تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 17 فبراير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

التواجد العسكري الإثيوبي في الصومال

22 ديسمبر, 2024
الصورة
Geeska cover
مجموعة من الجنود الإثيوبيين المدججين بالسلاح منتشرون في الصومال كجزء من دورية مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في بيليدوين، الصومال، في 14 ديسمبر 2019. (تصوير لويس تاتو/وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)
Share

ينقسم التواجد العسكري الإثيوبي في الصومال الفيدرالي إلى قسمين؛ القوات العاملة ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس"، وتقدر بنحو ثلاثة آلاف جندي تقريبًا، والأخرى التي يُعزى وجودها إلى اتفاقيات ثنائية بين البلدين، ويُقدر عددها بنحو 5000 إلى  7000جندي تقريبًا.

لم يُثر وجود كافة هذه القوات مشكلةً لدى الحكومات الفيدرالية المتعاقبة، حتى الأزمة الصومالية – الإثيوبية مطلع عام 2024، على خلفية مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند، التي دفعت مقديشو لإعلان رفض مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة "أصوم"، وطلبت مغادرة قواتها، قبل أنّ تتراجع عن موقفها، بعد توقيع إعلان أنقرة بين الطرفين بوساطة تركية.

اللافت أنّ مقديشو التي توعدت بتصنيف القوات الإثيوبية قوات احتلال قبيل حلّ الأزمة، تجاهلت القسم الثاني من هذه القوات، واكتفت بالحديث عن الأول فقط، في خطوة تثير العديد من التساؤلات. بدايةً بطبيعة هذه القوات التي لا تعمل ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي، والأساس القانوني لتواجدها، وصحة وماهية الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، وتأثير تواجد هذه القوات على سيادة وسلامة الأراضي الصومالية.

تعويض فراغ السلطة

دأبت إثيوبيا على تحريك قواتها العسكرية إلى داخل الأراضي الصومالية، منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991، بدعوى التصدي لمخاطر الجماعات المتطرفة، ولملء فراغ غياب سلطة قادرة على ضبط الأمن، ومنع المخاطر العابرة للحدود، خاصة في المناطق المجاورة لها. شهد عام 1996 تدخلًا كبيرًا في إقليم غدو في ولاية جوبالاند، جنوب غرب البلاد، حين عبرت القوات الإثيوبية الحدود، واشتبكت مع مقاتلي جماعة الاتحاد الإسلامي "AIAI" الذين أعلنوا إمارة إسلامية في المنطقة.

تمكنت إثيوبيا التي حظيت بدعم من ميليشيات قبلية محلية من هزيمة الجماعة، والقضاء على وجودها في الإقليم. لقد مثّل التعاون مع القبائل المحليةً بديلًا أمام إثيوبيا لتعويض غياب سلطة مركزية في الصومال، وتعززت العلاقات بين الطرفين في المناطق الحدودية، بناءً على تحقيق مصالح مشتركة، على رأسها الأمن.

تدخلت إثيوبيا ثانيةً، بشكل أكبر، في عام 2006، لدعم قوات الحكومة الاتحادية الانتقالية بقيادة الرئيس الراحل عبد الله يوسف، في مواجهة نظام المحاكم الإسلامية، وتمكنت من إسقاطه. بخلاف المرة السابقة، أثار الغزو الإثيوبي استياءًا شعبيًا جارفًا، واضطرت للانسحاب من البلاد عام 2009، لكنها احتفظت بقوات في عدد من المناطق الحدودية. لم تحظ إثيوبيا بشرعية قانونية للعمل داخل الأراضي الصومالية في معظم الأوقات، على غرار تدخلها عام 1996، وعام 2011، والعديد من المرات، بدعوى مواجهة حركة الشباب المجاهدين.

ظلت إثيوبيا تعمل بشكلٍ منفرد، حتى انضمامها إلى قوات بعثة "أميصوم" المفوضة أمميًا، والتي يقودها الاتحاد الأفريقي، مطلع عام 2014، وشاركت بنحو 4395 جنديا. اُسند إليها تأمين القطاع الثالث، الذي يضم محافظتي باي وبكول في ولاية جنوب الغرب، وإقليم غدو في محافظة جوبالاند، كما تعمل جزئيًا في القطاع الرابع الذي يغطي إقليم هيران في ولاية هرشبيلى، ومحافظة جلجدود في ولاية غلمدغ، وفي القطاع السادس الذي يضم مدينة كسمايو في جوبالاند. تشترك معظم المناطق التي ينتشر فيها الجيش الإثيوبي في الحدود بين البلدين.

اتفاقيات غامضة

نشرت إثيوبيا رغم انضمامها إلى البعثة الأفريقية آلاف الجنود خارج إطارها، خاصة في المناطق الحدودية الموازية، وشاركت هذه القوات في العديد من المرات مع الجيش الوطني الصومالي في معاركه ضد حركة الشباب. لم يثر هذا الوضع اعتراضًا من الحكومات الفيدرالية في مقديشو، حتى مطلع عام 2024، بعد أزمة مذكرة التفاهم بين البلدين. مع هذا، فحين توترت علاقات البلدين شكل هذا الوضع مخاطر أمنية على الصومال، وساهم في تأزيم علاقات البلدين.

