الاثنين 28 أبريل 2025
أثار فوز المرشح الجيبوتي محمود علي يوسف برئاسة الاتحاد الأفريقي في الانتخابات التي جرت في 15 فبراير/شباط الجاري، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مشاعر متباينة بين الارتياح لدى داعمي يوسف، والصدمة لدى أنصار منافسه الكيني، خصوصا في منطقة القرن الأفريقي، حيث دعمت معظم دولها المرشح الكيني رايلا أودينغا، باستثناء الصومال التي أظهرت دعما علنيا وقويا للمرشح الجيبوتي الفائز.
اكتسبت هذه الانتخابات أهمية خاصة للصومال ومنطقة شرق أفريقيا، إذ ضمن فوز محمود علي يوسف برئاسة الاتحاد الأفريقي للصومال تحقيق مساعيها في إبعاد مخاوفها من تداعيات فوز خصمه الكيني، الذي كانت تنظر إليه بتوجس. أما بالنسبة للمنطقة التي تعد من أكثر مناطق القارة اضطرابا وتعقيدا من حيث الصراعات، فإن تولي أحد أبنائها رئاسة الاتحاد الأفريقي يمثل فرصة مهمة لدفع جهود إيجاد حلول للأزمات والنزاعات المستمرة.
دعمت الصومال جيبوتي في السباق لعدة اعتبارات، أبرزها نفوذ الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، على القرار الصومالي، حيث مارس ضغوطًا على نظيره الصومالي ليس فقط لضمان عدم دعم أي مرشح آخر، بل أيضا لدفع المرشحة الصومالية للتنازل لصالح المرشح الجيبوتي. كما لعبت المخاوف من تداعيات فوز المرشح الكيني دورًا في هذا الموقف، إذ كان يتبنى مواقف مؤيدة لمساعي صوماليلاند للحصول على اعتراف دولي، وسبق أن أعلن صراحة عزمه على الدفع بهذا الاتجاه في حال فوزه برئاسة الاتحاد الأفريقي.
رشحت الحكومة الفيدرالية الصومالية فوزية يوسف حاجي آدم، النائبة في البرلمان الحالي، ونائب رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية السابقة، للمنافسة على رئاسة الاتحاد الأفريقي بقرار رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وتبع ذلك دعم مادي ومعنوي من مختلف القوى السياسية، سواء من الحكومة أو المعارضة. وقد تجسد هذا الدعم في تبرع أعضاء مجلس النواب بأموال لدعم حملتها الانتخابية، لكن سرعان ما تحول هذا المشهد إلى حالة من الاحتقان، وتوجيه انتقادات حادة لقيادة الحكومة الفيدرالية، بسبب التراجع المفاجئ عن ترشيح فوزية.
بالنسبة للمنطقة التي تعد من أكثر مناطق القارة اضطرابا وتعقيدا من حيث الصراعات، فإن تولي أحد أبنائها رئاسة الاتحاد الأفريقي يمثل فرصة مهمة لدفع جهود إيجاد حلول للأزمات والنزاعات المستمرة
تنحدر فوزية من صوماليلاند، وقد يكون ذلك من أسباب عدول الحكومة الصومالية عن ترشحها، الخشية من أن وصولها إلى ذلك المنصب القاري قد يقلب الطاولة عليها، ويقوض ادعاء مقديشو بسيادتها على صوماليلاند، مما دفع صانع القرار الصومالي إلى تبنّي خيار دعم جيبوتي، باعتبارها متسقة مع الموقف الصومالي الرافض لاستقلال صوماليلاند، خاصة في ظل توصيات الاتحاد الأفريقي التي أقرت بأحقيتها في الاعتراف الدولي.
التزمت مقديشو الصمت دون أي تعليق عن دوافع قرار التراجع، لكن فوزية أكدت أن الرئيس حسن شيخ محمود أخبرها أن ذلك جاء بطلب من إسماعيل عمر جيلي، لدعم مرشح بلاده، متهمة إياه برفض منحها أوراق الترشيح، التي تُعد إلزامية لأي مرشح للحصول على موافقة الترشيح من الجهة المعنية في الاتحاد الأفريقي.
