تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

استجابة حركة الشباب لصعود هيئة تحرير الشام في سوريا

31 يناير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

باغتت أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2024 العالم أجمع، فقد سقط نظام الأسد القوي (كما كان مفترضًا) بعد هجوم خاطف شنته هيئة تحرير الشام وحلفاؤها. بدأت الهيئة كاتحاد لمجموعات عدة عام 2017، أكبرها جبهة النصرة، التي كانت بدورها جزءًا من شبكة القاعدة، حيث انضمت لها عاما واحدا بعد انضمام حركة الشباب للشبكة نفسها في 2012. وسبق لأيمن الظاهري، زعيم القاعدة العالمي في ذلك الوقت، أن نشر رسالة مصورة ترحيبًا بحركة الشباب، حيث قال إنها تنضم للقاعدة لدعم "الوحدة الجهادية ضد الحملة الصهيونية الصليبية ومساعديها بين الحكام الخونة العملاء". 

ظلت جماعة النصرة، لعدة سنوات، كبرى المجموعات في شبكة القاعدة، تليها مباشرة حركة الشباب. وجاء فرصة إعادة تسمية جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، ثم إنكار صلاتها مع القاعدة عام 2016، وما تلا ذلك من اندماج مع ثلاث مجموعات أخرى لتكوين هيئة تحرير الشام عام 2017، حيث اختار زعيم الهيئة الحالي أحمد الشرع (الذي نصب رئيسًا للمرحلة الانتقالية في سوريا في 29 يناير/كانون الثاني الجاري) مسارًا مغايرًا لمسار زعيم حركة الشباب أحمد ديري المكنى بعمر أبو عبيدة.   

في ضوء المسارات المتباينة للمنظمتين، كيف تنظر حركة الشباب للانتفاضة السورية وهيئة تحرير الشام؟ يرمي هذا المقال، اعتمادًا على مواد إعلامية من راديو الأندلس التابع للشباب، وعلى أحد أهم منافذ بروباغندا الشباب مثل واكدارو ميديا (مؤسسة الكتائب للإنتاج الإعلامي)، إلى تقديم لمحة عن ردود أفعال الشباب، ما بين نهاية نوفمبر/ تشرين الأول 2024 حتى 11 يناير/ كانون الثاني 2025.

بروباغندا الشباب في ديسمبر- يناير

يجب أن يكون واضحًا أن بروباغندا الشباب موجهة محليًا بالأساس، مع تركيز قوي على الصومال. وتعد موضوعات مثل: الصراع بين صوماليلاند والصومال وإثيوبيا، والأزمة في جوبالاند، وتوزيع الشباب للمساعدات على المحتاجين، وتصوير الهجمات بما فيها اغتيالات "الخونة" في مقديشو، من الموضوعات الأكثر شيوعًا واستهدافًا للجمهور المحلي.  

إن سقوط نظام الأسد كان الحدث الدولي الذي حظي بتغطية إعلامية أكبر في بروباغندا الشباب. كما قدمت منافذ الشباب الإعلامية أيضًا تغطية إعلامية موسعة لقضايا مثل تطبيق طالبان للشريعة (بما في ذلك رجم الزناة)، ومقتل خليل رحمن حقاني، الوزير بحكومة طالبان، على يد "الدولة الإسلامية"، وكذلك الصدامات الطالبانية- الباكستانية. واتخذت الشباب موقفًا واضحًا (في الأزمة الأخيرة) بالوقوف في صف طالبان، مدعية أن الأخيرة دخلت في صدام مع من أطلقت عليهم "الكفار".

لم يحظ سوى إقليمين آخرين باهتمام بروباغندا الشباب في تلك الفترة، وهما التطورات في مالي واليمن. وكانت التغطية مقتصرة على مقال وحيد حول نجاحات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي، وتأبين للزعيم الراحل للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وإعادة نشر تهنئة الأخيرة لسنة سوريا عقب سقوط الأسد. وعكست التغطية الأخيرة نوعًا ما سردية الشباب الخاصة حول الأحداث في سوريا.

تغطية "الشباب" لسقوط الأسد

رغم التداعيات واسعة النطاق للأحداث في سوريا، فإن تغطية الشباب في شهر ديسمبر/ كانون الأول لهذه الأحداث بدأت متواضعة للغاية، بتعليق موجز نُشر في منصة واكدارو- مؤسسة الكتائب في 2 ديسمبر/ كانون الأول. وكان هذا التعليق نفسه خطاب القاعدة في شبه الجزيرة العربية، المذكور سلفا، بتهنئة قوات سوريا "السنية" على نجاحاتها الكبيرة. واتخذت التغطية اللاحقة لسوريا شكل نشرات إخبارية. أبرزت تنبيهات الشباب الإخبارية المهارات التكنولوجية لهيئة تحرير الشام، وعلقت على نجاحات قوات المسيرات التابعة للهيئة، ولاسيما في استخدامها لمواجهة الدبابات. وحظيت جماعة أنصار التوحيد السورية؛ الأكثر راديكالية، بتقدير ملحوظ من الشباب، ولاسيما على هجومها الانتحاري في مقاطعة خطابة بإقليم حماة في الخامس من الشهر. كما احتفت حركة الشباب بتحرير سجن صيدنايا من قبضة نظام الأسد، في 8 ديسمبر/كانون الأول، بنشرها صورًا واضحة لحراس السجن وهم يُضربون على يد ما يبدو أنهم مدنيون سوريون.  

