الخميس 15 مايو 2025
أقدم ضباط من الجيش في الغابون، في 30 أغسطس/ آب 2023، على إنهاء حكم سلالة بونغو التي تحكم الغابون منذ عام 1967، عقب الإطاحة بالرئيس علي بونغو، بعد إعلان فوزه بولاية ثالثة في انتخابات رئاسية متنازع عليها. كما قاموا بإنهاء النظام القائم بعد قرارهم حل جميع مؤسسات الجمهورية، وتشكيل "لجنة المرحلة الانتقالية واستعادة المؤسسات" لإدارة الفترة الانتقالية في أفق استعادة الحكم المدني.
تجري هذه الانتخابات بعد اتخاد الحكومة العسكرية سلسلة من التدابير لتأمين الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحكم، بما في ذلك إجراء إصلاحات دستورية في 16 نوفمبر/ تشرين الأول، حظيت بتأييد 91,8٪ من المواطنين، تقيد الرئيس بولايتين فقط، ترفع مدة كل واحدة إلى سبع سنوات، بعدما كانت خمس سنوات دون تحديد في عدد الولايات. كما تقضي بتحويل النظام إلى رئاسي بإلغاء منصب رئيس الوزراء، ومنع أفراد الأسرة من خلافة الرئيس في إشارة إلى رفض التوريث في الحكم، وغير ذلك من الإجراءات التي تعطي الانطباع أن البلاد قيد الدخول في مرحلة جديدة.
أصدر مجلس الوزراء في 12 فبراير/ شباط الماضي مرسوما استنادا إلى مدونة الانتخابات التي حظيت بتأييد 168 عضوا في البرلمان الغابوني، يقضي بفتح باب الترشح من طرف لجنة الانتخابات، بدءا من 27 فبراير/ شباط حتى 8 مارس/ آذار، لكل من استوفى الشروط التي حددها المرسوم المنظم للانتخابات، مستهدفا بذلك قطع الطريق أمام السياسيين الذين يقومون في الخارج، أو أولئك الذين تحصلوا على جنسيات دول أجنبية.
فقد فرض المرسوم على المترشحين استيفاء جملة من الشروط، بعضها يبدو طبيعيا كضابط السن حيث حدد عمر المترشح ما بين 35 و70سنة، والكفالة المالية المحدد في 48 ألف دولار أمريكي. فيما تبدو أخرى موجهة ضد أشخاص بعينهم، مثل شهادة الكفاءة اللغوية التي تفيد إتقان المرشح لإحدى اللغات المحلية بجدارة، وإفادة بالتخلي عن الجنسية الأجنبية قبل ثلاث سنوات بالنسبة لمزدوجي الجنسيات، وشهادة إقامة دائمة في الغابون طيلة ثلاث سنوات السابقة للانتخابات، موقع من دائرة الهجرة والجوزات.
تقضي بتحويل النظام إلى رئاسي بإلغاء منصب رئيس الوزراء، ومنع أفراد الأسرة من خلافة الرئيس في إشارة إلى رفض التوريث في الحكم، وغير ذلك من الإجراءات التي تعطي الانطباع أن البلاد قيد الدخول في مرحلة جديدة
اعتبر مراقبون أن هذه الشروط مفصلة على المقاس لاستبعاد مرشحين محتملين، خاصة المعارض دانيال مينغارا (Daniel Mengara)؛ المعروف بإنقاذه الشرس لنظام آل بونغو (الأب والابن)، والمؤسس لحركة «بونغو يجب أن يرحل»، الذي عاد إلى البلاد بعد 26 عاما من المنفى، ليعلن مبكرا في شهر أغسطس/ آب الماضي رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية.
رفضت المحكمة الدستورية 19 ملفا من أصل 23 يمثلون المرشحين للانتخابات الرئاسية، حيث اقتصرت على قبول ملفات أربعة مرشحين فقط هم: برايس كلوتير أوليغي نغيما زعيم الانقلاب والرئيس الانتقالي، وكلود بيلي باي نزيه آخر رئيس وزراء في البلاد، استطاع أن يوجه انتقادات علنية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى رئيس الفترة الانتقالية بقوله: "دعونا نجرؤ على الأمل في غابون آخر"؛ وهو شعار حملته الانتخابية. والطبيب ستيفان جيرمان إيلوكو؛ القيادي في حزب الرئيس المخلوع؛ الحزب الديمقراطي الغابوني، وأخيرا المحامي جوزيف لابينسيه إيسيجون الذي يقدم نفسه باعتباره "مرشح القطيعة مع النظام السابق".
تقدم هؤلاء بطعون أمام المحكمة الدستورية، التي أعادت النظر في الملفات والدفوع والوثائق، لتقضي على مرحلتين، بتوسيع قائمة المتنافسين على الرئاسة، بإضافة أربعة أسماء جديدة
تباينت أسباب رفض المحكمة للملفات بين هذا المرشح وذاك، لذلك اكتفى هيرمان إيمونغولت وزير الداخلية بإعلان المرشحين المقبولين، دون تقديم أي تفاصيل أخرى عن حيثيات الرفض. لكنه في المقابل، ذكر أصحاب الطلبات المرفوضة بحقهم في الطعن أمام المحكمة الدستورية خلال 72 ساعة من تاريخ الإعلام عن اللوائح.
