تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 28 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

الشعوب الأصلية الأفريقية: من الاعتراف إلى التمكين

20 مارس, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

أثارت الدورة العادية الأخيرة لقمة الاتحاد الأفريقي قضية دفع التعويضات للأفارقة وللأشخاص من أصول أفريقية عن الفترة الاستعمارية والعبودية، فأعادت إلى الواجهة إشكالية تصحيح أخطاء الماضي، وتعويض الشعوب الأفريقية عن السياسات الكولونيالية، ولا يخفي أن تلك السياسات ساهمت في التمييز وإقصاء وتهميش الشعوب الأصلية. فهل يمكن فتح هذه القضايا المنسية، رغم كونها من المواضيع المهمشة أفريقيا، كما لا يزال السكان الأصليون أكثر عرضة للتحديات الكبيرة تواجههم. يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على الشعوب الأصلية الأفريقية، بالتعرض لأوضاعهم والتحديات والإكراهات القانونية والحقوقية التي تهدد مستقبلهم.

الشعوب الأصلية، شعوب منسية

تمثل الشعوب الأصلية أكثر من 6٪ من سكان العالم، أي ما يناهز 476 مليون نسمة، يتوزعون في حوالي 90 دولة ممتدة عبر كل القارات، ينفردون بتقاليدهم ومعتقداتهم وتاريخهم العريق، يعززه إرثهم الثقافي واللغوي المتميز، فهم يتحدثون أكثر من 4000 لغة، وإن كان أغلبها مصنف في خانة المهددة بالانقراض، ويمثلون حوالي 5000 ثقافة منفردة متميزة. 
يرتبط هؤلاء بعلاقة وطيدة بالأراضي والمناطق التي يستوطنونها، فتغطي أراضيهم حوالي 28٪ من سطح الأراضي عالميا، تحتوي على 11٪ من غابات العالم، ينعزلون فيها، غير أنهم يعانون من تحديات اقتلاعهم من مناطقهم، مما يؤثر على نظمهم الاجتماعية والثقافية. 
تحظى القارة السمراء بنصيب أكثر من 50 مليون نسمة يمثلون شعوبا وجماعات أصلية، وغالبا ما تكون هذه الوحدات البشرية بدوية أو صيادين أو رعاة. لكنها تفتقر إلى بيانات مفصلة، ترصد أوضاعهم بدقة، إذ لا تعترف بعض الدول الأفريقية بالأمر بدعوى أن كل سكانها شعوبا أصلية، متهربة من الاعتراف بهم وضمان حقوقهم. يمتدون شمالا، فالأمازيغ يتوزعون بين المغرب والجزائر وتونس، أما الطوارق فيتنقلون بين ليبيا ونيجيريا ومالي، ويمتد شعب الهاوسا بين النيجر ونيجيريا، وتصنف كأكبر مجموعة عرقية في غرب القارة، وعددهم 70 مليون نسمة.
في المرتبة الثانية، تأتي شعوب البانتو كأشهر الشعوب المستقرة بالقارة، ويقدرون بحوالي 30 مليون نسمة، يتفرعون إلى 400 مجموعة عرقية، تمتد من غرب ووسط القارة موطنهم الأصلي بعد سلسة هجرات منذ الآف السنين، نحو الشرق إلى وسط القارة فجنوبها، حيث أسسوا مماليك ومجتمعات مستقلة بالمنطقة. تعد قبائل الزولو أهم امتداداتها بجنوب القارة، وكانوا ضحية لسياسة التفرقة العنصرية بجنوب أفريقيا.


