الاثنين 24 مارس 2025
ظهر فيروس الإيبولا مجددا في أفريقيا، وتحديدا في أوغندا، التي سجلت الأسبوع الماضي أول حالة وفاة في العاصمة كامبالا، لممرض يشتغل في مستشفى مولاجو الوطني، بعد ظهور أعراض عليه، سرعان ما أدت إلى تدهور حالته الصحية ثم فشل وظائف عدد من أعضاء جسمه. لاحقا، تأكد عن طريق عينات ما بعد الوفاة أن المريض أصيب بسلالة السودان من فيروس الإيبولا.
تعود أول حالة تفش لهذا الفيروس المميت، حيث تصل نسبة الوفاة بين المصابين به إلى 90 ٪، في أفريقيا لعام 1976 في السودان، لينتشر بعدها في مناطق وسط أفريقيا وغربها حيث الغابات الاستوائية المطيرة وخفافيش الفاكهة المضيف الطبيعي لهذا الفيروس الحيواني التوطن. حتى الآن هناك خمسة سلالات من الفيروس؛ أربعة منها في أفريقيا (السودان، زائير، يونديبوغيو، ساحل العاجل) وواحد فقط في الفلبين (ريستون).
تسبب الفيروس الذي تتراوح حضانته ما بين 2 إلى 21 يوما، بمختلف سلالاته، منذ ظهوره قبل 50 عاما، في وفاة أزيد من 15 ألف شخص في أفريقيا. كانت أكبرها بين عامي 2013 و2016 في منطقة غرب أفريقيا (غينيا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون)، حيث أسفرت عن وفاة 11328 شخص، كانت الحصيلة الأكبر؛ إصابة ووفيات، من نصيب ليبيريا متبوعة بسيراليون ثم غينيا وأخيرا نيجيريا.
في المنطقة دائما، شهدت الكونغو الديمقراطية 14 دورة لتفشي الفيروس، منذ ظهوره أول مرة في أفريقيا، وكانت ستة منها منذ عام 2018 فقط. أسفرت في مجموعها عن وفاة قرابة 2300 شخص في البلد. ولم تعلن السلطات الحكومية في كينشاسا عن تمكنها من تطويق تفشي الفيروس في سبتمبر/ أيلول 2022، بعد مراكمة خبرة كانت محط إشادة من المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية.
عاد الفيروس للظهور في أوغندا، بعد سنتين من إعلان القضاء عليه، بشكل نهائي، حيث أكدت السلطات الحكومية، في 11 يناير/ كانون الثاني 2023، نجاحها في تطهير البلاد من وباء الإيبولا، بعد معركة دامت 4 أشهر، حتمت عليها إغلاق مناطق انتشاره في البلاد لمدة شهرين أواخر عام 2022، ما خفف نسبيا من حصيلة الضحايا، فقد أودى بحياة 55 شخصا من أصل 143 مصابا.
حملت هذه الموجة الجديدة من الفيروس سابقة في تاريخ الوباء، تمثلت في إعلان تيدروس أدهانوم غيبريسوس، منظمة الصحة العالمية، في 3 فبراير/ شباط الجاري عن الشروع في تجربة لقاح ضد الإيبولا في أوغندا بعد مرور أقل من أسبوع على تفشيه. حتى اللحظة لا وجود للقاح معتمد ضد الفيروس، لكن على ما يبدو أن التفشي الأخير للفيروس في البلاد، ساعد على تطوير لقاحات ضد الإيبولا سلالة السودان تحديدا.
وهذا ما أكده بلاغ المنظمة بحديثه عن أن "الباحثين من جامعة ماكيريري والمعهد الأوغندي لبحوث الفيروسات، يعملون بلا ككل للاستعداد لإجراء التجربة في غضون 4 أيام عقب تأكيد تفشيه يوم 30 يناير/ كانون الثاني. وهي أول تجربة من نوعها لتقييم النجاعة السريرية للقاح مضاد لمرض الإيبولا الناجم عن سلالة السودان. وقد تسنى إجراء التجربة بهذه السرعة بفضل التأهب المسبق لإجراء البحوث".
من جهته، تحدث غيبريسوس مدير المنظمة على صفحته على منصة إكس، عن "إطلاق تجربة اللقاح هذه في وقت قياسي" مضيفا بأن هذه التجربة "تستهدف المصابين بالمرض ومخالطيهم... تجربة أولى لتقييم الفعالية السريرية للقاح ضد فيروس الإيبولا سلالة السودان"، داعيا إلى أن ما يحدث "يظهر أهمية الاستثمار في البحوث المرتبطة باللقاحات والعلاجات وتطويرها، والاستعداد للاستجابة للأوبئة".
