تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 23 يناير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

اليوبيل الفضي لمجموعة شرق أفريقيا: المسيرة والتحديات

29 نوفمبر, 2024
الصورة
الذكرى السنوية الخامسة والعشرين
حضرة السكرتيرة العامة فيرونيكا موني ندوفا و حضرة القاضي نيستور كايوبيرا في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين.
Share

يتوقع أن تعقد القمة العادية الرابعة والعشرون لرؤساء دول مجموعة شرق أفريقيا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي برئاسة رئيس جنوب السودان، للتباحث حول القضايا والملفات الاقتصادية والسياسية التي تهم المنطقة، وهي كذلك مناسبة احتفالية بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس المجموعة، لاستحضار مسار التجمع للتكامل والتعاون الإقليمي على ضوء التحديات العالمية والاقليمية، وتطلعاته لمستقبل مزدهر للمنطقة.

إلى جانب هذه الاحتفالات الرسمية، تنعقد فعاليات رفيعة المستوى تناقش إنجازات الجماعة وتحدياتها، وترسم معالم مستقبلها. ولأن التجمع يؤسس رؤيته على ازدهار المجتمعات والمواطنين، وفاء لشعاره "شعب واحد، مصير واحد"، يستعد مهرجان طريق بوما للاحتفال الجماهيري بالمناسبة، ويشمل استعراضا للفنون والموسيقى الشعبية لدول شرق القارة، وعروضا ثقافية متنوعة، تتوج بعرض للألعاب النارية، كالتفاتة رمزية من قادة المجموعة إلى ضرورة إشراك المواطنين في مسيرة المجموعة.

في هذا التقرير عودة لرحلة بداية مجموعة شرق أفريقيا، ومسيرتها لتحقيق تطلعات قاداتها نحو تجسيد التكامل الإقليمي والوحدة الإقليمية، واستحضار لتحديات تواجهها دول المنطقة في طريقهم لتحقيق التنمية والازدهار والاستقرار بالمنطقة.

النشأة والتأسيس

أعيد إحياء مجموعة شرق أفريقيا (EAC) في أعقاب توقيع اتفاقية اللجنة الثلاثية الدائمة للتعاون بشرق أفريقيا، بعد تجربة لم تدم سوى عشر سنوات ما بين 1967ـ1977، إذ ساهمت الخلافات الكينية مع شركائها حول صنع القرار داخل أروقة المنظمة، والمواجهات بين أوغندا وتنزانيا حول دعم المتمردين. لخصت ديباجة المعاهدة التأسيسية تلك التحديات بالافتقار إلى الإرادة السياسية، واختلاف مستويات التنمية بين الدول الشريكة، وضعف السياسات لمعالجة هذا الوضع.

حاولت اللجنة الثلاثية الدائمة للتعاون في شرق أفريقيا المشكلة من أوغندا وكينيا وتنزانيا، ملء الفراغ الذي خلفه حل المنظمة، وركزت على ترقية هذا التعاون إلى معاهدة، وقد أثمرت مسيرة التعاون التوقيع على معاهدة إنشاء وإعادة إحياء مجموعة شرق افريقيا.

تأسست المجموعة الإقليمية لدول شرق القارة عقب التوقيع، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1999، على المعاهدة التأسيسية في مدينة أروشا بتنزانيا، ودخلت حيز النفاذ في يوليو/تموز 2000، وتطورت بصفتها منظمة إقليمية لتعميق التعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بمشاركة من ثمانية دول، فضمت في البداية دول كينيا وتنزانيا وأوغندا، وبعد سبع سنوات التحقت روندا وبوروندي، وتوسعت بانضمام جنوب السودان (بعد الاستقلال)، وجمهورية الكونغو عام 2022، وبعد مشاورات موسعة تم قبول الصومال عضوا عام 2024.

