الأربعاء 19 نوفمبر 2025
كشف موقع «أفريقيا إنتليجنس»أن مسارًا لوقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، أشرف عليه مسعد بولس مستشار إدارة ترامب في أفريقيا عبر قنوات اتصال متعددة، بدأ بإشارات إيجابية ثم انهار خلال أيام، بينما كانت معركة الفاشر تغيّر قواعد اللعبة على الأرض وتعيد ترتيب حسابات الطرفين.
بالتوازي مع المساعي السياسية، أعلنت «الدعم السريع» يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول السيطرة على مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة في الفاشر -آخر معاقل الجيش في دارفور-، ونشرت مقاطع تُظهر مقاتلين أمام لافتات القاعدة العسكرية. وأكّدت تقارير لاحقة أن السيطرة على المدينة بأكملها ما زالت رهينة التطورات الميدانية، وتعذّر التحقّق المستقل في ظل انقطاعات الاتصالات، فيما اعتبر محللون أن سقوط الفاشر سيُرسّخ تقسيمًا بالأمر الواقع بين غربٍ تديره قوات «الدعم السريع» وشرق/وسط تحت سيطرة الجيش.
دبلوماسيًا، كانت واشنطن قد حرّكت مع القاهرة والرياض وأبوظبي إطارًا رباعيًا، تُوّج في سبتمبر/أيلول ببيان مشترك وخطوة لتشكيل لجنة تشغيلية مشتركة لتنسيق الأولويات العاجلة نحو هدنة إنسانية فورية، تقود إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار وانتقالٍ مدني. غير أن تزامن سير الوساطة مع تحوّل ميزان القوى في الفاشر قلّص حوافز الاستجابة السريعة لدى الطرف المتقدّم، وأضعف استعداد الطرف الآخر لتقديم تنازلات، وهو ما انعكس على فرص تثبيت هدنة أولية قصيرة.
على المستوى الحقوقي والإنساني؛ حذّر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان من تقارير مروّعة عن إعدامات ميدانية وانتهاكات خطيرة ارتكبتها قوات «الدعم السريع» أثناء القتال في الفاشر، مع مؤشرات على دوافع ذات طابع عِرقي. ونقلت تغطيات ميدانية شهادات لناجين تحدّثوا عن جثث في الشوارع، ورحلات فرار قسرية طويلة وسط نقصٍ حاد في الغذاء والرعاية. كما دعت منظمات إلى فتح ممرات آمنة وإجلاء المصابين وإتاحة الوصول المنتظم للمساعدات، مؤكدة أن أي تغيير في خرائط السيطرة لن يبدّد المخاطر ما لم تُقترن بخطة حماية واضحة.
داخل واشنطن، تصاعدت الضغوط على الإدارة الأميركية بعد معركة الفاشر؛ إذ طالب مشرّعون من الحزبين بتصنيف «الدعم السريع» في قائمة "منظمة إرهابية أجنبية" ((FTO، معتبرين أن نمط الانتهاكات يرتقي إلى جرائم إبادة. ويرى داعمو الخطوة أن الإدراج سيجرّم الدعم المادي للحركة، ويشدد الخناق المالي والدبلوماسي عليها، فيما يحذّر مراقبون من أن الإجراءات العقابية، على أهميتها، لا تغني عن حزمة إنسانية ملزمة وتفاهمات ميدانية تمنع تجدد الانتهاكات.
قراءة المشهد السياسي تُظهر قاعدة مألوفة في حروب المدن: كل مترٍ يُنتزع يرفع كلفة التراجع، ويقلّل شهية المنتصر لوقف النار. ومع انتقال مركز الثقل إلى دارفور، وتداخل خطوط الإمداد والذهب والحدود التشادية في حسابات «الدعم السريع»، تبدو هدنة بلا سند ميداني أقرب إلى عنوان حسن النيّة منها إلى اتفاق قابل للتنفيذ. ويخلص مراقبون إلى أن أي مسار جديد يحتاج ثلاثة أركان متزامنة: تثبيت حماية المدنيين وممرات آمنة مُراقَبة، ومراقبة وقف نار بآليات تحقق مستقلة، وضبط خطوط الإمداد الخارجية التي تُغذي الصراع، وإلا ستتكرر دورة الوساطات القصيرة التي تسقط عند أول تغيرات في الميدان.