حاول الرئيس، بالاستعانة ببعض حكام الولايات الإقليمية ومسؤولين حكوميين، إقناع فوزية بالتنازل عن الترشح، حيث تمت تسوية القضية بعيدًا عن الأضواء والضجيج في الرأي العام الداخلي. لكن الأمور لم تسر كما أراده، إذ تحدت فوزية هذه المحاولة، وتعهدت بمواصلة ترشحها، رغم إدراكها أنها لن تتمكن من تحقيق أي شيء دون دعم حكومتها.
أثارت خطوة الرئيس محمود انتقادات واسعة من بعض السياسيين المعارضين، الذين اعتبروها سابقة خطيرة، متهمين إياه بالوقوف إلى جانب مرشح أجنبي على حساب مواطن من بلاده، مما اعتبروه مخالفة كبيرة للدستور والقوانين المعمول بها.
على الرغم من أن قرار الرئيس حسن شيخ محمود بدا في البداية خاطئًا، بمنع مرشحة بلاده من الترشح لدعم مرشح دولة أخرى، إلا أن مرور الوقت أثبت صواب موقفه، فالسماح لفوزية يوسف بالمضي قدمًا في السباق كان من شأنه أن يضعف فرص جيبوتي، بتقاسمها الأصوات مما قد يمنح المرشح الكيني فرصة أكبر للفوز، وهو ما تعتبره الصومال خطرا عليها بسبب تبنيه مواقف ينظر إليها سلبية لها.
يختلف دور الاتحاد الأفريقي في الصومال تماما عن دوره في باقي الدول، إذ ينخرط بشكل أساسي في الجوانب الأمنية والسياسية، حيث تتواجد فيه قوات تابعة له منذ عام 2007، بمسميات مختلفة، بدءًا من أميصوم التي بدأت مهامها، مرورا بـأتميس التي أنهت مهامها في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وانتهاءً بـأويسوم التي دخلت حيز التنفيذ مع بداية العام الجاري. غير أن الترتيبات المتعلقة بنشر القوات المشاركة في هذه البعثة لم تكتمل بعد، حيث لم تصل بعد بعض القوات المخطط مشاركتها، مثل القوات المصرية، في حين لا تزال هناك قوات أخرى موجودة، سواء ضمن البعثة أو خارجها، خصوصًا القوات الإثيوبية، التي يفترض أن تغادر البلاد بموجب دخول قرار إنشاء بعثة أويسوم حيز التنفيذ.
أثارت خطوة الرئيس محمود انتقادات واسعة من السياسيين المعارضين، الذين اعتبروها سابقة خطيرة، متهمين إياه بالوقوف إلى جانب مرشح أجنبي على حساب مواطن من بلاده، في مخالفة كبيرة للدستور والقوانين المعمول بها
إلى جانب ذلك، هناك بعثة سياسية فاعلة يقودها مبعوث خاص يُعيَّن من قبل رئيس الاتحاد الأفريقي، وتتركز مهامه على الإشراف على المكونات العسكرية والشرطية والمدنية للبعثة. إضافةً إلى العمل بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين والإقليميين، لدعم الجهود الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار وتعزيز العملية السياسية المستمرة في الصومال.
يلعب الاتحاد الأفريقي دورًا أمنيًا وسياسيًا بارزًا في المشهد الصومالي، فعليه تعتمد الحكومة الفيدرالية وبعض حكومات الولايات الإقليمية في حماية المرافق الحيوية وتقديم الدعم الأمني، ورغم محاولات الحكومة الفيدرالية، خلال السنوات الماضية، تقليص هذا الاعتماد عبر استلام المهام تدريجيًا، إلا أن ذلك لم يتحقق، مما جعل دور البعثة يراوح مكانه، في ظل استمرار تأثيرها السياسي والأمني دون تغيير يُذكر.