يرتبط هؤلاء بعلاقة وطيدة بالأراضي والمناطق التي يستوطنونها، فتغطي أراضيهم حوالي 28٪ من سطح الأراضي عالميا، تحتوي على 11٪ من غابات العالم، ينعزلون فيها، غير أنهم يعانون من تحديات اقتلاعهم من مناطقهم، مما يؤثر على نظمهم الاجتماعية والثقافية


في شرق القارة، تعتبر قبائل كيكويو الكينية من امتدادات شعب البانتو، تهيمن على الاقتصاد والسياسة في كينيا. ساهمت في مكافحة الاستعمار بنضالاتها الاستثنائية خلال انتفاضة الماوماو، ومنها ينحدر جومو كينياتا أول رئيس للبلد بعد الاستقلال. وإلى جانبها، تمتد قبائل الماساي ببين حدود دولتي كينيا وتنزانيا، وهي قبائل تعتمد على الرعي وتربية الأبقار، وتنفرد بثقافة وأسلوب خاص بها. 
في كينيا دائما، يستوطن شعب الأوجيك بغابة ماو باعتبارها موطنا لهم، غير أنه يعاني من التضييق ومحاولات التهجير. وفي وسط الغابات المطيرة، يحاول شعب الباكا في أفريقيا الوسطى والكاميرون الاعتماد على الصيد، والكفاح للبقاء أمام التحديات الطبيعية وإكراهات التهجير.
يتأكد بأن القارة السمراء موطن لشعوب ومجتمعات أصلية، تكافح من أجل البقاء والدفاع عن خصوصياتها، غير أنها تعاني من تحديات كثيرة، تساهم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في إرساء دعائم الحماية القانونية لمجتمعاتهم.

الحماية القانونية

سعت الشعوب الأصلية للاعتراف بهويتها وتأمين سبل بقائها والحفاظ على خصوصياتها، غير أن التحديات كانت أكبر من إمكاناتها، مما استدعى اتخاذ تدابير خاصة لحماية حقوقهم والحفاظ على ثقافتهم، فتصدت الأمم المتحدة لقضاياهم، محاولة إرساء حماية قانونية ملزمة للدول، غير أن إكراهات عديدة تعترض تنزيلها.
يرتبط التحدي الأول بصعوبة تحديد مفهوم الشعوب الأصلية، فلا يوجد تعريف قانوني متوافق عليه، لكن فلسفة الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية تأسست على عدم وضع تعريف خاص، مؤكدة بأن لهذه الشعوب الحق في تحديد تعريفهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم، ومن أجل تميزهم عن مفاهيم مشابهة كالأقليات أو المجتمعات المحلية والسكان.
يعرفهم البنك الدولي بأنهم جماعات اجتماعية وثقافية، تربطها روابط جماعية بالأراضي والموارد الطبيعية التي تعيش فيها، والتي نزحوا منها. كما تعتبرهم منظمة الاسكوا بأنهم مجموعة اجتماعية لهم شخصيتهم المميزة عن باقي المجتمع. تحيل هذه المحاولات على اعتبارهم مجموعات بشرية، استوطنت مناطق منذ عقود، واحتفظت بخصائصها الثقافية والاجتماعية، وتشمل الرحل بالرغم من تنقلاتهم.
يعد تعزيز الإطار القانوني لحماية حقوقهم تحديا إضافيا، وإن استطاعت الأممية الدولية إرساء مواثيق ومعاهدات ضامنة لها، مهدت اتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة رقم 169 الصادرة من منظمة العمل الدولية (1989) مشوارها الأولي. وشكل الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية، المعتمد عام 2007، نقلة نوعية في الاعتراف بالحقوق الفردية والجماعية وخصوصيات هذه الشعوب، باعتباره أشمل صك دولي بتنصيصه على الحاجة لاحترام وتعزيز حقوقهم المكتسبة، لاسيما الحق في أراضيها وأقاليمها ومواردها وثقافتها. 


يرتبط التحدي الأول بصعوبة تحديد مفهوم الشعوب الأصلية، فلا يوجد تعريف قانوني متوافق عليه، لكن فلسفة الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية تأسست على عدم وضع تعريف خاص، مؤكدة بأن لهذه الشعوب الحق في تحديد تعريفهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم


