تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

انعدام الأمن الغذائي: بناء الممكن أفريقيا

16 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

عُقدت القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي بشأن برنامج التنمية الزراعية الشاملة في أفريقيا في مدينة كمبالا بأوغندا، في الفترة ما بين 9-11 يناير/ كانون الثاني 2025، من أجل إرساء دعائم خطة عمل واستراتيجية شاملة للتنمية الزراعية كفلسفة للتحول الزراعي الأفريقي. توجت بالمصادقة على إعلان كمبالا، وخطة عمل برنامج التنمية الزراعية للفترة ما بين 2026-2035، فكانت فرصة لإعادة التفكير في التنمية الزراعية كرؤية لازدهار وتنمية القارة.

جاء إقرار هذه الخطة بعد انقضاء عشر سنوات على إعلان مابوتو (2003-2013)، وتقاطعت مع تصاعد التقارير المحذرة من انعدام الأمن الغذائي، بل وتتوقع استمراره في ظل ضعف المقاربات. وتوافقت إرادة الأفارقة على استكمال مبادئ ومحددات التحول الزراعي، فلم يغب عن هواجسهم القلق من صعوبة تحقيق أهدافه وغاياته مع المتغيرات الدولية المتواصلة. لقد شكلت مقاربة التنمية الزراعية مسارا محوريا بالمنطقة لتحويل الزراعة الأفريقية من أجل تعزيز الأمن الغذائي، غير أن تحقيق رهانات تحويلها وتحفيز النمو في القطاع الزراعي للقضاء على الجوع، يتوقف على التصدي لتحديات كثيرة تعرقل مساراتها. 

عن برنامج التنمية الزراعية

اعتمد الاتحاد الأفريقي البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا، المعروف بإعلان مابوتو في يوليو/تموز 2003، الذي يؤسس لفلسفة التحول الزراعي، والالتزام ببرنامج الزراعة للقضاء على الجوع وسوء التغذية، في تقاطع مع التوجهات التنموية للأمم المتحدة، فأضحى هذا البرنامج إطارا لمبادرة أجندة 2063، حيث يهدف إلى تحقيق نمو سنوي قدره 6 ٪ في الزراعة، ونص على تعهد الدول الأعضاء بتخصيص ما لا يقل عن 10٪ من ميزانياتها للزراعة. 

رسم البرنامج أربعة محددات للتحرك الأفريقي في المجال من أجل تعزيز الإدارة المستدامة للأراضي والمياه والوصول للأسواق، وتوفير الغذاء ومكافحة الجوع وتحسين البحوث الزراعية، ومن أجل ضمان تنزيله نص على ضرورة صياغة الدول الأفريقية لخطط وطنية للاستثمار في الزراعة والأمن الغذائي.

عُقد اجتماع لرؤساء الدول الأفارقة في مالابو، يونيو/حزيران 2014، بغينيا الاستوائية، من أجل استعراض التقدم المحرز، تم فيه رصد المنجزات وكشف التحديات، واختتم بإقرار إعلان مالابو الذي أرسى للخطة العشرية 2015-2025، وجدد الالتزام بالتنمية الزراعية، فرسم معالم التحرك لبرنامج التنمية الشاملة على قاعدة الالتزام بتمويل الاستثمار في الزراعة، وإنهاء الجوع وخفض معدل الفقر إلى النصف بحلول 2025، وترسيخ التجارة البينية. غير أن المخاوف تجددت بشأن التقدم البطيء لتحقيق أهداف البرنامج؛ كتحديات الجائحة والصراع الروسي-الأوكراني وبمناطق عدة بالقارة، واستمرار التحديات المناخية.

شكلت القمة الاستثنائية الأخيرة بأوغندا فرصة لإعادة تقييم البرنامج، وتحديد المحاور الأساسية لتعزيز الأمن الغذائي والتصدي للفقر والتحديات المناخية، فاستند المجتمعون على ما تحقق، واستكشاف المحددات والأفاق. فرسمت القمة خطة عمل البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا: 2026-2035 كرؤية من أجل بناء نظم غذائية وزراعية مستدامة ومرنة لأفريقيا صحية ومزدهرة، وحددت سبعة أهداف لأجل ذلك، تنطلق من الالتزام بمبادئ عملية التنمية الزراعية الشاملة، بما يساهم في تطوير الاستثمار والتمويل وضمان الأمن الغذائي.

