الخميس 17 يوليو 2025
إن خوض الانتخابات الديمقراطية التي باتت شبه مستحيلة وبعيدة المنال منذ نصف قرن، ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات وانتهاء ولاية الحكومة الفيدرالية الحالية، التي تؤكد رغبتها على إدارة انتخابات شعبية تشمل جميع المناطق والولايات، ما عدا ولايتي بوتلاند وجوبالاند وغياب صوماللاند مسبقاً، وفي ظل انعدام التوافق السياسي في الصومال، وغياب جهاز فصل السلطات (المحكمة الدستورية)، إلا أن حسن شيخ لا يبدوا مكترثًا لكل ذلك.
لقد بادر الرئيس حسن شيخ بتعديلات دستورية (تغييرات) وقام بتمريرها عبر مجلسي البرلمان دون القيام باستفتاء شعبي، وهذه إحدى الأسباب التي تلوح بها المعارضة لرفضها أن تتم الانتخابات المباشرة، هي عدم التوافق على صيغة التعديلات الدستورية وآلية تنفيذ مخرجاتها على أرض الواقع وكيفية إزالة النظام الانتخابي القبلي 4.5، دون الاتفاق على خارطة طريق بديلة، لضمان نتائج انتخابات تتمتع بالمستوى المطلوب من المصداقية، ومرضية لشريحة لا بأس بها من الشعب. أما فيما يتعلق بغياب الأمن، وما يمكن أن يشوب هذه العملية الانتخابية من تزوير واسع النطاق، من شأنه أن يرجح كفة الرئيس الحالي، لسيطرته على مفاصل الدولة، كما ترصد التحاليل والدراسات على أرض الواقع.
هل سيتمكن الرجل من تحقيق ما عجز عنه أسلافه؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟ هل سيعيد التاريخ عام 1967، آخر انتخابات ديمقراطية شهدتها البلاد؟ هل سيفعلها تحت شعاره الدائم بوجه كل من يتعارض مع نظام الحكم الفردي المطلق لديه وهو "Cidna u joojin mayno" (لن نتوقف لأجل أحدهم)؟ أم سيلجأ في نهاية المطاف إلى المفاوضة مع النخبة السياسية ورؤساء الأقاليم التي تقف بوجهه لأسباب شخصية أو اختلاف رؤى مع إدارة نظامه، للوصول بنهاية المطاف لما يريده شخصياً أم ما تريده الأطراف السياسية الأخرى؟
أحدهما تنظيم الاقتراع في حدود العاصمة مقديشو فقط، لضمان مشاركة شعبية نسبية تكون بداية لحكم سلطة فيدرالية منتخبة. والآخر البحث عن صيغة توافقية بديلة مع الأطراف السياسية، في غضون الأشهر المقبلة لتنظيم انتخابات شعبية ذات شمولية أوسع.
وفق ما تسير عليه الأحداث والمعطيات الراهنة، الخيار الأكثر ترجيحاً بالنسبة لي، هو فشل تنظيم الانتخابات المباشرة كما حدث في عهد الرئيس الأسبق فرماجو، والعودة إلى المربع الأول (خيمة أفيسوني).
لكن، وفق ما تسير عليه الأحداث والمعطيات الراهنة، الخيار الأكثر ترجيحاً، هو فشل تنظيم الانتخابات المباشرة كما حدث في عهد الرئيس الأسبق فرماجو، والعودة إلى المربع الأول (عقد الانتخابات في خيمة أفيسوني وتحت رعاية الشركاء الدوليين). وهو أمر مقبول للمجتمع الدولي وللمعارضة السياسية، ومرفوض من الشعب المغلوب على أمره، الذي يعاني في جميع قطاعات الحياة من نظام انتخاب المحاصصة القبلية منذ عقود.
صراع أنظمة الأقاليم مع النظام المركزي للبلاد، بشكل ممنهج وغير مبرر، بدعم من أيدي خارجية وتضارب بالمصالح الشخصية، مما أدى إلى النزاع على استغلال ثروات الوطن، وغياب الإرادة السياسية لدى النخب في حل المشكلات القائمة، وانعدام الوعي السياسي الذي ساهم في زيادة المخاطر والمعوقات التي تعيق عملية السلام والاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية الشاملة. أما الشعب (مصدر السلطات) الذي تم إقصاؤه، ويواجه أقسى أنواع الاستبداد الفكري والسياسي والاقتصادي، من قبل الأذرع المهيمنة على مفاصل الدولة ومقدرات الشعب.
فضلا عن أن الشعب لا توجد لديه إرادة ورغبة حقيقية لتحريك حراك شعبي سلمي قادر على إحداث موجة من التغيير في الشارع الصومالي يمنع من العودة إلى انتخابات خيمة أفيسوني، ويمكن من إرجاع حق تقرير المصير إلى أحضان الإرادة الشعبية، وينهي احتكار تقرير مصيرهم لدى نخبة من السياسيين الذين عاثوا في أرضهم الفساد، وهذا يعني أننا لن نشهد انتخابات الصوت الواحد لشخص الواحد، وسنشهد إعادة مشاهد خيمة أفيسوني من جديد في مايو/آيار 2026.
