تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 9 فبراير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

هل تنجح المبادرة التركية في إنهاء الحرب السودانية؟

9 يناير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

راجت أخبار خلال الأيام الفائتة عن تقدم تركيا بمبادرة للحل والتوسط بين السودان والإمارات، من أجل إنهاء الحرب التي تقودها مليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتي؛ ضد الجيش السوداني منذ 15 أبريل/نيسان عام 2023. وكانت نتائجها كارثية على الصعيد الإنساني بتهجير الملايين، وتشريدهم بين نازح ولاجئ في دول الجوار. فضلاً عن تداعياتها الكبيرة على الصعيدين الأمني والاقتصادي على الدولة التي ظلت تعاني من أزمات متلاحقة منذ أمدٍ بعيد.

زار نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران السودان، في 4 يناير/ كانون الثاني الجاري، وتناول في لقاءاته مع المسؤولين السودانيين بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة؛ المبادرة التركية التي تقدم بها الرئيس رجب طيب أردوغان.

تجدر الإشارة إلى أن تركيا من خلال هذه المبادرة، ترغب في تعزيز دورها ومكانتها كدولة راعية للسلام في المنطقة، ولها في هذا الصدد باعٌ طويل من المحاولات، يمتد من الأزمة السورية ولا ينتهي بالحرب الروسية الأوكرانية، مروراً بالأوضاع المعقدة في ليبيا، وما بذلته من جهود في دعم أذربيجان لاستعادة الأخيرة السيطرة على أجزاء واسعة من إقليم ناغورنو كاراباخ من أرمينيا.

على الرغم من تباين هذه الأزمات في أسباب اندلاعها وأطرافها ومسوغات التدخل التركي فيها، لكن نجدها مجتمعةً تؤكد على الرغبة التركية في أن تكون فاعلاً إقليمياً بشكلٍ إيجابي، بالمقارنة مع دول أخرى ذات نفوذ مشابه في المنطقة.

يُضاف إلى ذلك المصالح الاقتصادية التي تربط أنقرة بالخرطوم وأبوظبي بشكلٍ خاص، فعلى الرغم من تدني مستوى التبادل التجاري بين السودان وتركيا، إذ لا يزال دون طموحات البلدين، إلا أن هناك فرصا واعدة للاستثمار والتجارة بين الجانبين. أما بالنسبة للإمارات فالتبادل التجاري بينها وتركيا تجاوز حاجز 20 مليار دولار، وهناك خطة لزيادته لمبلغ 40 مليار دولار خلال خمس سنوات. فضلا عن المصالح السياسية التي تربط أنقرة مع البلدين على اختلاف موقعهما الجغرافي.

تعتبر تركيا طرفاً مقبولاً لدى البلدين، وهذا القبول هو مربط فرس نجاح أي مبادرة مطروحة للتوسط، إلا أن العديد من العوامل تهدد النجاح المأمول؛ سيما وأنه لا يوجد تغيير في مواقف دولة الإمارات المتهمة بدعمها وتمويلها غير المحدود لمليشيا الدعم السريع، في حربها على الدولة السودانية على الرغم من الانتهاكات والفظائع التي قامت بها المليشيا ضد المواطن السوداني.

أصدرت أبوظبي من جهتها بياناً ترحيبياً بالمبادرة التركية، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى أبوظبي، وعقده لقاءات عدة مع المسؤولين هناك. لكن البيان لم يُقدم أو يُشير إلى أي خطوات مستقبلية إيجابية، يمكن أن تتخذها الإمارات في سبيل إنهاء دعمها للمليشيا المتمردة. بل اشتمل على انتقادات لاذعة لموقف الجيش السوداني إزاء التفاوض، وما أسمته بالحل السلمي للأزمة في منبرٍ مستحدثٍ في جنيف السويسرية، وهو منبر ترى الحكومة السودانية أن لا داعي له، سيما وأن المليشيا لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه في منبر جدة، في مايو/آيار عام 2023، وردت الخرطوم عليه بتفنيد ما ذكرته أبوظبي في بيانها.

على الرغم من ترحيب السودان والإمارات بالمقترح التركي الذي لا تزال تفاصيله طي الكتمان؛ تبرز العديد من المتطلبات لإنجاح هذه المبادرة. أولها ضرورة اتخاذ إجراءات تعزيز الثقة بين الطرفين، وعلى رأسها إيقاف دولة الإمارات لدعم المتمردين، والاعتراف بأن ما يجري في السودان هو تمرد من قوات كانت تابعة للجيش السوداني، وهو حسب رؤية الحكومة السودانية؛ التوصيف الصحيح للحرب، وما سيُعجل بنهايتها.

هذا الأمر صعباً للغاية بالنسبة لأبوظبي التي استثمرت أموالاً طائلة في دعم المليشيا، وداعميها من القوى المدنية، بما يشمل التكوين العسكري والدعم السياسي واللوجيستي. بالمقابل تواجه الإمارات شكوى من السودان في مجلس الأمن، كانت الخرطوم قد قدمتها للمجلس مدعومةً بالعديد من الأدلة. 

لقد سببت لها الشكوى حرجاً بالغاً، وعرضتها لضغوطات محدودة من بعض المشرعين الأمريكيين في مجلسي النواب والشيوخ. ما أسفرت عن تعهد بالتوقف عن تقديم الدعم لمليشيا حميدتي، وهي خطوة خجولة لن يكون لها انعكاس كبير على أرض الواقع، ما لم تتبعها ضغوطات كبيرة تُثني أبوظبي عما تقوم به. 

