الخميس 17 يوليو 2025
في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجه القارة الأفريقية، أصبح إصلاح القطاع الأمني من أولويات الاتحاد الأفريقي، الذي يتبنى استراتيجيات تهدف إلى تعزيز الاستقرار والأمن في صفوف الدول الأعضاء. تساهم الشراكات الأفريقية في هذا السياق بدور حيوي في تطوير المؤسسات الأمنية والقدرات العسكرية، فضلاً عن تحسين التعاون بين الدول الأفريقية في مواجهة التهديدات المشتركة مثل: الإرهاب والنزاعات المسلحة والجريمة المنظمة.
يسعى الاتحاد الأفريقي من خلال آليات، مثل "الآلية الأفريقية للتعاون الأمني" و"قوة الاحتياط الأفريقية"، إلى توفير استجابة موحدة للتحديات الأمنية في القارة، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، مثل: الفقر والتهميش السياسي وتفشي الفساد.
تتنوع الشراكات التي يتبناها الاتحاد الأفريقي في إصلاح القطاع الأمني، لتشمل التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية. تستند هذه الشراكات إلى مبادئ السيادة الوطنية والتضامن الأفريقي والاحترام المتبادل بين الدول الأعضاء، مع السعي لبناء قدرات الأمن الداخلي وتطوير الاستراتيجيات الوقائية، مما يعزز من قدرة الاتحاد الأفريقي على مواجهة التحديات الأمنية الراهنة والمستقبلية بفعالية.
يُعتبر إصلاح قطاع الأمن وتعزيز جهود الاتحاد الأفريقي من القضايا الحيوية في القارة، خاصة مع تصاعد التحديات المتعلقة بتنسيق هذه الجهود بين الدول الأعضاء. يركز الاتحاد الأفريقي على دعم إصلاح الأمن من خلال إطار عمل يُعزز القدرة المؤسساتية، ويدعم المؤسسات الأمنية عبر إنشاء هيئات إشرافية مدنية، رغم التقدم الذي أحرزته بعض الدول، تمت تحديات في تحقيق التنسيق الفعّال بين الاتحاد والدول الأعضاء، وهو ما يثير التساؤل حول قدرة شراكاته على تحقيق إصلاح القطاع الأمني بشكل مستدام، وبناء مواءمة السياسات بين الدول الأعضاء.
في إطار الجهود المتواصلة لتنفيذ إصلاحات قطاع الأمن، قامت عدة دول أفريقية بعمليات نزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحها، وإعادة دمجها ضمن قواتها النظامية، بالتوازي مع إعادة هيكلة قطاعي الدفاع والأمن تحت مظلة إدارة الشؤون السياسية والسلام والأمن التابعة لمفوضية الاتحاد الأفريقي.
تتولى هذه الإدارة مسؤولية تنسيق السياسات المشتركة للدفاع والأمن، بالإضافة إلى دفع عجلة التنمية المستدامة، عبر إعداد الوثائق السياسية، ونشر الخبرات الفنية بين الدول الأعضاء. يضطلع مجلس السلام والأمن الأفريقي من جهته، بدور استراتيجي في هذا السياق، من خلال إصدار البيانات الرسمية، وتنظيم الزيارات الميدانية، وإرسال وفود رفيعة المستوى لدعم الدول، كما حدث في حالة جنوب السودان عام 2022.
لقد حقق الاتحاد الأفريقي تقدمًا ملحوظًا منذ إطلاقه برنامج إعادة الإعمار والتنمية ومبادرة إصلاح قطاع الأمن، حيث شارك في مبادرات إصلاحية بعدة دول، مثل مدغشقر، التي أُرسلت إليها فرق خبراء وأُنشئت بها وحدة لإصلاح الأمن، بالإضافة إلى تدخلات فاعلة في مالي وغينيا بيساو وأفريقيا الوسطى وغيرها، وحقق الاتحاد الأفريقي تقدمًا ملحوظًا منذ إطلاقه برنامج إعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات (PCRD)عام 2006، الذي يُعنى بدعم إصلاح قطاع الأمن كجزء من جهود بناء السلام وإعادة بناء الدولة. تعزز ذلك مع اعتماد إطار سياسة إصلاح القطاع الأمني (SSR) عام 2013، التي ترمي إلى تعزيز مهنية المؤسسات الأمنية، وإنشاء هيئات رقابة مدنية مثل اللجان البرلمانية لضبط أداء القوات الأمنية.