عقد مؤتمر حوار وطني حقيقي ذو شمولية التمثيل وضمان مشاركة مكونات الشعب الصومالي كاملة، وليس فقط للعاملين بالمجال السياسي، لتأسيس توافق وطني مجرد من المصالح الذاتية، وإحداث انخراط وطني شامل مرضي للجميع، وتهيئة لمناخ بيئة سياسية جديدة في البلاد تجعل جميع أطياف الشعب يلتف حولها، عقد هذا المؤتمر سيكون بمثابة إحياء الأمل في نفوس الشباب بشكل خاص وبشكل عام لمواطني الدولة الصومالية في الداخل والخارج.
الشعب لا توجد لديه إرادة ورغبة حقيقية لتحريك حراك شعبي سلمي قادر على إحداث موجة من التغيير في الشارع الصومالي يمنع من العودة إلى انتخابات خيمة أفيسوني
لا شك أن مخرجات المؤتمر سيكون لها وقع وتأثير على أرض الواقع، حيث سيشكل خارطة طريقة جديدة لبناء الوطن على قدم العدل والمساواة، وبذلك سوف نستطيع أن نحقق تأسيس دولة تكنوقراطية، تستقطب ذوي الخبرات في المجالات المتعددة المختلفة، لتساهم في تعافي هذا البلد المنقسم سياسياً والذي يعاني اقتصادياً وتعليمياً وصحياً.
هل سيظل حلم الانتخابات الشعبية معلقاً بإحلال الأمن، والتخلص التام من انتشار حركة الشباب الإرهابية في مناطق البلاد، وإيجاد التوافق السياسي الذي أصبح محتكراً لفئة من النخبة السياسية، والتجار (هوامير السوق) والمحركين الأساسيين لأسعار السلع والخدمات في البلاد، هؤلاء الذين باتوا معروفين لدى الشعب الصومالي، وجعل مشاركة الأفراد والمجموعات المختلفة في حق تقرير المصير والتقاسم العادل للسلطة ولمكتسبات الوطن أمراً مستحيلاً؟
لا يمكن أن تصبح الصومال دولة مستقرة أو نصل حتى لانتخابات شعبية تديرها وتشرف عليها هيئة فاعلة ومستقلة، ما لم تكن هناك مشاركة مفتوحة أمام جميع أطياف هذا الشعب لاختيار ولاة أمورهم بمحض إرادتهم المطلقة دون أن تطالها أيدي خارجية أو داخلية باتت مكشوفة أمام أصحاب العقول المفكرة الذين يحملون شعار "الوطن للجميع وفوق الجميع"، أصبحوا يدركون أن ذلك سبب من أسباب عدم الاستقرار وتحقيق الوحدة الوطنية في الصومال، بالإضافة إلى ما تقوم به حكومة الرئيس الحالي حسن شيخ ورئيس وزرائه حمزة بري هو تحييد لإرادة الشعب وبسط أركان الدولة الدكتاتورية الفردية، وهذا ما يتضح جلياً في تصريحات الرئيس أمام مسمع وأعين الشعب لمن يتابعها.
يتصرف حسن شيخ بتعنت في حكم البلاد، نازعاً رداء المسؤولية أمام هذا الشعب الذي يحكمه من على كتفيه، ودون أن يبالي بمعاناته ، بل وقام بفرض ضرائب على جديدةطالت السلع الغذائية واحتياجات الناس للعيش بحياة كريمة، في محاولة منه أن يخلق لنفسه فرصة تضمن له البقاء على سدة الحكم وأن يحكم البلاد بقبضة من حديد، مع استعداد كامل للتنازل عن ملفات قضايا مصيرية تلامس الأمن القومي للبلاد، نراها في تحركاته في أزمة الصومال وأثيوبيا وما تم التوافق عليه في "إعلان أنقرة".
المواطن (مصدر السلطات) الذي تم إقصاؤه، ويواجه أقسى أنواع الاستبداد الفكري والسياسي والاقتصادي، من قبل الأذرع المهيمنة على مفاصل الدولة ومقدرات الشعب.
وما حدث مؤخراً في القمة العالمية للحكومات 2025 في الإمارات، حيث تم انتهاك وحدة الصومال من قبل دولة الإمارات، إذ تم دعوة رئيس جمهورية صوماللاند غير المعترفة بها عالميا بصفته"رئيس جمهورية" للمشاركة في القمة، دون خروج أي تصريح واعتراض من قبل الحكومة الفيدرالية.
من المستحيل في ظل كل هذه التخبطات من حكومة حسن شيخ أن تتم انتخابات مباشرة في البلاد، بل من الممكن أن يؤدي تعنته وإصراره لسماع نفسه والحاشية المقربة منه فقط، إلى خلق مزيد من الانقسام والصراعات التي من الممكن أن تقودإلى حروب أهلية جديدة.
هناك تحدي حقيقي أمام المعارضين بمختلف انتمائتهم، لإدراك أن الصومالبحاجة لوقفة حقيقة لإزاحة الحكم التسلطي الفردي الذي يقوده حسن شيخ، والمنتفعين من حوله في الصومال ودون رجعة، لضمان وحدة واستقرار الصومال.