الثلاثاء 24 يونيو 2025
تم طرد أبراهام نيغوسي، سفير إسرائيل لدى إثيوبيا، يوم الإثنين 7 أبريل/نيسان الجاري، من فعالية لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا عام 1994، والتي نظّمها الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وذلك – بحسب التقارير – بناءً على طلب من رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد، محمود يوسف. وقد احتج نيغوسي، وهو نائب سابق في الكنيست عن حزب الليكود اليميني المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو والمولود في إثيوبيا، على هذا القرار، واتهم يوسف بإدخال "عناصر سياسية معادية لإسرائيل" في المناسبة، كما اتهمه بجهل تاريخ "الشعبين الرواندي واليهودي"، اللذين يعتبرهما كلاهما ضحايا للإبادة الجماعية.
إن غَضَبَ نيغوسي من طرده لم يكن مفاجئًا؛ إذ غالبًا ما يُدعى المسؤولون الإسرائيليون إلى فعاليات إحياء ذكرى الإبادة الرواندية من قبل حكومة البلاد، وقد زار الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، كيغالي العام الماضي لحضور فعالية الذكرى الثلاثين – رغم أن بلاده كانت في الوقت نفسه تشن حربًا إبادة ضد غزة.
كتب رئيس تحرير جيسكا، صهيب محمود: "من المضحك أن تشارك دولة ترتكب هذا الحجم المعلن من المجازر في غزة في هذه المناسبة المؤلمة". وأضاف: "غالبًا ما يدفع مركب النرجسية والتحامل العنصري في إسرائيل إلى هذا النوع من السخرية القصوى"، مشيرًا إلى المفارقة المحزنة في حضور هرتسوغ. وما ينبغي أن يثير القلق أكثر لدى الروانديين هو الشكوك حول احتمال تورط إسرائيل في تلك الإبادة. فعندما طلب الباحث الإسرائيلي يائير أورون من وزارة الدفاع الكشف عن أي صادرات الأسلحة المحتملة إلى رواندا خلال ذروة الحرب، رفضت الوزارة، مدّعية أن الكشف قد يضر بـ"علاقاتها الخارجية" و"أمنها". وكان الرد السليم يجب أن يكون: "تفضلوا، ليس لدينا ما نخفيه".
إن ادعاء نيغوسي بأن يوسف يجهل تاريخ الشعبين الرواندي واليهودي يُخفي حقيقة أنه هو نفسه لا يدرك عمق التضامن الأفريقي التاريخي مع الفلسطينيين خلال نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن طرده من هذه المناسبة لم يكن سوى تجلٍّ جديد لهذا التضامن المستمر.
لقد رحّبت حركة حماس بطرد السفير الإسرائيلي، واعتبرته "موقفًا شجاعًا" ينسجم مع "القيم والمبادئ، ومع المواقف التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية، ونضال شعبنا ضد الاستعمار الصهيوني". ومن اللافت أن تركّز الحركة على الخلفية التاريخية لهذا التضامن الأفريقي مع فلسطين، وهو ما يغفل عنه نيغوسي حين يتهم يوسف بالجهل التاريخي، رغم أن طرده كان جزءًا من مسار واضح من الدعم الأفريقي للفلسطينيين.
دُعي رئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمد اشتية، خلال القمة السابع والثلاثين للاتحاد الأفريقي العام الماضي، لإلقاء كلمة أمام مندوبي الدول الأفريقية، إلى جانب موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد آنذاك. وقد دعا اشتية إلى أن "يرتفع صوت أفريقيا وصوت اتحادها عاليًا من أجل حرية فلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره"، فيما أكد فقي "تضامنه الكامل" والتزام القارة "الراسخ" بحرية الشعب الفلسطيني الكاملة، وقوبل كلامه بتصفيق متكرر وطويل.
