تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 9 أكتوبر 2024

رأي

السنغال.. الوفاء للديمقراطية بوصلة توجه الفرقاء السياسيين

18 سبتمبر, 2024
الصورة
Senegal
الرئيس السنغالي المنتخب حديثًا باسيرو ديوماي فاي يظهر بعد أداء اليمين أمام المجلس الدستوري بعد حفل أداء اليمين كرئيس جديد للسنغال في داكار، السنغال في 02 أبريل 2024.(تصوير النشرة/ الأناضول عبر غيتي إيماجز)
Share

تعرض ربيع السنغال لأولى العواصف التي هبت على واحة الديمقراطية في غرب افريقيا، بعد اصطدام سفينة الرئيس السنغالي باسير ديوماي فاي، في 2 سبتمبر/ أيلول الجاري، بصخرة البرلمان؛ الجمعية الوطنية السنغالية التي رفضت التعديلات الدستورية الجزئية التي تقدم بها الرئيس، بهدف إلغاء مؤسستين دستوريتين هما: "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" و"المجلس الأعلى للجماعات المحلية"، وذلك قصد توفير 15 مليار فرنك إفريقي، أي ما يزيد عن 25 مليون دولار. 

لا تأثير لهذه الأرقام في قرار ممثلي الأمة الذين قرروا رفض المشروع ب 83 صوتا ضده مقابل 80 صوتا معه، فيما يحتاج إقرار التعديل الدستوري إلى 99 صوتا. هكذا وجد زعيما حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" (باستيف)؛ الرئيس باسير فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو، نفسيهما بدون أغلبية داخل البرلمان، ما يجعل الوعود والبرنامج الانتخابي في مهب، كما يؤشر على تقلبات سياسية جديدة، تحول دون بلوغ البلد مرحلة انسداد الأفق. 

وجد الرئيس الشاب نفسه بعد أقل من ستة أشهر في الحكم، وسط عواصف متلاحقة، ما دفع الرئاسة إلى البقاء وفية لخيار التفاعل مع المواطنين، بإصدار بيان رئاسي، بتاريخ 3 سبتمبر/ أيلول، مما جاء فيه أن "رفض البرلمان مشروع القانون القاضي بمراجعة الدستور يؤشر على قطيعة نواب الأغلبية العميقة مع التطلعات الشعبية التي تم التعبير عنها على نطاق واسع خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة". وأضاف البيان في بلغة أشبه باللوم والعتاب للنواب المعارضين بأن "مشروع القانون المتعلق بتنقيح الدستور، تضمن توجيهات رئاسية تتعلق بترشيد الإنفاق العمومي". 

المعارضة تتوحد ضد الرئيس  

رفض التعديلات الدستورية أولى خطوات ائتلاف المعارضة الموسع، الذي يضم نحو 40 حزبا وحركة سياسية، بقيادة حزب "التحالف من أجل الجمهورية" للرئيس السابق ماكي سال، وحزب "ريومي" لإدريس سيكا؛ رئيس الوزراء الأسبق في عهد الرئيس عبد الله واد، تشكَّل في 22 أغسطس/ آب الماضي، تحت اسم "كتلة الليبراليين والديمقراطيين" (تاكو)، باعتباره إطارا تنظيميا ضد النظام الحالي بقيادة الرئيس باسيرو فاي. 

تظهر المعارضة في موقع الماسك بخيوط اللعبة، فخطوة الإعلان عن تشكيل جبهة موحدة للتعبئة السياسية ضد الحكومة، جاءت في خضم عقد البرلمان دورة استثنائية في 13 أغسطس/ آب لمناقشة اللوائح الداخلية للبرلمان، وقبل قرار الرئيس طرح التعديلات الدستورية، كما استبقت أيضا موعد تقديم حكومة الرئيس للسياسة العامة الجديدة، في شهر سبتمبر الجاري، التي تحمل رؤية عامة للسنوات الخمس والعشر القادمة.  

واضح إذن أن المعارضة ترفض الحكم مع الرئيس، وتدفع في المقابل نحو إرغامه على حل البرلمان، بتعاقب انتكاسات الحكومة في داخل المؤسسة التشريعية. ما يعني في نهاية المطاف التوجه نحو انتخابات تشريعية مبكرة، وذلك ما فعلا ما حدث بإعلان الرئيس، في خطاب إلى الأمة، عن تحديد 17 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية، معتبرا أن "التعهد بتعاون صادق مع الأغلبية البرلمانية... كان مجرد وهم". 