أصبح إصلاح القطاع الأمني من أولويات الاتحاد الأفريقي، الذي يتبنى استراتيجيات تهدف إلى تعزيز الاستقرار والأمن في الدول الأعضاء
اعتمد الاتحاد الأفريقي على وضع مذكرات توجيهية تشغيلية لتيسير تنفيذ إصلاح قطاع الأمن، مركّزًا على الجوانب الأساسية، مثل: تقييم الاحتياجات ووضع مدونات سلوك للمؤسسات الأمنية ومواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الأفريقية. ومع ذلك، لا تزال العملية تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع التكلفة وطول المدى الزمني اللازم للإصلاح، إلى جانب التعقيدات المرتبطة بإعادة هيكلة القوات وتوفير التدريب وتجهيز البنية التحتية الأمنية. كما أن ضعف الموارد المالية والبشرية لدى الاتحاد الأفريقي يقيّد قدرته على تقديم الدعم الشامل لكافة الدول الأعضاء، مما يجعل الاعتماد على إرسال خبراء فنيين السمة الغالبة لهذا الدعم.
عمل الاتحاد الأفريقي على تطوير سبع مذكرات توجيهية تشغيلية لتيسير تنفيذ إصلاح قطاع الأمن، شملت مجالات محددة مثل: دمج النوع الاجتماعي في عمليات الإصلاح، وآليات تقييم الاحتياجات الأمنية، وصياغة مدونات سلوك للقوات الأمنية، وتحديث التشريعات الوطنية بما يتماشى مع السياسات والمعايير الأفريقية.
لكن الاتحاد مع ذلك يواجه تحديات هيكلية، من أبرزها الطبيعة المُكلفة والمعقّدة للإصلاح، والتي تشمل تقليص حجم القوات وإعادة تدريب الأفراد وبناء مرافق جديدة وتفاقم محدودية الموارد المالية والبشرية من هذه الصعوبات. كما تُظهر هذه التحديات أن نجاح إصلاح قطاع الأمن لا يتوقف على وجود أطر توجيهية فحسب، بل يتطلب موارد مستدامة، والتزامًا سياسيًا من الدول الأعضاء، وتنسيقًا فعالًا بين الجهات الفاعلة.
تُعقّد الطبيعة السياسية لإصلاح القطاع الأمني هذه الجهود، إذ يعتمد التقدم على مدى توافر الإرادة السياسية لدى الحكومات، وهو ما أدى إلى تعثر الإصلاح في دول، مثل جامبيا والسودان بسبب الصراعات الداخلية وغياب التوافق السياسي. في المقابل، يبرز دور الأطراف أخرى، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية والقوى الدولية، التي تدعم جهود الاتحاد الأفريقي من خلال اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتطوير شراكات فعّالة في مجال السلام والأمن.
في سياق سياسة الاتحاد الأفريقي لإصلاح قطاع الأمن، برزت أهمية تعزيز الشراكات المتعددة الأطراف على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، باعتبارها ضرورة لتحقيق تكامل فعّال في جهود الإصلاح. وقد لعب الاتحاد دورًا محوريًا في التعاون مع فاعلين دوليين وإقليميين، من خلال تنفيذ بعثات مشتركة لتقييم احتياجات إصلاح القطاع الأمني، كما حدث في مالي وجامبيا، بالشراكة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأسفرت هذه التقييمات عن نتائج متفاوتة؛ حيث ساعدت بعضها في رسم خارطة طريق للدعم، بينما واجهت تحديات حالت دون إحراز تقدم فعلي كما في حالة مالي.
