تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

فشل المبعوث الأمريكي في السودان: جهل أم لامبالاة؟

8 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

نشر توماس برييلو، مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى السودان، في 18يناير/كانون الثاني المنصرم، تسجيلاً مصوراً على موقع إكس بالتزامن مع نهاية فترته معدداً فيه مجهودات وإنجازات الولايات المتحدة، رغم فشلها في إنهاء الحرب، لتخفيف المعاناة الإنسانية. سُميَّ برييلو مبعوثا خاصا إلى السودان في فبراير/ شباط عام 2024، مكلفاً، وفق بيان وزير الخارجية، بمهمة العمل على إنهاء الحرب في السودان، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ومساعدة السودانيين في تحقيق أحلامهم في الحرية والسلام والعدالة. 

بعد حوالي عام على وجوده في المنصب، يصعب الزعم بأن برييلو نجح أو كان قريباً من النجاح. فقد زاد عدد النازحين داخلياً وخارجياً من 8 ملايين في فبراير/ شباط 2024 إلى 12.5 مليوناً في يناير/ كانون الثاني 2025. وانخفض العجز في خطة الاستجابة الإنسانية للسودان من 49٪ عام 2023 إلى 35٪ عام 2024. وفي ظل استمرار تدفق السلاح إلى قوات الدعم السريع، واستمرار انتهاكات الفظائع والجرائم من قبل منسوبيه، على مرأى ومسمع الولايات المتحدة دون أن تتخذ خطوات جادة، يمكن القول إن المبعوث الأمريكي فشل في مهمته. 

الطريق إلى الخارجية 

عمل توماس برييلو بعد حصوله على الدكتوراه في القانون، مطلع الألفية الثالثة مستشاراً للمدعي العام بالمحكمة الخاصة في سرياليون، ثم انضم للمركز الدولي للعدالة الانتقالية حيث عمل في كل من كوسوفو وأفغانستان وإقليم دارفور بالسودان. 

دخل برييلو مجلس النواب الأمريكي عام 2008، ممثلاً عن المنطقة الخامسة بفرجينيا بعد أن فاز على خصمه الجمهوري فيرجل غود بفارق 700 صوت، في فترته التي لم تستمر لأكثر من دورة واحدة، حيث خسر انتخابات الدائرة التي مثلها في 2010، كان توم من أشد المؤيدين لبرامج الرئيس الأمريكي وقتها باراك أوباما، خصوصا ملف الرعاية الصحية، وعلى رأسها قانون الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير".

قام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عام 2014، بتعيينه ممثلاً خاصاً لنشرة الدبلوماسية والتنمية، التي تصدر كل أربعة سنوات، لتغطية استراتيجية، وتوجهات وزارة الخارجية والوكالة الدولية للتنمية. 

في يوليو/ تموز 2015، عين كيري برييلو، الذي عمل في حملة كيري الانتخابية لمجلس الشيوخ عام 1996، ممثلاً خاصاً للولايات المتحدة في منطقة البحيرات العظمى، والتي تشمل كلاً من: أوغندا ورواندا وبورندي والكونغو الديمقراطية. واستمر في المنصب حتى جاءت إدارة دونالد ترامب الأولى، في يناير/ كانون الثاني 2017. بعد ذلك حاول الترشح لمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، لكن فشل في الحصول على تزكية حزبه؛ ناهيك عن خوض الانتخابات. وقد عاد برييلو لوزارة الخارجية بعد سبعة أعوام من الغياب، حيث قام أنطوني بليكن وزير الخارجية، والذي كان نائباً لجون كيري سابقاً، بتعيينه مبعوثا خاص إلى السودان.

مبعوث لغير السودان 

منذ تعيين توماس برييلو في هذا المنصب في فبراير/ شباط 2024، كان موعد زيارته إلى السودان ومقابلته السلطات الحكومية ببورتسودان محل ترقب وانتظار. ولعل الترقب كان مرتبطاً بعاملين إثنين؛ أولها، أن طبيعة مهمته والأهداف الموضوعة له تقتضي منه التنسيق والعمل مع السلطات السودانية، باعتبارها طرفاً فاعلاً ورئيسياً في هذه الحرب، وبالتالي تسجيل زيارة للبلد، ومعرفة الأوضاع على الأرض. وثانيها، هو أن توماس كان نشطاً في زياراته الخارجية. 