شكلت هذه القواعد المعيارية أساسا لإرساء العديد من اللجن والمؤسسات مثل: المنتدى الدائم للأمم المتحدة المعني بقضايا الشعوب الأصلية، كما أنشأ مجلس حقوق الإنسان آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية، كهيئة استشارية لتعزيز وحماية حقوقهم. علاوة على اعتماد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية، الذي يقدم توصيات ومقترحات لضمان حماية حقوق الشعوب حماية فعالة، وتأسست إلى جانبها منظمات غير حكومية وهيئات متنوعة مدافعة عن حقوقهم، بعضها من تأسيس هذه الشعوب نفسها.
على الصعيد القاري، أقرت منظمة الوحدة الأفريقية الميثاق الأفريقي لحقوق الانسان والشعوب (1981)، حدد حقوق الشعوب، ونص على تمتيع السكان الأصليين بحماية تضمن حقوقهم، وتمخض عنه تشكيل الفريق العامل المعني بالسكان والمجتمعات الأصلية، التابع للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، الذي يقدم تقريرا سنويا لتحليل وتتبع حالة وأوضاعهم. كما تأسست المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي تتولى بصفة عامة حماية حقوق الانسان، ولكنها تكفل أيضا حماية خاصة للشعوب الأصلية، وتصدت للانتهاكات ضدهم.
رسمت هذه المواثيق واللجان والمؤسسات معالم الحماية القانونية، لكن رغم ذلك، لا يزال تحدي الاعتراف بها في القوانين والدساتير الوطنية قائما؛ فتعد جمهورية أفريقيا الوسطى الدولة الأفريقية الوحيدة الموقعة على اتفاقية رقم 169 (2010). كما تعتبر الكونغو أول دولة تعتمد قانونا خاصا بتعزيز وحماية حقوق السكان الأصليين، مع مراعاة أسلوب حياتها وثقافاتها واحتياجاتها (دخل حيز النفاذ 2023)، أما على مستوى الإقرار الدستوري بهذه الفئات فقليلة هي البلدان التي قامت بذلك، مما يضاعف حجم المخاطر التي يتعرضون لها.

مخاطر وتحديات

يستعد المنتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية لعقد منتداه السنوي في دورته 24، المرتقب في الفترة ما بين 21 أبريل/نيسان-2 ماي/أيار 2025، تحت عنوان: "تنفيذ إعلان الأمم المتحدة بتحديد الممارسات الجيدة ومعالجة التحديات"، الذي يأتي استمرارا لتقليد سنوي يستحضر حقوقهم والإكراهات التي تعترضهم. لكنه يؤكد على مخاطر ممتدة، لا تزال تعترض مسيرة الاعتراف وتمكينهم من حقوقهم، لاسيما بالقارة الأفريقية.
تُستحضر قضايا الشعوب الأصلية الأفريقية ومعها ضمان حقوقهم في ملكية الأرضي إلى جانب حماية خصوصياتهم الثقافية واللغوية، أمام ما يتعرضون له من معاملات تميزية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، مثل: الاستغلال والحرمان والتهميش والفقر والأمية، كما يتعرضون لتهديد التغيرات المناخية المتطرفة.
يتربع خطر نزع ملكية الأراضي على رأس التحديات التي تواجهه الشعوب الأصلية، فما يقارب ربع مساحة العالم تحت ملكيتهم إما حيازة عرفية أو إدارة، لكنهم يصطدمون بحقيقة عدم اعتراف الدول بذلك، وبمحاولاتها من أجل السيطرة عليها لصالح الصناعات الاستخراجية وتطوير البنية التحتية. تهدد هذه العلميات سبل عيش هؤلاء السكان، كما تنتهك حقوق الملكية الجماعية لمناطق نفوذهم. 
ليست القارة الأفريقية استثناء، فمثلا تعرض شعب الماساي في تنزانيا لانتهاكات، ومحاولات لتهجيرهم من المناطق المحمية بدعوى الحفاظ على البيئة، فقد تم استهدافهم بالقوة في يونيو/ تموز 2022، مما أدى لنزوح أكثر من 150 ألف. كما سجلت انتهاكات ضد شعب الأوجيك عبر إجبارهم على إخلاء مناطق سكناهم في غابة ماو، حيث بدأت الحكومة الكينية بتهجيرهم منذ عام 2009.
يشكل الفقر أبرز المعضلات التي تواجههم، إذ تقدر بعض الاحصائيات بأنهم يمثلون حوالي 15٪ من فقراء العالم، رغم أهم لا يشكلون إلا أقل من 5٪ من سكان العالم، ويساهم في تدمير سبل عيشهم واستمرارهم. كما يتعاظم حجم الممارسات التمييزية ضدهم، الممتدة منذ الفترة الاستعمارية، بحرمانهم من حقوقهم الأساسية، مثل: الحق في التعليم والعمل والرعاية الصحية. ناهيك عن افتقار المناطق التي يستقرون بها إلى الخدمات الأساسية كالمستشفيات والطرق. 