تعقد كل سنة اجتماعا لرؤساء الدول والحكومات لتعيين الأولويات، التي تسهر القمة الرئاسية على تحديدها. واستطاعت الحفاظ على استقرارها، وديمومة اجتماعاتها، حيث ينظر إليها كواحدة من المجموعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية الناجحة، قياسا إلى الجمود الطويل في أنشطة الاتحاد المغاربي، وبعد تراجع أداء تجمع دول غرب افريقيا (إيكواس)، فالمنظمة تعاني من تحديات داخلية، عجلت بتجميد وانسحاب دول النيجر ومالي وبوركينافاسو، وتشكيل كونفدرالية دول الساحل.  

بعد ربع قرن من معاهدة التأسيس التي ترسم التكامل الإقليمي أفقا للمجموعة، تحدد الرؤية 2022ـ2026 أولويات المجموعة، التي تتوخى التنفيذ الكامل لمنطقة الجمارك الموحدة، وتنفيذ التزامات الدول لبرتوكول السوق المشتركة، وتحقيق العملة الموحدة. إضافة إلى سعيها لتعزيز السلام والأمن والحكم الرشيد، وتطوير البينات التحتية والتحول المؤسساتي لجميع أجهزة المؤسسة.  

يتوقع أن ترسم القمة المرتقبة للمنظمة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، باعتبارها أعلى الأجهزة التابعة للمجموعة، معالم استراتيجياتها المستقبلية؛ وذلك بإعادة ضخ دماء جديدة في مسارها وتوجهاتها، ما قد يعني تفعيل رؤية المجموعة 2050، ومراجعة أدوارها وبرامجها التنموية في مسيرتها الممتدة لتحقق التكامل الإقليمي.

تشكل هذه الاحتفالية باليوبيل الفضي استحضارا لمحطات طويلة لتحقيق التكامل الإقليمي؛ بالبدايات الأولى للعلاقات التاريخية المشتركة بين دول المنطقة في المرحلة الاستعمارية، يجسدها خط سكك الحديد العابر للحدود بين كينيا وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا). وبعد الاستقلال، من خلال النشأة الأولى للمجموعة قبل إعلان حلها، ثم أعقب ذلك إعادة تأسيسها، وها هي اليوم بعد خمس وعشرون عاما على انطلاقاتها ترسم معالم بداية جديدة، ممتدة لمسيرة التكامل والتعاون الإقليمي. 

تهدف المنظمة وفق معاهدة التأسيس لتحقيق التعاون والتكامل الإقليمي، وتتعهد الدول وفق المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية بتشكيل اتحاد جمركي، ثم سوق مشتركة واتحاد نقدي، في أفق تتويج ذلك باتحاد سياسي. كما تطمح إلى إرساء نموذج إقليمي لمنطقة مزدهرة اقتصاديا، ومستقرة أمنيا وموحدة سياسيا. يشمل التنسيق كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتصدر تعزيز النمو الاقتصادي، وتنسيق السياسات مقدمة اهتماماتها، باستهداف تحقيق وتعميق التعاون في كل المجالات، رغبة في بلوغ حلم اتحاد كونفدرالي.

تستحضر المنظمة هذا التكامل الإقليمي برنامجا مستقبليا لها، وتسند على الأهمية الجيواستراتيجية لفضائها، بحكم موقعها الجغرافي بمساحتها الإجمالية البالغة 5,4 مليون كيلومتر مربع، وعلى إمكاناتها البشرية، التي تقدر بنحو 300 مليون نسمة، توفر قاعدة لسوق استهلاكية هائلة. أضحت المنطقة، بفضل مواردها وإمكاناتها الطبيعية المتعددة، محطة للاستثمار، ما جعلها سوقا واعدة للتجارة وللاستثمار، وتوفر لها هذه الإمكانات فضاء للتكامل الاقليمي.