واضح أن الإمارات ترغب في أن يقوم السودان بسحب شكواه تلك لرفع الضغط عنها؛ رغم علمها التام بأن هذا الأمر لن يتأتى ما لم يتم تحقيق مطلوبات الحكومة السودانية بالاعتراف بفشل مغامرة أبوظبي، ودفع التعويضات اللازمة للمتضررين، وأولهم الدولة السودانية التي تضررت بُناها التحتية بشكلٍ بالغ.

في ظل صعوبة تحقيق مطلوبات الطرفين، نجد أن الهوة كبيرة بين موقفي السودان والإمارات بسبب العوامل المذكورة. بالإضافة إلى التعقيد الكبير في الأزمة السودانية التي تشمل أطرافاً ودولاً أخرى، مثل: تشاد وكينيا وإثيوبيا، وهي دول لها وزن في الاتحاد الإفريقي والإيغاد. وبفضل مواقفها المتشددة والداعمة للدعم السريع تراجعت علاقاتها الثنائية مع السودان الذي جمد عضويته في الإيغاد كردٍ على مواقف هذه الدول المتماهية مع المليشيا في حربها ضد الدولة السودانية.

ينتظر أنقرة ملف معقد للغاية، رغم خبرتها الكبيرة في الوساطة الدولية. ما يُحتم عليها بالضرورة ابتدار النقاش مع أبوظبي لإقناعها بضرورة التخلي عن الدعم السريع الذي فشل في تحقيق أهدافه من الحرب، وهي الاستيلاء على السلطة في السودان بالقوة، وابتلاع الدولة ومقدراتها الاقتصادية. ويلي ذلك ضرورة استصحاب أديس أبابا ونيروبي وإنجمينا في هذه المناقشات بغية التوصل لتسوية تؤدي إلى إنهاء الحرب. كما يجب عليها إقناع هذه الدول بأن إطالة أمد الحرب ليس في مصلحة أي طرف من الأطراف، لكونه سيؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن تداعياتها السالبة ستمتد لتشمل دولاً أخرى في الإقليم؛ تُعاني من أوضاع سياسية وأمنية هشة للغاية.

لا توجد حتى الآن مؤشرات على حل سياسي للأزمة، وعلى الرغم من التوقف الجزئي للعمليات العسكرية في عدد من المحاور، فإن الجيش يمضي في خطته بالحسم العسكري للمليشيا رغم طول أمد الحرب وانعكاساتها السالبة. لكنها تظل الخيار الوحيد حالياً، خصوصا وأنها تُعتبر مهدد لبقاء الدولة كياناً واحداً موحداً، بعد أن تبنت المليشيا مؤخراً لخطابات العنصرية بتصريحات قياداتها بأنهم يخوضون حرباً ضد مكونات قبلية بعينها.

تؤكد الأوضاع العسكرية على الأرض تقدم الجيش السوداني، واستعادته زمام المبادرة، بإعادة السيطرة على مناطق كانت تحتلها مليشيا الدعم السريع. بالإضافة إلى تدمير العديد من القواعد العسكرية المركزية للمليشيا في دارفور؛ في قاعدة الزرق وتخوم الفاشر، التي لم تُفلح المليشيا حتى اليوم في الاستيلاء عليها، بعد أن استولت على كامل أراضي إقليم دارفور في وقتٍ سابق. وهذا في حد ذاته مؤشر على أن الحكومة السودانية إن رغبت في التفاوض، فهي لن تفصل تقدم الجيش العسكري عن الأجندة المفترض النقاش حولها، والتي يتقدمها ما تم التوافق عليه في منبر جدة بخروج المليشيا من الأعيان المدنية وبيوت المواطنين والتجمع في مناطق محددة خارج المدن.

على ضوء هذه المعطيات نجد أنه من الصعوبة بمكان أن تُحقق المبادرة التركية النجاح المطلوب، سيما أن هذه الحرب تنخرط فيها العديد من الجهات الإقليمية والدولية التي لن ترضى بالخروج خالية الوفاض، بعد استثمارها ملايين الدولارات في دعم طرف ظل يتكبد الخسائر يومياً.

وإذا افترضنا قبول الإمارات بالشروط السودانية المعلنة، فإنها بالضرورة ستُطالب بما يعوض لها خسائرها المليارية، بالمطالبة بإعطائها فرص للاستثمار مستقبلاً أو حتى المشاركة في عمليات إعادة الإعمار، بما يضمن لشركاتها ومؤسساتها الاقتصادية البقاء في أرض السودان لأطول وقت ممكن.

أما الحكومة السودانية فإنها مضطرة للتعامل مع هذا الموضوع بحذرٍ كبير، لضمان استمرار الدعم الشعبي غير المسبوق للجيش السوداني، خصوصا وأن السودانيين يفضلون خيار الحسم العسكري على التفاوض، باعتبار أن التفاوض ربما يجلب المليشيا وداعميها من القوى المدنية إلى سُدة الحكم مجدداً. وهو ما يرفضه ملايين السودانيين خاصةً المهجرين منهم، الذين يأملون في العودة لبلادهم وبيوتهم التي أجبروا على مغادرتها، بسبب مغامرة لم تكن محسوبة العواقب، ظن القائمون عليها أن أهدافها ستكون سريعة التحقق والتنفيذ.