تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 28 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

التقارب الإثيوبي الصومالي: بين ضرورات المصالح وتقلبات التحالفات

9 مارس, 2025
الصورة
geeska cover
Share

منذ توقيع إعلان أنقرة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، الذي جاء لإخماد التوتر بين الصومال وإثيوبيا، تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من التحولات السريعة نحو التقارب والتعاون الثنائي في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة.

وقع هذا التحول المفاجئ في وقت بالغ التعقيد على الصعيد الإقليمي، حيث تتفاقم التهديدات الأمنية، لعل أبرزها حركة الشباب وتنظيم داعش. بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي يعاني منها كلا البلدين. كما أن التوترات القائمة بين إثيوبيا من جهة وإريتريا ومصر من جهة أخرى، بشأن قضايا حيوية، مثل المياه والنفوذ الإقليمي، تضيف طبقات من التعقيد إلى التحولات الجارية في المنطقة.

يسعى الصومال في هذا السياق للاستفادة من الخبرات الإثيوبية في مكافحة التمرد، بينما تقترب إثيوبيا من تحقيق هدفها الطويل الأمد بالحصول على منفذ بحري في الأراضي الصومالية، وهو هدف ظل بعيد المنال منذ فقدانها للساحل الإريتري في عام 1993.

تخلت إثيوبيا عن خططها السابقة لإنشاء ميناء في إقليم أرض الصومال، وفقًا للتقارير الإعلامية، وبدلاً من ذلك، تركز الآن على تطوير موانئ بحرية تحت السيادة الصومالية. يعد هذا التحول نحو بناء ميناء على سواحل المحيط الهندي خطوة استراتيجية بالنسبة لإثيوبيا، تهدف من خلالها إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية، وتوسيع نفوذها التجاري في المنطقة.

يشير هذا التعاون إلى رغبة مشتركة في التصدي للتحديات الداخلية والإقليمية، عبر تنسيق أمني وتعزيز الروابط التجارية، مما يعكس تحولًا غير مسبوق في العلاقات بين البلدين. رغم ذلك، يبقى التقارب بين القيادتين محاطًا بعدد من الشكوك، حيث تثير التغيرات المستمرة في السياسة الإثيوبية، بالإضافة إلى غياب استراتيجية خارجية ثابتة في الصومال، تساؤلات بشأن استدامة التعاون. كما تظل التحديات الإقليمية والدولية، عوامل قد تساهم في تقويض استمرارية هذا التعاون، مما يجعل مستقبل التقارب بين إثيوبيا والصومال غير مؤكد في ظل المتغيرات المستمرة.

مسارات التصعيد والتسوية

لم تكن العلاقات الصومالية الإثيوبية يومًا مستقرة، إذ ظلت محكومة بصراعات تاريخية وتنافس جيوسياسي ممتد لعقود. ومع ذلك، بلغت التوترات ذروتها مطلع العام الماضي، عندما أبرمت أديس أبابا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، يمنحها حق استئجار منطقة ساحلية لإنشاء ميناء وقاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم الذي أعلن انفصاله عن الصومال عام 1991 دون اعتراف دولي.

اعتبرت مقديشو هذه الخطوة اعتداء صارخًا على سيادتها الوطنية، وردت بسلسلة من الإجراءات التصعيدية، شملت طرد السفير الإثيوبي ورفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، مع رفض أي مفاوضات قبل تراجع إثيوبيا عن الاتفاق.

وفي إطار تعزيز موقفها الإقليمي، وقعت الصومال اتفاقية دفاعية لمدة عشر سنوات مع تركيا في فبراير/ شباط 2024، شملت التعاون في حماية السواحل الصومالية وتطوير القدرات البحرية. كما أقر البرلمان التركي لاحقًا نشر قوات بحرية في المياه الصومالية. بالتوازي، عززت مقديشو تحالفاتها عبر بروتوكول دفاعي مع مصر، التي قدمت مساعدات عسكرية عاجلة للصومال، إضافة إلى مذكرة تفاهم دفاعية مع تنزانيا.

الدعم الدولي للموقف الصومالي جاء من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، اللذين اعتبرا الاتفاق الإثيوبي انتهاكًا لسيادة الصومال، فيما اتخذ الاتحاد الأفريقي موقفًا حذرًا، محذرًا من تداعيات الاعتراف بأرض الصومال على استقرار المنطقة.

يبقى التقارب بين القيادتين محاطًا بعدد من الشكوك، حيث تثير التغيرات المستمرة في السياسة الإثيوبية، بالإضافة إلى غياب استراتيجية خارجية ثابتة في الصومال، تساؤلات بشأن استدامة التعاون

على الصعيد الاقتصادي، أعلنت مقديشو مراجعة جميع الاتفاقيات الاقتصادية السابقة مع أديس أبابا، بما في ذلك استخدام الموانئ الصومالية، في محاولة للضغط على إثيوبيا التي تعتمد بشكل كبير على الموانئ الخارجية لتأمين تجارتها البحرية.

ساهمت هذه الخطوات التصعيدية في إضعاف الموقف الإثيوبي دوليًا، حيث واجهت أديس أبابا انتقادات متزايدة، ووجدت نفسها في عزلة دبلوماسية، خاصة بعد إدانات جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي. كما عزز الصومال موقفه عبر التحالفات العسكرية والاقتصادية، مما زاد من تكلفة الاتفاقية بالنسبة لإثيوبيا، ودفعها إلى إعادة النظر فيها بشكل كلي.

