الاثنين 23 يونيو 2025
يُعَدّ البحر الأحمر واحدًا من أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، حيث يربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. هذا الموقع الجغرافي جعله محور اهتمام العديد من الدول الساعية لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي. في هذا السياق، تبرز العلاقات الإثيوبية-الإريترية مثالا حيا على التداخل بين التحالف والصراع في سبيل تحقيق المصالح الوطنية.
أصبحت إثيوبيا منذ استقلال إريتريا دولة حبيسة بلا منفذ بحري، مما دفعها للبحث عن سبل للوصول إلى البحر الأحمر لتعزيز مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية. في المقابل، تنظر إريتريا بحذر إلى هذه التحركات، معتبرة إياها تهديدًا لمصالحها وسيادتها.
بعد استقلال إريتريا في عام 1993، فقدت إثيوبيا منافذها البحرية، مما جعلها تعتمد بشكل شبه كامل على موانئ دول الجوار، خاصة جيبوتي، التي تمر عبرها حوالي 95٪ من تجارتها الخارجية. مما فرض تحديات اقتصادية وسياسية على أديس أبابا، أبرزها التبعية الاقتصادية والقيود الجيوسياسية. فالاعتماد على موانئ دول أخرى يزيد من تكاليف النقل، ويجعل إثيوبيا عرضة للتقلبات السياسية في تلك الدول. وإثيوبيا، كواحدة من أكبر الدول الأفريقية من حيث السكان والاقتصاد، تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، والوصول إلى منفذ بحري يُمكّنها من لعب دور أكبر في التجارة الإقليمية والدولية، فضلا عن تعزيز قدرات إثيوبيا التصديرية.
قامت إثيوبيا مطلع يناير/ كانون الثاني عام 2024، بعدة خطوات لتحقيق هذا الهدف، منها توقيع اتفاقيات مع دول مجاورة لاستخدام موانئها، مثل اتفاقها مع أرض الصومال لاستخدام "ميناء بربرة". كما أبدت اهتمامًا بتطوير موانئ في السودان، مثل استحواذها على حصة من "ميناء بورتسودان" في عام 2018، كما تسعى لزيادة هذه الحصة، لتعزيز خياراتها البحرية. هذه التحركات تهدف إلى تقليل الاعتماد على ميناء جيبوتي، وتوسيع خياراتها للوصول إلى الأسواق العالمية.
تُبدي إريتريا معارضة واضحة لمساعي إثيوبيا الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، وذلك لعدة أسباب: لعل أولها المخاوف الأمنية؛ فإريتريا تخشى أن يؤدي حصول إثيوبيا على منفذ بحري إلى تعزيز قدراتها العسكرية، مما قد يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وفقًا تقرير نشرته "فورين أفيرز"، فإن إثيوبيا تمتلك واحدة من أكبر الجيوش في أفريقيا، فعلى الرغم من صراعاتها الداخلية إلا أن ووصولها إلى البحر الأحمر قد يمكنها من نشر قوات بحرية وتوسيع نفوذها العسكري في المنطقة. هذا الأمر يثير قلق إريتريا، خاصة في ظل تاريخ الصراعات العسكرية بين البلدين، مثل حرب الحدود (1998-2000)، والتي خلفت آثارًا عميقة على العلاقات الثنائية.
إثيوبيا، كواحدة من أكبر الدول الأفريقية من حيث السكان والاقتصاد، تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، والوصول إلى منفذ بحري يُمكّنها من لعب دور أكبر في التجارة الإقليمية والدولية، فضلا عن تعزيز قدرات إثيوبيا التصديرية
فضلا عن ذلك، يشير تقرير في "الشرق الأوسط" إلى أن إريتريا تعتبر أي وجود عسكري إثيوبي على البحر الأحمر تهديدًا لسيادتها، خاصة مع وجود موانئ إريترية استراتيجية، مثل عصب ومصوع، والتي تعتمد عليها البلاد في تجارتها الخارجية والأمن البحري، وتسعى لتعزيز علاقتها من خلال هذه الموانئ مع العالم الخارجي.
ثانيًا، التنافس الإقليمي؛ فوجود إثيوبيا على البحر الأحمر يؤثر سلبًا على العائدات الاقتصادية التي تعتمد عليها إريتريا. وفقًا لتحليلات نشرتها "رويترز"، فإن إريتريا تعتمد بشكل كبير على عائدات موانئها، خاصة بعد سنوات من العزلة الدولية بسبب سياسات نظام الرئيس أسياس أفورقي.
كما أشار تقرير من "ذا جيوبولتيكس" إلى أن إريتريا تسعى لتعزيز دور موانئها كمراكز تجارية إقليمية. ومع ذلك، فإن أي منافسة من إثيوبيا قد تقوض هذه الجهود، خاصة إذا نجحت أديس أبابا في تطوير موانئ بديلة في دول مثل: السودان أو أرض الصومال.