يمكن اعتبار تحقيق التنمية الاقتصادية، وقاعدتها تعزيز التكامل الاقتصادي داخل منطقة شرق أفريقيا، وفق سوق مشتركة أهم محدد لتوجهات المجموعة، فبناء عليه ترسم معالم تشييد كتلة اقتصادية إقليمية، تضع رهانات التعاون والشراكة في أفق التكامل الإقليمي بكافة المجالات، وقد بدأت بالاتحاد الجمركي عام 2005، ثم راهنت على إنشاء السوق المشتركة عام 2009، وبرتوكول لإنشاء الاتحاد النقدي للمجموعة عام 2013، في انتظار بدأ العمل بعملة موحدة وجواز سفر مشترك، تنتهي باتحاد سياسي شامل.

تعززت أهمية التكامل الاقتصادي للمجموعة بتطويرها آلية الاندماج الإقليمي المشترك بين التجمعات الاقتصادية، فتم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية بعد مشاورات موسعة في مصر عام 2015، تدعم تطوير المبادلات التجارية والاندماج الاقتصادي بين دول المجموعة، إلى جانب مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (كوميسيا)، ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (الساداك)، كما تتقاطع مع رؤية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتحرير التجارة والخدمات بالقارة.

بلغة الأرقام، سجلت المجموعة انتعاشا اقتصاديا مستداما، جعلها تجمعا سريع النمو، حيث صنفت كأعلى أداء اقتصادي والأسرع نموا في القارة؛ وأشارت توقعات البنك الدولي إلى استمرارها في تحقيق الأفضل اقتصاديا مقارنة بمثيلاتها، مسجلة معدل نمو 4,7٪ هذه العام، مع توقعات بارتفاعه إلى 5,7٪ في الفترة ما بين 2025ـ2026. تأتي هذه الأرقام منسجمة مع توقعات سابقة لمجموعة البنك الأفريقي للتنمية بعد أزمة كوفيد وتباطؤ النمو المحلي الإجمالي للمنطقة، التي سجلت توقعا بانتعاش اقتصادي في عام 2021، وارتفاع معدل النمو في عام 2022 إلى 4٪.  

تنطلق المجموعة من السوق المشتركة كقاعدة للتكامل الإقليمي بكافة المجالات، ولتنفيذ التزامات تنموية مشتركة؛ كإعداد البنية التحتية والعملة الموحدة، وتطوير منطقة الجمارك الموحدة وتحسين الاتصالات وتعميق التجارة والمبادلات. وبفضل هذه النجاحات، حافظت على انتعاش ونمو اقتصادي سريع، كما حققت وفق احصائيات للاتحاد الافريقي نموا مضاعفا للتجارة البينية بين دولها من 1,6 مليار دولار في 2004 إلى 3,5 مليار دولار في 2010، وارتفعت مسجلة بحلول سبتمبر 2022، 10,17 مليار دولار، أي ما يمثل 20% من التجارة البينية بينهما.

يبدو الهدف النهائي وفق الخطوات المنصوص عليها في المعاهدة تحقيق الاتحاد السياسي، والحرص على التنفيذ الفعال للتكامل الإقليمي (الجمركي والاقتصادي والنقدي)، وتوحيد السياسية الخارجية والأمنية، وتعزيز الحكم الرشيد، وكي لا يبقى هذا الهدف مجرد شعار، باشرت المجموعة خطوات عملية لتنزيل التكامل السياسي، فعقدت اجتماعات حول هذا المسار في إطار لجنة واكو عام 2004، وأنشأت مكتب الأمين العام المسؤول عن الاتحاد السياسي عام 2017، كما اعتمد رؤساء المجموعة دعائم الاتحاد الفيدرالي كنموذج انتقالي للاتحاد السياسي بالمنطقة، والأشغال مستمرة لصياغة دستور للاتحاد.

أضحت المجموعة تكتلا اقتصاديا وقوة محورية بالمنطقة، استطاعت إعادة رسم محددات التكامل والتعاون الإقليمي. لكنها تواجه تحديات تعيق تحقيق مجمل أهدافها، وتفرض عليها إعادة توجيه قدراتها للمؤامة بين الفرص المتاحة والتحديات القائمة.