برزت أهمية تعزيز الشراكات المتعددة الأطراف على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، باعتبارها ضرورة لتحقيق تكامل فعّال في جهود الإصلاح
في سياق سياسة الاتحاد الأفريقي لإصلاح قطاع الأمن، برزت أهمية تعزيز الشراكات المتعددة الأطراف على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية كأداة حيوية لضمان تكامل الجهود. وقد شكّلت بعثات التقييم المشترك، مثل تلك المنفذة في مالي وغامبيا بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، اختبارًا عمليًا لهذا النهج.
ففي غامبيا مثلا، أسهمت هذه المهمة في بلورة إطار تنسيقي واضح، تمثل في إنشاء مجموعات عمل وآليات للتخطيط المشترك بين الفاعلين المحليين والدوليين. أما في مالي، فقد واجهت البعثة تحديات كبيرة، مثل غياب توافق سياسي محلي، مما عرقل تحويل التوصيات إلى برامج تنفيذية. يبرز هذا التباين الحاجة إلى دراسة معمقة لهذه التجارب لفهم العوامل التي تعزز أو تقوّض فاعلية مثل هذه الشراكات.
تُعدّ شراكة الاتحاد مع مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) في ليسوتو مثالًا ناجحًا، حيث تضمنت ورش عمل تقنية وتقييمات ميدانية ونشر خبراء دعم. كما برزت أهمية المجموعات الاقتصادية الإقليمية، مثل: الإيكواس والهيئة الحكومية للتنمية في دعم الإصلاح في غينيا بيساو وجنوب السودان. كما أن منابر تبادل المعلومات، مثل المنتدى الأفريقي لإصلاح القطاع الأمني واجتماعات اللجنة التوجيهية السنوية تُسهم في تعزيز التنسيق، وإبقاء جميع الشركاء على اطلاع دائم بالمستجدات والإصلاحات الجارية في القارة.
أظهرت تجربة شراكة الاتحاد الأفريقي مع مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) في ليسوتو أبعادًا عملية في دعم إصلاح القطاع الأمني، حيث تم تنظيم ورشة تقنية عام 2016، تلتها بعثة تقييم مشترك في 2018، ونشر خبير من الاتحاد في 2021 للعمل ضمن آلية الإصلاح.
وفي غينيا بيساو وجنوب السودان، لعبت الجماعات الاقتصادية الإقليمية، مثل: الإيكواس والإيقاد، دورًا داعمًا من خلال إنشاء لجان تنسيق وطنية للإصلاح الأمني. كما أسهم المنتدى الأفريقي لإصلاح القطاع الأمني، الذي ينعقد كل أربع سنوات منذ 2014، إلى جانب اجتماعات اللجنة التوجيهية السنوية، في توفير منصات لتبادل الخبرات وتنسيق المبادرات بين الاتحاد وشركائه، مما مكّن من تتبع وتقييم الإصلاحات الجارية بشكل منهجي.
استفاد الاتحاد الأفريقي من دعم مالي كبير لتيسير عملياته في مجال الأمن، إذ تلقت عملياته للسلام والأمن تمويلاً من مرفق السلام الأفريقي التابع للاتحاد الأوروبي بلغ نحو 2.9 مليار يورو بين عامي 2004 و2019، وذهب 90٪ من هذا التمويل لتغطية تكاليف عمليات دعم السلام. كما أطلقت أوروبا في 2021 "مرفق السلام الأوروبي"، بميزانية سنوية تُقدّر بنحو 300 مليون يورو لدعم القدرات العسكرية في أفريقيا، ما يعكس حجم الموارد المخصصة، وأهمية الشراكات في تجاوز محدودية التمويل الذاتي للاتحاد. هذه الأرقام تؤكد الحاجة لتخطيط استراتيجي لتعظيم الاستفادة من هذه الموارد وتعزيز التنسيق مع الشركاء لضمان استدامة الإصلاحات الأمنية.
في سياق تعزيز الشراكات متعددة الأطراف في إصلاح قطاع الأمن، تلجأ الدول التي تمر بمرحلة إصلاح إلى تشكيل لجان وطنية لتنسيق المبادرات الداخلية والخارجية، بما يُسهل عمليات التعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين. ويلعب الاتحاد الإفريقي دورًا محوريًا في هذا الإطار من خلال مكاتبه الميدانية، التي تعمل حلقة وصل بين الحكومات الوطنية والمفوضية والشركاء الفنيين والماليين.
