الخميس 15 مايو 2025
أمضى السودان حوالي عامين ونصف العام منذ أن جمد مجلس السلم والأمن عضويته بالاتحاد الأفريقي في 26 من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، وما نتج عنه من فض للشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني.
بدأ الاتحاد الأفريقي يتخذ مواقف رافضة للانقلابات العسكرية منذ مطلع الألفية الجديدة، ففي عام 2000 قامت منظمة الوحدة الأفريقية " الاتحاد الأفريقي حالياً" بوضع إطار عمل للتعامل مع الانقلابات العسكرية والتغييرات غير الدستورية للحكومات، مع وضع قيم أساسية للديمقراطية؛ فيما عرف بإعلان لومي.
شهدت الدورة الثامنة للاتحاد الأفريقي، والتي انعقدت مطلع عام 2007، اعتماد الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، والذي فصّل في مسألة تعريف التغييرات غير الدستورية للحكومات، ومتى يتخذ مجلس السلم والأمن الأفريقي قرار العقوبات على الدول الأعضاء التي تشهد هكذا تطورات، ومن ثم متى يتم رفع هذه العقوبات، وفق الصلاحيات التي أقرها بروتوكول تكوين المجلس عام 2002.
رغم هذا الكم الوافر من التشريعات والقوانين واللوائح التي تنظم عمل الاتحاد الأفريقي في معالجة التغييرات غير الدستورية للحكومات؛ إلا المنظمة القارية فشلت في اتباع منهجية موحدة للعقوبات تجاه هذه التغييرات غير الدستورية للحكومات، متأثرة بمحدودية قدرات المنظمة على إنفاذ قراراتها، وبتماهيها مع المواقف الدولية والإقليمية تجاه هذه التغييرات؛ وفق دراسة تناولت تعامل الاتحاد الأفريقي مع التغييرات غير الدستورية للحكومات بين عامي 2001-2022.
إن وقوع السودان ضمن الدول التي لا تزال عضويتها مجمدة وتحت طائلة عقوبات مجلس السلم والأمن الأفريقي، والتي تطبق بصورة انتقائية يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول جدوى هذه الإجراءات من الأساس؛ خاصة وأن هذا وضع السودان الحالي في أروقة الاتحاد الأفريقي شجع قوات الدعم السريع والأطراف السياسية المتحالفة معها، بتعاون مع دول أعضاء بالاتحاد، على انتهاك مبادئ وأهداف الاتحاد الأفريقي المتمثلة في الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها؛ وذلك عندما قامت قوات الدعم السريع بالتوقيع على ما عرف بميثاق السودان التأسيس، بمدينة نيروبي، بهدف تشكيل حكومة موازية.
قام مجلس السلم والأمن الأفريقي، في مارس/آذار 2025، بإدانة الخطوات التي قام بها الدعم السريع والأطراف المتحالفة معه لتشكيل حكومة موازية، نظراً لخطر التقسيم الذي ستتعرض له البلاد في حالة المضي تجاه هذا الخيار. لكن قوات الدعم السريع والأطراف المتحالفة معها سياسياً ظلت منذ ظهور النقاش حول تشكيل حكومة منفى، في اجتماع الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" أوائل ديسمبر/كانون الأول 2024؛ تبرر مسألة وجود نقاش حول تشكيل حكومة نظراً لعدم شرعية الحكومة السودانية، مستندة بذلك على تجميد الاتحاد الإفريقي لعضوية السودان.
رغم هذا الكم الوافر من التشريعات والقوانين واللوائح التي تنظم عمل الاتحاد الأفريقي في معالجة التغييرات غير الدستورية للحكومات؛ إلا المنظمة القارية فشلت في اتباع منهجية موحدة للعقوبات تجاه هذه التغييرات غير الدستورية للحكومات
رغم أن مسألة تشكيل حكومة موازية قد قادت لانشقاق "تقدم" فيما بعد؛ إلا أن الخلاف لم يكن جوهرياً. وقد قال بكري الجاك، الناطق الرسمي باسم تقدم، أن الخلاف حول مسألة تشكيل حكومة تنازع الشرعية هو خلاف حول الأدوات لا الأهداف. وقد حاجج الهادي إدريس، نائب رئيس الهيئة القيادية بتنسيقية "تقدم"، والقيادي في التحالف الجديد؛ بمسألة تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ذريعة لتشكيل حكومة موازية.
رغم أن هذه الخطوة تستوجب تدخلاً أكثر حسماً من الاتحاد الأفريقي؛ إلا أن السفير النيجيري بانكولي أديوي، مفوض السلم والأمن والشؤون السياسية بالاتحاد الأفريقي، ربط عودة السودان للمؤسسة القارية بخطوات واضحة نحو التحول الديمقراطي، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد على هامش القمة الثامنة والثلاثين للاتحاد الأفريقي في فبراير/ شباط المنصرم. وقد قدمت خمسة دول من أصل خمسة عشر دولة بمجلس السلم والأمن، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، مقترحاً لفك تجميد عضوية السودان؛ إلا أنها فشلت في تحقيق الإجماع الذي تعارف عليه أعضاء مجلس السلم والأمن في اتخاذ قراراتهم.
