الأحد 16 نوفمبر 2025
قفزت مبيعات المواشي الصومالية إلى أسواق الخليج هذا العام مدفوعة بتقلّص إمدادات المنافسين التقليديين، في مقدمتهم أستراليا التي تمضي نحو إنهاء شحن الأغنام بحرًا ابتداءً من 1 مايو/أيار 2028، والسودان الذي قيّدته الحرب عن تلبية الطلب الإقليمي. يقدّر مسؤولون صوماليون أن عوائد الصادرات قد تلامس سقف المليار دولار خلال 2025، إذا استمرت وتيرة الشحنات الحالية، مستفيدة من تراجع المنافسة، واتساع شهية الأسواق الخليجية، خصوصًا السعودية والإمارات.
حسمت أستراليا، أحد أكبر مورّدي الأغنام الحية تاريخيًا للمنطقة، مسارها التشريعي، فقد أقرّ البرلمان قانونًا يُنهي تصدير الأغنام بحرًا اعتبارًا من مايو 2028، على أن تُدار مرحلة انتقالية حتى ذلك الموعد. وإلى أن يسري الحظر الكامل، تواصل الحكومة تنظيم الشحنات وفق معايير الرفق بالحيوان. تُظهر الأرقام الرسمية أيضًا أن صادرات أستراليا البحرية من الأغنام انكمشت إلى نحو 652 ألف رأس في 2022/2023، مقارنة بنحو 5.9 ملايين رأس قبل عقدين، تراجع كبير يترك فجوة متزايدة في العرض لصالح موردين بدلاء أقرب جغرافيًا إلى الخليج.
يتقاطع هذا التحوّل مع تعثّر السودان، المورّد الإقليمي التقليدي إلى السعودية ومصر. ورغم أن قيمة صادراته من الماشية إلى السعودية بلغت قرابة 715 مليون دولار عام 2023، فإن الحرب وانكشاف سلاسل النقل والرقابة البيطرية جعلا الإمدادات عرضة للتقلبات والتقطّع، ما يعيد توزيع حصص السوق لصالح منافسين أكثر استقرارًا في الإمداد.
بالتوازي، يكثّف الصومال وصوماليلاند تحرّكاتهما لاستغلال نافذة الطلب، فبيانات حكومية التي وردت في تقارير إقليمية تفيد بأن عوائد صادرات المواشي ارتفعت من 523 مليون دولار عام 2021 إلى 974 مليونًا عام 2024، مع توقّعات بأن تتجاوز مليار دولار في 2025، إذا استمرت دينامية الطلب الخليجي. هذا الارتفاع يعكس مزيجًا من عوامل السوق وميزة القرب الجغرافي، إذ تقصر المسافة والزمن بين موانئ مثل بربرة ومقاصد الاستيراد في جدة وجبل علي، ما يقلّص كلفة النقل والفاقد، ويرفع القدرة على الاستجابة لمتطلبات الحجر البيطري والامتثال الشرعي.
يوضح قاسم عبدي معلِم، مدير صحة الحيوان في وزارة الثروة الحيوانية الصومالية، أن تعثّر السودان وتقلّص الإمداد الأسترالي أهم محركين للزيادة الراهنة، بينما تمنح الجغرافيا الصومال أفضلية تنافسية واضحة على موردين أبعد مسافة. وتؤكد تغطيات اقتصادية دولية، بينها بلومبرغ، أن انتقال الطلب من الأغنام الأسترالية الحية إلى بدائل أقرب، مع بقاء الطلب على اللحوم المبرّدة قائمًا، فتح شهية المستوردين في الخليج على الشراء من القرن الأفريقي.
لكن هذه النافذة تحمل التزامات داخلية. فترسيخ المكاسب يتطلب توسيع قدرات الحجر البيطري ومختبرات الفحوص، ورفع كفاءة ممرات التجميع والنقل البحري، وتحديث سجلات التتبّع والشهادات الصحية، بما يلبّي اشتراطات الهيئات الرقابية الخليجية. كما أن تحسين معايير الرفق بالحيوان والامتثال اللوجستي ليس ترفًا، بل شرطٌ لتثبيت الثقة، وتوقيع عقود أطول أمدًا في أسواق شديدة التنظيم. فسوابق عالمية من حوادث انقلاب سفن محمّلة بالمواشي إلى قيود موسمية على الشحن باتت تدفع مستوردين ومشرّعين إلى تشدد أكبر، ما يجعل الاستثمار في السلامة والشفافية جزءًا من التنافسية لا مجرد كلفة إضافية.
إذا نجح الصومال وصوماليلاند في تحويل الدفعة الحالية إلى اتفاقات توريد مستدامة ومعايير جودة مُحكمة، فقد يتجاوز حاجز المليار دولار هذا العام، ويؤسس لدورة توسّع جديدة تُنعش النقد الأجنبي، وتخلق وظائف عبر سلسلة القيمة من المراعي إلى الموانئ. أما الإخفاق في ترقية البنية التنظيمية واللوجستية فسيعيد المكاسب إلى طابعها الدوري، ويفتح الباب أمام منافسين آخرين لملء الفراغ.