الاثنين 28 أبريل 2025
يشهد الصومال ما يمكن اعتباره الجيل الثالث من ظاهرة المقاتلين الجهاديين الأجانب، الممثل في مقاتلي تنظيم داعش الأجانب في ولاية بونتلاند، شرق البلاد. كشفت العملية الأمنية الأحدث التي أطلقتها الولاية ضد التنظيم في معاقله في جبال علمسكاد، شرق الصومال، منذ ديسمبر/ كانون الثاني 2024، عن وجود العشرات من الأجانب داخل صفوف التنظيم، من دول عربية وشرق أفريقية.
يحتل فرع داعش في بونتلاند مكانة هامة لدى التنظيم العالمي، الذي استثمر في الفرع لتعويض انحسار نفوذه في معاقله الأم في العراق وسوريا منذ عام 2017، مستفيدًا من الهشاشة الأمنية وضعف مؤسسات الدولة والانقسام السياسي والقرب الجغرافي من اليمن التي تنشط فيها جماعات مصنفة إرهابيةً.
يمكن تقسيم الحضور الجهادي الأجنبي في الصومال إلى ثلاثة أجيال، الأول خلال تسعينيات القرن الماضي، الذي شهد تأسيس ونضوج تنظيم القاعدة العالمي بقيادة أسامة بن لادن، والثاني في العقد الأول من القرن الحالي، الذي شهد تأسيس حركة الشباب المجاهدين وحكومة المحاكم الإسلامية والقتال ضد الغزو الإثيوبي، والثالث مع الإعلان عن تنظيم داعش في بونتلاند في 2015.
تزامن سقوط الحكومة المركزية في الصومال عام 1991، مع انتقال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري إلى السودان، وهناك عملا على ترسيخ وجود تنظيم القاعدة في اليمن والصومال. سعى التنظيم لتأسيس خلية شرق أفريقيا، من مدينة نيروبي، وتولى أهم قائدين عسكريين في التنظيم – آنذاك – المسؤولية، وهما: أبو عبيدة وأبو حفص المصري.
أكد هذه السردية نائب أمير حركة الشباب الحالي أبو عبد الرحمن مهد ورسمي، الشهير بـ"مهاد كاراتي"، حيث تحدث عن دور تنظيم القاعدة في تقديم التدريب والدعم في تسعينيات القرن الماضي للجماعات الجهادية المحلية
وصل أبو حفص إلى الصومال في نهاية عام 1991، وساعد على تأسيس معسكرات تدريب في شمال وجنوب البلاد، بالتعاون مع زعيم الحزب الإسلامي الشيخ حسن طاهر عويس، وزعيم معسكر رأس كمبوني حسن تركي وغيرهم. وشاركت القاعدة في القتال ضد الولايات المتحدة في مقديشو، وفق كتاب "الجهادية العربية: اندماج الأبعاد - النكاية والتمكين بين الدولة الإسلامية وتنظيم قاعدة الجهاد"، للباحث حسن أبو هنية.
أكد هذه السردية نائب أمير حركة الشباب الحالي أبو عبد الرحمن مهد ورسمي، الشهير بـ"مهاد كاراتي"، حيث تحدث عن دور تنظيم القاعدة في تقديم التدريب والدعم في تسعينيات القرن الماضي للجماعات الجهادية المحلية. عرف هذا الجيل توافد قيادات عسكرية كبيرة من تنظيم القاعدة للمساعدة في بناء الحركة الجهادية في الصومال، خاصة في المجالات العسكرية والتنظيمية، ولتقديم الدعم في مواجهة القوات الغربية ضمن مفهوم "الجهاد التضامني" الذي تبناه التنظيم، دون انخراط في الصراعات المحلية، وضمن سياق تأسيس خلية شرق أفريقيا.
خفت نشاط القاعدة في الصومال بانتهاء عقد التسعينيات، الذي شهد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا عام 1998، وإخفاق الحركة الجهادية الصومالية في تأسيس إمارة إسلامية في جدو، واتخذت عدة شخصيات في خلية شرق أفريقيا من الصومال ملاذًا، دون نشاط كبير.
ظهر الجيل الثاني من المقاتلين الأجانب بعد تأسيس حركة الشباب في عام 2006، على يد الجهاديين الشباب الذين سافر بعضهم إلى أفغانستان أواخر التسعينيات. شهدت الصومال في العام نفسه سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على مقديشو، ثم الغزو الإثيوبي المدعوم أمريكيًا، وتحولت البلاد إلى منطقة جذب لشباب الجهاديين المؤمنين بفكر تنظيم القاعدة، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، وبرز منهم أبو منصور الأمريكي.
