تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 9 يوليو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي
العنوان

السنغال: ريادة ديمقراطية تغدي الطموح لقيادة إقليمية

8 يونيو, 2025
الصورة
السنغال: ريادة ديمقراطية تغدي الطموح لقيادة إقليمية
Share

تعمل السنغال بقيادة الثنائي باسيرو ديوماي فاي وعثمان سونكو على تدشين دبلوماسية جديدة قوامها التحرك، على مختلف الجبهات والأصعدة، بحثا عن الريادة السياسية في منطقة غرب أفريقيا، فالناظر في التحركات الخارجية لحكام داكار الجدد يقف على رغبة قوية، وإن بدت كامنة، لدى النظام هناك على تسويق نفسه قبلة تقصد لدى أي حديث بشأن قضايا وأزمات منطقة غرب أفريقيا والساحل، مستندا في هذا ذلك على تراكم جملة من العوامل منها الداخلية والإقليمية وحتى الدولية. 

يتبادل زعيما حزب باستيف (الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة) الأدوار مستثمرين في ذلك موجة السخط الشعبي حيال الدول الاستعمارية، في مسعى منهما للبحث عن أدوار كبرى للسنغال في الغرب الأفريقي، تتجاوز الوظيفة التقليدية تحت العباءة الفرنسية التي حولت البلد إلى مجرد قفازات في يد باريس، تحركها كما تشاء دفاعا عن مصالحها في عموم أفريقيا. 

طموح كبير دونه عقبات كبرى بالنسبة لقيادة شابة حديثة العهد بتعقيدات وألاعيب السياسة، فعمر الحزب الحاكم في السنغال لا يتعدى عشر سنوات (2014). لكن المؤشرات المتوالية تظهر أن بديهة القادة الجدد يقظة، من خلال مواقف وتصريحات تكشف عن نباهة في التعامل مع التقلبات الدبلوماسية بمنطقة الغرب الأفريقي. 

حركية دبلوماسية متنامية

أواخر شهر مايو/ آيار قام الرئيس باسيرو فاي بزيارة دولة إلى غينيا بيساو، دولة الجوار المباشرة لبلاده، في خطوة واضحة من داكار لحماية وتعزيز الأمن الإقليمي. لا سيما بعد مساهمتها شهر فبراير/ شباط الماضي في تثبيته، بقيادة الرئيس عمر سيسوكو إمبالو، برعايته جهود الوساطة لتوقيع اتفاق ينزع فتيل صراع بدأ منذ عام 1982، بين الحكومة وحركة القوى الديمقراطية، في منطقة كازامانس (15٪ من مساحة البلاد). 

للاقتصاد نصيب في الزيارة، فالأخبار هناك تتحدث عن رغبة سنغالية قوية في تأهيل الطريق بين زيغينشور وبيساو ليصبح طريقا استراتيجيا بالمنطقة، وذلك من خلال ربطه ثلاث عواصم أفريقية؛ بيساو وداكار وبانجول، من أجل تعزيز الشراكة الاقتصادية بين دول المنطقة. 

من جهته، قاد رئيس الوزراء عثمان سونكو جولة دبلوماسية، بعد ثلاثة أيام من زيارة الرئيس، شملت كل من ساحل العاجل وسيراليون وغينيا كوناكري، في إشارة واضحة إلى تحرك سنغالي بحثا عن كافة السبل لتعزيز موقعه في الإقليم. فالرجل تحدث بوضوح رغبة قوية نخو تكامل اقتصادي إقليمي يراود حكام السنغال، قائلا: "تخيلوا ما يمكننا إنجازه من خلال الجمع بين الغاز السنغالي وبوكسيت غينيا أو حديد سيراليون. يمكننا تحقيق إنجازات غير عادية". 

هذه التحركات محاولة سنغالية لمسايرة المقاربة الأمريكية الجديدة في أفريقيا، الرامية إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الأمريكية على ضوء الرحيل الأوروبي عن القارة الأفريقية 

سبقت تلك الجولة زيارة رفيعة المستوى إلى بوركينافاسو في 16 مايو/ آيار الماضي، حيث رئيس الوزراء بالرئيس الانتقالي إبراهيما تراوري، وشارك بمعيته في مراسيم افتتاح ضريح الرئيس الأسبق توماس سانكارا. كان تصريحات عثمان سونكو على هامش الزيارة مثيرة للغاية، إذ عبّر عن أسفه لانسحاب ثلاثي تحالف الساحل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، كما اتهم بلا تردد أو مواربة تكتل الإيكواس بازدواجية المعايير، بسبب موقفها من الانقلابات العسكرية التي شهدتها بوركينافاسو ومالي والنيجر. 

حمل هذا التصريح من واغادوغو رسائل عديدة ليس إلى بوركينافاسو فقط، بل إلى الأنظمة العسكرية في ثلاثي الساحل، مضمونها أن المعركة من أجل الديمقراطية التي كان سببا في تولي حزب باستيف الحكم في داكار، تبقى شأنا داخليا بامتياز. هكذا تعلن السنغال أنها لا تضع قضية الديمقراطية شرطا لعلاقاتها مع دول الجوار، فهي على استعدادها للتعاون والعمل الجماعي المشترك مع هذه الدول لما فيه صالح شعوب المنطقة. 

