الاثنين 28 أبريل 2025
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو، في 18 مارس/ آذار 2025، تطورًا أمنيًا خطيرًا تمثل في محاولة اغتيال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عبر تفجير استهدف موكبه أثناء تحركاته الميدانية. هذا الهجوم، الذي تبنته حركة الشباب، لم يكن مجرد محاولة تصفية شخصية، بل يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة، سواء على المستوى الأمني أو السياسي، خاصة أنه يأتي في توقيت حساس تشهد فيه البلاد تحولات داخلية وإقليمية معقدة.
يعد هذا الاستهداف سابقة خطيرة، ليس فقط بسبب رمزية الهدف، بل أيضًا بسبب طبيعة الأسلوب المستخدم، حيث لجأت الحركة إلى تفخيخ منزل قريب من مسار الموكب، ما يشير إلى اختراق استخباراتي دقيق، وقدرة على الوصول إلى معلومات حساسة عن تحركات الرئيس. كما أن توقيت العملية، الذي جاء بعد رفض الحكومة الصومالية أي مفاوضات مع الحركة، وتصعيدها للعمليات العسكرية ضدها، يعكس محاولة الحركة فرض نفسها طرفا فاعل لا يمكن تجاوزه في المشهد السياسي والعسكري.
تاريخيا، يُعتبر هذا الهجوم الثاني من نوعه الذي يستهدف رئيسًا صوماليًا، بعد محاولة اغتيال الرئيس الراحل عبد الله يوسف أحمد عام 2006، والتي شكلت حينها نقطة تحول فارقة في الصراع، حيث أدت إلى التدخل العسكري الإثيوبي الأول في البلاد. ورغم اختلاف السياقات الزمنية والسياسية بين الحالتين، فإن الهجوم الأخير يؤكد استمرار تحدي الجماعات الإرهابية المسلحة لسلطة الدولة، وسعيها لتقويض الاستقرار عبر ضرب رموزها القيادية.
يحاول هذا التقرير تفكيك دلالات الهجوم من خلال تحليل أسلوب التنفيذ، بما يحمله من رسائل أمنية وسياسية، وتأثيره المحتمل على مستقبل الصراع في الصومال، إضافة إلى استشراف السيناريوهات المتوقعة في ظل التصعيد الحالي بين الحكومة والحركة.
تشير التحقيقات الأولية إلى أن الهجوم استند إلى تقنية متقدمة في زرع المتفجرات داخل مبنى سكني، مع التحكم في تفجيرها عن بُعد، ما يعكس مستوى من الاحترافية والتخطيط الدقيق. ويبرز هذا الأسلوب تطورًا لافتًا في تكتيكات حركة الشباب، التي انتقلت من العمليات الانتحارية المباشرة إلى التفخيخ الذكي للمباني، مما يزيد من صعوبة الرصد والمكافحة الأمنية.
المبنى المستهدف، وفقا للمعلومات، كان يتألف من طابقين، استأجر المنفذ الطابق الأرضي قبل شهر من الهجوم، بينما كان الطابق العلوي مخصصًا كمدرسة لتحفيظ القرآن للأطفال. هذا الاختيار يكشف عن استراتيجية خداع متعمدة، إذ استخدم المنفذ بيئة مدنية مأهولة لتجنب الشبهات، وتقليل فرص كشف العملية قبل التنفيذ.
خلال فترة استئجاره، عمل المُنفذ على إخفاء عبوات ناسفة شديدة الانفجار داخل الجدران والأعمدة الداعمة للمبنى، لضمان تدمير شامل عند التفجير. تشير التقارير الفنية إلى استخدام مواد من فئة C-4 أو PETN، وهي متفجرات عالية القوة تُستخدم في العمليات العسكرية والاستخباراتية المتقدمة.
اتخذ المنفذ، وفقا لمصادر أمنية، إجراء احترازيا مدروسا في يوم التفجير، لضمان عدم وجود الأطفال في المدرسة، حيث قدم مبلغًا ماليًا لمعلم المدرسة طالبًا منه منح الطلاب إجازة ليوم واحد. يظهر هذا التصرف عن اهتمام خاص بالصورة الإعلامية للهجوم، إذ سعت الجهة المنفذة لتجنب أي ضرر قد يثير استياء السكان المحليين، ويؤثر على موقفها الدعائي.
تشير الأدلة الجنائية الأولية إلى أن العملية تمت باستخدام نظام تفجير لاسلكي متقدم، يعتمد على إشارات هاتفية مشفرة، ما أتاح للمنفذ البقاء بعيدًا عن موقع التفجير والهروب قبل لحظة التنفيذ. كانت العبوات موصولة بشبكة دوائر كهربائية حساسة، جرى تنشيطها بمجرد مرور موكب الرئيس داخل نطاق التفجير، مما يعكس دقة في التخطيط والتنفيذ. نظرًا لتمركز المتفجرات في الأعمدة الداعمة والأساسات الهيكلية، فقد أسفر التفجير عن انهيار كامل للمبنى خلال ثوانٍ معدودة، حيث سُوي الطابق السفلي بالأرض، بينما انهار الطابق العلوي بالكامل. كما أدت الموجات الارتدادية القوية إلى أضرار جسيمة في المباني المجاورة، مما أسفر عن مصرع 8 مدنيين على الأقل وإصابة آخرين بجروح.