ثالثاً، إرث الصراعات والعلاقات المتوترة؛ فالعلاقات بين البلدين شهدت توترات وصراعات مسلحة في الماضي، مما يجعل إريتريا حذرة من أي تحركات إثيوبية، قد تؤثر على سيادتها ومصالحها الوطنية. وفقًا لتقارير من "ذا جاردين" و"فورين بوليسي"، فإن حرب الحدود بين البلدين (1998-2000) خلفت أكثر من 70 ألف قتيل، وأدت إلى قطيعة دبلوماسية استمرت لعقدين.
على الرغم من توقيع اتفاق السلام في عام 2018، والذي نال استحسانًا دوليًا وحصل بموجبه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام، إلا أن التوترات عادت إلى الظهور مع سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري. فهناك تقرير من "ذا ريبورتر"، وهي منصة إخبارية إثيوبية، تشير إلى أن إريتريا تعتبر أي تحركات إثيوبية في البحر الأحمر محاولة لتجاوز اتفاقيات السلام، واستعادة النفوذ الذي فقدته بعد استقلال إريتريا عام 1993.
يعتمد مستقبل العلاقات الإثيوبية-الإريترية بشكل كبير على كيفية إدارة التنافس في منطقة البحر الأحمر، فقد تشهد الفترة المقبلة زيادة في التعاون بين البلدين متى تم التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول استخدام البحر الأحمر كمنفذ اقتصادي دون تهديد سيادة إريتريا
كما ترى إريتريا أن أي تغيير في التوازن الجيوسياسي بالمنطقة، قد يؤدي إلى تدخلات خارجية تزيد من تعقيد الأوضاع، وهو ما تسعى لتجنبه. وفقًا لتقرير من "ميدل إيست آي"، فإن البحر الأحمر أصبح ساحة تنافس بين قوى إقليمية ودولية، مثل: السعودية والإمارات وتركيا ومصر، بالإضافة إلى القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين.
في سياق متصل، يشير تقرير خاص ل "كينج فيصل سينتر" إلى أن إريتريا تعتبر نفسها حليفًا استراتيجيًا لدول مثل السعودية والإمارات، والتي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن أي تواجد إثيوبي على البحر الأحمر قد يغير هذه التحالفات، مما يهدد المصالح الإريترية.
يُعتبر البحر الأحمر واحدًا من أكثر المناطق استراتيجية في العالم، حيث يشهد تنافسًا دوليًا وإقليميًا متصاعدًا. فحسب ورقة ل"مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية"، تسعى قوى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة، بينما تعمل الصين والولايات المتحدة على تأمين مصالحهما في الممرات البحرية الحيوية. هذا التنافس يزيد من تعقيد العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، حيث تسعى كل منهما لتعزيز موقعها الجيوسياسي.
يعتمد مستقبل العلاقات الإثيوبية-الإريترية بشكل كبير على كيفية إدارة التنافس في منطقة البحر الأحمر، فقد تشهد الفترة المقبلة زيادة في التعاون بين البلدين متى تم التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول استخدام البحر الأحمر
تعزز إريتريا، بفضل موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر، تحالفاتها مع دول مثل مصر والسعودية. ما حدى بها إلى توقيع عدة اتفاقيات مع مصر لتعزيز التعاون العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية. في المقابل، تسعى إثيوبيا، الدولة الحبيسة، إلى تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، لتأمين منافذ بحرية بديلة، وتقليل اعتمادها على جيبوتي. تؤكد هذه التحالفات مساعي إثيوبيا لتحقيق التوازن في مواجهة النفوذ الإريتري المتصاعد.
يعتمد مستقبل العلاقات الإثيوبية-الإريترية بشكل كبير على كيفية إدارة التنافس في منطقة البحر الأحمر، فقد تشهد الفترة المقبلة زيادة في التعاون بين البلدين متى تم التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول استخدام البحر الأحمر كمنفذ اقتصادي دون تهديد سيادة إريتريا.
من المرجح أن تواصل إثيوبيا سعيها للحصول على منافذ بحرية بديلة، مثل ميناء بربرة في أرض الصومال، فيما ستظل إريتريا حريصة على حماية موانئها الاستراتيجية، مثل عصب ومصوع، وتعزيز تحالفاتها الإقليمية للحفاظ على نفوذها. وفقًا لـ "إريتريا دايلي"، فإن أي تغيير في التوازن الجيوسياسي قد يؤدي إلى مزيد من التوترات، خاصة مع تزايد الاهتمام الدولي بالمنطقة.
إن التنافس على البحر الأحمر ليس مجرد نزاع بين دولتين، بل هو جزء من صراع أوسع في القرن الإفريقي حول النفوذ والسيطرة على الموارد الحيوية في المنطقة. وما علاقات إثيوبيا-إريتريا سوى نموذج حي للصراعات التي يمكن أن تنشأ بسبب الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية لهذه المنطقة. فبالرغم من أن العلاقات بين البلدين شهدت فترات من التعاون والصراع، فإن البحر الأحمر سيظل دائمًا عاملًا رئيسيًا في تحديد بوصلة هذه العلاقات الثنائية.