بعد أسبوعين من توليه المنصب، قام برييلو بجولة خارجية طافت على سبعة بلدان في أفريقيا وآسيا لم يكن من بينها السودان. وفي مايو/ أيار 2024، قام المبعوث بجولة أخرى زار خلالها أربعة بلدان، وبالرغم من أن هذه الزيارة كانت معنية باستئناف التفاوض لإنهاء الحرب في السودان؛ إلا أن السودان كان خارج قائمة الزيارات

حاول المبعوث الأمريكي التغطية على هذا القصور، بتحميل اللوم للحكومة السودانية، حين قال خلال لقاء مع بعض المجموعات المدنية بكمبالا أن سبب عدم زيارته السودان هو امتناع السلطات السودانية عن منحه تأشيرة دخول، وهو الأمر الذي نفته وزارة الخارجية في بيان رسمي. قام المبعوث الأمريكي بمحاولة لزيارة السودان في 7 أغسطس/ آب الماضي، قبيل انطلاق مفاوضات جنيف في أواسط ذلك الشهر. لكنه اشترط أن يقابله المسؤولون السودانيون بمطار بورتسودان لاعتبارات أمنية؛ وهو ما رفضته الحكومة السودانية. 

لم يستحسن السودانيون بشكل عام، والسلطات السودانية على وجه التحديد، تعاطي المبعوث مع موضوع زيارة السودان. فقد كانت مبرراته لعدم زيارة السودان تتسم بالتناقض؛ فتارة يدعي أن سبب عدم الزيارة هو عدم منحه التأشيرة، ورفض السلطات السودانية للزيارة منذ الشهر الأول. وتارة أخرى يقول إن التقديرات الأمنية تلزمه بعدم زيارة السودان إلا في حدود المطار.

زار برييلو السودان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لكنها كانت زيارة الوقت الضائع. فقد أتت بعد الانتخابات الأمريكية التي انتهت بفوز دونالد ترامب والجمهوريين، وبالتالي زوال الإدارة الديمقراطية وعناصرها – التي ينتمي إليهم برييلو. 

برييلو: الموقف ونقيضه

يعكس النظر إلى مواقف برييلو تجاه مختلف القضايا تناقضاً واضطراباً واضحين، فبينما كان برييلو من أكثر الأمريكيين معارضة للغزو الأمريكي في العراق، شجع إدارة أوباما للقيام بتدخل في سوريا. وتحول من متلق لدعم وأموال الرابطة الوطنية للأسلحة، في حملته الانتخابية، إلى شخص يصف الرابطة بأنها منظمة متطرفة

هذا الاضطراب كان بائناً كذلك في تعاطيه مع السودان، عندما زاره، إبان حرب دارفور، حيث كان من المروجين لعدم جدوى اتفاق سلام أبوجا 2006، بحجة أن المواطنين والنازحين يفضلون الاستمرار في الحرب على أن يتم وقف إطلاق نار يقمعهم، مروجاً لذلك بأن الحلول التي تولى الشأن الإنساني أهمية أكثر من العدالة ضررها أكثر من نفعها. وزعم أن أي اتفاق يقوم المجتمع الدولي بدعمه، ويحظى بتأييد الحكومة المركزية في الخرطوم، يجعل المتجمع الدولي مسانداً للجانب الخطأ من الإبادة. أما عندما تولى برييلو منصب المبعوث الخاص؛ تناقضت مواقفه الخاصة حول الحرب والإبادة التي تبناها سابقاً. 

تحول توماس إلى داعم لوقف إطلاق نار بأي شكل، وعارض في سبيل موقفه الجديد من كان يروج لموقفهم بالأمس: الحركات المسلحة في دارفور. ووقف برييلو على الجانب المذنب من الإبادة، حينما كان يسعى جاهداً لفتح منابر تفاوضية تظهر الدعم السريع، الذي تلطخت يده بدماء السودانيين في الجنينة والجزيرة وسنار، طرفا ساعياً للسلام. فلم ينتظر العالم، والأمريكيين بشكل خاص، أكثر من أسبوعين ليروا نتيجة قواعد السلوك الذي التزم به الدعم السريع؛ حيث توفي أحد أفراد طاقم أمن السفارة الأمريكية بالسودان، وهو بمعتقلات الدعم السريع.