يكشف استخدام التفجير الهيكلي للمباني بدلًا من السيارات المفخخة أو العمليات الانتحارية المباشرة عن تطور تكتيكي يعقّد مهام الأجهزة الأمنية، إذ بات من الصعب التنبؤ بمواقع الاستهداف. كما يعكس اختيار التحكم اللاسلكي عن بُعد رغبة الجهة المنفذة في تقليل الخسائر البشرية في صفوفها، وزيادة فرص نجاح الهجوم، مما يدل على تطور في قدراتها التقنية والاستخباراتية.
إن استغلال البيئة المدنية غطاء أمنيا، من خلال استئجار مبنى سكني متصل بمدرسة دينية، يؤكد على استراتيجية خداع متعمدة، تهدف إلى إعاقة المراقبة الأمنية ومنع إثارة الشبهات، مما يستدعي إعادة النظر في النهج الأمني المتبع لرصد مثل هذه العمليات.
حمل توقيت الهجوم دلالات سياسية قوية، حيث وقع بعد رفض الرئيس حسن شيخ محمود لمبادرة غربية تدعو إلى فتح مفاوضات مع حركة الشباب، ما يعكس رغبة الحركة في فرض نفسها قوة أساسية لا يمكن تجاهلها في أي تسوية سياسية مستقبلية.
كما جاء الهجوم في وقت حساس شهد تعديلًا وزاريًا مثيرًا للجدل، شمل تغييرات في مناصب أمنية هامة، حيث تم إبعاد وزير الدفاع عبد القادر محمد نور من منصبه تحت ضغط أمريكي كبير، بسبب علاقته الوثيقة بتركيا.
فضلاً عن ذلك، تزامن الهجوم مع إعلان الرئيس محمود إشرافه المباشر على العمليات العسكرية ضد حركة الشباب، وهو ما قد تكون الحركة قد اعتبرته تهديدًا خطيرًا دفعها إلى تنفيذ هذا الهجوم غير المسبوق.
هذا، ولم يكن الهجوم سوى امتداد لتصعيد عسكري متواصل شهدته الأسابيع الماضية، حيث كثّفت الحركة عملياتها في محاولة لإحداث اختراق استراتيجي بالقرب من مقديشو، أو تعزيز سيطرتها على المحاور الحيوية في الأقاليم المحيطة. فقد تمكنت من السيطرة على عدة مديريات في محافظة شبيلى الوسطى، ما وفر لها قاعدة عملياتية مهمة لدعم تقدمها نحو العاصمة. كما استولت على مدينة "أو ديجلي" في شبيلى السفلى، وهو تحرك يُظهر بوضوح سعيها إلى تطويق مقديشو من عدة جهات. لقد زادت المخاوف الأمنية بعد رصد تحركات عسكرية للحركة على بعد 10-15 كلم من العاصمة، في مؤشر على نوايا هجومية مباشرة، مدعومة بحشد مقاتلين من جوبا، باي، باكول، ومودوغ، مما يعكس استعدادًا طويل الأمد لهذه العملية.
كما سعت الحركة إلى فرض سيطرتها على المحور الساحلي بين عدالي وورشيخ، وهو ممر حيوي من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، خاصة مع تزايد النشاط الدولي في المنطقة. كما تزامن التصعيد مع استعدادات لإطلاق مشروع أقمار صناعية تركي، وهو ما قد تعتبره الحركة تهديدًا لنفوذها في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما يعكس استهداف مناطق التنقيب عن النفط في شبيلى الوسطى إدراك الحركة لأهمية السيطرة على الموارد الاقتصادية، خصوصًا مع اقتراب موعد استكمال دراسات استكشاف النفط هناك. وعليه، فإن نجاحها في تحقيق أهدافها سيمنحها نفوذًا تفاوضيًا أكبر، بينما سيؤدي فشلها إلى تراجع استراتيجي كبير قد يحدّ من قدرتها على المناورة مستقبلًا
يحمل الهجوم أبعادًا خطيرة على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، إذ يعكس تطورًا نوعيًا في أساليب حركة الشباب، وقدرتها على تنفيذ عمليات معقدة ضد أهداف محصنة. فبدلًا من استخدام التفجيرات الانتحارية التقليدية أو العبوات الناسفة المزروعة على الطرقات، لجأت الحركة إلى تفخيخ منزل قريب من خط سير الموكب، ما يشير إلى تخطيط دقيق واختراق استخباراتي لمعلومات تحركات الرئيس، وهو تطور يفرض تحديات جديدة على الأجهزة الأمنية.
