الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
يُعَدّ إقليم سَنَاغ من الأقاليم ذات الأهمية الاقتصادية البارزة في صوماليلاند، نظرًا لما يتمتّع به من وفرةٍ وتنوّعٍ في الموارد الطبيعية، ولا سيّما الذهب. ويوجد 11 مواقع متفرّقًا لاستخراج الذهب في جمهورية صوماليلاند المُعلَنة ذاتيًا، وهي مؤشّراتٍ واعدة للثروات المعدنية، يتركّز معظمها في إقليم سَنَاغ، خاصةً في القرى المحيطة بمدينة عِيرْجابو عاصمة الإقليم، إلى جانب بعض القرى القريبة من مدينة بورما في إقليم أودل، فضلًا عن مناطق أخرى تقع بالقرب من هرجيسا، بالإضافة إلى مناطق في مرتفعات جبال علمدو التابعة إداريًا لإقليم بونتلاند. يعكس هذا التوزيع الجغرافي الواسع اتساع الحزام المعدني الغني بالذهب، بما يشير إلى إمكاناتٍ اقتصاديةٍ كبيرة، ويُعزّز فرص الاستثمار في المنطقة.
شهد إقليم سناغ حركة نشطة في مجال التنقيب عن الذهب، حيث توافد إليه آلاف الأشخاص من مختلف المناطق، إلى جانب عدد من الشركات المحلية، بهدف استخراج الذهب. ويُقدَّر عدد المنقبين في مناطق صوماليلاند بنحو 15 ألف شخص وفقًا لتقديرات مستقلة، في قرية "ملحو" شرقي سناغ، نحو سبعة آلاف عامل يشكلون قوة عاملة نشطة في قطاع التنقيب عن الذهب، ما يعكس حجم النشاط الاقتصادي المتنامي في المنطقة.
منذ عام 2016، أصبح إقليم سناغ مسرحًا لتحولات اقتصادية بارزة، تمثّلت أساسًا في تصاعد أنشطة التنقيب عن الذهب، وقد ساهم اكتشاف السكان المحليين لخاماته في مناطق "شدن وعرشيد" بإقليم سَنَاغ ضمن منطقة صوماليلاند في تعزيز هذا النشاط. كما برزت منطقة ملحو، الواقعة في مرتفعات جبال علمدو على بعد نحو 60 كلم من مدينة لاسقوري الساحلية، كمركز ناشئ لاستخراج الذهب خلال العقود الأخيرة، ويقدر الذهب المستخرج سنويا من منطقة ملحو بنحو 300 كيلوغرام، بقيمة 1.5 مليون دولار أمريكي سنويًا، وفق معهد هورن الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يبقى مؤسسة بحثية تطبيقية غير ربحية، مقرها نيروبي، كينيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بعنوان: "الصراع المحموم من أجل السيطرة على معاقل الذهب في الصومال"، كان إقليم سَنَاغ من أبرز المناطق التي شهدت حمّى البحث عن الذهب، حيث تحوّلت القرى المحيطة به إلى وجهة لآلاف المغامرين والمنقّبين الساعين إلى الثراء السريع عبر استخراج الذهب السطحي.
من المتوقع أن تساهم عمليات التنقيب عن الذهب في إقليم سناغ في رفع مستوى المعيشة، وتحسين الخدمات الأساسية، إلا أن التحليل الواقعي يشير إلى نتيجة مغايرة، حيث لم تُسهم هذه الأنشطة في تعزيز رفاهية المجتمع المحلي
رغم امتلاك إقليم سناغ احتياطياتٍ كبيرة من الذهب والمعادن النفيسة الأخرى، ما يجعله من أغنى المناطق بالثروات المعدنية، فإن هذه الثروة لم تُستغل بالشكل الأمثل. ويعود ذلك إلى جملةٍ من التحديات التي يواجهها قطاع التنقيب عن الذهب، أبرزها غياب التنظيم الحكومي الفعّال، وانتشار أنشطة التعدين غير النظامية. ونتيجةً لذلك، يُهرَّب معظم الذهب بشكل غير رسمي من جبال جولس في الإقليم سناغ إلى الأسواق السوداء في الإمارات عبر موانئ سرّية، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد الكميات المهرَّبة بدقة.
كما أدّى هذا الوضع إلى تصاعد الصراعات حول السيطرة على مناجم الذهب، وفقًا لتقرير معهد "هورن" الدولي الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، كما يواجه قطاع إنتاج الذهب نقصًا في التمويل وضعفًا في الإمكانات التقنية، إذ يعتمد معظم المنقّبين على أجهزة كشف معادن بدائية في عمليات التنقيب، ويمثل تواجد "داعش" و"الشباب" في مناطق التنقيب خطراً، يهدد استمرار أنشطة البحث عن الذهب وتطويرها في إقليم سناغ.
من المتوقع أن تساهم عمليات التنقيب عن الذهب في إقليم سناغ في رفع مستوى المعيشة، وتحسين الخدمات الأساسية، إلا أن التحليل الواقعي يشير إلى نتيجة مغايرة، حيث لم تُسهم هذه الأنشطة في تعزيز رفاهية المجتمع المحلي. بل على العكس، برزت آثار سلبية جديدة، من بينها انتشار المخدرات، وتزايد حيازة السلاح، وتصاعد الصراعات القبلية، ما يعكس فشل هذه العمليات في تحقيق الفوائد الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.