كانت خطوة منتظرة بعد إلقاء النرد من تحالف تاكو، الذي يتطلع إلى مرسوم رئاسي يستدعى الناخبين إلى انتخابات تشريعية مبكرة، تجرى في غضون 60 و90 يوما على أبعد تقدير. كما أكد ذلك أحد مؤسسيه، مودي دياني فادا؛ وزير التخطيط والتنمية الترابية الأسبق، بحديثه عن تكتل إيديولوجي مختلف عن النظام الحاكم، يعكس تكتلا انتخابيا مؤثرا في الانتخابات التشريعية المقبلة في الدولة. 

أثار استعجال المعارضة الذهاب إلى الانتخابات التشريعية شكوكا لدى المراقبين، لا سيما أن أشهر الحكومة في السلطة والتدبير بعدد أصابيع اليد الواحد، ما يجعل الأمر أكبر من مجرد اتهامات للنظام الحاكم بالسعي نحو استعباد مقربين من الرئيس السابق ماكي سال، باختياره لهذين المؤسستين دون غيرهما، مثل: الصناديق السياسية لرئيسي الجمهورية والوزراء، هكذا إذن تكون خلفيات الدفع بالتعديل، حسب هؤلاء، سياسية بالأساس.  

الرئيس يراجع تركة النظام القديم 

يربط متابعون تحرك المعارضة بقيادة حزب الرئيس ماكي سال الذي يسعى جاهدا للعودة إلى المشهد السياسي، بعد فشله مساعيه في نيل ولاية رئاسية جديدة عن طريق تطويع نصوص الدستور، بشروع النظام الحاكم في السنغال ببعث رسائل واضحة تفيد رغبته في بسط سيادته على قراره الاقتصادي.  

أعلنت الحكومة السنغالية، في 10 يوليو/ تموز، عن تشكيل تشكيل لجنة من الخبراء، بموجب مرسوم رئاسي يقضي بإنشاء لجنة لدراسة العقود المبرمة في القطاعات الاستراتيجية، قصد مراجعة عقود النفط والغار، والعمل على إعادة توازنها بما يخدم المصلحة الوطنية، وذلك تنفيذا لالتزام انتخابي وعد به الرئيس السنغاليين في حال انتخابه. 

لا ينفصل هذا القرار عن تحول السنغال إلى إحدى الدول المنتجة للنفط والغاز، بعد إعلان شركة "وود سايد إنرجي" عن الشروع في استخراج النفط من حقل سامغومار، بإنتاج يصل إلى 100 ألف برميل يوميا، واحتياطي من الغاز يتراوح ما بين 60 إلى 100 مليون قدم مكعبة. فضلا عن قرب الشروع في استغلال الغاز الطبيعي في حقل "السلحفاة أحميم" المشترك مع موريتانيا، لإنتاج حوالي 2,5 مليون طن من الغاز الطبيعي سنويا، واحتياطيات تقدر بنحو 100 تريليون قدم مكعبة من الغاز، مع قدرة إنتاجية مع انتهاء تطوير الحقل، بحلول عام 2028، تبلغ 3 ملايين طن سنويا. 

تباينت التقديرات حول هذه الخطوة، بين من يعتبرها إعلاء للمصلحة العليا للوطن، خصوصا أن القطاع ثاني مصدر للعملات الأجنبية، ويمثل قرابة 20 ٪ من مجمل صادرات الدولة، على غرار ما يحدث عادة على نطاق عالمي، مثلما هو الحال في أمريكا اللاتينية حيث يتم إعادة التفاوض بشأن عقود التعدين أو النفط على مدى فترة تتراوح بين سنة وثماني سنوات بعد توقيعها، قصد تحقيق التوازن المطلوب للطرفين ما أمكن. 

في المقابل، ينظر آخرون إلى الأمر باعتباره خيارا محفوفة بالمخاطر بالنسبة للسنغال، فقد يفتح جبهة توترات مع المستثمرين الغربيين، ويؤثر على جاذبية البلاد. يعد ماكي سال أبرز هذه الأسماء، إذ سبق له أن اعتبر، في مقابلة صحفية، أن إعادة التفاوض يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد، "يمكن تحسين العقود، لكن بصراحة التفكير في أنه يمكننا تغيير العقود الموقعة بالفعل أمر غير ممكن. سيكون الأمر كارثيا بالنسبة للسنغال". 

