تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
ثقافة

إسلام الصومال: محطات تاريخية

22 نوفمبر, 2024
الصورة
Islam in Somalia
مَـسْـجِـد الْـقِـبْـلَـتَـيْـن في منطقة أودال، زيلا، صوماليلاند، 20 نوفمبر 2011. (تصوير إريك لافورج / آرت إن أول أوف أس / كوربيس عبر غيتي إيماجز)
Share

ترسخ الإسلام في منطقة القرن الأفريقي والصومال لأكثر من ألف عام؛ ففي عام 622، وبعد الهجرة النبي محمد، بدأت قريش في اضطهاد المسلمين، هاجر عدد من المسلمين فرارا إلى زيلع الحالية وعبر إريتريا لما أثر عنها: "فيها من ملك لا يظلم عنده أحد"، وبذلك يعود وجود الإسلام في الصومال إلى وقت مبكر؛ ولا شك أن الشعر العربي بوصفه ديوان العرب الخالص، ومجمع تاريخهم قد احتفظ لنا، ولو بصورة مصغرة، بقصائد تروي هذا الحدث التاريخي الكبير، ومنها قول عبد الله بن الحارث بن قيس أبياتًا في ذلك فقال:

يا راكبًا بلغن عني مغلغلةً/من كان يرجو بلاغ الله والدينِ
كل امرئ من عباد الله مضطهـدٍ/ببطن مكـة مقهـورٍ ومفتـونِ
أنا وجدنا بلـاد الله واسعـةً/تنجي من الذلِ والمخزاةِ والهونِ
فلا تُقيموا على ذُلّ الحياة وخِز/ي في المَمات وعيب غَيرِ مَأمونِ
إنّا تَبعنا رسول الله واطرَحـوا/قَول النّبيّ وعالوا في المَوازِين
فاجعل عذابكَ بالقَومِ الّذيِنَ بغوا/وعائِذًا بك أن يَعلوا فُطغونِي

أسلم العديد من الصوماليين قبل أن ينتشر الإسلام في الجزيرة العربية بشكل واسع، بل إن بعض الروايات تذهب إلى أن جعفر بن أبي طالب أثناء هجرته من مكة إلى الحبشة أسس مراكز للدعوة الإسلامية في الصومال؛ بمساعدة من الوحدات السكنية العربية المستوطنة هناك. حيث زاد إقبال الصوماليين على الإسلام.

وقد أثرت انتصارات المسلمين على قريش، في القرن السابع الميلادي، بشكل كبير على تُجار وبَحَّارَةِ الصومال، ونظرا لهذه العلاقات التجارية الكبيرة بين تجار العرب والصومال، فقد سيطر المسلمون على الطرق التجارية في البحر المتوسط والبحر الأحمر. هكذا توالت هجرات المسلمين إلى ساحل الصومال زمن الخلفاء الراشدين، فهناك هجرة لمسلمين جاءت إثر مقتل عثمان بن عفان، لاختلافهم بخصوص منصب الخلاف، وما تلي ذلك من انقسام المسلمين حينئذ إلى شيع في عهد علي بن أبي طالب، فهاجر بعضهم في فترة الاضطراب التي سادت أثناء خلافة علي إلى ساحل الصومال، ومن المرجح أن يكونوا من الخوارج الذي حاربهم علي، وهزمهم في موقعة النهروان (عام 38هـ)، والتي دارت رحاها بين علي بن أبي طالب والخوارج.

انتشر الإسلام في المدن الساحلية الصومالية، عن طريق التجارة، وتسببت الاضطرابات في الجزيرة العربية في هجرات عربية متوالية إضافية. وفي أواخر الدولة الأموية كانت هجرة "الزيدية" عقب مقتل زين بن علي (عام 122هـ/740م) فرارا من اضطهاد بني أمية لهم. هاجروا إلى الساحل الصومالي، واستقروا بمنطقة بنادر حيث ساد الشيعة لما يقرب من مائتي عام، وأصلحوا الأراضي القاحلة وزرعوها واستفادوا من مياه نهري جوبا وشبيلي وأراضيها الخصبة، واستطاعوا بمساعدة الرقيق زراعة بعض النباتات التي عادت عليهم بثروات طائلة، ودرت عليهم أموالا هائلا.

يُعد الإسلام حقيقة أحد الهويات الأساسية للشعب الصومالي، إلى جانب الاعتبارات الهوياتية الأخرى كالانتماء الطبقي والعرقي... ويمكن الإشارة إلى أن معظم الصوماليين على المذهب السني؛ وتمثل ممارسة الإسلام عنصراً مميزاً يفرق بين الصوماليين وجيرانهم الأفارقة، الذين يعتنق العديد منهم المسيحية كما هو الحال في أوغندا وكينيا.