انخرط هؤلاء، بخلاف الجيل الأول من المقاتلين، في القتال ضدّ صوماليين من قوات الحكومة الاتحادية، بالإضافة إلى الإثيوبيين، ثم قوات بعثة الاتحاد الأفريقي. يوجد اختلاف كبير بين الجيلين مرده إلى ثورة الاتصالات التي شهدها العالم، حيث تأسست علاقات الجيل الأول على الصلات الشخصية، بينما وفد العديد من مقاتلي الجيل الثاني استجابةً للتجنيد القائم على شبكة الإنترنت، وهو تغير شاركهم فيه الجيل الثالث.
بحلول عام 2013 كان الجيل الثاني على وشك الاختفاء، بعد مقتل معظم أفراده، وتراجع حضور المجندين الجدد من الغرب والبلاد العربية، بسبب ظهور ساحات جهادية جديدة أشد إغراءًا مثل سوريا. بالإضافة إلى التأثير السلبي للاقتتال داخل الحركة بين الأعوام 2011 إلى 2013، الذي اصطف فيه مقاتلون أجانب بزعامة أبو منصور الأمريكي في مواجهة أمير الحركة السابق أحمد غوداني، والذي انتهى بمقتل معظم معارضي الأخير، ومنهم أبو منصور الأمريكي.
عادت الظاهرة إلى البروز ممثلة في الجيل الثالث، بعد الإعلان عن تنظيم داعش في الصومال، عام 2015، بعد انشقاق ومبايعة القيادي في الشباب في بونتلاند، عبد القادر مؤمن لزعيم تنظيم داعش. مرّ داعش بونتلاند بفترات انحسار وازدهار خلال الأعوام التسعة الماضية، بدايةً بالهزيمة أمام حركة الشباب التي واجهت تمرد المجموعة بحزم، ما أدى إلى انحسار التنظيم الوليد في معاقل جبلية محدودة في الجبال، حتى أواخر عام 2022.
يوجد اختلاف كبير بين الجيلين مرده إلى ثورة الاتصالات التي شهدها العالم، حيث تأسست علاقات الجيل الأول على الصلات الشخصية، بينما وفد العديد من مقاتلي الجيل الثاني استجابةً للتجنيد القائم على شبكة الإنترنت
تحول التنظيم إلى الهجوم مطلع 2023، مستفيدًا من انشغال الشباب بالعمليات العسكرية واسعة النطاق التي أطلقتها الحكومة الفيدرالية ضدّها، في مايو/ أيار 2022. وتمكن بحلول منتصف عام 2024 من إلحاق هزيمة كبيرة بالحركة، واستعادة معاقله، وطرد الشباب إلى معاقلهم في جبال علمدو، وهي سلسلة جبلية مقابلة لعلمسكاد، ويفصل بينهما مسافة تُقدر بـ 120 كلم، يتخللها وادي بالداي، الذي تقع مدينة بوصاصو في مصبه على ساحل خليج عدن.
توسع التنظيم بعد انتصاره الكبير على الشباب، وتمدد نفوذه إلى الأودية الجبلية الجنوبية في إقليم بري، وهي المنطقة التي انطلقت منها العملية الأمنية الجارية لقوات بونتلاند. حققت الولاية نجاحات كبيرة في قتال التنظيم، وكشفت جثث قتلاه عن وجود عشرات الأجانب من جنسيات إثيوبية وتنزانية وسورية وسعودية وغيرهم.
يتميز الجيل الثالث من المقاتلين الأجانب عن سابقيه، حيث تراجعت فكرة الجهاد التضامني التي تنباها تنظيم القاعدة لصالح فكرة دولة الخلافة الإسلامية التي يرفعها تنظيم داعش، فلم يفد هؤلاء لقتال قوات أجنبية، كما في حالة الجيلين الأول والثاني، بل لتأسيس إمارة إسلامية في مناطق لا يواجهون فيها سوى قوات محلية.
مرّ داعش بونتلاند بفترات انحسار وازدهار خلال الأعوام التسعة الماضية، بدايةً بالهزيمة أمام حركة الشباب التي واجهت تمرد المجموعة بحزم، ما أدى إلى انحسار التنظيم الوليد في معاقل جبلية محدودة في الجبال حتى أواخر عام 2022.
