تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 17 يوليو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
ثقافة

الروائي التشادي روزي جدي.. تجربة قصيرة وجوائز كثيرة

22 مايو, 2025
الصورة
 روزي جدي
Share

بات في حكم النادر أن يتصدّر الأخبار في دول أفريقيا جنوب الصحراء، بخلفياتها الاستعمارية المختلفة- خبر له علاقة بالشأن الثقافي! وأن يكون هذا الخبر الثقافي نابعا من دولة فرانكوفونية عرفت بالتشدد في هذا الانتماء، انتصارا للغة الفرنسية والثقافة المرتبطة بها- لأمر فيه نظر! وأن يكون هذا الخبر ذا صلة بالعمل الروائي المكتوب باللغة العربية- فهذا خبر لا يمكن توقعه بأي حال من الأحوال! لقد اعتاد القراء في عالمنا العربي- أن ترفد تلك الدول الواقعة جنوب الصحراء، الميديا الإقليمية والعالمية بكافة وسائلها، بأخبار الحرب والعنف والفقر، وأنباء التردي الاقتصادي، وزيادة معدلات الجريمة، واستشراء الأمراض.

جاء في الأخبار أن الروائي التشادي روزي جدي- قد فازت روايته "زمن الملل" بجائزة غسان كنفاني للرواية العربية لعام 2025. وهي من الجوائز المرموقة، التي تحتفي بالأصوات الأدبية المتميزة في العالم العربي.

لا شك أن هذا الفوز المستحق- يطرح جملة من الأسئلة الملحة، التي تتطلب الإجابة عنها، لعل في مقدمتها: متى عرفت هذه الدولة (تشاد)، التي ارتبطت لعقود بالفرنسية في إدارة دولاب الدولة مع دسترة لثنائية بين الفرنسية والعربية، مع انحياز واضح للغة الأولى، متى عرفت تشاد هذا الضرب من الإبداع؟ ومن هو روزي جدي؟ وما المضامين، التي تحتويها رواية "زمن الملل"، التي تجعلها تفوز بهذه الجائزة المرموقة؟

يتحتم في البدء أن نشير إلى أن ما يطلق عليه حاليا جمهورية تشاد، منذ عرفت اللغة العربية طريقها إليه قبل قرون عديدة، وبعد أن شهدت ثلاث ممالك إسلامية على أراضيها، هي: كانم- برنو وباقرمي ووداي- لم تعرف حتى قبل استقلالها عن فرنسا إلا الشعر. هذا الضرب من الإبداع، الذي رافق اللغة العربية حيثما حلت. وقد عرفت تشاد في أواخر القرن السادس الهجري (القرن الثاني عشر الميلادي)- شاعرا مجيدا يسمى إبراهيم الكانمي، ولدت عنده القصيدة ناضجة متكاملة، مما يشير إليها أن هناك شعراء سبقوه، لم تنضج عندهم القصيدة، على النحو الذي نجده في شعر الكانمي.

تخلق بعد استقلال تشاد عن فرنسا- جنس أدبي جديد، تفتقت بداياته في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وأخذ يحمل ملامح الرواية، وإن لم يكن مكتمل العناصر وقتها، ولكنه ظل يتطور وينضج تدريجيا. وقد كانت اللغة الفرنسية هي الأداء، التي يكتب بها هذا الجنس الجديد. رافق ذلك قبيل نهاية القرن العشرين- ظهور لمجموعات قصص قصيرة- كتبت باللغة العربية، قوامها مجموعة من الشباب، الذين تحمسوا للكتابة بهذه اللغة، بعد أن درسوها في مدارس، تتخذ من اللغة العربية لغة للتدريس، وبعد أن التحقوا ببعض جامعات الوطن العربي، وانفتحوا على بعض المؤلفات الأدبية القادمة من البلدان العربية.

يكاد يتفق النقاد المتابعون لمسيرة الأدب العربي الأفريقي في تشاد، بل الأدباء الروائيون التشاديون أنفسهم- بأن أول رواية تشادية كتبت باللغة العربية، حملت في ثناياها مطلوبات الرواية وعناصرها الفنية عالميا، هي رواية "سندو، يوميات في دهاليز أفريقيا"، للأديب آدم يوسف، الذي يعد مؤسسا لهذا الضرب من الإبداع في بلده.

