تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 11 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

ضحايا بلا اعتذار... حين يطالب الصوماليون بالعدالة من واشنطن

26 سبتمبر, 2025
الصورة
ضحايا بلا اعتذار... حين يطالب الصوماليون بالعدالة من واشنطن
Share

يشنّ الجيش الأميركي حملة عسكرية متواصلة في الصومال منذ مطلع الألفية، نفذ خلالها ما يقارب 300 ضربة بطائرات مسيّرة وغارات كوماندوز على مدى السنوات السبع عشرة الماضية.

في إحدى الهجمات الجوية في أبريل/نيسان 2018، قَتَل الجنود الأميركيون ثلاثة مدنيين، وربما خمسة، بواسطة صاروخين. ووفقًا لتحقيق عسكري أميركي، كانت من بين الضحايا امرأة وطفل، لكن التقرير نفسه خلص إلى أن هويتهما لم تُعرف أبدًا.

كشفتُ في تحقيق صحفي خلال العام الماضي، لصالح ذي إنترسبت تفاصيل تلك الضربة الكارثية: فالمرأة والطفلة نجتا من الضربة الأولى، لكن الصاروخ الثاني أرداهما قتيلتين. كانتا: "لؤل ظاهر محمد (22 عامًا)" وابنتها "مريم شيلُو موسى (4 أعوام)".

على مدى ست سنوات، حاولت العائلة الاتصال بالحكومة الأميركية، بما في ذلك عبر بوابة إلكترونية للإبلاغ عن الخسائر المدنية التي تديرها "القيادة الأميركية في أفريقيا" والمعروفة اختصارا بـ (AFRICOM)، لكنهم لم يتلقوا أي رد. أخبرني عبدي ظاهر محمد، أحد إخوة لُؤل، خلال العام الماضي: "إنهم يعرفون أن أبرياء قُتلوا، لكنهم لم يخبرونا بسبب ولا اعتذروا. ولم يقع أحد تحت طائلة الحساب".

وقد نشر تقرير جديد صادر عن "مركز المدنيين في النزاعات" (CIVIC)، حصريًا عبر ذي إنترسبت، يؤكد ما قاله محمد: فالضحايا المدنيون والناجون من ضربات الطائرات الأميركية المسيّرة في الصومال يقولون إن نيل العدالة، عبر الاعتراف الرسمي والاعتذار والتعويض المالي، من شأنه أن يساعدهم على تجاوز الصدمة التي عاشوها.

إنهم يعرفون أن أبرياء قُتلوا بلا أدنى سبب ولا أي اعتذار. ولم يقع أحد تحت طائلة الحساب

لكن بعد ما يقارب عشرين عامًا من الضربات المسيّرة، حتى في الحالات التي اعترف فيها البنتاغون بقتل أبرياء، لم تعتذر الولايات المتحدة لأي من الناجين الصوماليين، فضلًا عن الحديث مسألة جبر الضرر.

قالت ماديسون هنك، مسؤولة البرنامج الأميركي في "مركز المدنيين في النزاعات"، لـذي إنترسبت: وصف المدنيون الذين قابلناهم الأذى الجسدي المدمّر، مثل القتل والإصابة، بل أيضًا الأعباء الاقتصادية الثقيلة والصدمة النفسية المستمرة. وأغلب المستَجوبين اتفقوا على أن العدالة تعني أن يُحاسب المتسبب في الضرر على أفعاله، وأن يُعامل الضحايا بالكرامة التي يستحقونها".

وأجرى "مركز المدنيين في النزاعات" مقابلات مع 38 شخصًا عرّفوا أنفسهم بوصفهم ضحايا مدنيين لضربات جوية أميركية في الصومال، إضافة إلى ثمانية خبراء من المجتمع المدني يعملون مع المصابين والناجين أو يمثلونهم. سبعة وعشرون من أصل ثمانية وثلاثين فقدوا أحد أفراد أسرهم في هجوم. وقد تحدث الكثيرون عن العدالة من زاوية محاسبة الولايات المتحدة، بما يشمل الاعتراف بالوفيات، الاعتذار والتعويض المالي، وبخاصة وفق العرف الصومالي المعروف بـ"الدية" الذي يُستخدم تقليديًا لتسوية النزاعات.

قال أحد المستَجوَبين لـ"مركز المدنيين في النزاعات" بالنسبة لي، العدالة تعني أن تجلس الولايات المتحدة مع أسر الضحايا المدنيين الذين تضرروا من ضرباتها الجوية. ثم يجب تعويض هذه الأسر ماليًا. مثل هذه الخطوة ستُداوي القلوب المجروحة في نهاية المطاف.

بعد أكثر من سبعة عشر عامًا من الضربات الجوية والعمليات البرية في الصومال، نفذت الولايات المتحدة 288 ضربة معلنة. وتزعم "القيادة الأميركية في أفريقيا" أنها قتلت خمسة مدنيين فقط خلال تلك الفترة، بينهم لُؤل ومريم (من دون أن تذكر اسميهما أبدًا). أما منظمة "airwars" البريطانية المتخصصة في رصد الضربات الجوية فتقول إن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بنسبة تفوق 3000%.

في أعقاب تحقيق ذي إنترسبت العام الماضي، طالبت 24 منظمة حقوقية - 14 صومالية و10 دولية - وزير الدفاع لويد أوستن بتعويض عائلة لُؤل ومريم. انضم هذا العام، عدد من أعضاء الكونغرس، منهم: إليزابيث وورن (ديمقراطية – ماساتشوستس) وسارة جاكوبز (ديمقراطية – كاليفورنيا) وإلهان عمر (ديمقراطية – مينيسوتا) وباربرا لي (ديمقراطية – كاليفورنيا) وجيم ماكغفرن (ديمقراطي – ماساتشوستس)، إلى هذا المسعى.

