تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 9 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

أربعون عامًا من حكم موسيفني

9 يوليو, 2025
الصورة
أربعون عامًا من حكم موسيفني
Share

أعلن الرئيس يوري موسيفني رسميًا سعيه لنيل فترة رئاسة سابعة في الانتخابات الرئاسية الأوغندية المقررة 12 يناير/كانون الثاني 2026. قد قاد الرئيس، الذي يبلغ عمره 80 عامًا، بلاده منذ عام 1986، عندما كنت في الحادية عشر من عمري؛ بينما أبلغ الآن 51 عامًا.

لا يبدو عام 1986 مختلفًا عن أي وقت آخر، بل إن ذلك يذكر بأحداث فيلم "Groundhog Day" (1993): يبدو أنه لزامًا علي أن أحيا أحداث 26 يناير/ كانون الثاني 1986 مرارًا وتكرارًا مع كل إعادة انتخاب لموسيفني.

لا يزال صدى الكلمات التي ألقاها موسيفني، مرة أخرى، خلال حلف أداء اليمين باعتباره تاسع رؤساء أوغندا منذ استقلالها عام 1962 يتردد راهنًا: "إن مشكلة أفريقيا بشكل عام، وأوغندا على وجه الخصوص، ليست في الشعب، بل في القادة الذين يريدون البقاء  في السلطة (للأبد)."

إذ تقافزت هذه الكلمات من الصفحة مثل نمور من ورق، مفعمة تمامًا بما وصفه الأديب النيجيري وول سوينكا – عقب فوزه بجائزة نوبل في الآداب عام 1986- بلفظ "tigritude" (في إشارة منه للؤم سلوك النمر بعدم إظهار قوته إلا في لحظة الانقضاض على فريسته). وعلى المنوال نفسه تقريبًا، تم استدعاء ونستون تشرشل ذات يوم ليبث في قلب الأسد البريطاني زئيره في الحرب العالمية الثانية.

ولم يتوقف موسيفني أيضًا عند هذا الحد. "ولا يعتقد أحد أن ما يحدث اليوم، أو ما كان يحدث في الأيام الأخيرة، مجرد تغيير في الحرس"، حسبما أعلن موسيفني في سن 43 عامًا وقتها. "إن ذلك ليس مجرد تغيير في الحراس. أعتقد أنه تغير جذري في سياسة الحكم في بلدنا".

منذ ذلك اليوم حتى الآن، بات خطاب موسيفني الافتتاحي (لفترة رئاسة جديدة) معروفًا بخطاب التغير الجذري. وقد استغل موسيفني، باعتباره زعيمًا لحركة/ جيش المقاومة الوطنية (NRMLA)، المناسبة لتحديد برنامج من عشرة نقاط لمستقبل أوغندا، مع إبراز الديمقراطية باعتبارها النقطة التاسعة.

إن مشكلة أفريقيا بشكل عام، وأوغندا على وجه الخصوص، ليست في الشعب، بل في القادة الذين يريدون البقاء  في السلطة (للأبد)

تعهد موسيفني بإخلاص للبلاد وشعبها (بتحقيق الديمقراطية). وكانت تلك لحظة بالغة الأهمية- التي كشفت فيها حكومة الحركة، فيما بين 1986 و1989، عن خططها الانتقالية.

على المستوى الجزئي، أطلقت الحكومة نظام مجلس المقاومة (RC)- وهو مجلس من خمسة درجات؛ ذو بناء تراتبي للحكم المحلي. عمل المجلس كآلية لمشاركة المواطنين (في الحكم) والقواعد في صنع القرار، وعُد تطويرًا للأبنية التي تشكلت في الأساس خلال الحرب الأهلية 1981-1986.

كان أعلى جهاز بنظام مجلس المقاومة الأصلي هو المجلس الخامس على مستوى المقاطعات. ولاحقًا استلم مجلس المقاومة الوطنية (NRC) الراية من المجالس الخامسة بمجلس الثورة، وبات الأول أهم جهاز بنظام حركة المقاومة الوطنية. وكان مجلس المقاومة الوطنية بمثابة هيئة تشريعية أسسها نظام حركة المقاومة الوطنية بعد وصول الأخيرة للسلطة عام 1986، وأُعيد تسمية نظام المجلس الثوري لاحقًا؛ عام 1997،  باسم نظام المجلس المحلي (LC).   

وعلى المستوى الكلي، شكلت حركة المقاومة الوطنية حكومة أكثر اتساعًا بدعوة مناوئيها السابقين للإنضمام للإدارة - وهي محاولة للحفاظ على استقرار السفينة فيما تبحر في مياه مضطربة لحكم بلد تنتمي للعالم الثالث.

