تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 17 فبراير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

القطاع الزراعي الصومالي.. تحديات خانقة ومبادرات دون معالجتها

29 يناير, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

لم تُغنِ الملايين من الهكتارات الصالحة للزراعة التي يمتلكها الصومال، والتي قد تُمكّنه من تصدير 50٪ من محاصيله إلى الخارج بعد تلبية الطلب المحلي، عن الاعتماد على الواردات لسد احتياجات سوقه المحلي، ليس فقط من المنتجات الغذائية الأساسية مثل: الذرة والذرة الرفيعة واللوبيا والفول، وإنما أيضًا الخضروات والفواكه الطازجة والمجففة.

تنقسم الأراضي الزراعية في الصومال إلى قسمين رئيسيين: الأول، المحاصيل الحبوبية؛ يعتمد على الأمطار الموسمية التي تهطل مرتين سنويًا، بينما يعتمد الثاني، المحاصيل الخضرية؛ على الري من مصادر المياه، سواء من نهري جوبا وشبيلي في جنوب البلاد، والذي يبلغ طول الأول 875 كلم، والثاني 800 كلم داخل الأراضي الصومالية، أو من المياه الجوفية المستخرجة من الآبار.

يعزى اعتماد الصومال على الواردات الزراعية، رغم امتلاكه مساحات شاسعة صالحة للزراعة، وإمكانات طبيعية داعمة مثل الأنهار ووفرة المياه الجوفية، إلى تحديات طبيعية وبشرية، وإن كان التأثير الأكبر يعود للأخيرة، وهو ما يحاول هذا التقرير كشفه، كما يناقش مدى فاعلية الاستجابة الحكومية لها، واستعراض المبادرات الرامية إلى التخفيف من آثارها السلبية.

تشخيص التحديات  

عديدة هي المخاطر التي تواجه القطاع الزراعي الصومالي، والتي تكاد أن تشل نشاطه، إن لم تتحرك الجهات المعنية بسرعة لمعالجتها، وتفعيل الحلول المطلوبة للحد منها. تأتي في مقدمة تلك التحديات الضرائب والرسوم المرتفعة التي تواجه هذه المحاصيل قبل وصولها إلى الأسواق المحلية، يليها انعدام الأمن والبنية التحتية المتهالكة، وضعف استخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية المتزايدة الناتجة عن التغيرات المناخية التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة.

يتفاوت تأثير هذه التحديات، لكن الضرائب والرسوم المتعددة تبقى في الصدارة، فعلى سبيل المثال، تُلزم ناقلات الخضروات أو الحبوب القادمة من محافظتي شبيلى السفلى والوسطى المجاورتين لمقديشو بدفع الضرائب عدة مرات: مرة إلى الحكومة الفيدرالية، ومرة أخرى لسلطات الولاية الإقليمية، وثالثة لبلدية بنادر، ورابعة لحركة الشباب. بعد ذلك، يأتي دور عصابات قطاع الطرق المنتشرين على محاور العبور الذين يفرضون دفع إتاوات مقابل ضمان عدم الاعتداء. كما تشكل إجراءات التفتيش المعقدة في النقاط الأمنية على مداخل مقديشو تحديًا إضافيًا، حيث تؤدي في كثير من الأحيان إلى إتلاف المنتجات، خاصة الخضروات والفواكه الطازجة، قبل أن تصل إلى الأسواق.

نفس المصاعب تواجه الشاحنات القادمة من المحافظات البعيدة عن مقديشو، مثل جوبا السفلى والوسطى وجدو وهيران، وتزيد من معاناتها رسوم الإيجار المرتفعة للشاحنات، ببعد المسافة ووعورة الطرق، بالإضافة إلى الانتشار الكثيف لعصابات قطاع الطرق في بعض تلك المناطق، وهو ما دفع العديد من المزارعين في تلك المحافظات إلى التوقف عن تصدير محاصيلهم إلى مقديشو أو المدن الأخرى البعيدة منها.

تحدٍ آخر ألقى بظلاله على القطاع الزراعي يتمثل في المنتجات المستوردة من الخارج، والتي لم تعد تقتصر على الحبوب، وإنما طال على الخضروات والفواكه، والتي تكون أرخص أحيانا من نظيراتها الوطنية، المحصودة مثلا من مزارع في ضواحي مدينة أفجوي، الواقعة على بُعد 30 كلم فقط من مقديشو.

تجد عند المقارنة أسعار المنتجات الزراعية المستوردة مع نظيرتها المحلية، بما في ذلك الخضرات أن المنافسة بينهما لا تقتصر على السعر فقط، وإنما قد تكون هناك اعتبارات أخرى من بينها الجودة، مما يجعل المنتجات المستوردة في بعض الأحيان أكثر إقبالا، على الرغم من ارتفاع قيمتها مقارنة بالمنتجات المحلية.  