تقدم هؤلاء بطعون أمام المحكمة الدستورية، التي أعادت النظر في الملفات والدفوع والوثائق، لتقضي على مرحلتين، بتوسيع قائمة المتنافسين على الرئاسة، بإضافة أربعة أسماء جديدة، وهي: تييري إيفون ميشيل نغوما، وألين سيمبليس بونغويرس، وأكسل ستوفين إيبيغا، وزينابا تشانينغ غنينغا؛ المرأة الوحيدة في المنافسة.
تتسارع الخطى في لبروڤيل لإخراج البلاد من نادي دول الانقلابات، فهي المعروفة منذ الاستقلال بالاستقرار السياسي، ما جعلها قبلة مفضلة للمستثمرين، لا سيما رجال الأعمال الفرنسيين الذين لديهم ما يزيد عن 100 شركة مسجلة رسميا في البلاد. أحداث 30 أغسطس/ آب عام 2023 سببت إحراجا للغابون مع مختلف الشركاء، حيث تم تعليق عضويته في المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا التي يتواجد مقرها في عاصمة البلاد.
استشعر بريسي كلوتير أوليغي رئيس المرحلة الانتقالية هذا المعطى، فسعى إلى التأقلم معه بطريقة مرنة، من خلال تضمين الإصلاحات الدستورية الأخيرة إمكانية السماح للقادة العسكريين بدخول عالم السياسة. واستمر الرجل في إتقان اللعبة التي تكشفت خيوطها في مضامين المتن الدستوري، حيث تأسس حراك باسم "أوليغي أنغيما 100٪" يضم أعضاء في المؤسسة التشريعية ونقابيين ومسؤولين ساميين يطالبون قائد الانقلاب بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
نظمت الحركة، مطلع فبراير/ شباط، مؤتمرا صحفيا في مدينة أكاندا، أعلنت خلاله عزمها جمع 50 ألف توقيع للمطالبة بترشيح أنيغما للسباق الرئاسي المقبل، فقد صرح فرانك أنغيما بأن "الجنرال هو القادر على قيادة البلاد نحو مستقبل واعد ومزدهر". كل ذلك حتى يظهر قائد المرحلة الانتقالية بمظهر الزاهد في السلطة، لولا ضغط ومطالب الشعب لما اختيار البقاء في السلطة. وإن برزت العديد من المؤشرات التي تعتبره المرشح الأوفر حظا، بحكم التفاف أركان النظام حوله.
أدرك الجيش أن البقاء في السلطة سرعان ما سوف يرتد على الانقلابيتين في أي لحظة، فحرص على استعجال الخطى للعودة إلى الحكم المدني لضمان مواصلة الحكم. فكانت الخطة هندسة المشهد السياسي في الغابون
كان كشف نغيما عن الترشح في تجمع خطابي، أمام حشد من أنصاره، زنه سمع الدعوات التي تطالبه بالترشح للانتخابات. وقال بأنه: "بعد دراسة متأنية، واستجابة لمناشداتكم العديدة، قررت أن أكون مرشحا، قبل أن يضيف؛ "أنا مستعد لرئاسة مصير بلدنا". استثمر الرجل في الحملة الانتخابية، منجزاته خلال العام والنصف التي أمضاها على رأس الدولة، حيث شرع في استعراض منجزاته.
أدرك الجيش أن البقاء في السلطة سرعان ما سوف يرتد على الانقلابيتين في أي لحظة، فحرص على استعجال الخطى للعودة إلى الحكم المدني لضمان مواصلة الحكم. فكانت الخطة هندسة المشهد السياسي في الغابون، بشكل يتيح للجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما السلطة، في إطار صبغة مدنية جديدة.
اعتبر مراقبون أن الإصلاحات التي شهدتها البلاد خلال 18 شهرا، لا تعدو أن تكون تمهيدا لتعبيد الطريق أمام الرئيس الانتقالي باعتباره الرجل القوى في الغابون، ليصبح رئيسا "مدنيا" للبلاد. فالجوانب الشكلية من الأهمية بمكان، بالنسبة للشركاء الإقليميين وحتى الدوليين، من أجل الحفاظ على مكاسب ستة عقود من الاستقرار السياسي في البلاد.
نتائج اقتراع السبت المقبل (12 مارس/آذار) بمثابة الفصيل في مسار الغابون؛ هل يتجه نحو الحكم مدني حقيقي يدشن صفحة جديدة في تاريخ البلاد، أم مجرد مناورة من عسكريين استعاضوا عن بدلة الجيوش بجبة مدنية، تضفي "الشرعية" على حكمهم، خلافا لما عليه واقع الحال في الدول المجاورة (مالي وتشاد وبوركينافسو...) حيث ينقض الانقلابيون على الحكم.