تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 9 يوليو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سينما
العنوان

بريق هوليوود والسينما الأفريقية

22 يونيو, 2025
الصورة
بريق هوليوود والسينما الأفريقية
Share

صوت أوراق الشجر المتساقطة يبتلعه لهاث أولئك الذين يركضون. الأرض كثيفة، لكن لا مجال للتراجع الآن. هناك مكان خلف الأشجار، مكان يعيش فيه العبيد أحرارًا. سمعت الفتاة ووالدها قصصا: يزعم البعض أنها مجرد أساطير، همسات انتقلت من أولئك الذين يحلمون بالحرية. غير أن المؤمنين يعرفون الاسم: "مام نغيسو" روح تراقب وتعيش في الماء، وتسمع نداء المسروقين.

تصبح الأسطورة والتاريخ في فيلم سيمون موتايرو "لا سلاسل ولا أسياد" شيئا واحدا غير قابل للفصل. يتتبع الفيلم قصة ماتي وماسامبا، أب وابنته مستعبدان في مزرعة فرنسية عام 1759، يهربان من عالم لا تعني فيه النجاة إلا الخضوع. خلف حدود المزرعة، ينتظرهما المارونيون "الولوف" و"الأشانتي" وآخرون ضاعت أسماؤهم في السجلات الاستعمارية، لكنهم صاغوا أسماء جديدة في الظل. مثل "ماتي" و"ماسامبا" لا يربطهم شيء سوى الرفض المطلق للملكية.

ليست هذه قصة هروب بطولي، ولا وصول منتصر. الحرية هشة، دائمًا على بعد خطوة، لكنها لا تُمسك أبدًا بالكامل. يجدهم الصيادون الفرنسيون، لينتهي بهم المطاف على حافة هاوية. يمتد المحيط واسعًا تحتهم بلا نهاية؛ القفز يعني اختيار الموت، والاستسلام يعني العودة إلى السلاسل.

يتخذ المارون قرارهم. يمسكون بأيدي بعضهم البعض، يغنون بينما يتقدمون خطوة بخطوة. امرأة تحمل طفلًا بين ذراعيها. رجل يغلق عينيه، ويقفز إلى المجهول. يقف صيادو العبيد عاجزين أمام فعل لا يمكنهم السيطرة عليه. آخر من يقف هما: "ماتي" و"ماسامبا". لا يبكيان. ينظران إلى بعضهما البعض، ويتقدمان معًا، وأيديهما متشابكة، وأجسادهما معلقة للحظة قبل أن تلتقي أخيرًا بالبحر.

ليست هذه قصة هروب، بل قصة رفض؛ ليست قصة عن الحرية التي تُمنح، بل عن الحرية التي تُنتزع ولو بالغرق

غالبًا ما تتبع السرديات الغربية عن العبودية تسلسلًا خطيًا: معاناة وصمود، ثم تحرر، إما بالهروب أو بالانتقام أو بتحقيق العدالة القانونية. في اثني عشرعامًا من العبودية، يتحمل "سولومون نورثوب" ويُحرر في النهاية. في "جانغو" بلا قيود، يصبح الانتقام وسيلة للتحرر. تأتي العدالة في "أميستاد" من خلال حجج قانونية في محكمة بيضاء. تقدم هذه الأفلام الزمن كمسار نحو الحل؛ أما فيلم "لا سلاسل ولا أسياد" فلا يقدم مثل هذا الخاتمة. هذا ليس فيلمًا عن الصمود أو الفداء الفردي، بل عن الرفض الجماعي.

يرفض الفيلم البنى المكانية والزمانية التي تفرضها السرديات الغربية، كما يرفض فيلم "موتايرو" فكرة "الأرض الموعودة" تمامًا. على عكس الروايات الغربية التي تعتبر الهروب نهاية، يقدم الفيلم الهروب بوصفه شيئا دائريا، غير مستقر وعابر. يصل "ماتي" و"ماسامبا" إلى مجتمع المارون، الأرض الموعودة التي يُهمس عنها. لوهلة، يبدو أن الرحلة انتهت، وأن الحرية تحققت، لكن هذا الوعد عابر. فملاذهم الجديد لا يوجد خارج النظام الاستعماري، بل هو مجرد مأوى مؤقت مهدد دائمًا بأن يُكتشف ويُدمر. تنهار أوهام الاستقرار عندما يبدأ نفس المسار من جديد: ينقض الفرنسيون مجددًا، ويُجبرونهم على الفرار مرة أخرى.