اللعب على التناقضات 

يدرك حكام السنغال الجدد أن هذا المسعى مغامرة محفوفة بالمخاطر، فما أكثر المتربصين بالنظام القائم في داكار في الداخل كما في الخارج. لذلك قام الرئيس باسيرو فاي باستثمار موجة العداء ضد فرنسا، ومن خلالها الأحزاب التقليدية الموالية لها، لكسب المزيد من الشرعية في أوساط المجتمع، فتولى بصفة شخصية رعاية أطوار الحوار الوطني حول النظام السياسي الشهر الماضي، بمشاركة ممثلي عن مختلف مكونات المجتمع السنغالي (الأحزاب السياسية والهيئات المدنية والدينية والنسوية والشبابية...)، من أجل التشاور في هيكلة النظام السياسي والانتخابي في السنغال. 

يسعى النظام في دكار بذكاء حذر إلى استغلال حالة الانسحاب الغربي من المنطقة، بعد تطهير عدد من دول من النفوذ الفرنسي، وتقليص التواجد الأمريكي في أخرى (النيجر مثلا)، وما يروج حاليا من تكهنات باقتراب إلغاء أو دمج القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا توفيرا للنفقات، مع حديث قادة عسكريين أمريكيين في الآونة الأخيرة، آخرهم قائد أفريكوم مايكل لانجلي، عن ضرورة استعداد أفريقيا لتحمل مسؤوليات أكبر في مواجهة التحديات الأمنية. 

تعلن السنغال أنها لا تضع قضية الديمقراطية شرطا لعلاقاتها مع دول الجوار، فهي على استعدادها للتعاون والعمل الجماعي المشترك مع هذه الدول لما فيه صالح شعوب المنطقة 

 ما جعله يتحرك بهدوء في كافة الاتجاهات محافظا على حبل الود مع كافة الأحلاف المتصارعة بالمنطقة، فكونه عضوا رئيسيا في تجمع الإيكواس (المعسكر التقليدي)، وأحد الرعاة الأساسيين لمبادرة الوساطة بين التكتل والثلاث المنسحب منه، لم يحل دون انتقاده غير ما مرة لسياسات الإيكواس، لا سيما ما يتعلق بتدبير ملف خروج الدول الثلاث. كما تعمل في الوقت ذاته على التقارب قدر الممكن مع كونفدرالية الساحل، بالرغم من اتجاهها نحو موسكو، فهناك قواسم مشتركة بينهما لعل أبرزها السعي نحو اتحاد اقتصادي بعملة جديدة، يحرر الدول من استعمار الفرنك الأفريقي الفرنسي. 

رأى مراقبون في هذه التحركات محاولة سنغالية لمسايرة المقاربة الأمريكية الجديدة في أفريقيا، الرامية إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الأمريكية على ضوء الرحيل الأوروبي عن القارة الأفريقية. فالأمريكيون يعتبرون أنفسهم غير معنيين بمشاعر العداء وحساسية الأفارقة تجاه الأوروبيين، ما دفعهم إلى تبني استراتيجية جديدة تمكنهم من العودة إلى دول القارة من خلال حلفائها هناك. وحاليا تصنف داكار شريكا إقليميا رئيسيا لواشنطن في المنطقة في الملفات الأمنية والاقتصادية، ما يجعلها بمعية رواندا في الشرق أبرز المرشحين للانخراط في التوجه الأمريكي الجديد. 

 يظهر أن ثنائي فاي وسونكو يضبطان بوصلة الدبلوماسية السنغالية على نهج براغماتي صرف، فالوفاء المطلق للديمقراطية لدرجة دخولهم السجن من أجلها لم يدفعهم إلى جعل تصديرها نحو دول المنطقة هدفا في أجندة النظام الحاكم في داكار، لأنها تبقى بحسب القائدين مسألة داخلية بالأساس بين الشعب ومن يتولى الحكم. مقابل ذلك يحرصان تفادي القطيعة بالإعلان عن تغليب سياسة التضامن الأفريقي، بالتعاون الاقتصادي والأمني، والبحث عن مساحة للعمل الجماعي المشترك مع كافة الدول لما فيه صالح المنطقة برمتها، على غرار ما حدث في بواكير تجربة الاتحاد الأوروبي قبل اشتداد عودها. 

كما تظهر البراغماتية في تفادي السنغال تكرار تجربة نيجيريا، التي صعد وبشدة من تعاطيها مع ظاهرة الانقلابات العسكرية في الغرب الأفريقي، وذلك دفاعا عن تجربتها الديمقراطية الفتية (1993) الممزوجة إلى حد كبير بالطابع العرقي، ما يعد مؤشرا على إمكانية تفجيرها من الداخل في أي لحظة. لذلك كانت في مقدمة المدافعين عن خيار التدخل العسكري، خصوصا في النيجر، لاستعادة النظام المدني الديمقراطي في البلد. كلفها ذلك اليوم عزلة إقليمية من جهة ثلاثي التحالف، تدفع ثمنها غاليا بسبب تمدد الحركات المتطرفة إلى ولاية بورنو على الحدود مع تشاد والنيجر الغرب وأقصى الشمال الغربي، بالرغم من مقوماتها الاقتصادية الكبيرة جدا. 

إن رهان التحول إلى قوة إقليمية أمام دول ذات ثقل اقتصادي وديمغرافي ليس بالأمر السهل في ظل تعقد المصالح حد التضارب أحيانا، ما يفرض على الحكام في داكار حسابات دقيقة للغاية، فخطاب استعادة السيادة الوطنية الذي كان ثابتا في حملة حزب باستيف يقتضي جعله بوصلة تضبط إيقاع الحكومة السنغالية داخليا وإقليميا ودوليا، فهو سندها الشعبي وأساس مقبولية تحركها محليا وإقليميا، فهل ينجح الجيل الجديد من القادة استثمار كل هذه المتغيرات لصالح الحلم السنغالي؟