في أسواق مقديشو، تظهر أسعار الحبوب تفاوتا بين المنتجات المستوردة والمحلية؛ حيث يُباع مُد الفاصوليا أو ما يسمى باللغة المحلية "دغر"، سواء المستوردة أو المحلية، بالسعر نفسه البالغ 1 دولار أمريكي، بينما يُباع المد المحلي من الفاصوليا الماش بسعر 0.9 دولار، فيما تصل نظيرتها المستوردة إلى 1.25 دولار. وبالنسبة للذرة، يُباع المد المستورد بسعر 1.25 دولار، في حين يُباع المد المحلي بسعر 0.5 دولار فقط، إلى جانب ذلك، هناك حبوب مستوردة بالكامل مثل القمح والعدس.

أما الخضروات، فيُباع الكيلوغرام الواحد من الطماطم المستوردة حاليًا بسعر 1.2 دولار أمريكي في أسواق مقديشو، بينما يُباع نظيره المحلي بسعر 1 دولار أمريكي، أما بالنسبة للبصل المستورد، فيُباع بسعر 0.7 دولار أمريكي، مقابل 0.8 دولار أمريكي للبصل المحلي. إضافة إلى ذلك، فإن البطاطس والتفاح والتونة تستورد بشكل كامل في البلاد.

يعزو الدكتور عبد علي، الخبير الزراعي والمستشار في وزارة الزراعة والري في الحكومة الفيدرالية، كون منتجات مثل الطماطم، التي تُعد من أكثر المنتجات الخضرية إنتاجًا محليًا، ضمن قائمة المنتجات المستوردة في البلاد إلى تراخيص استيراد احتياجاتها، بما في ذلك الخضروات والفواكه الممنوحة للجهات الأجنبية المقيمة في الصومال، كقوات الاتحاد الأفريقي والبعثات والهيئات داخل مجمع حلني، مع إعفائها من الضرائب. وأضاف أن هذه الجهات تقوم لاحقًا ببيع تلك المنتجات للتجار الصوماليين بأسعار منخفضة، ما يسهل دخولها الأسواق المحلية، بأسعار تنافسية تقل عن أسعار المنتجات الوطنية، ما يؤثر سلبًا على المزارعين المحليين.

بشكل عام، تظهر البيانات الخاصة بالواردات الغذائية في البلاد ارتفاعًا مطردًا، حيث أصبح الصومال مستوردًا صافيًا للغذاء خلال العقود الماضية، إذ قُدِّرت قيمة الواردات الغذائية في عام 2020 بحوالي 1.35 مليار دولار أمريكي.

استجابة حكومية متردية  

ليست الحكومة الفيدرالية غافلة عن وضع القطاع الزراعي، ولا عن الانعكاسات الوخيمة على الوضع المعيشي والإنتاجي للبلاد، إلا أن استجابتها لا ترقى إلى مستوى المعالجة المطلوبة لمواجهة تلك التحديات، وإيجاد حلول فعالة تزيل العوائق والعراقيل التي تقف في وجه المزارعين، ليتمكنوا من تلبية الطلب في الأسواق المحلية بشكل كاف.

استدعى مجلس الأمن القومي الفيدرالي، الذي يضم في عضويته الرئيس ورئيس الوزراء وزراء الدفاع والأمن والخارجية إلى جانب قيادات القوات المسلحة، في خطوة غير مألوفة، وزير الزراعة والري لحضور اجتماعه المنعقد في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ردًا على تزايد شكاوى المزارعين، حيث طُلب من الوزير تقديم تفاصيل عن التحديات التي تواجهها المزارعين في البلاد. وخلال الاجتماع، اعتبر المجلس أن الظروف التي تواجه الزراعة تمثل عقبة كبيرة أمام الإنتاج والتنمية الاقتصادية في البلاد.

أكد وزير الزراعة والري في الحكومة الفيدرالية، محمد عبد حير مارية، أنه قدم للمجلس تفاصيل حول هذه التحديات، لا سيما العصابات المسلحة المنتشرة على الطرق بين المناطق الزراعية والعاصمة مقديشو. وأشار إلى أنه تم التوصل إلى قرارات لمعالجتها، حيث تم تكليف وزير الأمن وقيادات القوات المسلحة بالتعامل الفوري معها، من خلال تشكيل وحدة خاصة من القوات الأمنية لضمان إيصال محاصيل المزارعين إلى الأسواق بأمان.

لكن هذا التحرك لم يشمل على كل التحديات في القطاع، بل اقتصر على الشكاوى المتعلقة بعصابات قطاع الطرق المنتشرين على طرق نقل المحاصيل الزراعية المؤدية إلى العاصمة مقديشو، لتبقى التحديات الأخرى المؤثرة، مثل الرسوم الضريبية المرتفعة خارج دائرة المباحثات.