يفكك فيلم "موتايرو" التوقعات الغربية التي تفترض أن الهروب يؤدي إلى الحل؛ بل إن الحرية تظل مشروطة، مؤجلة، لا تتحقق بالكامل أبدًا. قفزة "ماتي" و"ماسامبا" في البحر لا تمثل نهاية نضالهما، بل تمثل القطيعة الأخيرة مع الزمن الاستعماري ذاته. هذا الرفض للزمن الاستعماري يتماشى مع وقائع تاريخية حقيقية: لم ينتظر العبيد أن تُمنح لهم الحرية، في العديد من مجتمعات المارون في هايتي والبرازيل والكاريبي، بل اختاروا أن يعيشوا خارج الدولة الاستعمارية، ويؤسسوا مجتمعات ترفض شرعيتها. وهو ما يعيد إلى الأذهان حادثة "إيغبو لاندينغ" الشهيرة عام 1803، حيث سار أشخاص من شعب "الإيغبو" إلى البحر، واختاروا الموت على أن يُستعبدوا.

تجد السينما الغربية صعوبة في التعامل مع سرديات ترفض الحلول الجاهزة، فهي تتطلب التطهير العاطفي، بطلاً فرديًا، ونظامًا يمكن هزيمته؛ ما ينتج خيالًا ثنائيًا ترى فيه أفريقيا إما مشهدًا للمعاناة أو يوتوبيا خيالية. هذه هي أفريقيا في أفلام "بلاك بانثر" و"المرأة الملك" وغيرها من الأفلام التي تمحو أو تحرف التاريخ لأغراض الترفيه. رغم أن "بلاك بانثر" حظي بإشادة واسعة، فإن رؤيته المستقبلية تتخيل أفريقيا منفصلة عن تاريخها الاستعماري. إنها مدينة فاضلة تخيلية، مبهرة بصريًا، لكنها بعيدة عن الواقع المادي.

الحرية في فيلم 'لا سلاسل ولا أسياد' ليست وعدًا ولا جائزة، بل لحظة قصيرة من التنفس خارج قبضة التاريخ

حين تتناول هوليوود التاريخ، غالبًا ما تختزله في مشاهد استعراضية. تركز أفلام العبودية على الجلد، والظهور المضرجة بالدماء، والمعاناة الطويلة، وتحول الألم الأسود إلى جمالية سينمائية للصمود. تُصمم هذا العنف بأسلوب فني يحرك المشاعر بدلًا من أن يثير التساؤلات. سواء من خلال الخيال أو الألم، تُجرد أفريقيا من تناقضاتها ونضالاتها وواقعها المعاش لصالح سردية نظيفة وسهلة الهضم عن الوحشية. هذه المعاناة المُجملة - ذلك التوازن الدقيق بين العاطفة والتجريد - هي ما يمنح تصوير هوليوود للتاريخ بريقه الخاص: شعور بالغمر، لكنه لا يزعزع شيئًا.

الألم بالحركة البطيئة، والموسيقى التصويرية المنتفخة، واللقطات المركبة بعناية للحزن تحرك الجماهير، وخصوصًا غير السود، دون أن تجبرهم على مواجهة البنى التي أنتجت هذا العذاب. أما للجمهور الأسود، فقد تكون هذه الصور مصدرًا لإعادة الصدمة، دون أن تقدم الكثير من المواجهة النقدية. فهوليوود تصقل التاريخ لتخفي عدم الارتياح، وتحول الوحشية إلى جمال.

السرد السينمائي لدى "موتايرو" يتماشى مع مخرجين آخرين، مثل: "ماتي ديوب" و"أليس ديوب" اللذَين يستمران في تحدي اختزال التاريخ الأفريقي في السينما. أفلامهم تنخرط في ممارسة "أفروبولوجيا سينمائية" ترفض مطالب الغرب بالحسم والتأطير. أفلام مثل: "لا سلاسل ولا أسياد" و"داهومي" و"سانت أومير" ترفض النهايات المنتصرة، والأبطال الأحاديين، أو العبر الأخلاقية الواضحة. بدلاً من ذلك، يواجهون التاريخ بشروطه، ويحتضنون فجواته وتناقضاته وتوتراته غير المحسومة، إنهم يجربون الغموض السردي، والانقطاعات الزمنية، والصمت التركيبي أدوات للمساءلة التاريخية.