إنّ الإسلام هو الركيزة الأساسية للهوية الصومالية، ولا يمكن تعريف هوية الشعب الصومالي دونه. ولعل الدستور الصومالي كان واضحا في هذه النقطة، بإشارته إلى أن "الإسلام الديانة الرسمية للبلاد وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". يتبيّن إذن أنّ المزاعم التي تدّعي أن التيارات الإسلامية قامت بأسلمة الهوية الصومالية، بعد انهيار الحكومة، مزاعم تفتقر إلى فهم تاريخي متكامل. فالاختلاف بين الهوية قبل الاستعمار وبعد انهيار الدولة عام 1991، لا يتعلّق بدور الإسلام في هذه الهوية، بل بالتيار الذي حمل العلم الشرعي وحفظ للأمة دينها. في فترة ما قبل الاستعمار، كانت الحركات الصوفية بشقّيها القادرية والأحمدية تحمل لواء العلم الشرعي في الصومال وتواجه الاستعمار، بينما تزامنت الأدوار للتيارات السلفية والإخوان المسلمين في فترة ما بعد انهيار الدولة.

انتشر الإسلام عبر مقديشو - عاصمة الصومال وأكبر مدنها، كانت مستوطنة عربية قديمة، اجتذبت التجارة من بلاد فارس والهند والصين - إلى الداخل. بحلول القرن الثاني عشر، ازدهرت مقديشو اقتصادياً بفضل التجارة الساحلية. قبل الاستعمار، اعترف المجتمع الصومالي بسلطتين متداخلتين: شيوخ العشائر والزعماء الدينيين، مما جعل الإسلام جزءا لا يتجزأ من الثقافة القبلية.

تاريخياً، كان الصوماليون، على مذهب الإمام الشافعي، وغالباً ما انتموا إلى إحدى الطرق الصوفية المعروفة كالطريقة القادرية والأحمدية والصالحية وغيرها... حيث دمجوا في ممارساتهم التقاليد والمعتقدات المحلية مع تعاليم الإسلام. فالطريقة الأحمدية أسسها أحمد بن إدريس الفاسي، وكانت إصلاحية تعتمد على الكتاب والسنة، ونقلها الشيخ الصومالي علي ميي درغبو لنشر الإسلام الصحيح. وتأسست الطريقة الصالحية على يدي إبراهيم بن الرشيد وابن عمه محمد بن صالح، ركزت على إحياء الروح الإسلامية وتعميق فهم الدين، وكان السيد محمد عبدالله حسن أحد أتباعها البارزين في مقاومة الاحتلال الأوروبي والحبشي. أما الطريقة القادرية، أقدم الطرق الصوفية، فأسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني، وانتشرت بشرق أفريقيا عبر التجار والمهاجرين، خاصة في المدن الساحلية، وأسهمت في إنشاء مراكز علمية ودينية خرّجت فقهاء ومريدين نشروا الإسلام في المنطقة. وكان من أبرز شيوخها في الصومال الشريف أبوبكر العيدروس والشيخ عبدالرحمن الشاسي، اللذين ساهما في ترسيخ وجودها، وتعزيز دورها الدعوي.

بحلول الثمانينيات من القرن العشرين، انتشرت تفسيرات معادية للتصوف الطرقي، وعلى وجه الخصوص مع عودة علماء صوماليين من مصر والمملكة العربية السعودية إلى وطنهم، الذي كان يواجه الفساد والركود الاقتصادي والاضطرابات.

قد تكون التحولات السياسية في السعودية نقطة محورية، مما ينذر بتغيرات جذرية قد تؤثر بعمق على التيارات السلفية عالميًا. ويبدو أن التوجه الأخير للسلفيين نحو العودة إلى الجذور يهدف إلى استباق هذه التغيرات التي يتوقعون أنها قد لا تخدم مصالحهم، مما دفعهم إلى تهيئة أرضية لضمان بقائهم واستمرارهم، مهما كانت نتائج هذا التحول. بالنسبة للسلفية الصومالية، يمثل هذا التوجه خطوة كبيرة في تطورها، وربما يعكس رغبة في "صوملة" السلفية التي كانت سابقًا فكرة مستوردة.