مثَّل فوز محمود علي يوسف برئاسة الاتحاد الأفريقي انتصارا دبلوماسيا كبيرا لجيبوتي، ولمنطقة شرق أفريقيا بشكل عام، حيث يعزز مكانة جيبوتي الدولية والإقليمية، ويجعلها ضمن الدول المؤثرة في المنطقة وصناع السياسات فيها. كما أنه من غير المستبعد أن يساهم تولي يوسف قيادة الاتحاد في إيجاد حل للصراع بينها وبين إريتريا، الذي يمتد لما يقرب من عقدين من الزمن.
على مستوى شرق أفريقيا أيضا، يعد انتصارا مهمًا للمنطقة، نظرا لكونها واحدة من أكثر المناطق اضطرابا في القارة، فالصومال والسودان وإثيوبيا وجنوب السودان تعاني من صراعات داخلية مسلحة، إلى جانب نزاعات وأزمات بين بعض الدول، بعضها قديمة، مثل الخلاف بين جيبوتي وإريتريا، وأخرى مستجدة، كالأزمة المتصاعدة بين السودان وكينيا. كما أن التوتر بين الصومال وإثيوبيا قد يتجدد في أي وقت، طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن القضايا الخلافية بينهما، ولم تُنفَّذ بعد متطلبات إعلان أنقرة الموقع في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
يكتسب تولي يوسف قيادة الاتحاد أهمية قصوى، نظرا لخبرته الواسعة وعلاقاته المتينة مع صانعي القرار في القارة، والتي اكتسبها خلال قيادته للدبلوماسية الجيبوتية لأكثر من عشرين عاماً، مما يمنحه فرصة اختراق بعض الصراعات وإيجاد مسارات لاحتوائها. كما أن انحداره من جيبوتي، التي تُعد دولة محايدة وغير متورطة في النزاعات الإقليمية، باستثناء خلافها مع إريتريا، قد يشكل نقطة قوة تسهم في تحقيق إنجازات خلال مسيرته القيادية.
وفي الصومال، التي تشترك مع تلك الدول الأخرى في المعاناة من الصراعات، يحمل فوز يوسف بُعدًا خاصًا، إذ يُنظر إليه على أنه يبدد المخاوف من فوز المرشح الكيني، الذي كانت مقديشو تعتبره متحيزًا ضدها، خاصة فيما يتعلق بدعمه لجهود صوماليلاند في تسريع مساعيها نحو الاعتراف الدولي، ومن جهة أخرى تأمل الحكومة الفيدرالية أن يكون ليوسف دور داعم لسياساتها الداخلية والإقليمية، نظرًا لانتمائه إلى جيبوتي، التي تربط بين رئيسها والرئيس حسن شيخ محمود علاقات مصاهرة.
كما أن انحداره من جيبوتي، التي تُعد دولة محايدة وغير متورطة في النزاعات الإقليمية، باستثناء خلافها مع إريتريا، قد يشكل نقطة قوة تسهم في تحقيق إنجازات خلال مسيرته القيادية
تزامن فوز يوسف برئاسة الاتحاد الأفريقي مع تحديات متعددة تواجهها الحكومة الفيدرالية الصومالية، أبرزها الخلافات السياسية الداخلية بين مقديشو وبعض الولايات الإقليمية، والتي يُتوقع أن تتفاقم مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس حسن شيخ محمود، إضافة إلى ذلك لا تزال المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا غير محسومة، مع احتمالية تعثرها، وعودة التوتر إلى نقطة الصفر.
في ظل هذه التحديات، تصبح الحاجة لدى الصومال ملحّة إلى دور أكثر فاعلية للاتحاد الأفريقي في رعاية الجهود الرامية إلى احتواء هذه الخلافات، والتوسط بين الأطراف المختلفة، لضمان قدر من الاستقرار في الفترة المقبلة.