تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 15 مايو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

الرسوم الجمركية الأمريكية تضع أفريقيا في عين العاصفة

18 أبريل, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سياسة مراجعة الرسوم الجمركية كإطار لخطته الاقتصادية من أجل رؤيته "أمريكا أولا"، وتصحيح اختلالات اقتصاد بلاده مع دول العالم. وكان فرض الرسوم الجمركية أساس مقاربته للتجارة العالمية. وحدد معالمها في ما سماه "يوم التحرير" للأمريكيين، في 2 أبريل/نيسان 2025، وقد تراوحت ما بين 10٪ و50٪، وتوخى عبرها ضمان تنافسية المنتجات الوطنية، وتقليص العجز التجاري الأمريكي مع دول العالم، وإن كانت تهدد بإمكانية حدوث ركود اقتصادي عالمي، وقد تنزلق إلى حرب تجارية كبرى، غير أنه لا يكترث لهذه المحاذير مؤكدا بأنها تحت شعار "المعاملة بالمثل" لضمان ازدهار الصناعة الأمريكية. يرصد هذا التقرير تأثير هذه الرسوم الجمركية على البلدان الأفريقية ومخاطرها المحتملة، وآفاق مقاربتهم لهذه الحمائية التجارية.

الرسوم الجمركية المفاجئة

بدأ الرئيس ترامب ولايته الثانية برفع الرسوم الجمركية على الصين والمكسيك وكندا، ثم على واردات الألمنيوم والصلب، وتوعد بتوسيع هامشها لتشمل كل دول العالم. وفاء بذلك، أعلن عن قائمة تضم أكثر من مائة دولة مشمولة بمراجعة التعرفة الجمركية معها، متهمة بأنها تستغل الاقتصاد الأمريكي لتحقيق أرباح ومكاسب. ينطلق الرجل من محدد أن بلاده سجلت عجزا تجاريا يناهز 918 مليار دولار، معتبرا ذلك استغلالا لبلاده، وأن مستويات هذا العجز مردها إلى عدم وفاء هذه البلدان بالتزاماتها، مقترحا أن التعرفة الجمركية الجديدة ستمكن من تصحيح هذه الاختلالات، كما ستكفل ضمان دخول ملايير الدولارات إلى ميزانية واشنطن، وإعادة ترتيب موقع الصناعة والقدرة التنافسية الأمريكية.


تعتبر هذه الرسوم مصدرا للقلق العالمي، وهي عقبة أمام التجارة الحرة والازدهار، فتداعياتها المباشرة ستنعكس على الصادرات والاستثمارات الأمريكية العالمية، وبصفة خاصة على شركائها الأفارقة، إذ ستنخفض مستوياتها منعكسة بشكل مباشر على اقتصاداتهم، وأغلبها في تعافي اقتصادي من تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية


لم تسلم دول القارة الأفريقية من مراجعة الرسوم الجمركية، فشملت اللائحة أكثر من 50 دولة في المنطقة، صنفت العديد منها ضمن الحدود الدنيا، أي أقل من 10٪. لكن بالمقابل، أدرجت عشرات الدول ضمن الفئة الثانية، والتي سماها "أسوء المخالفين"، وتأتي متدرجة، وفق اللائحة، كالتالي: تتربع دولة ليسوتو على رأس القائمة بمعدل 50٪، ثم مدغشقر 47٪، وتنخفض مستويات الرسوم إلى 40٪ لصالح موريشيوس، وبوتسوانا 37٪ وأنغولا 32٪ وليبيا 31٪، ثم غينيا الاستوائية وجنوب أفريقيا والجزائر 30٪، وتونس 28٪ وساحل العاج 21٪ ونيجيريا 14٪ والكاميرون 11٪.
رسم ترامب علاقاته التجارية مع دول القارة وفق المقتضى أعلاه، ما سيشكل عبئا على الاقتصادات المحلية، وسينعكس على مسار العلاقات التجارية بينهما. لئن كانت أغلب الدول الأفريقية مترددة في مواجهة هذه القرارات، إلا أن الصين سارعت إلى الرد بالمثل، ليصل معدل الرسوم الجمركية إلى 125٪ على البضائع الأمريكية، مقابل 145٪ على البضائع الصينية، مما يؤكد بأن حربا تجارية قد تبدأ مرة أخرى مع بكين، تستكمل ما بدأه ترامب خلال ولايته الأولى، غير أنها مستوياتها ستوسع، فهذه المراجعة لتعاملات واشنطن مع أغلب دول العالم، قد تشكل مفتاحا لحرب حمائية عالمية. 
تعتبر هذه الرسوم مصدرا للقلق العالمي، وهي عقبة أمام التجارة الحرة والازدهار، حيث ستنعكس تداعياتها المباشرة على الصادرات والاستثمارات الأمريكية العالمية، وبصفة خاصة على شركائها الأفارقة، إذ ستنخفض مستوياتها منعكسة بشكل مباشر على اقتصاداتهم، وأغلبها في تعافي اقتصادي من تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية. 
تلافيا لهذه المنزلقات عجل ترامب بتجميد فرض هذه الرسوم لمدة 90 يوم على عشرات الدول، باستثناء الصين، مشترطا عدم الرد والقبول بالتفاوض معه على ذلك. الحاحه في إعادة ترتيب التعاملات، يقابل برفض خارجي متنام وأصوات داخلية، تصاعدت حدتها حتى من داخل حزبه، تحذر من عواقبها وتداعياتها على السوق الداخلية وتهديدها للتجارة الدولية.