تمثل المنشورات السالفة الذكر أمثلة على سرديات "الشباب" خلال الأسابيع الأولى من ديسمبر/ كانون الأول 2024. فالحركة تحتفل بالانتصار على نظام الأسد، وتمتدح الكفاءة التكنولوجية لهيئة تحرير الشام في حرب المسيرات التي قامت بها، وتقدر أنصار التوحيد- وهي منظمة أبقت على صلاتها بالقاعدة لفترة أطول من هيئة تحرير الشام، لكنها نأت بنفسها منذ ذلك الوقت عن القاعدة. وقد استخدمت حركة الشباب كلمة "جهادي" عند التعليق على أنصار التوحيد، وعندما يصفون بعض أنشطة هيئة تحرير الشام (دون ذكر اسم الأخيرة).  

إجمالا، لم تحظ هيئة تحرير الشام بتقدير مباشر (من قبل حركة الشباب)، ولا توجد تهنئة مباشرة للهيئة. كما أنه ليست هناك -بكل بساطة- احتفالات مباشرة بهيئة تحرير الشام، لكن الاحتفاء كان فقط بالانتصارات على الأسد. وبالنسبة للشباب يبدو أن "جهاديَ" سوريا لا ينتمون لأي تنظيم محدد، باستثناء مقالهم الوحيد حول التفجيرات الانتحارية التي قامت بها "أنصار التوحيد". ومن الأهمية بمكان ملاحظة أنه ليست هناك محاولة من قبل الشباب للنأي بنفسها عن هيئة تحرير الشام؛ بل إنها كانت تتجاهل فحسب اسم الجماعة.  

تغيرت تلك النبرة نوعًا ما في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث نشرت الشباب مقالًا خبريًا عن دور الإمارات العربية المتحدة في سوريا، وادعى المقال محاولة الإمارات تطبيق خطة كبرى لتقسيم سوريا إلى ثلاثة دول، لكنها فشلت في تلك الجهود. ولربما كان للتقرير ما يقوله بخصوص الأحداث في الصومال أكثر من الأحداث في سوريا. ففي الصومال اتبعت الإمارات أجندة فيدرالية، ولديها موقف معلن مناهض للإسلاموية في سياساتها الخارجية. كما نشرت الحركة مقالًا حول حياة الجهادي السوري أبو مصعب السوري، في مطلع يناير/ كانون الثاني 2025، لكن الملاحظ هو أن التركيز على سوريا تراجع بحدة بعد ديسمبر/ كانون الأول.  

كان مدح المنجزات التقنية لهيئة تحرير الشام ملحوظًا في التغطية المبكرة، فيما كان المدح المحدود للغاية للتنظيم نفسه ملحوظًا بشكل ملفت. علاوة على ذلك يبدو أن التشكك إزاء هيئة تحرير الشام قد زاد في ديسمبر/كانون الأول كما يتضح في مقال حول مناورات الإمارات، وكذلك حول أبو مصعب السوري. فقد تم تقديم الرجل مثالا حقيقيا للجهادي السوري كما يجب أن يحتذى به، ومثالا للجهاديين السوريين الذين يجب أن يستلهموا أفعاله في حياتهم. يمكن تفسير ذلك كمحاولة للشباب لتعزيز الجانب الأكثر راديكالية في التمرد السوري، عبر مدح الطرف الأكثر راديكالية وشهرة والعضو في القاعدة. ولدى السوري أجندة عالمية واضحة، يبدو أن هيئة تحرير الشام تفتقدها راهنًا.  

في ديسمبر/ كانون الأول أخبر الشرع التايمز أن بلاده لن تستخدم "كمنصة للهجمات" ضد أية دولة، بما فيها إسرائيل. ولم يبتعد عن هذا الخط. ويمكن رؤية ذلك أيضًا كوسيلة للمنظمات الأكثر راديكالية لنيل تقدير أكبر لدورها في الانتصارات في سوريا، عبر إبراز أنه كان هناك جهاديون عالميون معروفون من سوريا في وقت سابق، ودون ذكر أن دور القاعدة في الأحداث الجارية في سوريا يبدو راهنًا في حدوده الدنيا. ويمكن أن تكون مثل تلك السردية ذات قيمة للجمهور الصومالي، وتقدم قصة مفادها أن شبكة القاعدة ذات صلة مستمرة مع ما يحدث في سوريا اليوم، رغم أن الأمر ليس كذلك.  

ورغم ذلك لم تدن حركة الشباب هيئة تحرير الشام على الإطلاق، وحسب كلام أحد قادة بروباغندا الشباب فإنهم غير متأكدين من نوايا التنظيم، وتفاعلاته مع القوى الأخرى في الشرق الأوسط. ولقد كانت حركة الشباب قلقة، لكن يحدوها أمل، ولا تزال على تلك الحالة اليوم.  

إن التغيير في صورة هيئة تحرير الشام، وتركيزها المتزايد على الشأن المحلي يمكن أن يعتبر أيضًا أمرًا خطيرًا لحركة الشباب، وملهمًا لعدد من القادة للنأي بالجماعة عن شبكة القاعدة، وحتى للسعي للتعاون مع الهيئات العلمانية.  

بأي حال فإن قادة الشباب، في الصفوف العليا والمتوسطة، مطلعون بقوة على الأحداث الدولية، بما في ذلك الوضع في سوريا، وسيكون لمسار هيئة تحرير الشام- وهي الجماعة التي تركت القاعدة وتصبح بشكل واضح أكثر علمانية- أثر ما، بما في ذلك على النقاشات البينية داخل حركة الشباب.