وقالت ليزا لورنس، المتحدثة باسم البنتاغون، حول القضية: "وزارة الدفاع تراجع هذا الملف حاليًا، ولن نعلق أكثر في هذه المرحلة".

وردت وزارة الدفاع عمّق هذه الصدمة التي يعانيها الناجون، بحسب كلير براون، نائبة مديرة منظمة "محامون للضحايا الدوليين"، والتي تدعم ضحايا الجرائم الدولية، وتمثل أسر ضحايا الضربات الأميركية، بمن فيهم عائلة لُؤل.

إن صمت "القيادة الأميركية في إفريقيا" ووزارة الدفاع تجاه العائلات كان مؤلمًا حقًا… ومن المؤلم لهم أن يشعروا بأنهم مجرد متفرجين سلبيين في عملية هم في قلبها

وقالت براون لـذي إنترسبت: "إن صمت القيادة الأميركية في أفريقيا ووزارة الدفاع تجاه العائلات كان مؤلمًا حقًا. نحن المحامين نعلم أن هناك نقاشات وربما بعض التحركات وراء الكواليس، لكن لم يتواصل أحد مع العائلات أو يتحدث إليهم". وأضافت: "من المؤلم لهم أن يشعروا بأنهم مجرد متفرجين سلبيين في عملية هم في قلبها".

وثّق تقرير "مركز المدنيين في النزاعات" أشكال الأذى الذي لحق الضحايا، وتشمل: وفاة قريب وإصابة جسدية وأضرار في الممتلكات ومعاناة اقتصادية.

وقد أبلغ أربعة عشر ممن تمت مقابلتهم أنهم أو أفراد أسرهم يعانون من صدمات نفسية مستمرة بسبب الهجمات. قال أحدهم، وقد قُتلت شقيقته في ضربة: "لقد مضى وقت طويل منذ الحادثة، لكن ما زالت تراودني كوابيس. الحادث وتفاصيله المروعة تؤثر فيّ بعمق".

خلص بحث "مركز المدنيين في النزاعات" إلى أن غالبية الضحايا والناجين فضّلوا التعويض الفردي، مثل مبالغ المواساة أو المساعدة المالية، على التعويضات المجتمعية مثل تحسين البنى التحتية المحلية. وقالت براون: "التقرير يذكرنا بأنه لا يمكن أن نعرف ما يعنيه العدل للناس ما لم نسألهم. ينبغي للولايات المتحدة أيضًا أن تبادر لإجراء هذه الحوارات مع المجتمعات المتضررة من الضربات المسيّرة؛ ونأمل أن يكون هذا التقرير حافزًا لإيجاد طرق لفعل ذلك".

لقد مضى وقت طويل منذ الحادثة، لكن ما زالت تراودني كوابيس. الحادث وتفاصيله المروعة تؤثر فيّ بعمق

يتضمن تقرير "مركز المدنيين في النزاعات" أحد عشر توصية للحكومة الأميركية، منها: اعتماد مقاربة شاملة للمحاسبة، وجبر الضرر وإعطاء الأولوية للتعويض الفردي للضحايا والناجين، والاستفادة من المبلغ السنوي البالغ ثلاثة ملايين دولار الذي يقره الكونغرس لتعويض المتضررين من الأضرار المدنية.

في أبريل/نيسان الماضي، وبعد عام من تجاوز الموعد الذي حدده له الكونغرس، نشر البنتاغون تقريره السنوي عن الخسائر المدنية لعام 2022، وخلص إلى أن العمليات العسكرية الأميركية في ذلك العام لم تقتل أي مدني، كما أشار إلى أن وزارة الدفاع لم تقدم أي تعويضات للمدنيين المتضررين عام 2022، ولا لعائلات الذين قُتلوا في سنوات سابقة. جاء ذلك بعد دفعة تعويض واحدة فقط في 2021، وعدم صرف أي دفعات في 2020.

لا يُعرف إن كانت قد صُرفت أي تعويضات العام الماضي، لأن وزارة الدفاع لم تصدر تقريرها الخاص بخسائر المدنيين لعام 2023 في موعده المحدد (الأول من مايو/أيار). وقالت لورنس لـذي إنترسبت إن البنتاغون ما زال يراجع البيانات ويتوقع نشر التقرير "في المستقبل القريب".

وفي الأثناء، يواصل الناجون الصوماليون الانتظار، متسائلين ما إذا كان البنتاغون سيعتذر يومًا عن قتل أقاربهم.

قالت هنك عن مركز المدنيين في النزاعات: "منذ عام 2020، حين خصص الكونغرس لأول مرة ثلاثة ملايين دولار سنويًا للتعويض، لم يذكر البنتاغون سوى دفعة واحدة فقط بمبلغ لا يتعدى بضعة آلاف من الدولارات، وذلك رغم الحالات الكثيرة الموثوقة التي اعترف بها علنًا". وأضافت: "الولايات المتحدة لديها الأدوات اللازمة لصرف هذه المدفوعات، فالأمر مسألة إرادة سياسية".

وتابعت هنك: "إن غياب التعويضات في الصومال، وكذلك في أماكن أخرى مثل العراق وسوريا، من أوضح الحجج عن مدى التزام وزارة الدفاع بالاستجابة بشكل جاد للأضرار الناجمة عن عملياتها".