تأثيرات وعواقب

أضحت الصين الأكثر تضررا واستهدافا بهذه المراجعة الجمركية، يبدو الأمر مقنعا لقوة وتنافسية اقتصادها، لكن على المستوى الأفريقي، تصدرت مملكة ليسوتو قائمة الدول الأفريقية المشمولة بأعلى نسبة أفريقيا، رغم كونها بلدا غير ساحلي محاط بدولة جنوب أفريقيا. وللمفارقة، فقد كانت قبل أن يدرجها على قائمة أسوء المخالفين، محط سخريته اللاذعة، معتبرا إياها بأنها دولة "لم يسمع بها أحد من قبل". خصها بمراجعة جمركية عالية دون أن يستحضر وضعها الاقتصادي؛ حيث تعد من أفقر دول العالم، ولا يتعدى ناتجها المحلي ملياري دولار، غير أنها تحقق فائضا تجاريا مع بلاده، بتصديرها للماس والمنسوجات وعلى رأسها سراويل الجينز. استنكرت الحكومة والشارع تصريحاته المهينة، كما استشعر الجميع مخاطر الرسوم الجمركية على قطاعاتها الاقتصادية، لاسيما قطاع النسيج، وستفاقم تعرفته الجمركية، تداعيات قراره السابق بتوقيف المساعدات الأمريكية من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة. 
غير بعيد، تتصدر جنوب أفريقيا قائمة الدول التي تتمتع بعلاقات تجارية مع الولايات المتحدة، ولكن سياسات إدارة ترامب لا تميز الحلفاء عن غيرهم، فقد شملتها المراجعة، وهو ما اعتبرته الرئاسة في جنوب أفريقيا رسوما "عقابية ومثيرة للقلق"، ستنعكس سلبا على التجارة والتعاون والازدهار المشترك بينهما. لقد كانت منتوجاتها، وأساسا الزراعية وصناعة السيارات تتمتع بوصول تفضيلي إلى السوق الأمريكية، وفق قانون أغوا، ما أهلها لتكون ثاني شريك تجاري لجنوب أفريقيا بعد الصين. 
تزامنت هذه المستجدات الجمركية مع بريوتورتا استهداف إدارة ترامب لها، فتقاطعت مع الانتقادات المباشرة لسياساتها، ووصلت ذروتها باعتبار سفيرها شخصية غير مرغوب فيها بواشنطن. وجاءت الرسوم لتكمل مسار ما اعتبره ترامب محصلة "الكثير من الأمور السيئة التي تحدث في جنوب أفريقيا"، منتقدا سياسة إصلاح الأراضي، واستكمل إيلون ماسك سياسة استهدافها سياسيا واقتصاديا.
ستشمل انعكاسات السياسة الترامبية الجديدة دولا أفريقية عديدة، منها نيجيريا وكينيا وغيرها. وقد شكلت مهلة 90 يوما فرصة أمام الجميع لإعادة التفاوض معها، لكنها قطعا لن تساهم في التقليل من مخاطر هذه الحمائية على التجارة البينية، وستتوسع لتنعكس على مسارات التجارة العالمية. 