يسعى السلفيون الآن إلى دمج عناصر محلية من البيئة الصومالية، ما يمنحها فرصة للنمو بشكل أكثر تجذرًا واستدامة. ومع ذلك، فإن هذه المحاولة محفوفة بالمخاطر. فإذا تمكن السلفيون من الحفاظ على عقيدتهم الوهابية مع العودة إلى جذورهم الفقهية، فقد يحققون تأثيرًا أوسع ونضجًا فكريًا وفقهيًا، يُعزز مستقبلهم بشكل إيجابي على المدى الطويل.

كانت سلطنة العدل الإسلامية أو كما تسمى مملكة العدل أو بار سعد الدين، التي نشأت بين القرن العاشر والسادس عشر في شمال الصومال، إحدى أهم الدول في تلك الحقبة، حيث اتخذت من هرر عاصمة لها، وشملت موانئ تجارية كزيلع التي تقع شمال غرب الصومال على ساحل خليج عدن المقابل لدولة جيبوتي.

أعلن القائد العسكري أحمد جران، في عام 1529، الجهاد ضد الإمبراطور الإثيوبي داويت الثاني. واجتاح جيشه إثيوبيا بدعم من مقاتلين من قبائل عيسى وأورومو والإنكشارية العثمانية، وسيطر على معظم البلاد حتى هُزم في معركة واينا داجا عام 1543.
ومع توسع الحكم الاستعماري في أواخر القرن التاسع عشر، أصبح حضور الإسلام، وعلى وجه الخصوص مع التغيرات الاجتماعية والسياسية محدودا. قاوم الفقهاء والعلماء التغريب، وقد كان محمد عبد الله حسن مثالاً حقيقيا على هذه المعارضة في القرن العشرين. حيث قاد الشيخ محمد عبد الله حسن ثورته الجهادية ضد الاحتلال الغربي وأعوانه، مؤسسًا دولة الدراويش التي صمدت لنحو عقدين في وجه المستعمرين وسلاطين موالين لهم، مثل سلطان هوبيو المعروف بـ"كينديد".

تزامنت ثورته في الصومال مع حركات مقاومة أخرى في المنطقة، مثل ثورة أحمد عرابي في مصر، وثورة القائد محمد أحمد المهدي في السودان، وكلها وقعت في أزمنة متقاربة ضمن منطقة جغرافية واحدة، مما يعكس الروح النضالية المشتركة ضد الاستعمار في العالم الإسلامي.
بذلك يكون المشهد الصومالي قد شهد ثلاثة تيارات رئيسية للإسلام: السلفية، والإسلام التقليدي، والطرق الصوفية. وبينما أظهر التياران الأخيران تسامحاً، كانت السلفية أكثر مواجهة، مما أدى أحياناً إلى نزاعات. ولعل الصراع بين الصوفية والسلفية في الصومال جزء من تاريخ ممتد، يعكس التنافس بين توجهين دينيين مختلفين في طبيعتهما وتصوراتهما. الصوفية، بتجربتها الروحية وأصولها الراسخة في المجتمع الصومالي، كانت تمثل المرجعية الدينية التقليدية، حتى برزت الحركات السلفية في الستينيات، وأصبحت منافسًا حقيقيًا بدعم تنظيمي وتمويل قوي.

انهيار الدولة الصومالية، في 1991، فتح الباب أمام السلفيين للانتشار، بينما فقدت الصوفية حليفها السياسي التقليدي. رغم ذلك، استعادت الصوفية قوتها في مواجهة تهديدات مثل حركة الشباب، بينما حاولت السلفية "الاعتصامية" التكيّف عبر خطاب معتدل، وإحياء المذهب الشافعي لاستمالة المجتمع. في ظل هذا الوضع المتشابك، تعاني الجماعات الإسلامية بشكل عام من تشتت وضعف داخلي، مما يجعل الوحدة الوطنية وإشاعة ثقافة التسامح أولوية ملحة، لتجنب النزاعات التي تهدد استقرار الأمة.

مما سبق إذن يمكن الخلوص إلى أن الإسلام في الصومال ليس مجرد دين؛ بل هو أساس الهوية الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، إن الإسلام أحد المصادر الأساسية للشعر والأمثال.  والقول بإن الإسلام هو أساس الهوية، هو قول عام ينطبق على منطقة القرن الإفريقي. ومع ذلك، فقد كان للإسلام، ولا يزال، دور محوري في تشكيل الهوية الثقافية والدينية للصوماليين، حيث ساهم في توحيد القبائل تحت مظلة دينية واحدة وترسيخ روابطهم بالعالم الإسلامي، مما أثر بعمق على عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم المشتركة.