في هذا السياق، ارتقى ضمان الأمن الغذائي في البرنامج إلى أولوية أساسية، بما يحقق بيئة تدعم الأمن والاستقرار؛ فيراهن على توطيد التجارة البينية الأفريقية في السلع والخدمات الزراعية، بمضاعفتها وتسريع إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية. ويستند على تخصيص 10٪ من الإنفاق السنوي في الأنظمة الزراعية بحلول 2035. كما يراهن البرنامج على تحقيق القضاء على الجوع والحد من نسبة 50٪ من الأشخاص الذين يعيشون في الفقر، وخفض نسبة التقزم إلى 10٪ ونقص الوزن إلى 5٪ بحلول عام 2035. 

إجمالا، ساهم برامج التنمية في مضاعفة حجم الناتج الإجمالي المحلي للدول الأفريقية، وبرزت أهمية القطاع الزراعي من تحقيق ذلك. رسمت الإعلانات الأفريقية أهدافا واستراتيجيات لتعزيز التنمية الزراعية، وتوطيد الأمن الغذائي، ولئن استطاع الاتحاد الإعلان عن دخولها حيز النفاذ قبل سنوات، إلا أنها تصطدم بإكراهات اقتصادية وسياسية، أكدت محدودية تحقيق الأهداف المرسومة.

تحديات الأمن الغذائي

يتربع ضمان الأمن الغذائي على قائمة أهداف برامج التنمية الزراعية، ومخرجات خطة التحركات الأفريقية، وتستند على استثمار الإمكانات المتميزة التي تحظى بها القارة في المجال الزراعي؛ أراضي واسعة موارد مائية وحيوانية، إذ تمتلك حوالي نصف الأراضي الصالحة للزراعة بالعالم، كما تتمتع بموارد مائية مهمة، مما جعلها تساهم في تشغيل 60٪ من السكان، كما توفر ثروة حيوانية توفر 30٪ من الناتج الإجمالي الزراعي بالقارة، غير أن المفارقة أنها تعاني من أزمات غذائية وتفشي الجوع، وانعدام الأمن الغذائي.

يتأسس التحول الزراعي منذ إقرار برنامج التنمية الزراعية الشاملة عام 2003 على رؤية شاملة تنطلق من انتاج ومعالجة وتوزيع واستهلاك والتخلص من المنتجات الغذائية والزراعية، لكن يشكل انعدام الأمن الغذائي أبرز التحديات التي تعرقل محاوره بالقارة. 

تساهم التحولات المناخية وموجات الجفاف وتحدي الصراعات في ذلك، حيث تشير التقديرات العالمية أنه بحلول عام 2030 من المتوقع أن يواجه أكثر من 600 مليون شخص في العالم سوء التغذية، وسيشكل الأفارقة أكثر المتضررين. وعزز تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لسنة 2024 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من هذه الصورة القاتمة، معتبر بأن أفريقيا تضم أكثر نسبة من السكان الذين يعانون من الجوع 20,4٪؛ بما يقدر أكثر من 289 مليون شخص جائع عام 2023، متوقعة أن تتضاعف هذه الأرقام. 

ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في إعادة تنشيط إشكالات التحدي الأمني الغذائي بالقارة، حيث تأثرت سلاسل التوريد، فارتفعت أسعار المواد الغذائية، وبرز أن الدول الأفريقية مرتبطة بالواردات الأوكرانية، لاسيما في القمح، إذ تزودها بأكثر من 40٪ من احتياجاتها، فارتفعت أسعارها لتناهز النصف، وأدت هذه الحرب لنقص بواقع 30 مليون طن من الغذاء في أفريقيا، فانعكست تداعياتها على الأمن الغذائي العالمي عامة والأفريقي بوجه خاص.