تركيا واستثمار الأزمة

استغلّت تركيا الأزمة الإثيوبية - الصومالية لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي، مستفيدةً من التوترات الإقليمية لترسيخ موقعها لاعبا رئيسيا في المنطقة. وقد تُرجّم هذا التوسع عمليا من خلال توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع الصومال في فبراير/ شباط 2024. ولم يمضِ وقت طويل حتى صادق البرلمان التركي، في يوليو/تموز من العام نفسه، على نشر قوات بحرية تركية في المياه الإقليمية الصومالية لمدة عامين، ما عزز حضور أنقرة العسكري في المنطقة.

على الصعيد الاقتصادي، توسعت تركيا في استثماراتها بالصومال، حيث أطلقت سفينة "عروج ريس" عمليات التنقيب عن النفط والغاز في ثلاث مناطق بحرية بمقديشو، تمتد كل منها على مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع. يعكس هذا التوجه التزام أنقرة العميق بشراكتها مع مقديشو، التي تمتد لأكثر من عقدين، شملت مشاريع تنموية كبرى، مثل تطوير مطار مقديشو، وإنشاء مستشفى حديث، ومركز تدريب عسكري.

الدعم الدولي للموقف الصومالي جاء من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، اللذين اعتبرا الاتفاق الإثيوبي انتهاكًا لسيادة الصومال، فيما اتخذ الاتحاد الأفريقي موقفًا حذرًا، محذرًا من تداعيات الاعتراف بأرض الصومال على استقرار المنطقة

ورغم تقاربها الكبير مع الصومال، تحافظ تركيا على علاقات وثيقة مع إثيوبيا، مما يعكس سياسة متوازنة، تضمن مصالحها مع الجانبين. ووفقًا لمعهد "المجلس الأطلسي"، زوّدت أنقرة أديس أبابا بطائرات مسيّرة متقدمة، ضمن شبكة مصالح عسكرية واقتصادية متشابكة. وتأتي هذه التحركات ضمن استراتيجية تركية أوسع لتعزيز نفوذها في أفريقيا، حيث أصبحت من بين أكبر مورّدي الأسلحة لدول جنوب الصحراء الكبرى، وفق تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

بهذه الخطوات، لم تكتفِ تركيا بدعم الصومال سياسيًا وعسكريًا، بل سعت إلى تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي، وترسيخ دورها لاعبا رئيسيا في إعادة تشكيل موازين القوى في القرن الأفريقي.

التقارب الإثيوبي الصومالي ضربة للتحالف الثلاثي

يشكّل التقارب المتزايد بين أديس أبابا ومقديشو، وفقا للمحللين، ضربة قوية للتحالف الثلاثي الذي جمع مصر والصومال وإريتريا، في السنوات الأخيرة، وهو تحالف كان يهدف إلى تحقيق توازن استراتيجي في منطقة القرن الأفريقي والحد من النفوذ الإثيوبي المتنامي. غير أن التغييرات الأخيرة في المشهد السياسي، خصوصا تقارب الصومال مع إثيوبيا، قد تعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية، مما يضع القاهرة وأسمرة أمام تحديات أكثر تعقيدًا.

بالنسبة لمصر، فإن تعزيز العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا لا يقتصر على كونه مجرد تحول دبلوماسي، بل يحمل في طياته تداعيات استراتيجية عميقة. فإثيوبيا قد تستغل هذا التقارب لإعادة تشكيل التحالفات في المنطقة، بطريقة تقلص الدعم العربي والإقليمي للصومال، مما يضعف النفوذ المصري في هذا الملف الحيوي. كما أن أي تعاون عسكري أو اقتصادي بين البلدين قد يمنح إثيوبيا موطئ قدم في الموانئ الصومالية، وهو تطور قد يعزز نفوذها البحري، ويدعم موقفها في أي مواجهة دبلوماسية مستقبلية مع القاهرة.

غير أن التغييرات الأخيرة في المشهد السياسي، خصوصا تقارب الصومال مع إثيوبيا، قد تعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية، مما يضع القاهرة وأسمرة أمام تحديات أكثر تعقيدًا

تبدو القاهرة أمام هذه التحولات مطالبة بتكثيف تحركاتها، للحفاظ على توازن القوى في المنطقة. فمن المرجح أن تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع مقديشو، عبر توسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري والاستثمار في مشروعات البنية التحتية والتنمية، لضمان عدم تحول الصومال إلى حليف غير متوازن مع إثيوبيا. كما قد تعمل مصر على تعميق شراكاتها الإقليمية، لا سيما مع إريتريا وجيبوتي والسودان، لضمان استمرار نفوذها في القرن الأفريقي، والحفاظ على موقعها فاعلا أساسيا في معادلة التوازن الإقليمي.

في المحصلة، يبقى التساؤل حول استمرارية التقارب الإثيوبي-الصومالي قائمًا، مع وجود تشكيك في مدى قدرته على الصمود في وجه التحديات المستقبلية. بالنظر إلى تجارب تاريخية سابقة، مثل التقارب الإثيوبي-الإريتري الذي بدأ بتحالف استراتيجي ثم تحول إلى خصام وعداء، تبرز احتمالية أن يكون مصير التقارب الحالي مشابهًا. فرغم الفرص التي يتيحها هذا التقارب لتعزيز التعاون الإقليمي، إلا أن الصراعات والتوترات الداخلية والخارجية قد تؤدي إلى انهياره أو تحوله إلى خلافات عميقة. وبالتالي، يظل هذا التقارب في مهب الريح، يواجه تحديات كبيرة قد تحد من استدامته أو تعصف به، ليظل مصيره غير مؤكد في ظل ديناميكيات المنطقة المتقلبة.