كانت هذه الخطوة قبل الإعلان صراحة عن مساعي تشكيل حكومة موازية، لكن مسألة منازعة الشرعية قديمة قدم الأشهر الأولى للحرب؛ حيث قدم رئيس الوزراء المستقيل، عبدالله حمدوك، وعدد من وزرائه وأعضاء مجلس السيادة الذين أطاح بهم الإنقلاب بمذكرة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ترفض تمثيل الفريق أول عبدالفتاح البرهان للسودان في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023؛ وكان من بين الموقعين عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، ووزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري اللذان أصبحا من مؤيدي الحكومة الموازية للدعم السريع، وتربطهما صلة مع شقيق قائد قوات الدعم السريع والمسؤول المالي بها، القوني حمدان دقلو.
إن الدافع لمناقشة جدوى تعامل الاتحاد الأفريقي مع التغييرات غير الدستورية مثل الانقلابات العسكرية، نابع من ازدواجية المعايير عند معالجة هذه التطورات. ففي حالة السودان مثلاً، عندما قامت القوات المسلحة السودانية بالانحياز للثورة في 11 أبريل/ نيسان 2019، والإطاحة بنظام عمر البشير (1989-2019)؛ لم يقم الاتحاد الأفريقي بتجميد عضوية السودان رغم أن انحياز الجيش للثوار - حسب نص الميثاق- هو تغيير غير دستوري للحكومة، بل قام بمنح المجلس العسكري الانتقالي مهلة لتسليم السلطة للمدنيين، مدتها خمسة عشر يوماً، ثم ستين يوماً إضافية؛ قبل أن يتم تجميد العضوية بعد مذبحة فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو/حزيران 2019.
قام الاتحاد الأفريقي من قبل بتطبيق مهلة مماثلة، لمدة أسبوعين، في بوركينا فاسو عام 2014، بعد استيلاء الجيش على السلطة من بليز كومباوري (1987-2014) الذي أجبر على الاستقالة بعد حراك شعبي شهد عنفاً.
إن كان الاتحاد الأفريقي يتعامل بانتقائية مع مسألة الانقلابات العسكرية؛ فهو لا يولي بقية أشكال التغييرات غير الدستورية للحكومات اهتماماً يذكر، بل ربما يميل لتشجيعها ضمنياً
قد يكون النظر لمثالي السودان وبوركينا فاسو في مراحل سابقة مدعاة لتأكيد أن الاتحاد الأفريقي يضع اعتباراً للحراك الشعبي والثورات في اتخاذ القرار حول تجميد العضوية من عدمها؛ لكن الكيفية السلسلة التي صعد بها محمد إدريس ديبي إنتو إلى السلطة، في أبريل/نيسان 2021، بعد مقتل والده إدريس ديبي في معارك عسكرية (1990-2021) يعيد طرح علامات الاستفهام.
كان صعود الابن للسلطة خرقاً للدستور التشادي الذي يضع رئيس البرلمان في منصب الرئيس حال شغور المنصب لحين انتخاب رئيس جديد؛ لكن الجيش التشادي قام بحل البرلمان، وتعيين محمد ديبي رئيسا مؤقتا للمجلس العسكري؛ الأمر الذي قابله الاتحاد الأفريقي بالترحيب لا العقوبات. وقد أشارت البعثة الميدانية التي زارت تشاد إلى دور البلد المهم في محاربة الإرهاب، والمخاطر التي يشكلها المرتزقة على البلد، لمحاولة تفسير قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بعدم معاقبة تشاد و تجميد عضويتها.
تعتبر الانقلابات إحدى أشكال التغييرات غير الدستورية للحكومات، وليست الوحيدة. بحسب المادة الثالثة والعشرين من ميثاق الاتحاد الأفريقي في الديمقراطية والانتخابات والحكم؛ أن التغييرات غير الدستورية للحكومات المستوجبة لمعاقبة الدول تشمل: أي انقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً، أي تدخل للمرتزقة لاستبدال حكومة منتخبة ديمقراطياً، أي استبدال لحكومة منتخبة ديمقراطياً عن طريق السلاح والتمرد، أي رفض لتسليم السلطة للفائزين بالانتخابات، وأي تعديل للدستور يمدد فترات الحكم في انتهاك للدستور والقانون ومبادئ التداول الديمقراطي للحكم.