كما تساهم النزاعات الداخلية كالأزمات الممتدة بالقرن والساحل الأفريقيين، إذ بسببها ينتشر الجوع والمجاعة، لاسيما أن أطراف هذه الصراعات أضحت تستغل الجوع سلاحا لتحقيق أهداف العمليات العسكرية، فوصلت الأزمة بالسودان مثلا إلى أسوء مستوياتها في التاريخ، وفق الأمم المتحدة في التأثير على الأمن الغذائي. بالإضافة إلى ذلك، ضاعفت الظواهر المناخية المتطرفة مثل: الفيضانات والجفاف، من انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة وغيرها. لقد ساهمت مجمل هذه العوامل في توقف التقدم نحو تحقيق هدف القضاء التام على الجوع، وبقي معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي من دون تغيير على مدى ثلاث سنوات متتالية.

إلى ذلك، يتأكد بأن هذه التحديات لا ترتبط بغياب الاستراتيجيات وضعفها، ولا بمحدد غياب الإرادة الأفريقية وبرامجها ومؤسساتها، إنما بجسامة الإكراهات المساهمة في انعدام الأمن، والمؤكدة لضرورة إرساء دعائمه.

بناء الأمن الغذائي الأفريقي

تعتبر الزراعة أبرز نشاط اقتصادي بأفريقيا، فتشكل نسبة مهمة من الناتج الإجمالي رغم أنها تعاني من تحديات  تعرقل مساهمتها في تحقيق الأمن الغذائي، والذي أضحى هاجسا  للأمم المتحدة، إذ يتربع القضاء التام على الجوع، الهدف الثاني من أصل 17 هدفا، في جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030. يتقاطع ذلك مع أجندة الاتحاد الأفريقي للتنمية الشاملة والمستدامة لعام 2063، كرؤية لأفريقيا مزدهرة متكاملة موحدة مستقرة وشريك عالمي، والتي يتربع برنامج التنمية الشاملة الأفريقية على قائمة مخططاتها.

إلى جانبهما تساهم الوكالات الأممية والمؤسسات الدولية في تحقيق هذه الأهداف، ويقوم برنامج الأغذية العالمي بالمساهمة في التصدي للجوع بأعمال الإغاثة وتعزيز التغذية الجدية، كما يتحرك البنك الدولي لمعالجة انعدام الأمن الغذائي، فيحاول من خلال برنامج مرونة الأنظمة الغذائية في شرق وجنوب أفريقيا استكمالا لبرنامج آخر بغرب ووسط القارة، زيادة قدرة النظم الغذائية على الصمود، والقدرة على معالجة انعدام الأمن الغذائي عبر التنسيق الإقليمي وتعزيز استراتيجيات الاستجابة المشتركة. 

في هذا المستوى، تتداخل وتتعدد البرامج الدولية والإقليمية لتعزيز التنمية وإرساء دعائم مقاربة تحديات الجوع، غير أن كل المؤشرات تؤكد صعوبة الوصول لتحقيق هدف القضاء على الجوع، إذ أن كل شخص من بين 11 شخصا في العالم لايزالون يعانون من تحدياته، ويرتفع إلى شخص من كل 5 أشخاص في أفريقيا، مما يؤكد بأن هذه البرامج تفتقر لمحددات الصمود أمام ضعف التمويل، وتضاعف التحديات البيئية، وتعقد المشهد السياسي الدولي مع عودة الرئيس الأسبق دونالد ترامب للبيت الأبيض بأفكاره الانعزالية والمتطرفة.

تفيد التقديرات استحالة تحقيق هدف القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030، مما يستدعي توحيد الجهود الدولية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص للتصدي للتحديات المتفاقمة، من أجل الاستثمار في الزراعة المستدامة والاقتصاد الأخضر وتنمية الابتكار في القطاع الزراعي. ويمكن أن تشكل خطة التنمية الزراعية الأفريقية قاعدة لإعادة إحياء مشروع تطوير أفريقيا كسلة للغذاء العالمي، بما يحقق هدف الأمم المتحدة ضمان عدم ترك أي أحد خلف الركب، ويكفل تحقيق أفريقيا موحدة ومزدهرة كما يريدها الأفارقة.