائديًا عن جماعة الشيعة الأكبر المعروفة بالإثني عشرية، رغم تبني الحوثيين بعض الشعائر الدينية المرتبطة بالإثني عشرية، أكثر من المرتبطة بالزيديين.

أوضح الحوثيون أنهم فيما يصطفون خلف جمهورية إيران الإسلامية، فإنهم لا يتبنون مفهوم "ولاية الفقيه". ولا تعد هذه الاختلافات محل قلق كبير لدى أغلب الجهاديين السنة، المتأثرين بجوانب السلفية المختلفة، في ضوء عداء السلفية المعروف للمسلمين غير السلفيين، ولاسيما الشيعة والمتصوفة.

في رأيي، ثمة مجال أكثر ترجيحًا للعلاقات المصلحية يكمن في التهريب والشبكات الإجرامية الأخرى العاملة على جانبي باب المندب والبحر الأحمر، والتي لها ارتباطات أو صلات أخرى مع كل من الحوثيين والشباب. وهناك -بالفعل- تاريخ طويل لشبكات التهريب والتجارة عبر البحر الأحمر، والتي تربط اليمن وأجزاء أخرى من شبه الجزيرة العربية بالقرن الأفريقي. كما ثمة شواهد على وجود أسلحة إيرانية تجد طريقها إلى الصومال. وقد جندت الشباب مقاتلين من اللاجئين الصوماليين في اليمن، وهناك تقارير، في وقت أحدث، تفيد بأن الشبكات الإجرامية التابعة للحوثيين تبيع علنًا أسلحة وذخيرة. وتتم في هذا السياق، بشكل مرجح للغاية، مبادلات الأسلحة والذخيرة والتكنولوجيا بين المجموعتين.

فيصل علي: هل لديكم علم بالحالات الكثيرة في الماضي التي تعاونت فيها جماعات تابعة للقاعدة مع مجموعات يمكن أن تعد مناوئة لها، مما يظهر مرونتها في هذا الصدد؟

كريستوفر انزالون: نصح أمير القاعدة المركزية الراحل أيمن الظواهري فروع القاعدة وأنصارها علنًا بعدم اللجوء للقتال مع جماعات "ضالة"، مثل: الإثني عشرية أو الإسماعيلية أو الجماعات الشيعية الأخرى أو الأحمدية أو حتى جماعات غير مسلمة، حتى تبادر مثل تلك الجماعات بالدخول في حرب (مع القاعدة وفروعها). وحتى إن كانت الجماعات الأخيرة معتدية، فإن الظواهري أوصى الجهاديين السنة بالاقتصار على توسيع عناصرها البشرية ومواردها للحد الضروري للدفاع عن أنفسهم والجماعات السنية الأخرى، حتى يستسلم المعتدون أو يسعون لنهاية الأعمال العدوانية.    

تاريخيًا، هناك أيضًا أمثلة على انخراط الجهاديين السنة في أنشطة أدانوها أو تتناقض مع المبادئ الأخرى التي يعتنقونها. فقد انخرطت القاعدة وفروعها (في تعاون) مع مجموعات قبلية وعشائرية وغيرها، ممن عُدّت هوياتهم أقل من هوية المسلمين السنة المشتركة. قامت القاعدة وفروعها بذلك، لأنها تعترف أن مثل هذه الهويات الأخرى يمكن أن تكون دوافع ومنظمات قوية، وحتى مسلحي "الدولة الإسلامية"، الذين دمروا المواقع الأثرية، وبرَّروا أعمالهم بتصنيف هذه المواقع على أنها مقر عبادة وثنية، فإنهم انخرطوا في مجال تهريب الآثار لتحقيق الربح. وخلال قتالها ضد نظام البعث السوري، بقيادة بشار الأسد، استفادت "الدولة الإسلامية" أيضًا من تهريب البترول المنتج في المناطق التي تخضع لسيطرتها للحكومة السورية.
   
كما يتصف أغلب الجهاديين، حتى من يدعون نقاءهم الأيديولوجي والعقائدي، بالعملية والاستراتيجية في عملية صنع قرارهم- إذ يقومون بما يؤمنون أنه سيفيدهم ومنظمتهم بالشكل الأمثل. وعندما يكون هناك اتصال مباشر محدود بين جماعتين، مثل الشباب والحوثيين، فإنه من الممكن دائمًا أن ترى أبنية الزعامة والقيادة داخل كل مجموعة العلاقة على أنها مربحة بشكل محتمل، مع جانب سلبي ضئيل، بسبب اختلاف مناطق العمل جغرافيًا.