ثاني نقاط الاختلاف أنّه في حين كان دور الأجانب نخبويًا في الجيل الأول وثانويًا في الجيل الثاني، فإنه محوريًا مع الجيل الثالث، حيث يعتمد داعش في بونتلاند على المقاتلين الأجانب لعجزه عن تجنيد مقاتلين محليين، لأسباب منها قلة السكان في المناطق الجبلية، وشيوع التدين الصوفي في إقليم بري، لهذا فدون المقاتلين الأجانب لن يتمكن من الصمود.
دلالة على هذا، أنّ التنظيم يلجأ إلى التجنيد عبر اختطاف المهاجرين غير الشرعيين المسلمين من الجنسية الإثيوبية، الذين يعبرون وادي بالداي وصولًا إلى بوصاصو، بهدف الهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى اليمن، ثم إلى دول الخليج الثرية. بالإضافة إلى انضمام الأجانب المؤمنين بالفكرة عبر شبكات التجنيد للتنظيم العالمي، الذي يولي اهتمامًا كبيرًا بفرع بونتلاند.
اتصالًا بالحرب على التنظيم، فمن المرجح حال استمر زخم العمليات العسكرية على نفس الوتيرة أنّ يتكبد التنظيم خسائر فادحة، قد تعيده إلى حالة الكمون التي اضطر إليها بعد معاركه الأولى مع حركة الشباب، ودون تحييد الصف الأول من قياداته، وخاصة عبد القادر مؤمن، سيظل التنظيم قادرًا على الانبعاث من جديد.
يستفيد التنظيم من ضعف تأمين الحدود البرية والبحرية في الصومال، فعبر البحر يأتي المقاتلون الأجانب من خلال شبكات التهريب النشطة في تجارة السلاح والتجارة غير الشرعية وتهريب البشر، والتي يرتبط بعض قادتها بتنظيمي داعش وحركة الشباب. كما توفر الحدود الطويلة غير المؤمنة مع إثيوبيا ممرًا ثانيًا للمقاتلين الإثيوبيين ومقاتلي شرق أفريقيا، وفي هذا السياق قامت الولاية بعمليات تهجير واسعة للمهاجرين غير الشرعيين خلال الفترة الأخيرة.
يعتمد داعش في بونتلاند على المقاتلين الأجانب لعجزه عن تجنيد مقاتلين محليين، لأسباب منها قلة السكان في المناطق الجبلية، وشيوع التدين الصوفي في إقليم بري، لهذا فدون المقاتلين الأجانب لن يتمكن من الصمود.
قد تنجح عملية ولاية بونتلاند في إضعاف تنظيم داعش، لكن ما لم تتمكن من تصفية كبار القادة سيظل التنظيم قادرًا على استعادة وجوده، خاصة أنّ الولاية والحكومة الفيدرالية غير قادرتين على تأمين الحدود الدولية؛ البرية والبحرية بالقدر المطلوب على المديين القريب والمتوسط. تظل مخاطر تدفق المقاتلين الأجانب قائمة، مدعومة من الحضور الواسع لتنظيم داعش في أقاليم واسعة من القارة، تمتد من الغرب مرورًا بالوسط إلى شرقها في موزمبيق.
لم تعرف ظاهرة المقاتلين الأجانب في الصومال انقطاعًا، وإنما تمايزًا في حضورها، حيث يمتد نفوذ وتواجد حركة الشباب إلى الداخل الكيني، وترتبط مجتمعات القرن الأفريقي وشرق القارة بحدود دولية هشة، وتزخر بالنزاعات التي تعمل كرافعة لتدفق السلاح والمقاتلين، فضلًا عن التداخل القبلي والعرقي الذي يشكل شبكة معقدة من الاتصالات، أثبتت الجماعات المصنفة إرهابيةً قدرتها على الاستفادة منها.
علاوةً على ما سبق، يحتاج الصومال إلى تدشين أطر مؤسساتية للتعاون الأمني على المستوى الفيدرالي لمكافحة الإرهاب وضبط الحدود الدولية، ولن يتأتى ذلك سوى بتسوية الخلافات الداخلية أو على الأقل تجنيب التعاون الأمني مخاطر الشقاق السياسي. كما ينبغي على الحكومة الفيدرالية تعزيز التعاون في أمن الحدود مع جوارها الإقليمي، خاصة دولة اليمن التي تمثّل أهم معابر التهريب للسلاح والمقاتلين، بالإضافة إلى الاستثمار في تطوير قدرات بحرية عسكرية ومنظومات تأمين للحدود الدولية بالتعاون بين مقديشو والولايات الإقليمية.