وقدم الفريق الاستشاري الدولي لقطاع الأمن دعمًا فنيًا ملموسًا في حالات مثل مدغشقر، عبر إرسال خبراء وتنسيق ورش عمل لرفع الوعي وتقييم الأداء. وقد ساهم الشركاء في تمويل الأنشطة التشغيلية وتوفير الموارد البشرية، ما مكّن الاتحاد من تنفيذ برامجه بالتوازي أو بالتعاون مع الجهات الوطنية والإقليمية. إلا أن التباين في الإمكانات والاهتمامات الإستراتيجية بين الاتحاد الإفريقي وشركائه قد يشكل تحديًا، مما يستدعي من الاتحاد إدارة هذه العلاقات بشكل متوازن، لضمان الحفاظ على دوره القيادي وتقديم قيمة مضافة حقيقية ضمن شراكات إصلاح القطاع الأمني.
تواجه شراكات الاتحاد الأفريقي في إصلاح قطاع الأمن تحديات تؤثر على التنسيق والفعالية، مما يؤدي إلى ازدواجية الجهود، وصعوبات في تخصيص الموارد وتنفيذ الإصلاحات، ولعل أبرز هذه التحديات، ما يلي:
ضعف فعالية آليات التنسيق؛ حيث تعاني الهيئات الوطنية لإصلاح القطاع الأمني من نقص الموارد والإرادة السياسية، مما يُضعف التنسيق مع الاتحاد الأفريقي ويؤثر على فعالية الإصلاحات، كما تُستغل أحيانًا لأغراض سياسية محلية.
كما تعاني من ضعف المواءمة الإستراتيجية، فقد تؤدي التباينات في المصالح السياسية والأولويات بين الاتحاد الأفريقي وشركائه إلى تعارض في الإستراتيجيات، ويعوق ذلك التنفيذ الفعلي لاتفاقات السلام وبرامج نزع السلاح وإعادة الإدماج.
يلعب الاتحاد الأفريقي دورًا محوريًا في هذا الإطار من خلال مكاتبه الميدانية، التي تعمل كحلقة وصل تنسيقية بين الحكومات الوطنية والمفوضية
فضلًا عن صعوبة تعزيز الشراكات، فقد تفتقر شراكات الاتحاد الأفريقي إلى الوضوح الإستراتيجي والتنظيمي، ما يحد من فاعليتها، في ظل غياب آليات محددة لتعميق التعاون وتفعيل دور المجتمع المدني وتنسيق الأدوار بفعالية.
بالإضافة إلى ذلك، تضاؤل فرص المشاركة الإستراتيجية، وهو الأمر الذي يدعو الاتحاد الأفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية تفعيل حضورهم السياسي والتفاوضي لدعم إصلاح القطاع الأمني، خاصة في الجوانب التقنية ذات الطابع السياسي، لتعزيز الشرعية ودعم استراتيجيات وطنية واضحة.
في الختام، منذ بداية تطبيق إطار سياسة إصلاح قطاع الأمن، عمل الاتحاد الأفريقي على تعزيز الشراكات في هذا المجال وفقًا لمبدأ "الملكية الأفريقية". ومع تزايد الجهات الفاعلة في الإصلاح الأمني بالقارة، أصبح من الضروري تحسين آليات التعاون لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة. رغم التحديات التقنية والمالية التي يواجهها الاتحاد، فإن شرعيته السياسية توفر له فرصة تعزيز عمليات الإصلاح، مما يسمح له بتوجيه جهوده نحو المشاركة الإستراتيجية، وتعميق التعاون مع الجماعات الاقتصادية الإقليمية والقوى الإقليمية. كما يمكن تعزيز التنسيق من خلال التعاون مع المؤسسات المتخصصة في التدريب والرقابة الأمنية، ما يساعد في دعم القدرات الوطنية. وقد شهد الاتحاد الأفريقي تقدمًا في التنسيق الداخلي، مما يعزز أهمية العمل المشترك بين مختلف أجهزة الاتحاد لتحقيق الإصلاح الأمني الفعّال في القارة.