طبعت رواية "سندو" في مطبعة فرح بالخرطوم عام 2004. وقد طبعت مرارا بعد ذلك. و"سندو" باختصار تتحدث عن الفقر والغني، وعن العادات والتقاليد، وعن الصراع بين الأرواح: الأفريقية والعربية والاستعمارية. كما تتحدث عن الفساد، وقضية الهجرة، وتطرح قضايا مختلفة في سياق ما ذكرنا.

تعد حدثا أدبيا على صعيد الساحة الثقافية العربية في تشاد، بسبب تفاصيل الحكايات البسيطة والمستلهمة من واقع العاصمة أنجمينا، وسكانها وأحلامهم المشتتة، وشخصياته الخارجة عن السياق الواقعي، واللغة السردية المتشكلة من أحاديث الناس اليومية

كان روزي جدي، واسمه الكامل محمد جدي حسن- ضمن أولئك الشباب التشاديين المتحمسين لرفع لواء الرواية المكتوب بالعربية، المعبرة عن خصوصية بلده. تقول سيرته الذاتية أنه ولد عام 1992 في مدينة "مسورو" بشمال تشاد. وأنه حصل على درجة الماجستير في القانون العام من جامعة أنجمينا عام 2024، وواصل دراسته في المدرسة الوطنية لتكوين القضاة. وأنه يعمل في مجال الصحافة، حيث يدير القسم العربي في مؤسسة "أنجام بوست الإعلامية". ويعد رزوي من الشباب الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يطرح أفكاره عبر رسائل ومنشورات. إضافة إلى مقالاته في الصحف، وفي مواقع عربية، ومشاركاته النشطة في المحافل الثقافية.

بدأ روزي جدي كتاباته الإبداعية بالقصة القصيرة. وقد منحته جامعة الملك فيصل عام 2014 بجائزة في هذا المجال. وصدر له عدد من الأعمال الروائية، هي: "زمن الملل" (2021)، و"قارب يلاحق مرساه" (2022)، و"ارتدادات الذاكرة" (2023)، و"التاريخ السري المعلن لآدم وحواء" (2025).

يرى جدي أن الأفضل للروائي- أن يكتب عن الأشياء والأماكن والقصص التي يعرفها. ويصف نفسه بأنه كاتب واقعي، على الرغم من أن كل ما يقوله قائم على الخيال. ويعتقد أن الروائيين التشاديين- تحدثوا كثيرا عن الحرب، وعن الأزمات السياسية، التي سببت شرخا في المجتمع التشادي. إضافة إلى ذلك- تناولوا كثيرا قضية الهجرة من الريف إلى المدينة.

فاز روزي جدي عام 2023 بالجائزة الكبرى للتميز الأدبي، التي تمنحها وزارة الثقافة التشادية. كما فاز عام 2024 بمنحة كتابة ونشر وإقامة أدبية في بيت التلمساني عن روايته "التاريخ السري المعلن لآدم وحواء". وقد وصلت روايته "ارتدادات الذاكرة" إلى القائمة الطويلة لجائزة الخطلاء عام 2025، مما يعكس تقدير الأوساط الأدبية لإسهاماته. وها هو هذا العام (2025) يفوز بجائزة غسان كنفاني عن روايته "زمن الملل". وهذا يشي بأنه في الأعوام الثلاثة الأخيرة: 2023 و2024 و2025- كان روزي جدي، وأعماله الروائية- محل احتفاء في الأوساط الأدبية، وآية ذلك الجوائز، التي نالها خلال هذه الأعوام الثلاثة.

يرى أحد النقاد، ما نصّه أن روايات جدي- تعد حدثا أدبيا على صعيد الساحة الثقافية العربية في تشاد. وأنها شهدت إقبالا جماهيريا قلّ نظيره، بسبب تفاصيل الحكايات البسيطة والمستلهمة من واقع العاصمة أنجمينا، وسكانها وأحلامهم المشتتة، وشخصياته الخارجة عن السياق الواقعي، واللغة السردية المتشكلة من أحاديث الناس اليومية، بما تتضمنها من هموم وهواجس- تتمثل في الحب والخوف من القادم المجهول، والحنين إلى ماض بعيد، ومحاولة البحث عن الذات في تلافيف الذاكرة المزدحمة بالأحداث والمآسي، وبما هو منسيّ ومجهول من الأشياء والأسماء كلها، وإعادة خلقها على شكل كلمات تأتي من أعماق العزلة.