الغريب في الأمر أنّ المسؤولين الفيدراليين الذين انتقدوا إثيوبيا بشدة على مدار عام تقريبًا، لم يتطرق أيًّا منهم لقضية القوات الإثيوبية التي لا تعمل تحت مظلة بعثة "أتميس" التي حلت مكان بعثة "أميصوم" في 2022، واقتصر حديثهم على القوات التي تعمل تحت مظلة البعثة. في السياق ذاته، يتكرر الحديث عن وجود اتفاقيات ثنائية بين البلدين، تمنح الشرعية لإثيوبيا لنشر قوات في البلاد خارج تفويض البعثات الأفريقية.

لم نتمكن من الوصول إلى أي من هذه الاتفاقيات من خلال البحث في المواقع الإعلامية الرسمية للحكومة الفيدرالية، سوى مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون في مجالات الدفاع والأمن، تعود إلى عام 2014، وتم تجديدها بين وزيري دفاع البلدين في نهاية عام 2023، دون إتاحتها للجمهور. تواصلت "جيسكا" مع مستشار في وزارة الدفاع الصومالية، وسألته حول ماهية الاتفاقيات الثنائية في المجالات العسكرية، فأجاب بأنّ هناك مذكرة تفاهم بين البلدين، جرى تجديدها قبل عام، لكن لم يطلع عليها أحد من المسؤولين في الوزارة، ولا يعلم فحواها إلا الدائرة المقربة من الوزير والرئيس.

وقال المصدر، إنّ الحكومة الفيدرالية كعادتها لا تُطلع المسؤولين والشعب على مضامين العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعقدها مع أطراف خارجية، معتبرًا ذلك أحد أوجه الفساد المستشري داخل الحكومة. وأشار إلى أنّه لولا الصحافة التركية، لما أمكن معرفة نصّ إعلان أنقرة المشترك بين إثيوبيا والصومال.

مخاطر مستقبلية

يمثّل الوضع السابق مخاطر على الصومال، وعلى العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في ظل وجود قضايا مشتركة، قد تثير نزاعات مستقبلية، مثل ترسيم الحدود، والأنهار العابرة للحدود، والمنفذ البحري لإثيوبيا، ويمكن تلخيص هذه المخاطر في النقاط التالية:

أولًا: المخاطر الأمنية، التي قد تنتج عن الصدام بين القوات الإثيوبية التي تتحرك في البلاد دون تنسيق مع الحكومة الفيدرالية، وتعمل لتحقيق أهداف خارج تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي. وأحد الأمثلة هي الاشتباكات التي دارت بين القوات الإثيوبية والشرطة الصومالية، في بلدة دولو في إقليم غدو، بعد طلب الأولى من الثانية إخلاء مقرات تابعة لها.

ثانيًا: الاضطرابات السياسية، الناتجة عن توظيف القوات الإثيوبية لدعم رؤساء الولايات الفيدرالية في مواجهة الحكومة الفيدرالية. اتّهمت مقديشو أديس أبابا بنقل عتاد عسكري إلى ولاية جوبالاند، لدعم رئيسها أحمد مدوبي في صراعه مع الحكومة الفيدرالية، عبر طائرتين هبطتا في مطار كسمايو. 
ثالثًا: تستفيد حركة الشباب من انتشار القوات الإثيوبية في البلاد في كسب بعض من الشعبية، من خلال إثارة الخلافات بين الشعبين، وتدعيم سرديتها ضد ما تعتبره "غزوًا إثيوبيًا" للبلاد.

رابعًا: تهديد سيادة البلاد حال توترت العلاقات بين البلدين، بفرض أمر واقع عبر القوة العسكرية، على غرار مقترح رئيس الإقليم الصومالي الغربي بإنشاء منطقة عازلة في غدو. كما أنّ احتفاظ إثيوبيا بنحو 10 آلاف جندي في مختلف المناطق الحدودية يعتبر ورقة ضغط على الصومال، إذا ما طُرحت قضية ترسيم الحدود بينهما.

بناء على كل ما سلف، يرتقب عقد محادثات ثنائية بين البلدين برعاية تركيا، للتباحث حول تسهيل حصول إثيوبيا على منفذ بحري، تحت السيادة الصومالية، وهو الأمر الذي يثير مخاوف عديدة من التفريط في سيادة البلاد لصالح إثيوبيا. إن اتباع نفس النهج كفيل بنسف مصداقية الحكومة الفيدرالية حول العلاقات الدولية، كما أنّ يفتح الباب أمام استشراء الفساد، وتوظيف السياسة الخارجية لتحقيق أهداف ومصالح ضيقة على حساب الوطن.