في عام 2023، أي قبل عام من ذلك، تم طرد الدبلوماسية الإسرائيلية شارون بار-لي من فعالية للاتحاد الأفريقي بعد حضورها مناسبة لم تكن مدعوّة إليها أصلاً. وأوضح رئيس الاتحاد آنذاك، موسى فقي محمد، أن القرار جاء لأن وضع إسرائيل كمراقب في الاتحاد كان معلقا. واحتجّت بار-لي لاحقًا، مدعية أن طردها جاء نتيجة اعتراضات من جنوب أفريقيا والجزائر، اللتين عارضتا بشدة وجودها. لكنها، مثل زميلها نيغوسي، تجاهلت قوة حضور القضية الفلسطينية في الوعي الأفريقي، وهو ما يتضح من نظرة سريعة إلى الدول الأفريقية التي تعترف بدولة فلسطين. فعدا استثناءات قليلة، تُعدّ إسرائيل دولة منبوذة في القارة. وقد وصف الباحث في السياسة الخارجية الإسرائيلية زاك ليفي هذا العزل بمصطلح "النبذ الكامل".
لم تكن سمعة إسرائيل في أفريقيا دائمًا بهذا السوء. فقد كان كثير من أوائل الصهاينة يرون رابطًا بين مصير أفريقيا ومصير اليهود. وقد كتب تيودور هرتزل – الذي يُعد بمثابة مؤسس الصهيونية كما يُعد الكولونيل ساندرز مؤسسًا لـ KFC – في كتيّبه الشهير "الدولة اليهودية": "لقد شهدت خلاص الشعب اليهودي، وأتمنى أيضًا أن أُسهم في خلاص الشعوب الأفريقية".
كما أن غولدا مائير، وزيرة الخارجية الإسرائيلية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت تؤمن بأن "اليهود يشتركون مع الشعوب الأفريقية في ذاكرة معاناة طويلة على مرّ القرون"، وأنه بالنسبة لليهود والأفارقة "فإن كلمات مثل التمييز والاضطهاد والعبودية ليست مجرد شعارات... بل هي إشارات إلى العذاب والمهانة التي عايشناها في الماضي والحاضر". ولم يكن هذا الرابط مجرد وهم إسرائيلي، بل بلغ أقوى تجلياته في وجود الجالية اليهودية الإثيوبية، التي لم تُضطهد بنفس الطريقة التي تعرض لها يهود أوروبا، لكنها بقيت مهمّشة في المجتمع الإثيوبي.
في أعقاب زيارة إلى غزة، قال مالكوم إكس إن إسرائيل كانت تحاول بمهارة استغلال التخلف النسبي في العالم العربي لحثّ الأفارقة على الابتعاد عن العرب، واللجوء إلى الإسرائيليين من أجل الحصول على التعليم والمساعدة التقنية، وهو ما اعتبره محاولة لتقويض التضامن الأفريقي مع فلسطين.
لقد انخرطت تل أبيب بأنشطة مكثّفة مع نظرائها في أفريقيا، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث أرسلت تقنيين وأطباء ومهندسين ومعلمين إلى عدد من الدول حديثة الاستقلال، من بينها غانا ونيجيريا وسيراليون.
بعد زيارة إلى غزة في عام 1967، قال مالكوم إكس إن إسرائيل كانت تحاول "بشكل غير مباشر" استغلال تخلف العالم العربي لجذب الأفارقة نحوها، بعيدًا عن العرب، للحصول على الخبرات والمساعدات، في محاولة منها لإضعاف التضامن الأفريقي مع فلسطين.
لقد وصفت مجلة نيوزويك الأمريكية هذه العلاقة الناشئة بين إسرائيل والدول الأفريقية بأنها "واحدة من أغرب التحالفات غير الرسمية في العالم". وقال أحد مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلية للباحث صامويل ديكالو، في مقابلة ضمن كتابه إسرائيل وأفريقيا: أربعون عامًا، إن أفريقيا كانت بمثابة "ساحة معركة بين إسرائيل والعرب"، مضيفًا: "إنها معركة حياة أو موت بالنسبة لنا".