سترسم هذه الرسوم -الجمركية الأمريكية-، ما لم يتم مراجعتها في المستقبل القريب معالم علاقات جديدة، ستكون تأثيراتها على الاقتصاديات ومستوى التصدير الأفريقي واضحة، ولن تتوقف التداعيات عند هذا الحد، فلا محالة ستعيد تشكيل معالم الارتباط الأمريكي بالقارة


لا تقتصر التداعيات على الاقتصاديات المحلية وحسب، إنما ستنعكس على قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، الذي أقره الكونغرس في ماي/أيار 2000، وجدد للعمل به إلى غاية سبتمبر/أيلول 2025، ويستند على تقديم امتيازات تفضيلية للدول الأفريقية جنوب الصحراء، تضم أكثر من 35 دولة، فيمنح لها حق الوصول للسوق الأمريكية دون رسوم جمركية تشمل أكثر من 1800 منتج، من أجل المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي، وضمان تحسين العلاقات الاقتصادية الأفريقية-الأمريكية، وأمام هذه المستجدات السياسية تتعالى شكوك حول إمكانية تجديده، كما تستهدف هذه الرسوم فلسلفته الأساسية بما يعني مبدئيا إنهاء العمل به.
من شأن ذلك أن يتجاوز مجرد توقيف تجديد هذه الامتيازات التجارية والاقتصادية إلى إعادة ترتيب الوجود الأمريكي بالقارة، فقد يؤدي إلى تراجع مستوى التعاملات التجارية الأفريقية. كما أنه سيفتح أفاقا للدول المنافسة للنفوذ الأمريكي، مثل الصين وروسيا لتوسيع هوامش تحركها، أو قد يعتبر مفتاحا للأفارقة للانفتاح على محاور أخرى؛ كالاتحاد الأوروبي وتركيا والهند وغيرها.
علاوة على ذلك، ألحقت تداعيات الرسوم بقرار ترامب السابق، القاضي بخفض برامج التمويل والتي تتولاها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتجميد المساعدات الخارجية الأمريكية، وشملت دولا عديدة. وقد أدرجت دول أفريقية ضمن تلك القائمة لخفض برامج المساعدات الخارجية التنموية والإنسانية، ولأن ربع ميزانية الوكالة مخصص لأفريقيا، فستتوسع هوامش تداعيات هذه القرارات من التبادلات التجارية إلى التأثير على التنمية الاقتصادية والاستقرار بالقارة.
سترسم هذه الرسوم، ما لم يتم مراجعتها في المستقبل القريب، معالم علاقات جديدة، ستكون تأثيراتها على الاقتصاديات ومستوى التصدير الأفريقي واضحة، ولن تتوقف التداعيات عند هذا الحد، فلا محالة ستعيد تشكيل معالم الارتباط الأمريكي بالقارة، لتتطلب من القادة الأفارقة إعادة ترتيب الأوراق، بما يكفل مواجهتها أو التفاوض معها من أجل تصحيح هذه الاختلالات.

الصدمة أم المواجهة

كانت أولى الردود العالمية صادمة من تأثيرها على التجارة العالمية، مستندة إلى مؤشرات انخفاض أسواق الأسهم العالمية، وارتفاع أسعار السلع المستوردة، وتحذير من توسع حجم المخاوف من آثارتها لأزمة اقتصادية عالمية، كما ستنعكس سلبا على الأسواق الناشئة. 
اعتبرت الصين أولى الدول التي قررت مواجهتها برسوم أخرى مماثلة، كما وافق الاتحاد الأوروبي، بعد نقاشات ممتدة، على فرض رسوم جمركية انتقامية على الواردات الأمريكية. يمكن تقدير تداعيات هذه الخطوات والتصريحات بأنها من العوامل التي جعلت الرئيس الأمريكي يخلف وعده، ساعات قليلة بعد إقرارها، الذي قطعه بعدم الاستجابة للضغط متراجعا، ففي خطوة مفاجئة أعلن تعليقا مؤقتا على كل الدول التي عبّرت عن استعدادها للتفاوض، باستثناء الصين، وشمل التعليق أغلب الدول الأفريقية.
على مستوى التصريحات، استشعر الأفارقة مخاطر هذه السياسة الجمركية، فاعتبرها الاتحاد الأفريقي "تهديدا للتجارة والتعاون ذي المنفعة المتبادلة"، وأكد رئيس المفوضية، محمود علي يوسف، قلقه العميق من هذه الرسوم، ودعوته الجانب الأمريكي إلى مراجعة وإعادة النظر في هذه الإجراءات المهددة للتعاون معتبرا بأنه يؤمن "ببناء الجسور وليس الحواجز". وفي ذات المنحى، اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه الرسوم الجمركية بمثابة ضربة قاسية للاقتصاد العالمي، وستكون عواقبها كارثية على الدول الضعيفة، وبلهجة قوية، خلص الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية، هان دوك سو، بأن "الحرب التجارية العالمية أصبحت حقيقة". 