مع ذلك، تبدو فرص تنفيذ القرارات المتعلقة بتسوية عصابات قطاع الطرق على أرض الواقع ضئيلة، نظرا لعدم امتلاك الحكومة القدرات الكافية لإنهاء نشاط هذه العصابات. لكن حتى لو تم معالجة هذه القضية، فإن التأثير الإيجابي سيظل محدودا بسبب بقاء التحدي الأبرز، المتمثل في الرسوم الضريبية المرتفعة، إلى جانب تزايد استيراد المنتجات الزراعية، سواء الخضرية أو الحبوبية في البلاد.

مبادرات مشجعة  

تبلورت في الآونة الأخيرة مبادرات ومشاريع غير تقليدية، تهدف من جهة إلى الانتقال من النظام التقليدي الزراعي وإدخال أفكار إبداعية فيه لتعزيز الإنتاجية، ومن جهة أخرى مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه الزراعة المعتمدة على النظام القديم.  

تتصدر هذه المشاريع المزارع الصغيرة المغلقة، أو ما يُعرف بالبيوت المحمية، التي شهدت انتشارًا ملحوظًا في البلاد، لا سيما في العاصمة مقديشو. يركز القائمون عليها على زراعة أصناف خضرية معينة، تحظى بطلب كبير في السوق المحلي، مثل: الطماطم والجزر. إلى جانب ذلك، هناك توجه متزايد لاستخدام الكيماويات المخصصة لتحسين التربة وزيادة الإنتاجية، ما يعكس تحولاً إيجابياً نحو تطوير القطاع الزراعي، واعتماد الأساليب الحديثة، وبدفع من وزارة الزراعة والري في الحكومة الفيدرالية، تم مؤخراً رفع حظر الاستيراد المفروض على تلك المواد الكيميائية، والذي كان قد فرض سابقاً بدعوى استغلال التنظيمات الإرهابية لها في تصنيع المتفجرات.

يؤكد عبد الرحمن صبرية، أحد مؤسسي المبادرة وخريج كلية الزراعة والبيئة من الجامعة الوطنية، وجود فرص كبيرة غير مستغلة في القطاع الزراعي المحلي. ويعرب عن انزعاجه عندما يسمع أن بعض أصناف الخضروات والفواكه لا تُنتج في البلاد، مشيرا إلى أن هذه الادعاءات قد تكون مدفوعة بأجندات تهدف إلى تثبيط همم المواطنين، وتشويه صورة الزراعة الوطنية. وشدد صبرية على أن جميع أصناف الخضروات يمكن زراعتها محليًا باستثناء البطاطس والتونة، حيث أكد أن إنتاجهما قد يكون صعبًا في الوقت الراهن.

أطلق عبد الرحمن صبرية، من خلال شركة RAAS Agribusiness Solution التي يديرها، برنامجا يهدف إلى خلق فرص عمل لـ 365 شخصًا في القطاع الزراعي، ويتضمن توفير الإمكانيات اللازمة لإنشاء مزارع البيوت المحمية، وتوفير البذور المناسبة، بالإضافة إلى تقديم التدريبات اللازمة للعمل في تلك المزارع. في سياق الإعلان عن هذا المشروع، أكد صبرية أن من اختيروا في البرنامج سيحصلون على الأراضي اللازمة لإنشاء مزارع البيوت المحمية، إلى جانب توفير مياه الري لهم، كما سيتم شراء المحاصيل التي ينتجونها منهم.

يشيد الدكتور عبد علي، بمبادرة البيوت المحمية الزراعية، مؤكدًا أنها أحدثت تغييرا كبيرا في سعر بعض المنتجات الخضرية في السوق، وتحديدًا الطماطم، حيث كان سعر الكيلو جرام الواحد، وفق تعبيره، يتجاوز دولارين في عام 2019، بينما أصبح حاليا دولارا واحدا فقط. لكن مع ذلك يواجه القائمون عليها بعض الصعوبات، أبرزها عدم وجود بنوك أو جهات تدعمهم من ناحية التمويل، بالإضافة إلى استمرار استيراد الخضروات من الخارج، وخاصة الأصناف التي ينتجونها.  

لا يخلو القطاع الزراعي من الفرص الواعدة، رغم أنها ليست على قدر التحديات التي يواجهها، إذ يتصدر هذه الفرص، تزايد اهتمام المواطنين بالاستثمار في القطاع، مدفوعين بارتفاع وعي الرأي العام بأهميته بالفرص التي يزخر بها كما يشهد القطاع، وتعافي وزارة الزراعة والري، التي تبدو قدراتها في تحسن، من خلال جهودها في معالجة شكاوى المزارعين وإجراء البحوث اللازمة لتطوير الإنتاج، وتحسين أساليب الزراعة.