بالموازاة مع مساعي هذه المنظمة تطويق تمدد الفيروس مبكرا في أوغندا، ظهرت تحذيرات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خطر انتشار الفيروسات، بما في ذلك الإيبولا، في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب القتال العنيف هناك بين الجيش الكونغولي ومقاتلي حركة "إم 23"، الذي يهدد مختبرا في مدينة غوما التي كانت في السابق بؤرة لانتشار جدري القدرة في 21 دولة في أفريقيا.
تحدث باتريك يوسف المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر عن شعور الهيئة "بقلق بالغ إزاء الوضع في مختبر المعهد الوطني للبحوث الطبية الحيوية"، داعيا إلى "الحفاظ على العينات التي قد تتضرر جراء الاشتباكات، والتي قد تسبب عواقب لا يمكن تصورها إذا انتشرت السلالات البكتريولوجيا التي تؤويها، بما في ذلك فيروس الإيبولا". محذرا من "عواقب لا يمكن تصورها في حال انتشار السلالات البكتيرية التي يحتفظ بها المختبر".
ذات التحذير تكرر على لسان جان كاسيا، رئيس المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والذي أكد بأن الوضع في الكونغو الديمقراطية "يمثل حالة طوارئ صحية عامة وساعة النطاق، فالقتال الدائر هناك قد يؤدي إلى تفشي الأوبئة"، مضيفا بأن "الظروف القصوى، إلى جانب انعدام الأمن والنزوح الجماعي، هي ما غدى طفرة فيروس جدري القردة"، ما يجعل الأمر قابلا للتكرار مع فيروس الإيبولا المنتشرة هناك بالجارة الغربية أوغندا.
سبق لماتشيديو موتي، مديرة منظمة الصحة العالمية في أفريقيا، التأكيد على أن "خبرة أوغندا الواسعة في التعامل مع حالات الطوارئ الصحية ستكون حاسمة في إنهاء هذا التفشي بشكل فعال". فهل تكون هذه الموجة فرصة للوصول إلى لقاح يحول شبح فيروس الإيبولا المتربص بأفريقيا إلى جزء من التاريخ على غرار عدد من الأوبئة؟
لكن هذه الأماني تحبطها تصريحات فريق الخبراء المستقلين المعني بالتأهب والاستجابة للأوبئة بذات المنظمة، حيث يؤكدون بأنه "في عام 2025، لن يكون العالم مستعدا لمكافحة تهديد وبائي جديد"، بسبب انعدام المساواة الذي لا يزال قائما في الوصول إلى التمويل وشح الأدوات اللازمة لمكافحة الأوبئة مثل اللقاحات.
لا شك أن الانحصار الجغرافي عائق أمام القضاء على الإيبولا، فتعاقب موجات الفيروس داخل أفريقيا لوحدها خففت من حدة الاهتمام العالمي بالتصدي له، لأنه يبقى في نظر بقية دول العالم مجرد "فيروس إفريقيا". زيادة على أن توالي دورات انتشاره، واستمراره مع البشرية لنحو نصف قرن، أعطى الأمان بإمكانية "التعايش" معه، بل وتحمل خسائره التي تبقى محدودة النطاق.
يبدو أن العالم بهذا المنظور، وبعد مرور خمس سنوات، لم يستوعب بعد الدروس من وباء كورونا الذي أودى بحياة الملايين ودمر الاقتصاد العالمي. فكوفيد 19 كان مجرد فيروس صيني في البداية، كما كان يصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أن يتحول إلى كارثة عالمية أوشكت على إيقاف مظاهر الحياة على وجه الأرض.
يزيد سياق عودة هذه الموجة من فيروس الإيبولا من مخاطر خروج الأمر عن السيطرة، فنيران الحرب المشتعلة في الكونغو الديمقراطية، أحد المواطن الرئيسية للفيروس في أفريقيا، فقد شهد لوحده 14 موجة، تهدد بانتشاره في المناطق الحدودية بين البلدين، وحتى نحو دول أخرى في المنطقة بسبب النزوح جراء ويلات الحرب. هكذا يصبح الحروب من حرب البنادق سببا في إشعال حرب الأوبئة، لتبقى القارة الأفريقية، كما يريدها الكثيرون، ساحة حروب بامتياز وإن اختلفت في طبيعتها.