بدأت إسرائيل، منذ عام 1973، تخسر مواقعها الدبلوماسية في أفريقيا نتيجة الهجوم الدبلوماسي الكثيف من قبل مصر والسعودية، اللتين أقنعتا العواصم الأفريقية بأن إسرائيل تمثل نظامًا عدوانيًا يحتل أرضًا أفريقية بعد استيلائه على سيناء من مصر في عام 1967. وشكّلت حرب أكتوبر/تشرين الأول لحظة فاصلة بالنسبة للدول الأفريقية بين الاصطفاف مع العرب أو ضدهم. وفي ذلك العام، قطعت دول مثل النيجر وتشاد ومالي والكونغو علاقاتها مع إسرائيل تضامنًا مع مصر، وربما أيضًا خشية من حظر النفط الذي لوّح به الملك فيصل ضد الدول المؤيدة لإسرائيل خلال الحرب.
كان عيدي أمين، الذي قطع العلاقات مع إسرائيل في عام 1972، يستعد لتولي رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1975، خلفًا للرئيس الصومالي سياد بري، في قمة عُقدت في كمبالا بأوغندا. وكان ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني، ضيفًا خاصًا على تلك القمة، حيث ألقى خطابًا أمام الوفود الأفريقية لأول مرة، وهو يحمل مسدسًا على خصره متلفحا كوفيته الفلسطينية. قال عرفات آنذاك: "نحن واثقون من نصرنا في نهاية المطاف. فأفريقيا رمز للمستقبل، وأفريقيا تقف إلى جانبنا".
وُضعت "اللاءات الثلاث" الشهيرة التي أقرتها جامعة الدول العربية – "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني" – في الخرطوم، وهي مدينة أفريقية محورية. وكان شفيق الحوت، أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، حاضرًا في تلك القمة. وعلى الرغم من أنه كتب لاحقًا في مذكراته"عشرون عاما في منظمة التحرير" أنه لم ينبهر كثيرًا بما تم الاتفاق عليه أو بمواقف نظرائه العرب، إلا أنه استذكر أن "الشيء الوحيد الذي أنقذني من اليأس الكامل كان الهتافات المدوية للجماهير السودانية التي جاءت إلى الخرطوم من كل أنحاء البلاد لاستقبال القادة العرب، وتحفيزهم على الصمود والثأر للهزيمة 6719.
بيد أنَّ التضامن بين أفريقيا وفلسطين لم يكن يومًا ذا اتجاه واحد، فبعد قمة منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1975، شارك مقاتلون فلسطينيون في هجوم تمثيلي نظمه عيدي أمين على مدينة كيب تاون، التي كانت آنذاك تحت حكم الفصل العنصري. وحضر في هذا التمرين كل من جعفر النميري، رئيس السودان، وسياد بري، ودانيال آراب موي من كينيا، ومختار ولد داداه، رئيس موريتانيا آنذاك. وكان الهدف منه إظهار قدرة الأفارقة على الوقوف صفًا واحدًا ضد نظام الفصل العنصري، مع سعي الفلسطينيين إلى إثبات حضورهم في هذا التضامن.
كان نيلسون مانديلا، الذي وصف عرفات ذات مرة بأنه "رمز حقيقي"، وغيره من قادة حركات التحرر الأفريقية، ممتنين دائمًا للدعم الذي قدّمه عرفات لهم في نضالهم ضد الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية. وقد قال روني كاسريلز، أحد المقاتلين السياسيين السابقين في جنوب أفريقيا، إن زملاءه الثوار كانوا يحملون "عاطفة خاصة" تجاه الشعب الفلسطيني، وأنهم تعمّقوا في فهم قضيته من خلال القصائد والقصص والكتب. وأضاف: "حين كنا نتدرّب في الجزائر ومصر والاتحاد السوفيتي، كانت طرقنا تلتقي - وكنا نشعر بالغبطة لمشاركة قصصنا المشتركة".