في البداية أبلى فريق المناوئين لموسيفني بلاءً حسنًا، وأرست المذكرة القانونية رقم 1 لعام 1986 رسميًا حكومة حركة المقاومة الوطنية بكامل زينتها. وبعدها على الفور تم إطلاق فكرة عقد جمعية تأسيسية (CA) لمناقشة وضع وإعلان دستور جديد للبلاد. وهكذا تم زرع بذور الدستورية، لكن سرعان أن تجددت شجرة الحرية الجفرسونية (نسبة لحقبة الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون) بالتقوت على دماء الوطنيين.

"إن حركة المقاومة الوطنية ليست حكومة عسكرية. إننا مقاتلون من أجل الحرية الذين حملوا السلاح كحل أخير للقتال ضد الديكتاتورية"، كما يشير موسيفني لخلع سلفه عيدي أمين، وسرى مخدر توجهاته الثورية في أرجاء البلاد، وأوقعها في سياساته المتطلعة.

كوني رئيسًا لفترة طويلة من الزمن ليس أمرًا سيئًا. وهذا ما أكسبني الخبرة.. حتى لو أيقظتموني مساء، سأخبركم بما يحدث

اُمتدح موسيفني كبطل، ولُمعت صورته بفكرة خيالية قوامها أن جيش المقاومة الوطنية هو أول حركة مقاومة مسلحة تسقط بنجاح حكومة في القارة الأفريقية. غير أن حركة موسيفني لم  تكن الروديو "rodeo" الأول من نوعه في أفريقيا: فقد استولت حركة تحرير موزمبيق Frente de Libertacao Mocambique (FRELIMO) على السلطة بعد نضال مسلح في 15 يونيو/ حزيران 1975، ونفس الأمر بالنسبة لحركة التحرير الوطنية Front de Libération Nationale (FLN)  في الجزائر مطلع ستينيات القرن الماضي.

إن تلك التفاصيل بأي حال لا تزال لا تعني شيئًا لوقف ترهات موسيفني. فقد ركبت تلك الادعاءات (التي ساقها موسيفني) موجة دعاية مواتية. وقد انتشى الأوغنديوين بالرئيس، وأيقنوا أنه مختلف تمامًا، بل وأنه يساري على وجه الدقة.

موسيفني الماركسي

بينما استغل السيد موسيفني تقلبات الحكم الناجمة عن المطالب المتعارضة لائتلاف الحكم نفسه، فإنه اتجه لأدبيات الماركسية- اللينينية.

وقد عزز ذلك سياساته التدخلية: وكانت أوغندا قد أصبحت، عمليًا، دولة حزب واحد، مع انضمام كل المواطنين لنظام الحركة بالأمر وتم توقيف عمل جميع الأحزاب السياسية. كما وفرت الماركسية تشخصيًا مضادًا للوصفات النيوليبرالية التي ماتت في مهدها (في حالة أوغندا)، بسبب مشروطيات كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

دعا كل من الصندوق والبنك الإدارة الجديدة للتخلي عن الاقتصاد الموجه، وتبني برامج للتكيف الهيكلي (SAPs). غير أن موسيفني، الذي انتابه ارتياب واضح، كان يراقب مثل هذه البرامج، وهي تغذي بالفعل الفساد في ظل نظام ميلتون أوبوتي الثاني (1980-1985)، فقد قلص أول برنامج تكيف هيكلي مفروض من الخارج من مصداقية أوبوتي، وضاعف من دعم الأوغنديون لجيش المقاومة الوطنية، مما أفسح الطريق أمام سقوط أوبوتي في 27 يوليو/تموز 1985.

ورغم تباين برامج التكيف الهيكلي من دولة لأخرى، فإن مضامينها بدت متطابقة: خفض قيمة العملة (المحلية)، ومعدلات فائدة أعلى لخفض التضخم؛ وتعزيز المدخرات؛ وتمرير رأس المال لأكبر المقترضين؛ وسيطرة محكمة على إمداد الموال والتوسع الائتماني؛ وخفض في الإنفاق العام؛ وتحرير الأسعار؛ وتعزيز الصادرات، وخصخصة شركات الدولة.

ولئن كان قد تم تبني مثل هذه الإجراءات، كما تبشر بها مؤسسات بريتون وودز، لكانت ظهرت أرانب الاستثمار والنمو والتنمية بشكل سحري. لقد أثارت مثل هذه الإصلاحات، في دول أفريقية أخرى، نموًا اقتصاديًا، وكانت مثل هذه الدراما لتتحقق سريعًا في أوغندا.