عوائق وتحديات

تعتبر المجموعة نموذجا للمنظمات الاقتصادية التي يحتدى بها قاريا في طريق تعزيز التكامل الإقليمي، فقد استطاعت أن تحقق إنجازات عديدة في إطار مقاربتها لتحقيق التكامل الاقتصادي والتبادلات التجارية، لكنها تصطدم بتحديات تعرقل طموحات قادتها، ويتجدد التخوف من تسرب الخلافات لعرقلة مسيرتها للتعاون المستدام الاقليمي.

تتربع التفاوتات الاقتصادية على رأس هذه التحديات بين دول المجموعة، ما قد يعرقل المسيرة المستمرة للمنظمة، لاسيما أن دولها تشهد تفاوتا في الأداء الاقتصادي؛ إذ تسجل روندا 7.2٪ وتنزانيا 6.1٪ وأوغندا 6٪ وكينيا 5.4٪، فيما تؤثر التوترات الإقليمية للحرب بالجوار السوداني على الأداء الاقتصادي لدولة جنوب السودان، فتنعكس على التجارة البينية، إذ سجلت تراجعا طفيفا.

يحضر أيضا تمويل المشاريع وبرامج المجموعة كإشكالية أخرى، إذ يسجل ضعف التمويلات المحلية، وتخلف دولها عن السداد والالتزام بتمويل أنشطة المجموعة. حاولت المجموعة الانفتاح على الشراكات الخارجية، مثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، ومن ترتيبات المساعدة الاقتصادية الكاملة، وتستفيد من قانون النمو والفرص في أفريقيا الذي يشكل أساس التمويلات والتعاون الأمريكي مع دول المجموعة.  

علاوة على ذلك، يتفاقم حجم التحديات الأمنية والاستقرار السياسي، ليشكل هاجسا حقيقيا على استمرار المجموعة، حيث تستفحل التحديات الإنسانية والأمنية بمنطقة شرق الكونغو، عقب تصاعد المواجهات بين الجيش الكونغولي ومقاتلي "حركة إم 23" بعد استئنافها العمل المسلح في عام 2021، ويؤكد قادة المجموعة بأن الأزمة بالكونغو تتطلب حلا سياسيا لتجاوزها. كما تجدد النقاش حول الهاجس الأمني عقب انضمام الصومال، وقد كان سببا في تأخر انضمامها، غير أن المجموعة تؤكد حرصها على تحقيق الاستقرار في المنطقة، مستحضرة أيضا النزاع المسلح بالجوار الإقليمي في دولة السودان.

تساهم التحديات السياسية في بطء تنزيل رؤية المجموعة نحو التكامل الإقليمي؛ إذ تتسرب الخلافات السياسية بين الشركاء مساهمة في عرقلة مسيرتها، فقد برزت للواجهة إبان توقيع الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بعد توقيع كينيا وروندا وامتناع باقي الدول. كما تظهر مؤشرات عن احتدام التنافس بين القوى الإقليمية في مقاربتها لبعض القضايا السياسية والاقتصادية، فتساهم هذه الخلافات في عرقلة تقدم المجموعة. ورغم ذلك، يؤكد اصرار أعضاء المجموعة على مواجهة هذه التحديات بأن دول المجموعة رسمت لها مسارا للتكامل والتنسيق بكافة المجال لن يتوقف إلا بعد إرساء دعائم الاتحاد السياسي الكونفدرالي كهدف نهائي لهذه المجموعة.

ختاما، تتقدم المجموعة ببطء وتباث من أجل تحقيق أهدافها، وترسيخ التكامل الإقليمي في كافة المجالات، ويرسم الشركاء مسيرة واعدة لمجموعتهم. لكنها لا تزال تعاني من تحديات تعرقل تطوير عمليات التكامل، ويتوقع أن ترسم هذه المحطة الاحتفالية باليوبيل الفضي خطة واعدة للازدهار، وآفاقا مستقبلية للتكامل الإقليمي المنشود.