أعادت حنان جراح، سفيرة فلسطين لدى جنوب أفريقيا، في مقال حديث نشرته صحيفة Mail & Guardian، صدى كلمات نيلسون مانديلا حين قال: "إن حرية القارة لا تكتمل إلا بحرية فلسطين". كتبت جراح أن "الدول الأفريقية اعتبرت النضال الفلسطيني قضية أفريقية"، مضيفة أن الاتحاد الأفريقي كان "من أهم الحلفاء وأشدهم ولاءً لفلسطين في معركتها من أجل الحرية وتقرير المصير".
بالفعل، حتى حين كان عرفات محاصرًا من قِبل القوات الإسرائيلية في رام الله، عام 2002، أثناء الانتفاضة الثانية، أرسل مبعوثه الخاص فاروق قدومي لطلب الدعم من الدول الأفريقية، وكان واثقًا من أن ندائه سيُقابل بترحيب حار. ويمكن قول الكثير عن هذه العلاقة المتشابكة عمقًا، وعن المكانة الخاصة التي منحتها كثير من حركات التحرر الأفريقية للنضال الفلسطيني ضمن مشاريعها الخاصة للتحرر، من الجزائر إلى ناميبيا وموزمبيق. وما يوضحه ذلك بجلاء هو أنه في الوقت الذي رأى فيه قادة إسرائيل الأوائل تشابهًا بين نضالهم ضد العنصرية في أوروبا ونضال الأفارقة، فإن الأفارقة رأوا في التجربة الفلسطينية صدى أقرب لنضالهم الذاتي. وقد تعزّز هذا الاتجاه بشكل أكبر، خصوصًا في ظل التدمير الشامل الذي تشهده غزة اليوم على يد إسرائيل.
كتبت جراح أن "الدول الأفريقية اعتبرت النضال الفلسطيني قضية أفريقية"، مضيفة أن الاتحاد الأفريقي كان "من أهم الحلفاء وأشدهم ولاءً لفلسطين في معركتها من أجل الحرية وتقرير المصير".
لم يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتظاهر بوجود ما يمكن كسبه، بل انخرط علنًا في تجنيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمساعدة في تهجير سكان غزة نحو دول أفريقية مختارة. واللافت أن هذا الإطار كان أصلًا جزءًا من العلاقة الإسرائيلية مع رواندا، التي أصبحت وجهة للمهاجرين الذين سعت إسرائيل إلى ترحيلهم مقابل تعويضات مالية. وقد فشل هذا المخطط حينها، كما أن البرنامج الجديد لإسرائيل الهادف إلى التطهير العرقي لسكان غزة يلقى رفضًا صارمًا من دول أفريقية ترفض المشاركة في مثل هذا الفعل البغيض.
حتى تاريخ 12 أبريل/ نيسان، قُتل أكثر من 50000 فلسطيني في غزة، وتعرّض تقريبًا كامل سكان القطاع المحاصر للتهجير القسري. وتحقق محكمة العدل الدولية في قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل رفعتها جنوب أفريقيا، وتحظى الآن بدعم كل من مصر وناميبيا. كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. ويُشار إلى أن رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي، محمود يوسف، الذي يتوسط في هذا النزاع، انتُخب جزئيًا بسبب موقفه الأكثر صرامة ومبدئية تجاه إسرائيل مقارنةً بمنافسه رايلا أودينغا، بحسب مجلة "The Africa Report".
كل هذا يدل على أن خيط التضامن العميق الذي يربط فلسطين بأفريقيا لا يزال متينًا. ويجب النظر إلى طرد السفير الإسرائيلي أفرهام نيغوسي في هذا السياق، لا كاستهداف شخصي له. يدّعي نيغوسي أن الاتحاد الأفريقي أساء فهم معنى المناسبة التي طُرد منها، ويقول إن "عناصر معادية لإسرائيل" أُدخلت إلى الفعالية. لكنه، رغم أنه وُلد في القارة الأفريقية، هو من فقد صلته بالواقع، ولم يعد يدرك مدى فداحة أن يمثل رجلٌ دولةَ فصلٍ عنصريٍّ في فعالية تُحيي ذكرى إبادة جماعية ارتُكبت على أرض أفريقيا؛ هذا بينما ترتكب دولته واحدة أخرى في هذا العصر.