كان موسيفني متعطشًا للسلطة في أوضح تجلياتها. وكان يؤمن بقوة في العنف كوسيلة للحكم والاحتفاظ بالسلطة. كما أنه ظل كذابا أشرا، يجافي الحقيقة أيما جفاء

في البداية، اتخذ موسيفني موقفًا حازمًا. واعتبر المساعدات الخارجية شَركًا باسم التحرر التجاري، والذي كان يعني في الواقع وصولًا أيسر للأسواق المربحة والموارد من المؤسسات متعددة الجنسيات وصفقة فاشلة لأوغندا ولأفريقيا.

وبالنسبة لزعيم تواق للسيطرة، فقد هددت السياسات النيوليبرالية بتفكك نموذج التنمية بقيادة الدولة (الذي يتبناه)، وترقية النظام الذي يحكمه السوق، ومن ثم تقليص سلطته. ورغم ذلك فقد دعا موسيفني، في يونيو/ حزيران 1986، المركز الدولي لبحوث التنمية- كندا International Development Research Centre of Canada (IDRC) للمساعدة في تقديم وصفات لعلاج اقتصاد أوغندا المتدهور.

رغم هذه الجهود، لا يزال الدين الخارجي يبتلع ثلثا عائدات البلاد من التصدير في شكل مدفوعات للفوائد. وقد قبل نظام موسيفني، حتمًا، برامج التكيف الهيكلي المجحفة عام 1987. وهكذا نُحِيت الماركسية جانبًا لصالح الرأسمالية.

موسيفني المحارب

كان موسيفني متعطشًا للسلطة في أوضح تجلياتها. وكان يؤمن بقوة في العنف كوسيلة للحكم والاحتفاظ بالسلطة. كما أنه ظل كذابا أشرا، يجافي الحقيقة أيما جفاء. وكان نهجه في إدارة الشؤون العامة - سواء عبر حزبه السياسي (الحركة الوطنية الأوغندية) أو حاليًا حركة المقاومة الوطنية/ جيش المقاومة الوطنية- هو الجمع بين العنف والأكاذيب.

يفضل موسيفني مقاربة عسكرية (عنيفة) لتسوية المشكلات. لكنه يقوم، في أوقات أخرى، بطرح مشروعات خفية فيما يستعد لحل عسكري، كما دون الرئيس الأوغندي المخلوع ميلتون أوبوتي في كتيبه المعنون "ملاحظات حول التستر على الإبادة في أوغندا"، والصادر عام 1990.   

يضيف: "إن نزوع موسيفني لإراقة الدماء لم يبدأ في لويرو Luwero. فقد احتوت حكومة المؤتمر الشعبي الأوغندي هذا القاتل الجماعي داخل مثلث لويرو. وقد مهدت الأوكيلو Okello (قبيلة الأشولي النيلية) ومجلس الأوكيلو العسكري العمل للقاتل، والآن فإنه يقوم بإضفاء الوحشية على البلاد برمتها. إن الأوغنديين الذين لا يرون موسيفني، لأي سبب كان، قاتلًا أو يعتقدون أنهم في مأمن لأنهم مقربون منه، يواجهون الآن صدمة بالغة الخشونة. إذ أن موسيفني لا يقتل فحسب من يراهم أعداء له، بل أولئك الأكثر قربًا منه".

في الثمانينيات، كان على موسيفني مواجهة العديد من الجماعات المتمردة التي تعارضه. وكان منها الجيش الديمقراطي الشعبي الأوغندي، وهو جماعة معارضة مهمة، لاسيما في شمال أوغندا وشرقها. ثم كان هناك الجيش الشعبي الأوغندي، وهو حركة تمرد أخرى تعمل في نفس الإقليمين المذكورين.

مرة أخرى، كانت حركة الروح القدس (HSM)، بقيادة أليس لاكوينا A. Lakwena (أوما Auma) معروفة بادعاءتها الروحانية والخارقة للطبيعة، تقاتل في شمالي أوغندا. أما جيش الرب للمقاومة (LRA)، الذي خرج من رحم حركة الروح القدس، فقد عرف بفضل تكتيكاته الوحشية. وقد قتل جيش الرب للمقاومة أكثر من مائة ألف فرد خلال عهد العنف في وسط أفريقيا، وفقًا للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عام 2016.

