تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

السودان.. الاتجاه غرباً مناورة سياسية أم ضرورة للاستقرار

6 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

تحاول الحكومة السودانية جاهدةً القيام بمسؤولياتها السياسية والأمنية للحفاظ على الدولة، بعد ما أصابها من تعثرٍ بسبب الحرب الدائرة في السودان، منذ ما يقارب العامين. وأبرز هذه المحاولات رسم سياسة خارجية معتدلة للبلد المأزوم؛ تعمل على تحقيق مصالحه، وتخفيف آثار الحرب الكارثية عليه، فضلاً عن تجفيف منابع وموارد التمرد العسكرية والبشرية. 

تأتي جولة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، في بعض بلدان الغرب الأفريقي التي جرت منتصف الشهر الماضي، في هذا السياق، حيث يرتقب أن ترتب بالضرورة لأوضاع جديدة في العلاقات السودانية الأفريقية.

وقد شملت الجولة كلا من مالي وسيراليون وبوركينا فاسو والسنغال وموريتانيا، وبعض هذه العواصم لها مواقف متباينة تجاه الولاء للغرب، وفرنسا على وجه التحديد، سيما وأن الأخيرة متهمةٌ بمحاولة تحويل السودان إلى محرقة للقبائل العربية في غرب أفريقيا. 

من المعلوم أن مليشيا الدعم السريع قد استعانت بمرتزقة من بعض تلك الدول، وهو أحد العوامل التي بسببها صعُب على الجيش السوداني حسم المعركة، في أشهرها الأولى. فسلاسل توريد هؤلاء المرتزقة لم تنقطع، بل ظلت عاملاً ضاغطاً في المعركة، خاصةً وأن دوافعهم لم تكن الغنيمة فقط، بل العرق والانتماء القبلي. 

انتبهت الحكومة السودانية لخطورة الأمر، فأرسلت الوفود والمبعوثين إلى تلك الدول لإيقاف المد الكبير، لكنها لم تنجح بشكلٍ كامل لعدة أسباب، من بينها ضعف سيطرة الحكومات وهشاشة الأوضاع السياسية. 

الدواعي والمآلات 

لم يجد السودان الدعم الكافي والمأمول من الدول العربية التي طالما وقف بجانبها، وذلك لاعتبارات سياسية وتضارب في المصالح بين هذه الدول. بل إن بعضها، والقصد هنا دولة الإمارات، قام بتقديم الدعم اللوجيستي والعسكري والسياسي لمليشيا الدعم السريع، التي مارست انتهاكات صارخة ضد المدنيين. كما قامت بتدمير البنية التحتية، وتشريد السكان وطردهم من منازلهم وقراهم، مما حدا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على المليشيا، لارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج للمدنيين، في ولايات الجزيرة وغرب دارفور وغيرها من ولايات السودان التي كانت ترزح تحت سيطرة الدعم السريع بعد الحرب. 

اكتفت دول عربية أخرى في مقدمتها المملكة العربية السعودية بخيار التفاوض، عبر إقامة منبر جدة في مايو/آيار 2023 بهدف إنهاء الحرب. إلا أنه فشل، وتم تعليق التفاوض بين الطرفين، بسبب عدم إلتزام الدعم السريع بما تم التوصل إليه من إتفاق، يقضي بخروج المليشيا من بيوت المواطنين والأعيان المدنية والتجمع في معسكرات محددة، وهو ما تتمسك به الحكومة السودانية شرطا يعيدها إلى طاولة التفاوض مرة أخرى.

تُعتبر هذه الجولة تغييراً في السياسة الخارجية السودانية التي ركزت لعقود طويلة على تعزيز العلاقات مع الدول العربية، على حساب علاقاتها الثنائية مع دول أفريقيا بشكلٍ عام. ومن المهم الإشارة إلى أن السودان هو أحد المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، ولعب دوراً كبيراً في دعم حركات التحرر في الدول الأفريقية خلال عقد الستينيات، إلا أنه لم يستثمر هذا الأمر لدعم علاقاته السياسية والاقتصادية مع دول أفريقيا بالشكل المُرضي الذي يحقق مصلحة البلاد العليا. لذا، يمكن القول أن جولة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في غرب أفريقيا بمثابة بداية جديدة في ملف العلاقات السودانية الأفريقية، ستنعكس إيجاباً على مجريات الأزمة في السودان. 

ملفات سياسية وأمنية مشتركة 

 هنالك العديد من الملفات المهمة التي تجمع السودان بدول غرب أفريقيا بشكلٍ عام، أبرزها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر. والسودان له خبرة طويلة في هذا الصدد استثمرها سابقاً، عبر عمل تعاون بناء مع الاتحاد الأوروبي في العشرية الثانية من هذا القرن.

 وقد كان الدعم السريع جزء من هذا العمل، لمسؤوليته في ذلك الوقت عن حماية بعض الحدود السودانية في المنطقة الشرقية والشمالية الغربية بشكلٍ جزئي. وقد موّل الاتحاد الأوروبي بعض المشروعات، بعد أن أقرت الحكومة خطة العمل الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر(2020 – 2022). 

سبقتها العديد من السياسات والجهود الرامية لحفظ الحدود، والقبض على المهربين والمجرمين، مما أسهم في الحد من الجريمة العابرة للقارات التي عززتها الظروف والتغيرات الإقليمية الكبيرة، في كلٍ من ليبيا ومصر وسوريا وغيرها من دول الربيع العربي.