على المستوى السياسي، يأتي هذا الاستهداف بعد رفض الحكومة الصومالية أي حوار مع حركة الشباب، في وقت صعّدت فيه عملياتها العسكرية ضدها، ما يوضح أن الهجوم يحمل رسالة واضحة مفادها أن الحركة لا تزال قادرة على اختراق المنظومة الأمنية واستهداف أعلى هرم السلطة، في محاولة لإضعاف ثقة الرأي العام بالحكومة. كما يتزامن الهجوم مع تغييرات في المواقع الأمنية الحساسة داخل الدولة، ما قد يفسر توقيته كاستغلال للحالة الانتقالية داخل المؤسسة الأمنية.
سيتوقف المسار المستقبلي للصراع بين الحكومة وحركة الشباب على مدى قدرة الدولة على استعادة المبادرة الأمنية، وإحباط أي محاولات مماثلة في المستقبل، وإلا فإن الحركة قد تستغل هذا النجاح التكتيكي لتكرار عملياتها ضد مسؤولين آخرين
أما من الناحية الاستراتيجية، فإن نجاح تنفيذ الهجوم بهذا الشكل يعزز موقف الحركة في مواجهتها مع الحكومة، ويضع ضغوطًا إضافية على الرئيس لإعادة النظر في استراتيجياته الأمنية. كما قد يدفع بعض القوى الدولية والإقليمية إلى إعادة تقييم دعمها للحكومة الصومالية، أو حتى الضغط نحو تسويات سياسية مع الحركة، وهو ما قد يكون أحد أهدافها من وراء هذا التصعيد.
يُتوقع أن يترك الهجوم تداعيات واسعة على المشهد السياسي والأمني في الصومال، حيث ستسارع الحكومة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية، خصوصا ما يتعلق بحماية الرئيس وكبار المسؤولين، عبر مراجعة البروتوكولات الأمنية، وإجراء تغييرات محتملة في القيادات الأمنية المسؤولة عن تأمين الشخصيات الهامة. كما قد تشهد العاصمة مقديشو حملة أمنية موسعة لملاحقة الخلايا النائمة لحركة الشباب، في محاولة لاستعادة الهيبة الأمنية بعد هذا الاختراق الخطير.
على المستوى العسكري، قد تلجأ الحكومة إلى تصعيد العمليات ضد الحركة، عبر تكثيف الغارات الجوية والعمليات البرية، سواء بقدراتها الذاتية أو بدعم من الولايات المتحدة وتركيا. لكن في المقابل، قد ترد الحركة بمزيد من الهجمات ضد أهداف حكومية، مما قد يؤدي إلى تصاعد وتيرة العنف داخل البلاد.
أما على الصعيد السياسي، فالهجوم قد يدفع ببعض الأطراف الدولية إلى الضغط على الحكومة لفتح قنوات حوار مع حركة الشباب، خاصة إذا استمرت الهجمات المماثلة. في حين أن الرئيس حسن شيخ محمود قد يستغل الحادث لتعزيز موقفه السياسي داخليًا، عبر تقديم نفسه قائدا يواجه خطر الإرهاب بشكل مباشر، ما قد يستخدمه لتعزيز سلطاته أو طلب دعم دولي إضافي.
إن نجاح الحركة في تحقيق أهدافها سيمنحها نفوذًا تفاوضيًا أكبر، بينما سيؤدي فشلها إلى تراجع استراتيجي كبير قد يحدّ من قدرتها على المناورة مستقبلًا
في النهاية، سيتوقف المسار المستقبلي للصراع بين الحكومة وحركة الشباب على مدى قدرة الدولة على استعادة المبادرة الأمنية، وإحباط أي محاولات مماثلة في المستقبل، وإلا فإن الحركة قد تستغل هذا النجاح التكتيكي لتكرار عملياتها ضد مسؤولين آخرين، مما قد يُضعف ثقة الداخل والخارج في قدرة الحكومة على إدارة المشهد الأمني.
ختامًا، فإن هذا الهجوم يمثل نقطة تحول هامة في مسار الصراع بين الحكومة وحركة الشباب، ويكشف عن تصعيد تكتيكي واستراتيجي خطير. هذه العملية تؤكد على التحديات الأمنية العميقة التي تواجه الدولة الصومالية، بما في ذلك احتمالية اختراق الأجهزة الأمنية والتوسع في تكتيكات غير تقليدية من قبل الحركة. بينما تسعى الحكومة إلى استعادة هيبتها من خلال تعزيز الإجراءات الأمنية وتكثيف العمليات العسكرية، يبقى أن التفاعل الدولي مع هذا الهجوم سيشكل جزءًا أساسيًا من الاستجابة السياسية والدبلوماسية.
إذا فشلت الحكومة في احتواء هذا التهديد بشكل فعال، فإن الصراع قد يتحول إلى مرحلة جديدة من التصعيد، بما يهدد استقرار البلاد، ومصداقية الحكومة أمام شعبها والمجتمع الدولي. في المقابل، قد يتمكن الرئيس من استغلال هذا الهجوم لتعزيز سلطته داخليًا والحصول على دعم دولي أكبر لمواجهة التحديات الأمنية. مع ذلك، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الهجوم مجرد ضربة تكتيكية من الحركة أم بداية لمرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة.