تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 9 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

التجريد من الانتماء.. جدل حول شرعية إسقاط الجنسية عن تشاديين بالأصل

22 سبتمبر, 2025
الصورة
التجريد من الانتماء.. جدل حول شرعية إسقاط الجنسية عن تشاديين بالأصل
Share

في خطوة غير مسبوقة هزّت المشهد السياسي والإعلامي في تشاد، أعلنت الحكومة التشادية عبر مرسوم رئاسي صادر في 17 سبتمبر/أيلول إسقاط الجنسية عن ناشطين تشاديين معارضين يقيمان في فرنسا، وهما: ميكائيلا نقيبلا، وشرف الدين غلماي، بذريعة التعاون مع دول أجنبية والانخراط في أنشطة تتعارض مع صفة المواطن التشادي.

أثار القرار نقاشا واسعا في الأوساط التشادية، وأطلق جدلاً كبيراً على المستويين القانوني والسياسي، خصوصا مسألة مشروعية تجريد مواطن أصيل من جنسيته، وما إذا كان بالإمكان قانوناً إسقاط جنسية يولد بها الشخص من أبوين تشاديين، ومدى توافق ذلك مع القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي صادقت عليها تشاد.

عن تاريخ الناشطين

الناشطان المعنيان معروفان بانتقاداتهما المستمرة للنظام، فقد واصل ميكائيلا الصحفي والمدوّن نشاطه الإعلامي والسياسي، منذ عهد الرئيس الراحل إدريس ديبي، مركزاً على قضايا الفساد والحريات وحقوق الإنسان، وتعرض لملاحقات وضغوط عديدة، إذ طُرد من تونس ثم أقام لفترة في السنغال قبل ترحيله إلى غينيا كوناكري، ما أثار إدانات حقوقية دولية. لاحقًا حصل ميكائيلا على حق اللجوء السياسي في فرنسا، حيث استمر في نشاطه الإعلامي، قبل أن يعود مؤقتاً إلى تشاد عقب وفاة الرئيس السابق ادريس ديبي في أبريل/نيسان 2021، ليتولى منصباً استشارياً بالرئاسة، لكنه سرعان ما غادر مجدداً إلى فرنسا إثر خلافات مع السلطة.

المادة 27 تخص فقط مكتسبي الجنسية بـ"التجنس أو التبني أو إعادة الإدماج"، ولا تنطبق على التشاديين الأصليين المولودين لأبوين تشاديين، فالجنسية الأصلية لا تسقط لأنها مرتبطة بالانتماء الطبيعي إلى الأمة

أما شرف الدين غلماي صالح، رئيس تحرير موقع "تشاد وان"، فيدير واحدة من أبرز المنصات الإعلامية المعارضة، التي تنشر تقارير وتحليلات معمقة عن الوضع الداخلي، مع توثيق للانتهاكات ورصد لشبهات الفساد، ويقيم غلماي بدوره في فرنسا، حيث يباشر عمله الصحفي المنتقد بحدة للنظام.

سابقة تاريخية خطيرة

الحكومة بررت قرارها بتورط الناشطين بالتخابر مع دول أجنبية، والقيام بأنشطة تتناقض مع صفة المواطن، واستندت في قرارها على الأمر رقم 33 الصادر في 1962 الذي يحدد شروط اكتساب الجنسية وحالات إسقاطها، وحدد القانون أربعة حالات لإسقاط الجنسية، وهي: الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية عن طريق الاحتيال أو تقديم مستندات مزورة أو من خلال تضليل السلطات المختصة بالتحقيق والتنظيم؛ المواطنون الذين أُدينوا بجناية أو جنحة تصنف ضمن الجرائم أو الجنايات المهددة للأمن الداخلي للدولة؛ المواطنون الذين يشغلون منصباً في خدمة دولة أجنبية أو جيش أجنبي أو منظمة دولية لمدة تزيد على ستة أشهر بعد إخطارهم من قبل الحكومة التشادية بضرورة الاستقالة من هذا المنصب؛ الأفراد الذين يمارسون أنشطة تتعارض مع صفة المواطن التشادي، وتضر بمصالح الجمهورية.

إن السلطات عجزت عن إسكات الناشطين عبر الدول المضيفة، فلجأت إلى ذريعة غير قانونية في سابقة خطيرة تحوّل الدولة إلى ملكية خاصة

لكن هذا التبرير قوبل بانتقادات واسعة إذ اعتبر قانونيون أن المادة 27 الواردة في الأمر تخص فقط مكتسبي الجنسية بـ"التجنس أو التبني أو إعادة الإدماج"، ولا تنطبق على التشاديين الأصليين المولودين لأبوين تشاديين، فالجنسية الأصلية لا تسقط بمرسوم لأنها مرتبطة بالانتماء الطبيعي إلى الأمة.

كما أثيرت تساؤلات حول طبيعة التهم الموجهة للناشطين، وهل مجرد ممارسة حرية التعبير وانتقاد السلطة تعد أنشطة لا تتوافق مع صفة المواطن، في حين أن الدستور يضمن هذه الحقوق وحدد بوضوح صفة المواطن التشادي.

ينظر إلى هذا القرار إليه كخطوة خطيرة وسابقة تاريخية، لأنه يكشف عن استهتار بالقانون وحقوق المواطنين، وتعسفاً في استخدام السلطة، ولو قرأت الأنظمة السابقة هذا النص بذات المعنى الذي ذهبت إليه السلطة الأن وطبقته، لكان ألاف التشاديين قد جردوا من جنسيتهم، فقد شهدت البلاد في العقود الماضية تمردات متكررة وأعمالاً مسلحة ضد الدولة، ومع ذلك لم يلجأ أي رئيس سابق إلى استخدام المادة المذكورة لإسقاط الجنسية من معارضيه.

يقول المحامي آلين كاكمبي: "لو استعمل الرئيس أنقرتا النص بنفس الكيفية لكان قد جرد أعضاء حركة فرولينا من جنسيتهم، ولو فعل مالوم الشيء نفسه لكان قد جرد خصومه، ولو طبقه الرئيس هبري لكان قد جرد مؤسسي الحركة الوطنية للإنقاذ الذين حملوا السلاح ضده وتعاونوا مع دول خارجية". لم يحدث هذا برأيه ليس جهلاً بالنص، وإنما لأن المشرع لم يقصد تطبيقه على المواطنين الأصليين.

وتابع "لم يُعلن عني تشادياً بمرسوم، والمرسوم لا يمكنه أن يقرر صفة الوطني الأصيل، وبالتالي لا يمكن أن يسقط هذه الصفة"، وأشار إلى أن هذه المادة لا تستهدف التشاديين الأصليين بل تستهدف الذين اكتسبوا الجنسية"، مشيرا إلى أن المرسوم الرئاسي هو فقط أداة تمنح بها الجنسية لطالبيها، ولا يلغيها أيضا إلا مرسوم مثله. كما يصف آلين هذا المرسوم بعديم الأثر، معتبرا أن حق التمتع بالجنسية هو حق مقدس مثل الحق في الحياة.

تشاد موقع على اتفاقيات تمنع بشكل صريح نزع جنسية المواطن أو جعله عديم الجنسية، وهو ما يكفي وحده لإبطال المرسوم

يتفق البروفيسور أحمد محمد حسن، وزير العدل الأسبق ومتخصص في القانون الدستوري مع ما طرحه آلين، فقد أبرز في حديثه لـ"جسيكا" أن "الحكومة قد أخطأت خطأ جسيما، حيث إنه لا يجوز إسقاط جنسية مواطن أصيل، وأن القانون المعني وجد فقط لمكتسبي الجنسية"، وفيما يتعلق بالتهم التي على أساسها أسقطت الجنسية يشير أحمد إلى أنه لا يمكن إثبات تهمة في حق شخص إلا من قبل هيئة قضائية (محكمة)، وبالتالي ليس للسلطة التنفيذية الحق في أن تقرر إدانة شخص بتهم محددة وتسقط جنسيته، فالصحيح أنه يجب تقديمهم للعدالة أولاً، وبعدها تقرر المحكمة عقوبتهم. ومع ذلك، يرفض أحمد قانوناً إسقاط جنسية مواطن أصيل عبر مرسوم رئاسي، فليس المرسوم هو من أنشأ هذا الحق ليقرر إسقاطه.