في 11 يوليو/ حزيران 1989، قامت الحامية 106 بجيش المقاومة الثورية، والتي حملت اسم بيلي- بيلي (الفلفل الحامي) بشحن 120 رجل في عربة القطار رقم c521083. وكان مشكوكا في كونهم متعاونين مع المتمردين. وعند الإفراج عنهم كان 69 منهم قد توفوا جراء الاختناق، فيما لم ينج سوى 47 فردا.  إلى جانب حالات أخرى مثل مذبحة كيتشوامبا Kichwamba (8 يونيو 1998) وغيرها.

إن الأوغنديين الذين لا يرون موسيفني، لأي سبب كان، قاتلًا أو يعتقدون أنهم في مأمن لأنهم مقربون منه، يواجهون الآن صدمة بالغة الخشونة. إذ أن موسيفني لا يقتل فحسب من يراهم أعداء له، بل أولئك الأكثر قربًا منه

إقليميًا، اتهمت كينيا أوغندا بقتل ثمانية أفراد في 7 مارس/ آذار 1989، بعد عبور طائرة غير محددة للحدود الأوغندية الكينية في شمال غرب توركانا النائية في اتجاه لوكيتشوجيو.

وحينذاك، كان هناك غزو لرواندا عام 1990 من قبل الجبهة الوطنية الرواندية، التي دعمتها أوغندا، بالرغم من الإنكار الرسمي المتكرر من قبل كمبالا. وقد تكونت الجبهة الوطنية الرواندية من قبل اللاجئين الروانديين الذين كانوا يعيشون في أوغندا، واستخدموا أوغندا قاعدة لعملياتهم.

لاحقًا تورطت أوغندا في الإبادة الرواندية، التي وقعت في الفترة من 7 أبريل/نيسان إلى 19 يوليو/تموز 1994 خلال الحرب الأهلية الرواندية. وعلى مدار نحو مائة يوم قتل مليون رواندي بشكل نظامي. وانتهت الحرب بوصول الجبهة الوطنية الرواندية للسلطة عام 1994، مع قبول صامت من قبل نظام موسيفني.

إلى جوار العقبة الكؤود (رواندا)، كان هناك نظام موبوتو سيسي سيكو في زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليًا). ويسر موسيفني، باتفاق مع حكومة الجبهة الوطنية الرواندية، تمرد لوران- ديزيريه كابيلا، والذي غذاه التوتر الإثني والعداء تجاه حكوم موبوتو، مما قاد في نهاية الأمر إلى إسقاط موبوتو عام 1997.

التسعينيات المزدهرة حتى اليوم الحالي

تلقى موسيفني، خلال فترة حكم نظامه، ثناءً بسبب حربه على مرض فقد المناعة المكتسبة، والتي كانت نموذجًا يحتذى به في التسعينيات. وقد شهدت أوغندا تراجعًا كبيرًا في الإصابة بالمرض خلال هذا العقد، محققة قصة ناجحة في الحرب العالمية ضد الإيدز. وعلى الجبهة السياسية سعت حركة المقاومة الوطنية، في الفترة ما بين 1989- 1993، لتقوية قبضتها الخانقة على السياسة في أوغندا. ومن ثم انتقلت إلى حظر رسمي للأحزاب السياسية تم تمريره عبر الجمعية الدستورية (1994-1995). وأحكم نظام موسيفني قبضته المحكمة على السلطة.

كان المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الأوغندية هو استفتاء عام 2000 حول الاختيار بين نظام الحزب الواحد والتعددية الحزبية لحكم البلاد مستقبلًا. وساد اختيار نظام الحزب الواحد، ورُسم موسيفني رجلًا يدير سفينة الدولة، بعيدًا عن السياسة الطائفية أو التعددية الحزبية المفترضتين.

بات موسيفني الآن، والذي سبق أن مدحه الغرب ذات يوم لكونه جزء من سلالة القادة الأفارقة، محل استهجان لكونه جزءًا من "القادة (الأفارقة) الجشعين الجدد"

تم تبني الدستور الحالي في 8 أكتوبر/تشرين الأول 1995، مختزلًا ثورة حركة/ جيش المقاومة الوطنية بجمعه تصوراتها ومبادئها. كما كان الاقتصاد أيضًا يتطلع للأمام للخروج من كبوته. وأطلقت الحكومة الأوغندية أول مشروع لتكوين الثروات في عهد حركة/ جيش المقاومة الوطنية وهو: برنامج إنتانديكوا Entandikwa Program، وهو مبادرة ريفية تهدف لتقديم قروض لأنشطة تكوين الدخل لدى الفلاحين. وتلاه مبادرات أخرى مثل: برنامج معيشة الشباب، الذي كان يركز على تطوير أعمال الشباب، ومنح المساعدات الاجتماعية للتمكين، التي وفرت حماية اجتماعية للمجموعات الهشة اجتماعيًا. وتلت ذلك مجموعة أخرى من البرامج.