وجد مراقبون في هذه المواقف تفسيرا لتحركات المعارضة بقيادة الرئيس السابق ماكي سال، الذي يعتبره السنغاليون وكيل فرنسا والشركات الغربية في البلاد، لذلك يحرص على ضمان الحضور في المشهد السياسي من أجل الدفاع عن حماية هؤلاء، وما الإسراع بتأسيس تكتل تاكو سوى قنطرة لتحقيق تلك الغاية.    

سحر الديمقراطية يحمي البلد  

مثَّل غياب أطراف سياسة فاعلية عن هذا الائتلاف، مثل زعيم "الحزب الديمقراطي السنغالي"، كريم واد، نجل الرئيس عبد الله واد، والمرشح الرئاسي الأسبق علي أمادو با الذي تولى عدة حقائب وزارية (الخارجية والاقتصاد والمالية) عقبة أمام التحالف الرامي إلى تكريس الثنائي القاتلة في المشهد السياسي، ما يسهل عملية تأليب الشعب ضد الحكومة في أقرب فرصة انتخابية. 

تعي الحكومة من جهتها خطة المعارضة جيدا، لذلك حافظت على قناة التواصل مع المواطنين لضمان توسيع القاعدة الشعبية، مستغلة الإرث النضالي لرموزها (المتابعة، السجن...)، لا سميا في النصف الثاني من ولاية الرئيس ماكي سال. ناهيك عن تركيزها على خطاب استعادة السيادة المفقودة، باتخاذ خطوات عملية للابتعاد عن عباءة الهيمنة الفرنسية. لا تتردد بالموازاة مع ذلك، في اتهام تكتل المعارضة (تاكو) بالولاء لباريس، مستغلة تواجد حزب الرئيس السابق في الائتلاف، وأدائه الكارثي خصوصا في ولايته الثانية (نسبة الفقر 37٪). 

عزّزت الحكومة المعارك الكبرى بإجراءات عملية تمنحها المصداقية لدى الحاضنة الشعبية، فحروب السياسة مهما كانت ممتعة لا تستهوي كثيرا الفقراء بقدر ما ينتظرون من الزعماء الجدد إجراءات عملية محسوسة، تترك أثرها على حياتهم، وفي واقعهم المعيش. لذلك سارعت الحكومة إلى إطلاق مشروع لمحاربة الفقر، في 25 يونيو/ حزيران الماضي، بدعم مالي من الحكومة الكندية بميزانية بحو 9 مليارات فرنك إفريقي في أربع مناطق (شرق وغرب وجنوب البلاد)، بهدف دعم النساء والشباب وتمكينهم اقتصاديا واجتماعيا. 

ما سبق يعقد من مسألة التوقع بشأن نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، فهجوم المعارضة المتسارع ضد الحكومة قصد الإرباك، لم يكن مدروسا بما في الكافية، بحسب العديد من المراقبين، خصوصا بعد نجاحها في ربط مواقف المعارضة بمساعي النظام الحالي تصفية تركية النظام السابق (مسألة مراجعة العقود)، ما أظهر المعارضة أمام المواطنين بموقع المدافع عن المصالح الأجنبية. 

أيا تكن نتائج اقتراع 17 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تبقى الدرس المستفاد من التجربة السنغالية الفريدة بمنطقة غرب افريقيا الغارقة في دوامة الانقلابات العسكرية، أن الوفاء للديمقراطية كفيل بمعالجة أعطاب الأنظمة ونزوعات الأشخاص الاستبدادية، فالديمقراطية من أوقف ماكي سالي في محطة 24 مارس/ آذار، حين سعى لولاية ثالثة غير دستورية، تعيد اليوم ضبط موازين القوى بين الفريقان في البلد بتقديم رئيس الجمهورية مشروع قانون يرفضه البرلمان، يعقب احتكام إلى صناديق الاقتراع، بإعلان انتخابات سابقة لأوانها، دون الحاجة إلى البندقية أو الدبابة لتغيير تكفيه ورقة في صندوق الاقتراع... إنه سحر الديمقراطية.