تقتضي الحاجة التفكير لإعادة إحياء التحالفات الجنوبية-الجنوبية، إما من خلال تعزيز العمل باتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، التي أعلن العمل بها منذ 2021، وتتوخى إنشاء سوق موحدة، رغم أنها لا تزال توجه عقبات تحد من قدرتها
 

بشكل عام، تراوحت الردود الأفريقية بين الاستنكار والقلق، ودعوات للتهدئة، وإعادة تصحيح المسار؛ ففي السياق جددت جنوب أفريقيا دعوتها لمراجعة هذه السياسات معبرة عن استعدادها للتفاوض. فيما وجه ترامب  لكينيا تحذيرا بمناسبة فرضها لرسوم جمركية بنسبة 50٪ على واردات الذرة الأمريكية إلى السوق الكينية، معتبرا الرسوم ممارسة تجارية غير عادلة تعرقل الصادرات الأمريكية. وفي خطوة مفاجئة، اختارت زيمبابوي تعليق جميع الرسوم الجمركية الأمريكية، مستهدفة توسيع الواردات الأمريكية لتجاوز إدراجها ضمن قائمة العقوبات الأمريكية.
إجمالا، يتأكد بأن التحركات الأفريقية لن تتجاوز منطق التفاوض المنفرد لحماية مصالحها، ويمكن أن يفتح ذلك أفقا لتجاوز تداعياتها الحمائية، لكنها مرهونة بأن يفكروا وفق منطق ترامب واستراتيجيته للتفاوض على قاعدة إبرام الصفقات، فالرجل يسير تحركاته السياسية وفق هذه الاستراتيجية، ويفرض تكتيك الرسوم من أجل إرغامها على التفاوض، وعلى الأفارقة التفكير ضمن هذه المحددات. 
يتوجب لضمان فعالية تحركات الأفارقة، مواجهة هذه القرارات، لكن مواجهة جماعية وككتلة واحدة، إما من خلال الاتحاد الأفريقي، على أن تتجاوز تحركاته مجرد التنديد وردود الفعل، أو عبر تطوير مقاربة إقليمية، فقد أكدت مدغشقر بأنها تراهن على هذا الخيار للتفاوض الجماعي، وتنسيق موقف مشترك مع دول أخرى متضررة من هذه القرارات.
كما تقتضي الحاجة التفكير لإعادة إحياء التحالفات الجنوبية-الجنوبية، إما من خلال تعزيز العمل باتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، التي أعلن العمل بها منذ 2021، وتتوخى إنشاء سوق موحدة، رغم أنها لا تزال توجه عقبات تحد من قدرتها، أو العمل على توسيع هوامش التعاون مع شركاء آخرين كتكتل البريكس، والذي أضحى يستحوذ على حوالي ربع الصادرات الأفريقية الخارجية.
لقد رسمت عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة ملامح انقلابات مفاجئة في السياسة الأمريكية، وتداعياتها الجيواقتصادية على مستقبل النظام العالمي. فجددت الحاجة للتصدي لهذه التحديات بإعادة بناء تحالفات سياسية، تكفل خلق توازنات على مبدأ التعددية القطبية، وتعزيز مقاربات اقتصادية جديدة على قاعدة التجارة الحرة. وبينهما دعم القدرة القارة التنافسية لدول القارة وبناء آليات للتكامل القاري المشترك، بما يضمن لها مواجهة تحديات هذه السياسات الحمائية وتحقيق تنمية مستدامة.