تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 19 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
ثقافة

هل الجوائز العالمية حقًا محايدة؟

16 أكتوبر, 2025
الصورة
هل الجوائز العالمية حقًا محايدة؟
Share

منذ أكثر من قرن، ظلت الجوائز العالمية مثل جائزة نوبل وأخواتها تقدم على أنها تتويج للعبقرية الإنسانية، وتقدير للجهود التي تسهم في خدمة البشرية، غير أن التساؤلات لا تنقطع حول مدى نزاهة هذه الجوائز وحيادها. فهل يتم اختيار الفائزين حقا بناءً على الاستحقاق العلمي أو الإبداعي وحده، أم أن وراء الأبواب المغلقة حسابات سياسية وتوازنات دولية، تحدد من يستحق التكريم ومن يُستبعد؟

في عالم تتحكم فيه القوى الكبرى بالإعلام والاقتصاد والقرار الدولي، يصبح من المشروع أن نسأل: هل الجوائز العالمية مرآة للإنجاز الإنساني، أم أداة ناعمة من أدوات القوة الغربية لتكريس نفوذها الثقافي والسياسي؟

عن الخلفية التاريخية

تعود جذور الجوائز العالمية إلى نهاية القرن التاسع عشر، حين أسس العالم السويدي ألفريد نوبل جائزته الشهيرة عام 1895، مكافأةً لمن "يخدم البشرية في مجالات العلم والأدب والسلام". كانت الفكرة في أصلها نبيلة وإنسانية، نابعة من رغبة نوبل في ترك إرث إيجابي بعد أن ارتبط اسمه باختراع الديناميت.

لكن بمرور الوقت، تحولت الجائزة من مبادرة فردية إلى منظومة مؤسسية معقدة، تخضع لضغوط إعلامية وسياسية واقتصادية متشابكة. ومع تصاعد النفوذ الغربي في القرن العشرين، لاحظ المراقبون أن بعض قرارات منح الجوائز - وخاصة نوبل للسلام والأدب - تحمل ميولًا أيديولوجية تخدم مصالح معينة، فقد أصبح الفائز أحيانًا رمزًا سياسيًا أو صوتًا معارضًا تريد بعض القوى الغربية إبرازه في توقيت محدد.

منذ انطلاق الجائزة في عام 1901، لم تكن القرارات بمنأى عن النقد. ففي العديد من الحالات، لم يكن الاختيار يعكس بالضرورة إنجازًا سلمياً راسخًا، بقدر ما كان يعبر عن حسابات سياسية أو مكافأة تيارات فكرية معينة. وقد مثل هذا التحول في سياسة اللجنة من تكريم ناشطي السلام المثاليين إلى مكافأة رجال الدولة أصحاب النفوذ قوة، ما أثار تساؤلات حول مدى توافق ذلك مع إرادة ألفريد نوبل الأصلية؟

التسييس في الجوائز

تتجلّى ملامح التسييس بوضوح عند التأمل في بعض الأسماء التي نالت جوائز نوبل رغم الجدل الواسع الذي أحاط بها.

عام 2009 مُنحت جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد تسعة أشهر فقط من توليه الرئاسة، تقديرًا لـ"جهوده الاستثنائية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب"، غير أن كثيرين تساءلوا عمّا حققه فعليًا خلال تلك الفترة القصيرة، خاصة أن الولايات المتحدة كانت ما تزال تخوض حربين في أفغانستان والعراق.

وذكرت صحيفة "The Guardian" أن اختيار أوباما عام 2009 كان "استباقيًا ومشحونًا بالتوقعات السياسية"، حتى أوباما نفسه عبّر عن دهشته من القرار، مشيرًا إلى أن الجائزة بدت أقرب إلى تكريم للنوايا لا للإنجازات الفعلية.

قرارات منح الجوائز - وخاصة نوبل للسلام والأدب - تحمل ميولًا أيديولوجية تخدم مصالح معينة، فقد أصبح الفائز أحيانًا رمزًا سياسيًا أو صوتًا معارضًا تريد بعض القوى الغربية إبرازه في توقيت محدد

وفاز ثيودور روزفلت عام 1906 بالجائزة رغم أنه كان، وفق وصف اللجنة النرويجية نفسها، "أكثر المواطنين الأميركيين نزعة إلى الحرب في عصره"، وقد أثار القرار حينها انتقادات واسعة، حتى في الصحف الأميركية، مثل نيويورك تايمز.

الرئيس الإثيوبي أبي أحمد بدوره فاز عام 2019، وفقًا لتقرير نشرته BBC، ثار جدل واسع حول منحه جائزة نوبل للسلام بعد اندلاع النزاع في إقليم تيغراي لاحقًا، ما جعل كثيرين يرون أن الجائزة مُنحت قبل الأوان، تمامًا كما حدث في بعض الحالات السابقة.

دور الإعلام في تشكيل صورة الجوائز

في عام 2025، أعلنت باكستان نيتها ترشيح الرئيس الأمريكي السابق ترامب للجائزة لدوره في وساطة وقف إطلاق النار مع الهند، وسط جدل داخلي، وقد وصف بعض الدبلوماسيين ذلك بأنه "محاولة للمساومة على الكرامة الوطنية"، حتى إن بنيامين نتنياهو أعلن ترشيحه خلال الصراع في غزة، ما يعكس كيف يمكن أن يُستخدم الترشيح كأداة سياسية.