هذه الرواية تتناول قضية اجتماعية، إن لم نقل مجموعة من القضايا الاجتماعية ذات الصبغة السياسية، المتمثلة في العطالة والبطالة المرتبطتين بالشباب، وهم يعيشون الفترة الحرجة من أعمارهم، مما يجعلهم يمارسون حياة أقرب للضياع

تعد رواية "زمن الملل" باكورة الأعمال الرواية، التي نشرها روزي جدي، إذ تم نشرها بدار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع في الخرطوم عام 2021، (166 صفحة). في هذه الرواية- يعترف جدي، وفقا لأحد النقاد، بأن الكلام لا يمكن أن يصف الواقع، فهو واقع أليم، وأن كل الخطط مؤجلة. ويحكي عن أولئك المتعبين من الحلم، الذين لا يأويهم إلا ظل النيم؛ فالأرض لا تسع إلا للسارقين والفاسدين. وشجر النيم هو الموطن لهؤلاء، يحكون معها، ويقصون لها عن حكايات بأسهم، وملل لا يغادر نهارهم. من محيط هؤلاء الشباب، الذين كانوا يتسعكون بلا هدى- كان جدي يلتقط صوره، لتضمينها في روايته، فيريح روحه، وأرواح رفقائه المتعبة.

يقول جدي في أحد الحوارات- إنه حاول في هذه الرواية أن يتحدث عن ما عاشه ورفقاؤه في سنوات ما بين 2015 و2020، حيث كانت سنوات صعبة للجميع. يقول: حين تخرجنا في الجامعة- أعلنت الدولة عن وقف الوظيفة العامة، لتدخل البلاد في حالة من التقشف بسبب انهيار الاقتصاد، وتراجع أسعار البترول، تلك الأزمة أخرجت الشركات والمنظمات من البلاد، وتركت الحكومة عاجزة عن قبول خريجين جدد؛ فعشنا في حالة من اليأس التام. يضيف لقد كنا نقضي أمسياتنا في مقاهي أنجمينا، نتشارك فنجان القهوة مع الذباب، وعلى حساب الأصدقاء، وبالدين أحيانا. وهنا نلحظ أن جدي يروي أحداثا حقيقة، على الرغم من قوله إن سرده قائم على الخيال.

يشير أحد النقاد في السياق ذاته- إلى أن "زمن الملل"، رواية واقعية اجتماعية من الأدب الإفريقي، يتحدث فيها الكاتب عن مشكلات القارة السمراء. وأنها تحكي عن ربع قرن من المعاناة، والمشكلات الاجتماعية والسياسية في بلد من بلدان أفريقيا.

لقد كنا نقضي أمسياتنا في مقاهي أنجمينا، نتشارك فنجان القهوة مع الذباب، وعلى حساب الأصدقاء، وبالدين أحيانا

تتحدث الرواية عن شعور بطلها بملل يدفعه لمغادرة بلاده والهجرة، لكنه لم يجد غير الملل حيث ذهب، فيقرر العودة إلى بلاده والجلوس في المقهى، حيث المكان الذي كاد "يصدأ فيه من الضجر!". ولم يكن وحده، بل كان معه مجموعة من الأصدقاء، الذين يرتادون الجامعة، ويحلمون بالمناصب والمكاسب، ولكن الواقع والبطالة والمشكلات الاجتماعية- هي أهم العقبات، التي يواجهونها في بلادهم.

يستخلص مما تم ذكره عن رواية "زمن الملل"- من قبل المؤلف، ومن ثم من قبل النقاد- أن هذه الرواية تتناول قضية اجتماعية، إن لم نقل مجموعة من القضايا الاجتماعية ذات الصبغة السياسية، المتمثلة في العطالة والبطالة المرتبطتين بالشباب، وهم يعيشون الفترة الحرجة من أعمارهم، مما يجعلهم يمارسون حياة أقرب للضياع؛ فتنمو في أوساطهم الأفكار الشريرة؛ وربما يصبحون عبءا على المجتمع، إن لم يتم تدارك الأمر. ومن هنا نشعر بأن كاتب الرواية- يحاول تسليط الضوء حول أمر غاية في الأهمية ينبغي التنبه إليه. يعكس المؤلف ذلك الأمر في سرد روائي محفز للقراءة والتتبع؛ مما يجعل هذه الرواية أشبه بالترياق، الذي يقدم لإبطال علة مهلكة.

المزيد من الكاتب