جذور الأزمة

كشفت مجلة السياسة الخارجية عام 2022 عن تقرير يتناول المكتب الخاص بالقارة الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية، عن عجز في الدبلوماسيين الأمريكان في سفارات ومقار الولايات المتحدة بأفريقيا يصل إلى النصف أحياناً. وقد عبر عدد من الدبلوماسيين الحاليين والسابقين أن هذه الأزمة سببها غياب الحوافز اللازمة لإقناع الدبلوماسيين بالعمل في البلدان الفقيرة، والتي تواجه تحديات أمنية؛ مما يجعل الإدارة مضطرة لتعيين من يفتقرون للخبرة والدراية الكافية في هذه الشواغر. كما أشار روبرت جنكينز، أحد المسؤولين الوكالة الدولية للتنمية، في إحدى جلسات الاستماع أمام مجلس الشيوخ إلى أنهم يفتقرون لموظفين أكفاء، ليسدوا الفراغ في الوكالة بالقارة الأفريقية. 

لم تكن خدمة برييلو مبعوثاً للرئيس الأمريكي في منطقة البحيرات العظمى دليلاً على النجاح؛ فقد ترك المنطقة دون أن يحقق أي هدف مما أعلن عنه حين تقديمه؛ فقد عجز عن خفض التوتر بين الرئيس الكونغولي السابق جوزيف كابيلا والمعارضة، وإيجاد حل لأزمة الانتخابات التي كان من المفترض أن تعقد في 2016.

وقد واجه توم برييلو انتقاداً من الكونغوليين، فقد تم اعتراضه والاعتداء عليه لفظياً في مطار كينشاسا في سبتمبر/ أيلول 2016. وعندما نجحت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في إبرام اتفاق بين الفرقاء الكونغوليين مطلع 2017، لم يكن للمبعوث الأمريكي دور يذكر. وعلى النقيض من دوره المأمول في خفض التوتر بين بورندي ورواندا؛ قادت تصريحات برييلو وليندا توماس غرينفيلد؛ مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية وقتها، إلى مفاقمة الأزمة بين البلدين؛ مما دفع الروانديين لترحيل مئات من اللاجئين البورنديين

 كان برييلو قد أعلن في لقاء تلفزيوني أنهم في الولايات المتحدة كانوا لا يعلمون ما يجري في السودان، وأن مصدرهم السودانيون ليعرفوا ما يجري. لكن ما أثار الريبة والشكوك هو استطلاع الرأي الذي ظل برييلو يبرر به حماسه لانعقاد مباحثات جنيف؛ حيث قال إن أغلبية ساحقة من السودانيين يريدون مشاركة الحكومة السودانية (القوات المسلحة) في المباحثات، وأنهم يشعرون بخيبة أمل من غياب السلطات. 

تبين فيما بعد أن الاستطلاع الذي يتسند إليه برييلو قامت به امتثال محمود، سفيرة نوايا حسنة لليونيسف، وهي أمريكية من أصول سودانية.  وبحسب امتثال؛ فإن الاستطلاع تم إجراؤه عبر منصة تدعى "تحرك"، بها حوالي 100 متابع على موقع X، وشارك به حوالي 12 ألف سوداني، دون أن تشرح كيف تم اختيار العينات ولا توزيعها الجغرافي، ولا أي جانب يوضح منهجية العمل. 

لم تتخير سياسة برييلو تجاه حرب السودان عن منهجية الاستطلاع الذي استند عليه. سواء أكان تعامل توماس برييلو مع الملف السوداني نابع من عدم مبالاة أم جهل بسياق المنطقة التي يعمل بها أم غيرها من الأسباب؛ فإن الأكيد أن جلَّ المبعوثين الأمريكيين للقارة الأفريقية لا يفتقرون إلى أدوات ومهارات إيجاد الحلول فحسب، بل إنهم يزيدون الأوضاع سوءاً.