كما تتكرر الظاهرة في مجالات الأدب وحقوق الإنسان، إذ تُمنح الجوائز أحيانًا لأدباء أو ناشطين يحملون مواقف مناوئة لأنظمة لا تتوافق مع سياسات الغرب، فيتحول التكريم إلى أداة ضغط دبلوماسي ناعم. وهكذا، لم تعد الجوائز دائمًا احتفاءً بالموهبة أو الإبداع، بل أحيانًا وسيلة لتوجيه الرأي العام وفق منظور غربي محدد.

تُمنح الجوائز أحيانًا لأدباء أو ناشطين يحملون مواقف مناوئة لأنظمة لا تتوافق مع سياسات الغرب، فيتحول التكريم إلى أداة ضغط دبلوماسي ناعم

لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في صناعة "هالة القداسة" حول الجوائز العالمية. فالإعلام الغربي، بما يمتلكه من أدوات تأثير ضخمة، يسوّق الفائزين باعتبارهم رموزًا عالمية للسلام أو الحرية أو الإبداع، مما يمنح قرارات اللجان بعدًا أخلاقيًا يصعب الاعتراض عليه. وغالبًا ما يُسلّط الضوء على من يتماشى مع السرديات السياسية والثقافية السائدة في الغرب، بينما تُهمّش أو تُنتقد الشخصيات التي تمثل رؤى مغايرة.

بهذا الشكل، تتحول الجوائز إلى جزء من منظومة إعلامية متكاملة، تكرّس قيمًا ومعايير محددة للنجاح والتأثير العالمي.

الجوائز البديلةومحاولات التوازن

في مواجهة هذا الواقع، سعت بعض الدول والمؤسسات في العالم العربي والآسيوي إلى إنشاء جوائز بديلة تسعى إلى تكريم الإبداع بعيدًا عن التسييس الغربي. فظهرت جوائز مثل: جائزة الملك فيصل العالمية وجائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة كتارا للرواية العربية وجائزة نزار قباني... التي تهدف إلى إبراز مساهمات المفكرين والعلماء والأدباء من مناطق مختلفة من العالم.

غالبًا ما يُسلّط الضوء على من يتماشى مع السرديات السياسية والثقافية السائدة في الغرب، بينما تُهمّش أو تُنتقد

كما أطلقت الصين والهند وماليزيا مبادرات ثقافية مشابهة لتكريم العلماء والمبدعين، وفق معايير محلية مستقلة. هذه الخطوات، رغم محدودية تأثيرها العالمي، تمثل محاولة لكسر احتكار الغرب لصناعة "الاعتراف الدولي"، وإعادة تعريف مفهوم التميز الإنساني من منظور أكثر شمولية وعدالة.

دفاعا عن الجوائز

يرى المدافعون عن الجوائز في المقابل أن الاتهامات بالتسييس مبالغ فيها أحيانًا، وأن الجوائز رغم جدلها ما زالت تمثل منصات رمزية لتكريم الإبداع والعلم والفكر. فالكثير من العلماء والكتاب الذين نالوا نوبل أو غيرها من الجوائز قدموا بالفعل إسهامات عظيمة غيّرت مسار المعرفة الإنسانية، مثل: ماري كوري وألبرت إينشتاين ومالكولم براون...

كما يشير البعض إلى أن اللجان المانحة تتبع إجراءات دقيقة ومعايير واضحة، وأن وقوع بعض الحالات الاستثنائية لا يعني وجود مؤامرة ممنهجة، فالعالم في نهاية المطاف لا يخلو من تقاطعات السياسة والمصالح. لكن ذلك لا ينفي وجود نية حقيقية لدى كثير من المؤسسات لتكريم الجهد الإنساني النزيه حيثما كان.

وفي النهاية، تبقى الجوائز العالمية مثل نوبل وأخواتها سيفًا ذو حدين، فهي من جهة تكريم يستحقه المبدعون والعلماء والمفكرون الذين خدموا الإنسانية. ومن جهة أخرى مساحة سياسية قد تتأثر بالمصالح الدولية والإقليمية، وهو ما يراه كثير من الناس، خاصة في وقت يعيش فيه العالم فترة هيمنة الغرب على السياسة والاقتصاد والثقافة. وللقارئ الحق في التساؤل: هل وراء كل جائزة قصة إنجاز حقيقي، أم أن بعض الأضواء تُسلَّط لأهداف أكبر؟

وربما يكمن الحل في زيادة الشفافية في عملية الاختيار وتعزيز الرقابة المستقلة، لتصبح الجوائز العالمية بالفعل مرآة للتميز البشري، لا أداة لإعادة رسم النفوذ السياسي. وبينما نستمر في التساؤل والبحث، يبقى الدرس الأهم: علينا أن نُقدر الإنجازات بحذر ووعي، وأن نميز بين الموهبة الفعلية والرمزية السياسية التي قد تصاحبها أحيانًا، لا سيما في عالم تُسيطر عليه قوى كبرى تُوجّه القرارات وفق مصالحها الخاصة.