وطني أفريقي؟

بات موسيفني الآن، والذي سبق أن مدحه الغرب ذات يوم لكونه جزء من سلالة القادة الأفارقة، محل استهجان لكونه جزءًا من "القادة (الأفارقة) الجشعين الجدد". وكان حكمه الذي يبدو ألا نهاية (منظورة) له، مع سياساته المتشددة بشكل متزايد، يشيران إلى حالة جنون العظمة. بينما تمثل شعبيته في بلده مسألة محل سجال، فإن موقفه في أرجاء القارة الأفريقية يشير إلى تمتعه بشعبية أكبر.

كان المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الأوغندية هو استفتاء عام 2000 حول الاختيار بين نظام الحزب الواحد والتعددية الحزبية لحكم البلاد مستقبلًا

كان ذلك واضحًا بعد تأييد المحكمة الدستورية الأوغندية في 3 أبريل/نيسان 2024 البنود المتشددة لقانون مكافحة المثلية الجنسية لعام 2023. يحظر القانون الممارسات الجنسية الشاذة (LGBT). يصمم موسيفني على أن مثل هذه الممارسات الجنسية "غير أفريقية" (الطابع)، ويتفق معه كثير من الأفارقة. وحتى في أوغندا تلقى موسيفني دعمًا لثباته على موقفه ذلك رغم التغيرات الجارية في العالم بخصوص هذه المسألة.

إن ذلك قد يكون مثالًا آخر على مقاربة الرئيس المرائية في السياسة، ويشير كتاب "الأمير" لمكيافيلي إلى أنه في السياسة، تكون المظاهر أهم من الحقيقة، وأنه على الزعيم الحكيم تعلم أن يظهر الفضيلة دون أن يكون فاضلًا بالضرورة.

والآن ماذا بعد؟

حسنًا، يبدو أن أوغندا والأوغنديين قد انتهوا إلى نقطة البداية فيما يتعلق بالسؤال المحير حول عهد موسيفني. وفي ضوء هذه الحقيقة قد يتعارض التصور السابق من قبل الأوغنديين  لموسيفني كشخص غير كفء لحكم البلاد مع رؤيتهم له اليوم.

في هذه الأيام يمكن لرواية جوروج أورويل "مزرعة الحيوان" أن تجسد مجازًا طبيعة نظام موسيفني. وتتناسب نهاية هذا الكتاب مع المقصد الحالي: "وتتطلع الكائنات في الخارج إليهم، عبر نافذة بيت المزرعة، وتراقب مشهد التشارك ولعب الأوراق، دون تمييز بين واحد وىخر. ولم يعد بمقدور الحيوانات ملاحظة الفارق بين الخنازير، الذين كانوا ذات مرة محرروهم، والبشر، الذين كانوا القامعون السابقون لهم".

وازداد الأمر سوءًا

نقلت صحيفة الأوبزرفر عن موسيفني قوله عام 2008: "كوني رئيسًا لفترة طويلة من الزمن ليس أمرًا سيئًا. وهذا ما أكسبني الخبرة.. حتى لو أيقظتموني مساء، سأخبركم بما يحدث".

ويمثل ذلك افتراقًا حادًا عن الرسالة التي ألقاها موسيفني في 26 يناير/ كانون الثاني 1986، وبالتالي فإن كثيرًا من الأوغنديين يوقنون أن موسيفني عام 1986 وموسيفني الذي نراه اليوم هما اثنين من الدببة مختلفان تمام الاختلاف. بأي حال، من المحتمل أن يكون هذان الدبان هما نفس الشخص، مع درجات متفاوتة من التحقق الذي تشكله السياسة الناشئة في سياقات مختلفة بشكل كبير. وقد قيل من قبل أن "الثوري محافظ صغير، والمحافظ ثوري كبير". وكلاهما الشخص نفسه بغض النظر عن الزمن وكل ما يتعلق به.

كما أن موسيفني لم يعد "بالتغير الجذري"؛ وهو لاحظ ذلك. وهذا سبب قوله "أعتقد أنه تغير جذري.."وهكذا فقد تحايل بالحصول على مخرج في تعاقده مع الناس باستخدام الفعل "أعتقد" بدلًا من اسم الإشارة "هذا" (تغير جذري). وكان لسان حاله موجهًا خطابه للأوغنديين "أيها الأوغنديون، إنه أنتم، وليس أنا"، وهي مقولة يمكن تفسيرها على النحو التالي: "أيها الأوغنديون أنتم من تنتظرون بالفعل، وليس زعيمًا رسولًا".