ولو افترضنا جدل أن المادة 27 من الأمر 33 قد تنطبق على التشاديين الأصليين أيضاً، فالمادة 3 من الأمر نفسه، تنص على أن الأحكام المتعلقة بالجنسية الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة تسود على أحكام القانون الوطني. وتشاد موقع على اتفاقيات تمنع بشكل صريح نزع جنسية المواطن أو جعله عديم الجنسية، وهو ما يكفي وحده لإبطال المرسوم.

يحظر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية عام 1961 بشأن تقليل حالات انعدام الجنسية وغيرهما من المواثيق الدولية حرمان أي شخص من جنسيته، إذا كان ذلك يؤدي إلى جعله عديم الجنسية. كما ينص الدستور التشادي الحالي في مادته 277 على أولوية الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية، وبالتالي فإن قرار الحكومة متجاوز لحدودها القانونية والدستورية ما يجعله قابلاً للطعن محلياً ودولياً.

إجماع على رفض القرار

جاءت ردود الفعل على القرار قوية، إذ وصف رئيس حزب الوطنيين، نصر إبراهيم كورسامي في منشور على صفحته في الفيسبوك القرار بأنه "انتقام سياسي" من قبل الرئيس محمد إدريس ديبي ضد معارضيه، معتبراً أن السلطات عجزت عن إسكات الناشطين عبر الدول المضيفة، فلجأت إلى ذريعة غير قانونية في سابقة خطيرة تحوّل الدولة إلى ملكية خاصة.

من جهتها، أدانت حركة "فاكت" المسلحة في بيان رسمي المرسوم معتبرة أنه سلوك ديكتاتوري يعيد البلاد إلى عصور مظلمة، وأكدت الحركة دعمها للناشطين، معتبرة أن "القرار يمثل تصعيداً خطيراً في النهج القمعي للنظام العسكري الذي انتقل من إسكات الأصوات المعارضة في الداخل عبر القتل والسجون إلى محاولة إسكات معارضيه في الخارج عبر إسقاط الجنسية".

كما أدانت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية محلية ودولية هذه الخطوة، ووصفتها بالتعسفية والمخالفة للقوانين داعية السلطات إلى التراجع عن القرار فوراً.

تكشف هذه القضية عن انتهاكين جسيمين، يتمثل الأول في مخالفة الدستور والتشريعات الوطنية، ويتعلق الثاني بتجاوز المواثيق الدولية التي تمنع إسقاط الجنسية، خصوصا عن الأشخاص الذين لا يحملون غيرها. كما يبرز القرار انحرافاً خطيراً للسلطة التنفيذية التي باتت تستخدم الدولة كأداة للانتقام السياسي، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول احترام القانون وضمان الحقوق الأساسية في تشاد، كما يثير ذلك نقاشا أوسع حول حدود السلطة في التعامل مع المعارضين خارج البلاد، وما إذا كان توظيف قوانين الجنسية قد أصبح وسيلة لقمع الأصوات المختلفة.

علاوة على ذلك، يعيد القرار إلى الواجهة النقاش حول حرية التعبير وحق المعارضة ومسؤولية الدولة في ضمان تلك الحقوق، ويثير مخاوف التشاديين من أن يتحول إلى سابقة تهدد كل من يجرؤ على انتقاد السلطة، فرغم أن تشاد مرت بفترات مظلمة من الدكتاتورية والبطش السياسي، لم يسبق لأي رئيس أن جرد مواطناً أصيلاً من جنسيته حتى مع كثرة التمردات والمؤامرات. لذلك ينظر البعض إلى القرار باعتباره خطوة خطيرة إلى الوراء في مسار الديمقراطية، وتراجعاً عن مكتسبات نضال طويل دفع فيه الشعب التشادي ثمن باهظ من أجل الحرية وحقوق الإنسان.