تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 9 فبراير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

التوظيف السياسي لرجال الدين في الصومال

17 يناير, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

برز دور رجال الدين في المشهد السياسي الصومالي الحالي، بعد عقد العديد منهم مؤتمر جامع مطلع عام 2009، عقب أيام من انتخاب شريف شيخ أحمد رئيسًا انتقاليًا للبلاد. أعلن المجتمعون عن تأسيس هيئة علماء الصومال، وانخرطوا بالنصح والوساطة بين الحكومة الاتحادية وما عُرف وقتها بـالمقاومة الإسلامية، التي انقسمت لاحقًا إلى حركة الشباب المجاهدين وحزب الإسلام.

مالت الهيئة مع الوقت إلى الحكومة، واتخذت موقفًا مناهضًا لحركة الشباب التي بايعت تنظيم القاعدة، وتبنت هدف إسقاط الحكومة، وتسببت في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين. حدث تحول آخر لموقف قطاع من رجال الدين، بالانخراط في الصراعات السياسية بين السلطة والمعارضة، وخاصة بعد تنصيب الرئيس حسن شيخ محمود، لولاية ثانية عام 2022. انخرط نفر منهم في دعم مشروع الرئيس السياسي، مُوظِفين الفتاوى الدينية ضدّ الخصوم.

استمالة رجال الدين

حرصت الحكومات الفيدرالية على إقامة علاقات وطيدة مع رجال الدين بمختلف توجهاتهم، للاستفادة منهم في مواجهة حركة الشباب فكريًا، وتعزيز شرعيتهم. تعمقت العلاقات بين الطرفين بعد تنصيب الرئيس حسن شيخ، ورعت الحكومة مؤتمري علماء الصومال، لعامي 2023 و2024 على التوالي، واللذين ناقشا قضايا سياسية على أجندة الحكومة. ناقش مؤتمر 2023 دور العلماء في القتال ضدّ حركة الشباب وسبل دعم الحكومة، إضافةً إلى إمكانية إنشاء مجلس أعلى للعلماء، وشدد في بيانه الختامي على أن الحرب ضد الإرهاب تُعد جهادًا في سبيل الله، للدفاع عن مقاصد الشريعة الإسلامية، ودعا إلى بذل المال والنفس وتقديم المعلومات للحكومة، كما صدرت عن المؤتمر فتوى بتحريم التعامل مع المنظمات الإرهابية. ركّز المؤتمر التالي على تعزيز الوحدة الوطنية، وأشاد بجهود الحكومة في مختلف المجالات، بما في ذلك الحرب على الإرهاب، وأبدى المجتمعون استعدادهم للعب دور حاسم في توحيد الصف الوطني، لمواجهة التدخلات الخارجية. لم تقتصر رعاية الحكومة على المؤتمرين السابقين، وتوسعت إلى فعاليات دينية محلية، وأخرى للمدارس العقدية، بمشاركة مسؤولين حكوميين. شارك رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، في مؤتمر الدعوة السلفية، كما رعت الحكومة مؤتمرات للطرق الصوفية.

يعكس ما سبق حرص الحكومة على بناء علاقة قوية مع التيارات الدينية، للاستفادة من حضورهم الواسع في المجتمع، ولاكتساب الشعبية كسلطة تُقدر رجال الدين، كما أنّها تستغل خطابهم كأداة لتنفيذ سياساتها على أرض الواقع.

علماء السلطان

لا يوجد مجلس علماء وطني أو رابطة دينية تحتكر حقّ الفتوى، وهو ما يعتبر أحد أوجه الحرية، التي تمنع السلطة من التحكم في القضايا الدينية، وتوظيفها لصالحها. لهذا تثير خطة إنشاء مجلس أعلى للعلماء مخاوف من تعزيز قبضة الحكومة على القضايا الدينية، في مجتمع متنوع التيارات والمشارب العقدية.

بينما توجد عدة روابط تجمع معظم رجال الدين على أسس عقدية، مثل: هيئة علماء الصومال الممثلة للتيار السلفي، والمجلس العام لعلماء الصومال، والمجلس الأعلى لعلماء الصومال اللذين يمثلان التيار الصوفي، إلى جانب مجمع العلماء وملتقى علماء الصومال للفقه والدعوة، المحسوبين على التيار الإخواني.

تبدو الحكومة مهتمة بجمع هذه التيارات تحت مظلة واحدة، ليُسهل التعامل معها، بما يخدم سياستها التي تواجه معارضة واسعة، بسبب مشروع التعديلات الدستورية، وخطط الانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر. 

حصدت الحكومة استثمارها في رعاية مؤتمرات رجال الدين، فاستعانت بهم في عدة مناسبات لإيجاد تبرير ديني لخطط وسياسات اصطدمت برفض شعبي، ومن أمثلة هذا، لجوؤها إلى مجالس العلماء لتقديم مبرر ديني، عندما واجه قرارها بشأن إزالة قبور "إسكول بوليسيا" لإنشاء قاعدة للقوات الجوية معارضة شعبية واسعة.