إن كان الاتحاد الأفريقي يتعامل بانتقائية مع مسألة الانقلابات العسكرية؛ فهو لا يولي بقية أشكال التغييرات غير الدستورية للحكومات اهتماماً يذكر، بل ربما يميل لتشجيعها ضمنياً. يترأس الحسن وتارا دولة ساحل العاج منذ عام 2010، وقد استكمل عدد الدورات التي أقرها الدستور، ومع ذلك قام بتعديل الدستور عام 2016 ليتمكن من الترشح مرة أخرى. لمَ يسامح الاتحاد الأفريقي ساحل العاج على خرقها لقيود التغييرات غير الدستورية للحكومات فحسب؛ بل كانت أحد الوسطاء لحث مالي على العودة للنظام الدستوري.
إن فك تجميد عضوية السودان بالاتحاد الأفريقي ورفع العقوبات هو خطوة ضرورية وملحة؛ ليس لحفظ سيادة السودان ووحدة أراضيه فحسب، بل للحفاظ على ماء وجه المؤسسة أمام تساؤلات حول انتقائيتها في التعامل مع ملف التغييرات غير الدستورية للحكومات
لا يختلف الأمر في توغو عن ساحل العاج كثيراً. تسيطر أسرة قناسنقبي على الحكم منذ عام 1967، وقد تولى فاوري الحكم بعد وفاة أبيه قناسنقبي إيديامي عام 2005. ورغم حدوث توترات في توغو بسبب الاحتجاجات التي طالبت بإعادة بند المدة الرئاسية بأثر رجعي، الذي تم تعطيله قبل عقود، نجح البرلمان في إتاحة الفرصة لفاوري للترشح لدورتي 2020 و2025.
شهدت البلاد مطلع العام الماضي تعديلات دستورية جديدة، رفضتها كتلة المعارضة، بعد أن تم تعديل الدستور ليصبح انتخاب الرئيس من مسؤولية البرلمان؛ مما يمكن فاوري البقاء في السلطة لفترات أطول. وقد نجح فاوري، في مايو/ أيار 2024، بعد أسابيع من هذه التعديلات من تعزيز سلطته، بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية. وقد لاقت الانتخابات – رغم انتهاكها للميثاق – قبولاً من الاتحاد الأفريقي. ولعبت توغو في مرحلة ما دور الوسيط بين دولة مالي – التي تعيش انقلاباً عسكريا– وبين المجتمع الدولي والإقليمي.
تعيش الكاميرون تحت سلطة الرئيس بول بيا منذ عام 1982، والذي قام عام 2007 بتقديم مقترح لتعديل الدستور، يقضي بإلغاء تقييد دورات الحكم وجعلها لا محدودة؛ وهو ما نجح في تمريره، واستطاع كذلك أن يحظى بموافقة البرلمان في تمرير قانون يؤجل الانتخابات البرلمانية حتى عام 2026؛ مما يعني حرمان منافسه الرئيسي ماوريس كامتو من الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2025؛ نظراً لغياب الشرط الخاص بوجود مزكين من حزب المرشح الرئاسي داخل البرلمان؛ وهو ما حدث بعد مقاطعة حركة نهضة الكاميرون، التي ينتمي لها كامتو، للانتخابات البرلمانية في العام 2020.
لا تقف مسألة تماهي الاتحاد الأفريقي مع الأشكال المختلفة للتغييرات غير الدستورية للحكومات عند أي حد؛ إذ أن مجلس السلم والأمن الأفريقي يضم من بين أعضائه ساحل العاج، والكاميرون؛ وهي الدول التي تبت في تحديد ما إذا كان التطورات في البلدان الأفريقية تمثل تغييراً غير دستوري للحكومة أم لا. ومن الواضح أن هذه الدول متورطة حتى أخمص قدميها في هذا الذنب. هذا الواقع المشوه في تعامل الاتحاد مع الانقلابات العسكرية، ومع التغييرات غير الدستورية للحكومات، والتسامح مع وجود منتهكي قوانين ونظم الاتحاد ومواثيقه؛ يفتح سؤالاً ملحاً: لماذا تبقى عضوية السودان معلقة ليومنا هذا؟
إن كانت الأسباب الداعية للتغاضي عن انقلاب تشاد هي خطر الإرهاب؛ فالسودان يواجه خطر التقسيم (تقسيماً تغذيه عقوبات الاتحاد على السودان). أي قيمة متخيلة حول الديمقراطية يدافع عنها الاتحاد الأفريقي تستدعي وضع وحدة أراضي السودان واستقلاله على المحك؟
إن فك تجميد عضوية السودان بالاتحاد الأفريقي ورفع العقوبات هو خطوة ضرورية وملحة؛ ليس لحفظ سيادة السودان ووحدة أراضيه فحسب، بل للحفاظ على ماء وجه المؤسسة أمام تساؤلات حول انتقائيتها في التعامل مع ملف التغييرات غير الدستورية للحكومات، وفرصة لفتح صفحة جديدة مع دولة مؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية، وتأكيد على اتساق عمل الاتحاد مع مبادئه وأهدافه التي نص عليها دستوره.