فيصل علي: عادة ما يصف الإيرانيون علاقتهم مع المنظمات الحليفة بطريقة مماثلة لما تصف بها الولايات المتحدة دول الناتو الحليفة لها- باعتبارهم "حلفاء"، وليس بالضرورة وكلاء. وتتباين وثاقة علاقاتهم مع تلك المجموعات، لكن الحوثيين لديهم، كما يعتقد على نطاق واسع، استقلال أكبر في صنع القرار مقارنة بحزب الله، على سبيل المثال. كيف ترى تصور طهران للتعاون بين الحوثيين والشباب؟

كريستوفر انزالون: هناك مدرستا تفكير بهذا الخصوص: واحدة ترى الحوثيين جماعة لا تتعدى كونها حليفًا مباشرًا لجمهورية إيران الإسلامية، فيما تراهم المدرسة الأخرى أكثر استقلالًا (عن هذه الجمهورية). وفي رأيي، فإن جماعة الحوثيون تقع في منزلة بين التصورين؛ فهي مستقلة بشكل واضح في عملية صنع القرار، لكنها أيضًا تقع بشكل محدد ضمن "محور المقاومة" الإيراني، ومجال نفوذ الجمهورية أكثر مما كان عليه الحال قبل عام 2014. ومن الواضح أن الحوثيين باتوا لاعبًا محوريًا داخل "محور المقاومة"، لكن فائدتهم الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية أكثر محدودية، فيما يخص مدى الفاعلية التي يمكن أن يكونوا عليها كنقطة ضغط ضد عدو إيران الإقليمي الرئيس؛ أي إسرائيل، كما يتصوره النظام الإيراني. يرجع ذلك في جانب منه إلى البعد الجغرافي الكبير بين اليمن وإسرائيل، وكذلك تركيز الحوثيين الخاص على حكم اليمن.   
لهذه الأسباب، فإن الجماعة المسلحة المثالية للجمهورية الإسلامية هي حزب الله، بفضل موقعها الاستراتيجي والتاريخ الطويل من صلاتها بإيران والحرس الثوري الإيراني. إن إضعاف حزب الله- بسبب عمليات قتل قادته الكبار وقادة عملياته، وخسارة كميات كبيرة من سلاحه ومعداته وبنيته التحتية- قد قلل بشكل واضح من قدرة الجماعة على شن حملة واسعة النطاق على جبهة إسرائيل الشمالية، في حالة وقوع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل.

وهناك ادعاءات بأن جمهورية إيران الإسلامية قد قدمت أنواعًا متنوعة من الدعم للشباب، فيما أنه ثمة افتقار، على الأقل في المصادر المفتوحة، للأدلة على هذه الادعاءات. وعلى الأرجح فإن الأسلحة التي تقدمها إيران للحوثيين في اليمن قد وجدت، في بعض الأحيان، طريقها إلى الصومال، لكن وسيلة النقل على وجه الدقة تظل مجهولة. والأكثر ترجيحًا أن قنوات التهريب القائمة، منذ فترة بعيدة بين اليمن والقرن الأفريقي، قد يسرت حركة هذه الأسلحة عبر باب المندب.

لا أرى مكسبًا استراتيجيًا كبيرًا لجمهورية إيران أو الحوثيين في التسليح المباشر للشباب، لاسيما في ضوء أن الأخيرة تحدوها افتراضيًا مشاعر العداء للشيعة، وإعجابها بواحد من أكثر من أعملوا القتل في الشيعة العراقيين، وهو أبو مصعب الزرقاوي. إضافة إلى ذلك، فإن قدرة الشباب على القيام مباشرة بعمليات ضد الولايات المتحدة أو الأهداف الأخرى التي قد تأمل الجمهورية الإسلامية في استهدافها، لاسيما في النطاقات البحرية، محدودة للغاية. ويحجم ذلك بدوره من فائدة الجماعة لدى جمهورية إيران الإسلامية.  

(الآراء الواردة هنا لا تعبر إلا عن وجهات نظره)