يتربع خطر نزع ملكية الأراضي على رأس التحديات التي تواجهه الشعوب الأصلية، فما يقارب ربع مساحة العالم تحت ملكيتهم إما حيازة عرفية أو إدارة، لكنهم يصطدمون بحقيقة عدم اعتراف الدول بذلك


يتأكد بأن القوانين واللوائح عاجزة عن معالجة هذه التحديات، فالاعتراف القانوني بحقوقهم ليس كافيا، ويتوقف على مساهمتهم ومشاركتهم في الشأن السياسي والمساهمة في صنع القرار، وإذ يظل هذا الأمر في حكم المستحيل أفريقيا، إلا أنه سيظل محوريا من أجل كسب معركة الاعتراف والتمكين.

معركة التمكين

تتصاعد معركة تمكين هؤلاء الشعوب من حقوقهم وامتيازاتهم، وتعززت مسألة التعويض عن الانتهاكات، فقد أصدرت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان حكما بإدانة الحكومة الكينية، بعد إجلائها قسرا سكان الأوجيك من أراضيهم. بعد خمس سنوات من التدقيق، قضت في مايو/ آيار 2017 بانتهاك الحكومة الكينية لحقوق الشعب الأصلي، وأمرت في عام 2022 بدفع تعويضات لهم على تلك الانتهاكات، ومنحهم حق الملكية الأراضي التي يعيشون فيها.
كما أصدرت حكما مماثلا لفائدة مجتمع الاندوريس بعد تهجيرهم من مناطقهم في بحيرة بوغوريا عام 1973، معتبرا في 2010 أن كينيا انتهكت الميثاق الأفريقي، وقضت بالاعتراف بحقوقهم ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم، لم تلتزم الحكومة الكينية واستمرت في تهجير واخلاء الشعوب من مناطقها.
تتوسع دائرة التمكين بالرهان على حماية حقوق الفئات الخاصة للسكان الأصليين، مثل: النساء والأطفال والمعاقين، وترافع الناشطين الحقوقيين منهم، لكشف حجم التهديدات والتضييق والأعمال الانتقامية والاغتيالات التي يتعرض لها ممثلو الشعوب الاصلية. 
تسعى الأمم المتحدة مثلا إلى دعم المنظمات وناشطي الشعوب الأصلية، كما تحرص على حضورهم لاجتماعات لجنها، وتعيين شخصيات ينتمون إلى الشعوب الأصلية في مؤسساتها ومنظماتها. كما انتبهت -الأمم المتحدة- إلى أن ثقافتهم معرضة لمخاطر تهدد بالزوال، فأقرت العقد الدولي للغات الشعوب الأصلية (2022-2032) للحفاظ على لغاتهم المهددة بالانقراض.
إجمالا، يتوقف تعويض الشعوب الأصلية عن فترة الاستعمارية على إرادة أفريقية حقيقية للضغط على المستعمر، قد لا يتناسب مع حجم المطلوب، ويتوقف على الإقرار أولا بحقوقهم وتمكينهم بالاعتراف بلغاتهم وثقافتهم، كي لا تبقى شعوبا منسية مهمشة. ويشكل الاحتفال باليوم الدولي للشعوب في كل 9 أغسطس/آب، فرصة للاعتراف الرمزي وللتذكير بالإكراهات التي تعترضهم، والحاجة لتعزيز حقوقهم الفردية والجماعية، وسيشكل قاعدة لزيادة الوعي بقضاياهم والحفاظ على إراثهم أفقا لتحقيق العدالة المرجوة.