استجاب جمع من رجال الدين، وأفتوا بحضور مسؤولين حكوميين بينهم وزير الدفاع، من موقع المقابر، بجواز إخراج الجثث شرعًا من أجل المصلحة العامة، مؤكدين أن الأرض تعود ملكيتها للدولة، ولم تكن موقوفة كمقبرة. أثارت الفتوى انتقادات حادة من قبل السياسيين المعارضين والمجتمع على حد سواء، متهمين رجال الدين بالتحول إلى أداة في يد الحكومة الفيدرالية. كما رُددت اتهامات طالت بعض رجال الدين بتحقيق مكاسب مالية من الفتوى، من خلال قيام شركات مملوكة لبعضهم بمهمة استخراج ونقل الجثث بإسناد من الحكومة الفيدرالية. أما في القضية الخلافية الأساسية بين الحكومة والمعارضة، وهي تعديل الدستور، فقامت الحكومة بإشراك رجال الدين في ورشات عمل مخصصة لاستكمال الدستور الانتقالي. بدورها، برَّرت الحكومة الخطوة بأنّها ضمانة لتخرج المواد الجديدة متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

يؤخذ على رجال الدين حضور الورشات لسببين؛ الأول كونها قضايا خلافية، ما يجعلهم محسوبين على الحكومة الفيدرالية بقيادة الرئيس حسن شيخ، ويضعهم في خانة الخصوم للمعارضة السياسية، وبالتالي يوسع من دائرة التوظيف السياسي للدين. والثاني أنّ العديد من أعضاء الهيئات الدينية يعملون مستشارين أو موظفين في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مما يفقدهم الاستقلالية المفترضة بهم، وبالتالي يفقدهم المصداقية.

التوظيف السياسي للدين

في ظل التقارب المتزايد بين مجالس العلماء والحكومة الفيدرالية، برز في الآونة الأخيرة خطاب تحريضي من قبل بعض الشخصيات البارزة في وسط العلماء ضد المعارضين لسياسات الحكومة. شكّلت هذه الظاهرة سابقة من نوعها، مما أثار انتقادات واسعة من قبل العديد من الأطراف. من بين هذه الشخصيات الشيخ علي محمود "وجيز"، الداعية السلفي البارز، وعضو هيئة علماء الصومال، الذي تدخل في أزمة جوبالاند، مفتيًا بأنّ اعتراض ولاية إقليمية على سياسات الحكومة الفيدرالية يُعدّ من الناحية الشرعية خروجًا عن طاعة ولي الأمر، وهو ما يُعتبر معصية لله. وهاجم وجيز رئيس الولاية أحمد مدوبي، معتبرًا إياه متمردًا يجب على الحكومة مواجهته، وطالب بأن تُنصب في الولاية سلطة شرعية تُدير شؤونها، وتعمل على تنفيذ سياسات الحكومة بخصوص الانتخابات. كما حث الشيخ وجيز الرئيس حسن شيخ على إلغاء النظام الفيدرالي، وعدم التنازل عن خطته الانتخابية، المتمثلة في نظام "صوت واحد مقابل شخص واحد"، مهما استغرق تحقيقها من وقت، مما اعتُبر دعوة غير مباشرة للرئيس للبقاء في السلطة حتى بعد انتهاء ولايته الرئاسية. أثارت مواقف الشيخ وجيز انتقادات واسعة في الشارع، ووصفه السياسي المعارض والنائب في البرلمان، عبد الرحمن عبد الشكور، بأنه أحد علماء السلاطين، المعروفين بتقديس الحكام والإفتاء لصالحهم. مشيرًا إلى أنه في إحدى المناسبات وجه إلى الشيخ سؤال حول ثنائه المبالغ فيه على الرئيس، فأجابه الشيخ بأنه جزء من عمله، وأنّ على السياسيين المعارضين العمل على منع القادة من التهور والتصرفات الخاطئة. وفي سياق ليس ببعيد، أشار الشيخ حمزة شيخ إبراهيم، خلال كلمته في المؤتمر الثاني لعلماء الصومال، الذي انعقد في مقديشو في أغسطس/ آب الماضي، إلى أن الاصطفاف وعدم معارضة الحكومة الفيدرالية يُعد مسألة شرعية بحتة وليست عقلية أو سياسية، داعيًا إلى الامتثال لأوامرها وتجنب الاعتراض عليها.

تنمو ظاهرة علماء السلطان في البلاد، بتشجيع من الحكومة الفيدرالية، التي تسعى لمأسسة الروابط مع العلماء لتعمل كمنظومة تضفي شرعية عليها، وعلى قراراتها التي تخالف الدستور والقانون، مثل محاولة حظر بعض منصات التواصل الاجتماعي، مرورًا بقضية إزالة الجثث من مقبرة إسكول بوليسيا، وصولًا إلى خطتها للتعديلات الدستورية.

ليس غريبًا أن تتشكل مواقف الشخصيات العامة أو ذات المكانة في المجتمع انطلاقًا من مصالحها الشخصية المادية والمعنوية، والتي تحدد قرار دعمها لجهة ما أو عدمها، لكن ما يثير الانتباه ويقلق الشارع هو كيف يؤثر هذا على البلاد، خصوصًا عندما يتعلق الأمر برجال الدين، الذين لا يفرقون بين أنفسهم وبين الدين.