بالرغم من كثرة الملفات ذات الاهتمام المشترك بين السودان والدول التي شملتها جولة الفريق البرهان، لكن يبدو أنها ركزت على الجوانب الأمنية والعسكرية بين السودان وهذه الدول، خاصةً وأن قائد مليشيا الدعم السريع عزز من علاقاته مع بعض دول الغرب الأفريقي التي قدمت له الدعم غير المباشر، في محاولته الاستيلاء على السلطة، بإبتداره الحرب في السودان في أبريل/نسيان عام 2023.

ولعدم الاستقرار السياسي في هذه الدول والتحديات الأمنية التي تُعاني منها، جاءت الزيارة لتؤكد خطورة المليشيات على أمن وإستقرار الدول، بما يعمل على زعزعة الأمن والسلم الإقليمي والدولي. فضلاً عن التذكير بأن مليشيا الدعم السريع متى نجحت في تقويض الوضع في السودان، فحتما ستتمدد لتشمل دولاً أخرى في الإقليم، فهي لا تعبر عن وجهة نظر قومية بل تعمل على تحقيق أهداف داعميها ومموليها الإقليميين والدوليين، مما يهدد بقاء الدول وإستمرار وحدتها.

روسيا على الخط وتحالف محتمل ضد الإرهاب

من الملاحظ أن هذه الدول بما فيها السودان، تربطها علاقات جيدة مع روسيا. فمن الأهمية بمكان وجود حليف قوي خارجي، يدعم تطوير هذه العلاقات لوجود عوامل التعاون المشترك في مختلف المجالات بين الأطراف. وبالرغم من أن التوجه السوداني الجديد قد لا يُعجب المعسكر الغربي، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، إلا أن الأوضاع الملحة والمعقدة على الأرض، جعلته أمراً لا يمكن التغاضي عنه، بعد الخذلان الكبير الذي وجده السودان في أزمته الحالية. 

يزيد وجود روسيا كعامل ربط مشترك من فرص تعزيز العلاقات الثنائية بين السودان ودول غرب أفريقيا اقتصادياً وسياسياً، وأمنياً بصفةٍ خاصة، بعد أن شاهدت هذه الدول ما يجري في السودان، بسبب تمرد الدعم السريع، وما آلت إليه الأوضاع من تدهورٍ مريع في الأمن والاستقرار، بما يهدد الإقليم بصورةٍ كبيرة.

ظل الإرهاب تحديا كبيرا وملفا معقدا أمام دول الساحل الأفريقي، وهو أمر مؤرق للسودان الذي يخشى أن يتحول مسار الحرب إلى إقرار واقع شبيه بما يجري في ليبيا واليمن في أفضل الظروف. وبالتالي، فإن تعزيز العلاقات مع دول مثل مالي وبوركينا فاسو وغيرها من الدول التي عانت من تفشي ظاهرة التنظيمات المتطرفة، يُعتبر أمراً مهماً للغاية. 

ربما تسعى الخرطوم لخلق تحالف مستقبلي مع هذه الدول، بما يعمل على مكافحة الإرهاب بشكلٍ أشمل، وتسريع وتيرة إنهاء الحرب، بتجفيف منابع المرتزقة، ومراكز التزويد بالدعم اللوجيستي البعيدة نسبياً.

العودة للإتحاد الأفريقي هدف آخر

بعد الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، تم تجميد عضوية السودان في الإتحاد الأفريقي استناداً على تقييم ما تم بأنه انقلاب عسكري. ومنذ ذلك الحين، والسودان يحاول فك تجميد عضويته الذي فسر بأنه قرار ظالم وخاطئ . سيما وأن الحكومة القائمة حينها لم تكن منتخبة، بل أتت بها وثيقة دستورية، توَافق عليها الجيش والقوى المدنية بعد سقوط نظام البشير في أبريل/ نيسان 2019، ولم يُستفتى عليها الشعب. 

يرغب السودان، من خلال جولة الفريق البرهان، في حشد الدعم لعودته المنتظرة من قبل دول لها تأثيرها وصوتها المسموع في أضابير المنظمة الأفريقية، وتعرضت لمشكلات داخل الإتحاد.

يظل هذا الهدف بعيد المنال في الوقت الحالي، ويحتاج لأن تبذل الحكومة السودانية المزيدٍ من الجهود. خاصةً وأن هنالك دول أكثر تأثيراً تتبنى مواقف عدائية من السودان، وتنحاز لصف مليشيا الدعم السريع، وتساعدها في حربها ضد الدولة السودانية. 

تأتي كينيا وإثيوبيا حلفاء التمرد في مقدمة هذه الدول، وبسبب انحيازها الواضح ومواقفها العدائية جمد السودان عضويته في الهيئة الحكومية للتنمية المعروفة إختصاراً بإيقاد. وقد ابتدر السودان هذه الجهود بزيارة وزير خارجيته علي يوسف إلى نيروبي في 24 يناير/ كانون الثاني، وعقده لقاءات مع نظيره الكيني والرئيس ويليام روتو، تناولت الانشغالات والتحفظات السودانية ومطلوبات العلاقات الثنائية بين البلدين.

نخلص إلى أن التوجه السوداني الجديد هو تغيير مطلوب في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد، والتي فرضتها الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان، نتيجة تمرد قوات الدعم السريع، وانعكاسات الحرب الأمنية والسياسية على استقرار البلاد. على إثر التطورات المتسارعة في الحرب في السودان خلال الشهر الماضي، والتي تُوجت بفك الحصار المطبق على مقر القيادة العامة للجيش السوداني، نجد أن الحكومة السودانية تمضي في خطىً ثابتة نحو بناء الدولة، واعتماد تعدد المحاور كأحد أوجه السياسة البراغماتية التي تنطلق من المصالح العليا للدولة. وهو مبدأ طالما دعا مفكرون وسياسيون سودانيون لتبنيه، في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها الساحتين الإقليمية والدولية.