تُجسد "ماتي ديوب" في فيلم "داهومي" هذه التناقضات من خلال الشكل والحوار. يتحول النصف الثاني من الفيلم إلى جوقة من طلاب بنينيين شباب يناقشون معنى وحدود الاسترداد. تتباين أصواتهم: يركز بعضهم على أهمية استرجاع المسروقات، بينما يشكك آخرون في دوافع إعادة ستة وعشرون قطعة فقط من أصل نحو سبعة آلاف قطعة منهوبة. تتطرق النقاشات إلى فقدان اللغة والثقافة، ودور القادة السياسيين، وما إذا كانت هذه الأفعال الرمزية تُحدث فرقًا حقيقيًا في واقعهم اليومي. تسجّل "ديوب" هذا التباين دون تدخل أو تعليق، فتسمح لوجهات النظر بأن تتصادم وتتقاطع وتتعارض. وبدلاً من أن تقدم حلاً، يتحول "داهومي" إلى مساحة تتكشف فيها حقائق ما بعد الاستعمار بكل فوضويتها وتعقيدها واستعصائها على التأويل الأحادي.

حين تصبح القفزة في البحر هي اللغة الوحيدة المتبقية، يفقد المستعمر آخر أدواته في السيطرة

أما "سانت أومير" لـ"أليس ديوب" فهو يرفض بدوره إطار الإغلاق الأخلاقي. فبينما كان يمكن لهوليوود أن تحوّل قضية "فابيين كابو" الحقيقية إلى دراما قضائية مثيرة، تقدم ديوب فيلمًا متأملًا ومضبوطًا يستقصي العرق والهجرة والعنف غير المرئي لـ"الآخرية" في فرنسا المعاصرة. بطلته، "لورانس كولي" - امرأة سنغالية متهمة بقتل ابنتها في فرنسا - لا تُقدَّم ضحية ولا شريرة؛ فالفيلم لا يمنحها خلاصًا، ولا يدينها بسهولة، بل يجبر المشاهد على الحضور في المساحة غير المحسومة لوجودها. مثل "لا سلاسل ولا أسياد" و"داهومي"، يُصر "سانت أومير" على أن صدمات العبودية والهجرة والاغتراب هي جراح لم تندمل.

يعد موضوع فيلم "سانت أومير" عن الإزاحة الجسدية والنفسية معًا. تركت "لورانس" عالمًا خلفها، لكنها لم تُقبل تمامًا في آخر. إنها مغتربة عن الفضاءين السنغالي والفرنسي. تنتقد "أليس ديوب" التوقعات التي تفرض على من هاجروا مما بعد الاستعمار أن يكونوا ممتنين، وأن يندمجوا دون صراع، وأن يتركوا خلفهم أشباح الماضي. تكشف قصة "لورانس" أن الاندماج ليس دعوة، بل مطلب قسري ينطوي على قطيعة مستحيلة وعنيفة. وتُصوّر "ديوب" جريمة "لورانس" - غرق ابنتها - ليس فقط كفعل فردي يائس، بل كعرض لشيء أكبر. هل كان انهيارًا نفسيًا؟ رد فعل على ضغط خنّاق كونها امرأة سوداء في فرنسا؟ رفضًا لحِمل التمثيل المفروض على الأمهات المهاجرات؟ لا تقدم ديوب إجابة، بل تتركنا نتساءل إن كان الأمر كل هذا معًا، أو لا شيء منه إطلاقًا. تبقى الكاميرا في لحظات صامتة مطولة، تحرم الجمهور من الخاتمة، وتُجبرهم على مواجهة الغموض بدلًا من الهروب منه.

رفض هذه الأفلام للامتثال إلى معايير السرد الغربية هو موقف سياسي. ترفض أفلام "لا سلاسل ولا أسياد" و"داهومي" و"سانت أومير" فكرة أن التاريخ يجب أن يُختزل، أو أن النجاة تعني الحرية، أو أن المعاناة يجب أن تُحوّل إلى عرض بصري حتى تُفهم. ومن خلال تحطيم الخطية المفروضة على السينما السائدة، تفتح هذه الأفلام مجالًا لرؤى جديدة في كيفية الرؤية والتذكر والمقاومة. إنها تذكّرنا بأن التاريخ ليس كتابًا مغلقًا، ولا مادة معلبة سهلة الهضم. إنه باقٍ، غير محسوم، يضغط على الحاضر. وربما يكون هذا هو الفعل الأكبر للعصيان ورفض إعطاء التاريخ خاتمة.

المقال الأصلي هنا