يمثّل إقليم سناغ، وفق حدود 1960 التي تستند إليها صوماليلاند، جزءًا من نطاقها الإداري؛ وعلى الرغم من أنّ بونتلاند وإدارة "خاتمو" تنازعان على بعض مناطقه الشرقية بدوافع قبلية وسياسية، تبقى السيادة فيه محكومة بالحدود التاريخية التي تتبنّاها صوماليلاند وبحضور مؤسساتها، فيما يضاعف غناه بالذهب والمعادن حدّة التنافس على أطرافه.
يوضح تاجر الذهب، أحمد بوص أن ما يُعرف بـ"حمى الذهب" قد شهد تصاعدًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى وقوع حادثتين نتيجة النزاعات على مواقع التنقيب في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. ففي أحد أبرز مواقع الذهب المعروف باسم "شدن" اندلع نزاع بين عشيرتي نوح عمر (ورسنجلي) وموسى إسماعيل (إسحاق)، أسفر عن مقتل 15 شخصًا وإصابة 20 آخرين بجروح متفاوتة. وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار بوساطة طرف ثالث، لا تزال ملكية الأرض وحقوق استغلال الموارد الطبيعية المرتبطة بها محل نزاع مستمر، ما يعكس التعقيد المتزايد للتوترات القبلية والاقتصادية في الإقليم.
إن غالبية الأراضي المتنازع عليها بين العشائر كانت في الأصل أراضٍ غير مملوكة لأي جهة، ومع اكتشاف الذهب في المناطق الجبلية الوعرة، تحولت هذه الأراضي إلى بؤر صراع حول ملكيتها، ما أدى إلى تفاقم النزاعات بين القبائل والأفراد
تعد الأراضي الغنية بالذهب في الإقليم مصدرًا متكررًا للتوترات الشخصية والقبلية. ففي أبريل/نيسان 2024، اندلعت اشتباكات مسلحة بين عشيرتي موسى توروا وعبد رحين من قبيلة إسحاق، استمرت يومين، للسيطرة على أحد مناجم الذهب في منطقة جبلية، تسمى "برعو يري"، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة ستة آخرين بجروح متفاوتة.
يضف أحمد إلى أن غالبية الأراضي المتنازع عليها بين العشائر كانت في الأصل أراضٍ غير مملوكة لأي جهة، ومع اكتشاف الذهب في المناطق الجبلية الوعرة، تحولت هذه الأراضي إلى بؤر صراع حول ملكيتها، ما أدى إلى تفاقم النزاعات بين القبائل والأفراد. من جانب آخر، يرى أن غياب الخدمات الحكومية ساهم بتأجيج الصراعات والحروب القبلية، مستغلين الخلافات القائمة لتحقيق مصالحهم الخاصة.
تشهد منطقة سناغ الشرقية، وتحديدًا في قرية "ملحو" الواقعة على مرتفعات "علمدو" حالة من النشاط المكثف في مجال التنقيب عن الذهب، حيث يتوافد إليها آلاف المنقبين المحليين والوافدين من مناطق أخرى، بعد اكتشاف الذهب، تفاقم الصراعات بين القبائل والأفراد حول السيطرة على مناجم الذهب.
أصيب المنقب الصومالي عبد مهد أحمد، البالغ من العمر 33 عامًا، بكسر في ساقه وجروح خطيرة في المنطقة التناسلية، نتيجة اشتباكات اندلعت نهاية يوليو 2021 بين ثلاث عشائر متحالفة، هي (حسن علي، وحسين عيسى، وأبوكر علي)، وعشيرة (آدم سعيد)، على خلفية خلاف حول تشكيل إدارة محلية في قرية ملحو الواقعة على مرتفعات علمدو في إقليم سناغ.
فشلت كل المحاولات للتوصل إلى حل، وتصاعدت الخلافات بين الطرفين إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 3 آخرين. وأوضح المصدر أن عناصر من حركة الشباب كانت معارضة لتشكيل إدارة محلية في قرية "ملحو" لصالح الطرف الآخر، ما ساهم في تأجيج النزاع وتصعيده إلى العنف.
يتضح أن الصراع على مناجم الذهب في إقليم سناغ ينشأ من مجموعة من الأسباب المتداخلة، إذ إن النزاعات المستمرة بين القبائل والأفراد حول السيطرة على المناجم لا تُعد مجرد صراعات على الموارد، بل تتغذى على غياب حكم القانون وضعف المؤسسات الرسمية، مما يزيد من حدتها، ويحوّل مناجم الذهب من فرصة تنموية واعدة إلى مصدر للتوترات والصراعات المسلحة، وأن إدراك جذور هذه الأزمة يمثل الخطوة الأولى نحو الحد من العنف، وتحويل استغلال الذهب إلى رافعة للتنمية والاستقرار في المجتمعات المحلية، بدلاً من أن يكون سببًا في تأجيج الأزمات، وخلق ظواهر سلبية جديدة في الإقليم.